الهدف:
بيان الأسلوب الأفضل في التعامل مع الناس، والقاعدة
الاجتماعيّة الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام بأنّ
الآخرين يعاملونك كما تعاملهم.
تصدير الموضوع:
عن الإمام عليّ الهادي عليه السلام أنّه قال للمتوكّل في
جواب كلام دار بينهما: "لا تطلب الصفاء ممن كَدّرت
عليه، ولا الوفاء ممّن غَدرت به، ولا النُصحَ ممّن صرفت
سوء ظنّك إليه، فإنّما قلب غيرك (لك) كقلبك له"1.
مقدّمة: التربية بالموعظة
من النعم الإلهيّة التي نالها أتباع مدرسة أهل البيت عليهم
السلام، أنّ الله عزَّ وجلّ هداهم إلى المصدر الذي يرجعون
إليه ليكون وسيلة لهم للتعرّف إلى معالم دينهم، وهم
الأئمّة عليهم السلام، فمنهم يتلقّى المؤمن ما فيه نفعه في
دنياه وآخرته.
وكما اهتمّ الأئمّة عليهم السلام بتربية أصحابهم على
الإيمان والتقوى والعمل الصالح وعلى إصلاح العلاقة بينهم
وبين ربّهم كذلك اهتمّوا عليهم السلام بتربية أصحابهم على
الأخلاق الحسنة في التعامل مع محيطهم ومع النّاس من حولهم،
أي على إصلاح العلاقة بينهم وبين سائر النّاس.
ومن هذه المواعظ ما يتضمّن الحكمة مع بيان القاعدة،
فالإمام يعطي الموعظة، ويضمنها الدليل والحكمة، بما يوجب
إقناع الآخرين وتسليمهم لكلام الإمام، لأنّ القلب يلين
للحكمة.
وكانت سيرة الأئمّة عليهم السلام توجيه النصح والحكمة
والموعظة للنّاس جمعياً، من مواليهم أو من أعدائهم، صغاراً
وكباراً، سواء أكانوا من أصحاب السلطة والمال والجاه
والنفوذ، أم من سائر النّاس.
محاور الموضوع
المعاملة بالمثل
فممّا جاء من مواعظهم ما جاء عن الإمام الهادي عليه السلام
الأساس هو في مبدأ المعاملة بالمثل، فيجب أن تعامل الآخرين
كما تحبّ أن يعاملوك، ولا تطلب من شخص أن يعاملك بالحسنى
وأنت تُسيء إليه، او أن يعتني بك وأن لا توليه أيّ اهتمام.
1ـ لا تطلب الصفاء ممّن كَدّرت عليه: طبع هذا الإنسان أن
يبادل الإساءة بالإساءة، نعم يجب على الإنسان أن يتغلّب
على هذا الطبع بأن يسعى للتخلّق بخلق العفو عمّن ظلمه
والتجاوز عن الإساءة، ولكن هذا لا يرفع عنه الظلم الذي
يتعرّض له، والأذى الذي يلحق به.
ليس من حقّك أن تطلب ممّن أسأت له ماديّاً أو معنويّاً أن
يبادل إساءتك بالإحسان، وأن تلومه إن لم يحسن إليك، أو إن
أعرض عنك، فأنت لم تكن معه كما تريده أن يكون معك.
إذاً لك الحقّ في أن تطلب من الآخرين ما تعطيهم، لا أن
تمنعهم الشيء ثمّ تطالبهم بمثله.
2ـ ولا الوفاء ممّن غدرت به : الغدر صفة الخائن العاجز،
الذي لا يجد وسيلة للوصول إلى مآربه إلّا من خلال الخيانة،
ولذا كان الغدر صفة اللئام بل وأقبح الخيانة، كما ورد وصف
الأئمّة له بذلك.
وهنا يشير الإمام عليه السلامإلى أنّ الشخص الذي يلجأ إلى
الغدر ليس له أن يتوقّع من الآخرين الوفاء له، وهذا لا
يعني
إطلاقاً أنّ الإمام عليه السلاميحثّ الآخرين على
الغدر، أو يشجّعهم عليه، أو يبرّر لهم ذلك، لأنّ الغدر
قبيح سواء صدر إبتداءاً أو كردّة فعل، ولكن عادة النّاس أن
تبادل من يغدر بعدم الوفاء.
إنّ الذي يقع في الغدر هو الذي يفتح الباب أمام مبادلة
الآخرين له بذلك، فعليه أن يلوم نفسه، وأن يعلم عاقبة
فعله، فإنّه إن صدر الغدر منه اليوم قد يقع الغدر عليه في
الغد.
3ـ ولا النصح فيمن صرفت سوء ظنّك إليه : مهما بلغ الإنسان
من الكمال العلميّ ومن التجربة الحياتيّة فإنّه لا يستغني
عن نصيحة من حوله، إذ قد تخفى عليه بعض الأمور فيتّخذ
القرار غير الصائب، بل ما هو متعارف في زماننا من جعل
الحكّام وأصحاب المناصب العليا مستشارين حولهم إنّما هو
للاستنصاح منهم، فليست النصيحة عيباً يجب أن يتجنّبه
الإنسان، بل هو أمر ممدوح حثّت عليه روايات أئمّة أهل
البيت عليهم السلام، وحثّت على الاستماع إلى النصيحة
والقبول بها، فقد ورد عن الإمام عليّ عليه السلام:
"طوبى لمن أطاع ناصحاً يهديه، وتجنّب غاوياً يُرديه"2.
ولكن عندما تطلب النصيحة من أحد فعليك أن تحسن اختيار من
تطلب نصيحته، فكما لا ينبغي أن تختار من لا يكون حاسداً
لأنّ الحاسد لا يريد لك الخير، بل يتمنّى
النّعمة له دونك،
وكما لا تطلب النصيحة من الجاهل لأنّه يرديك وهو لا يدري،
فكذلك لا تطلب النصيحة من شخص لديك سوء ظنّ به، في كونه
يريد الخير لك أو لا يريده.
حقّ الناصح
إنّ للناصح حقوقاً على المستنصح لا ينبغي أن يتجاوزها وقد
وردت في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلامقال:
"حقّ الناصح أن تلين له جناحك، وتصغي إليه بسمعك، فإن أتى
الصواب، حمدت الله عزَّ وجلّ، وإن لم يوافق رحمته، ولم
تتّهمه وعلمت أنّه أخطأ، ولم تؤاخذه بذلك"3،
فالناصح قد يصيب وقد يخطئ وليس لك أن تتّهمه بشيء إذا أخطأ
فتظنّ أنّه لا يريد لك الخير، أو أنّه غشّك في نصيحته لك.
وكثيراً ما يحصل من الإنسان إساءة الظنّ بالناصح إذا لم
تكن النصيحة موافقة لهواه أو كانت مخالفة لرغباته، فيتّجه
تبريراً لمخالفة النصيحة بأنّ هذا الشخص لا يريد الخير لي،
وقد حذّرت الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام من ذلك
حيث يقول عليه السلام: "اتّبع من يبكيك وهو لك ناصح،
ولا تتّبع من يضحكك وهو لك غاش"4.
ولذا ورد أيضا عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام حثّ الناصح
أن يصدق في نصيحته وأن لا يرى حَرَجاً في أن يكون صريحاً
في نصيحته وإن خالفت رغبة طالب النصيحة فقد ورد عن الإمام
عليّ عليه السلام: "مرارة النصح أنفع من حلاوة الغش"5.
خاتمة: القاعدة العامّة: قلب غيرك لك كقلبك له
كما أنّ معاملة النّاس مع بعضهم بعضاً تعتمد المقابلة
بالمثل، كذلك القلوب، فإنّها تقبل بالمحبّة لمن أحبّها،
وتبتعد مبغضة أو بغير اهتمام ممّن أبغضها أو لم يهتمّ بها.
فالمودّة بين الناس تعرف بما تضمره قلوبهم لبعضها بعضاً،
وقد ورد عن صالح بن حكم: سمعت رجلاً يسأل أبا عبد الله
عليه السلام فقال: الرجل يقول: إنّي أودّك فكيف أعلم أنّه
يودّني؟
فقال عليه السلام: "امتحن قلبك فإن كنت تودّه فإنّه
يودّك"6.
وفي رواية أخرى عن عبيد الله بن إسحاق المدائنيّ: قلت لأبي
الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: إنّ الرجل من عرض النّاس
يلقاني فيحلف بالله أنّه يحبّني فأحلف بالله إنّه لصادق؟
فقال عليه السلام: "امتحن قلبك فإن كنت تحبّه فاحلف
وإلّا فلا"7.