السياسات العامّة للخطاب
العاشورائي
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى
أهل بيته الطيّبين الطاهرين لا سيّما بقيّة الله في
الأرضين أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت
بفنائك.
السادة الأفاضل محاضري وخطباء المنبر الحسينيّ دمتم
موفّقين.
ما أحوجنا ونحن نستجلي مواقف كربلاء ونسبر أعماق أسرارها,
ونضيء شعلاً من قبس أنوارها, نستهدي فيها نور الفتح والفوز,
لتكون كربلاء مدرسة نابضة حيّة مستمرّة تلهم الأجيال في كلّ
العصور درس الإيمان والثبات المنتصر على ظلامة العدوّ
وجوره, لأنّ حركة الإمام عليه السلام حركة تكامل وصلاح,
وتحمل ديموميّة حيّة مرتبطة بالتكامل والسعادة الإلهيّة.
ولا غرابة إذا قال في حقّه من لم يَفُه إلّا حقّاً ولم
ينطق إلّا وحياً "حسينٌ منّي وأنا من حسين", لتخلد
في أفق الوجود حقيقة مشرقة أنّ الإسلام محمّديّ الوجود
حسينيّ البقاء.
لقد أروى سيّد الشهداء شجرة الإسلام العطشى بدمائه الزكيّة،
ووهبها حشاشة نفسه, ومنحها مُهجة قلبه, فأينعت وأثمرت
لتكون أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء.
ولأنّ الإمام عليه السلام هو الجاذب للناس بدافع الفطرة
وشكر المنعم, كان هذا الكتاب الماثل بين يديك أخي المبلّغ
عوناً لك في الليالي العاشورائية, تعيد فارّاً هنا وترشد
هارباّ هناك, وتهدي ضالّاً هنا وتزيل شاكّاً هناك, وتزيد
إيمان رجل هنا وتصبّر امرأة هناك, وتشدّ إلى النور شابّاً
وترفع للدرجات فتاة... لنحقّق بعضاً مِنْ... "خيرٌ لك
ممّا طلعت عليه الشمس" أو نبذة من "طلب الإصلاح في
أمّة رسول الله".
ونطرح هنا بعض السياسات لهذا الخطاب العاشورائيّ التعبويّ
المطلوب:
1- التأكيد على أهميّة الجانب المعنويّ الذي يحقّقه
الارتباط بالله تعالى والتوكّل عليه، وأهميّة هذا الجانب
في استنزال المدد والنّصر الإلهيّ ولو قلَّ المؤمنون وكثر
أعداؤهم.
2- ربط الناس بالتّكليف الإلهيّ على قاعدة كونه الموجِّه
لموقف الفرد والأمّة.
3- توجيه الناس نحو العمل للآخرة, لضمان استمرار الحياة
بسعادة باقية. وإبراز دور الشهادة في تحقيق ذلك.
4- غرس روح التضحية في أبناء الأمّة لكون معركة الحقّ ضدّ
الباطل لا بدّ لها من تضحيات، وتضحيات الإمام الحسين عليه
السلام في كربلاء الدليل الواضح على ذلك.
5- الإرشاد إلى دور الولاية في توجيه الأمّة وترشيدها. وأنّ
وحدة الوليّ والقائد هي الضمان لوحدة الأمّة وعزِّها.
6- تأكيد ضرورة وحدة المسلمين صفّاً واحداً أمام أعدائهم.
7- تحديد طواغيت العصر ويزيديّيه المتمثّلين اليوم في
الدرجة الأولى بأمريكا وإسرائيل والتطرّق إلى الممارسات
الإرهابيّة التي يمارسها هؤلاء الطواغيت ضدّ مسلمي
ومستضعفي العالم.
8- بيان تكليف الأمّة في نصرة المظلومين.
9- التشديد على ضرورة الثبات في معركة الحقّ ضدّ الباطل
ودورها في تحقيق النصر الإلهيّ.
10- إبراز التشابه بين ثورة الإمام الحسين عليه السلام
ومعركتنا ضدّ الباطل، سواء على مستوى أهداف وممارسات
الأعداء، أو على مستوى مشاركة الشرائح المتنوّعة من
المجتمع لنصرة الحقّ (شبّان، شيوخ، نساء، أطفال، طبقات
اجتماعيّة متفاوتة).
11- الإلفات إلى ضرورة التكافل الاجتماعيّ في الأمّة بما
يؤمِّن القوّة الداخليّة للمجتمع في معركته ضدّ الباطل.
12- تقوية علاقة الناس بصاحب العصر والزمان
عجل الله تعالى فرجه الشريف
وتبيان مسؤوليّتهم في التمهيد لظهوره المبارك، واستعدادهم
لاستمرار التضحية بين يديه.
والحمد لله ربّ العالمين
معهد سيّد الشهداء عليه السلام
للمنبر الحسينيّ
توجيهات
الإمام الخمينيّ قدس سره
للمحاضرين والخطباء الحسينيّين
1- إنّ على الخطباء أن يقرأوا المراثي حتّى آخر الخطبة,
ولا يختصروها بل ليتحدّثوا كثيراً عن مصائب أهل البيت
عليهم السلام.
2- ليهتمّ خطباء المنابر ويسعوا إلى دفع الناس نحو القضايا
الإسلاميّة وإعطائهم التوجيهات اللازمة في الشؤون
السياسيّة والاجتماعيّة.
3- يجب التذكير بالمصائب والمظالم التي يرتكبها الظالمون
في كلّ عصر ومصر.
توجيهات الإمام الخامنئي
دام ظله
للمحاضرين والخطباء الحسينيّين
أوّل شيء يجب أن تهتمّوا به هو
رسالة الثورة في المصيبة وفي المدح وفي الأخلاقيّات والوعظ.
كيف يجب أن تقام مراسم العزاء؟
إنّه سؤال موجَّه إلى جميع من يشعر بالمسؤوليّة في هذه
القضيّة، وباعتقادي أنّ هذه المجالس يجب أن تتميّز بثلاثة
أمور:
1- تكريس محبّة أهل البيت عليهم السلام ومودّتهم في القلوب,
لأنّ الارتباط العاطفيّ ارتباط قيِّم ووثيق.
2- إعطاء صورة واضحة عن أصل قضيّة عاشوراء, وتبيانها للناس
من الناحية الثقافيّة والعقائديّة والنفسيّة والاجتماعيّة.
3- تكريس المعرفة الدينيّة والإيمان الدينيّ. والاعتماد
على آية شريفة أو حديث شريف صحيح السند أو رواية تاريخيّة
ذات عبرة.
على أيّ منبر صعدتم وأيّ حديث تحدّثتم، بيّنوا للناس يزيد
هذا العصر وشمر هذا العصر ومستعمري هذا العصر.
من خطاب للإمام السيّد الخامنئيّ دام ظله ألقاه في لقاء
اتحادات الطلبة الإسلاميّة في مختلف مناطق البلاد عام
1364ش الموافق لعام 1986م.
نلاحظ في وقائع عاشوراء نفسه, أنّه عندما تحرّك الإمام
الحسين عليه السلام كان بإمكان مجموعة من خلال التحاقها به
أن تحوّل تلك النهضة إلى ثورة بنّاءة, لا إلى نهضة دمويّة
انتهت بالقتل والشهادة, كان بإمكانهم ذلك! فلو أنّ عبد
الله بن عبّاس وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير وعبد
الله بن عمر, هذه الشخصيّات التي كانت بارزة في عالم
المسلمين في ذلك اليوم, وكانوا يسكنون في مكّة والمدينة,
وهم جميعهم من أبناء شخصيّات معروفة في صدر الإسلام, ابن
جعفر الطيّار ابن عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم1,
ابن الزبير, ابن عمر, ابن عبّاس, لو أنّ هؤلاء الأربعة
والذين اسم كلّ واحد منهم عبد الله خرجوا برفقة الإمام
الحسين عليه السلام, لوجدت حركة عظيمة, لم يكن باستطاعة
يزيد ولا أعوان يزيد, دون شكّ, أن يقفوا في وجهها.
انظرو, فهؤلاء وآباؤهم كانوا من الشخصيّات المعروفة في
الإسلام. وهذا الأمر كان مؤثّراً جدّاً، فالشخصيّة والسمعة
كانتا لتسهّلا له كثيراً من الأمور والأعمال. فهل كان
بالإمكان منازعة كلّ هذه الوجوه المعروفة, التي لكلّ واحدة
منها عشيرة وأصدقاء ومؤيّدون في عالم الإسلام؟ إذاً لقامت
النّاس وتبدّلت تلك الحركة وأحدثت تحوّلاً في السلطة
والحكومة.
لولا تراخي هؤلاء الذين ذكرتهم وأمثالهم, لكان الإمام
الحسين عليه السلام قد خرج بعدّة آلاف, بدلاً من الخروج من
مكّة ببضع مئات, تركه بعضهم أثناء الطريق2,
والقليل بقي في كربلاء. وإذ ذاك هل كان للحرّ بن يزيد في
هذه الحالة, أن يقف في الطريق ويمنع الإمام الحسين من
الوصول إلى الكوفة؟3
ولو وصل إلى الكوفة, هل كان لعبيد الله بن زياد - الوالي
الجديد للكوفة- أن يقف أمام هذا الجيش الكبير الذي على
رأسه نجباء وشخصيّات معروفة من قريش وبني هاشم؟ و(لكانت)
سقطت الكوفة. وبسقوط الكوفة, تسقط البصرة,, ما يعني سقوط
العراق. ومع سقوط العراق, فمن المتيقّن به أن تلحقه
المدينة ومكّة وتسقط الشام أيض, وتتغيّر الحكومة, ويتبدّل
تاريخ الإسلام. وعوض قرنين من الضغط والتضييق, كانت ستعود
حكومة آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم, ولو عادت حكومة
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم, لكان من المحتمل جدّاً أن
يبلغ الإسلام الذروة في العالم, بدلاً من 14 قرناً من
الانزواء, ولعلّ الحضارة اليوم والصناعة, التكنولوجيا,
العلم والثقافة كانت ستكون مختلفة كلّيّاً عمّا هي عليه
الآن.
ولعلّه لو حصل ذلك الأمر, لما عانت البشريّة عندها من كلّ
هذا الشقاء والبؤس, ومن كلّ هذه الآلام والغصص والفقر
وانعدام الأخلاق والجهل, والحروب وسفك الدماء. وكان العالم
اليوم متقدّماً 100 سنة عمّا هو عليه حالياً. فأيّ شخص
باستطاعته أن ينكر حجم الاستعدادات والقدرات التي أبادتها
الضغوط والمحن على مرّ هذه السنوات المتمادية, فلولا المحن
والضغوط, ولولا الحكومات الطاغوتيّة, لتفتّحت هذه
الاستعدادات وانطلقت وأثمرت, ولعمرت الدنيا وتبدّلت عمّا
هي عليه حالياً.
كيف سُدّ هذا النبع, الذي لو جرى لكان بإمكانه أن يروي
الدنيا بأسره, هناك في ذلك الموقف عندما شاهدت بعض هذه
الشخصيّات الكبيرة الإمام الحسين عليه السلام يتحرّك وقال
لهم هيّا تحرّكوا, ضربوا كفّاً على كفّ وقالوا له: الآن,
ليست الظروف مؤاتية4!!
الآن العدوّ قويّ, ولا يصحّ. وعندما قالوا له: الآن، فهم
جعلوا الزمان دخيلاً، وجعلوا الظروف دخيلةً.
لم يقل الإمام الحسين "الآن", لا! بل قال هي وظيفتي,
ينبغي أن أقف وأقول الحقّ يجب أن أنير الأذهان وأذّكرها.
فلو نجحت فهو, وإلّا فإنّي بعملي هذا أذكرهم بما عليهم
القيام به, هذا هو منطق الإمام الحسين عليه السلام, فيا
ليتهم مضوا معه!. |