الهدف:
بيان معنى أداء التكليف ومَنْ يحدّده, وآثار أدائه.
تصدير الموضوع:
الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "اسمعوا
وأطيعوا لمن ولّاه الله الأمر فإنّه نظام الإسلام"1.
مقدّمة أداء التكليف طريق الوصول إلى الأهداف:
نحن لا نشكّ أبداً ولا يفترض بنا الشكّ بأنّنا لم نخلق
عبثاً, وإنّما هناك غايات وأهداف جليلة وعظيمة اقتضت حكمة
الخالق أن تتحقّق منّا نحن البشر فكان الخلق والإيجاد تلك
النعمة الإلهيّة وكانت الحياة والقدرة نعمة عظمى وكانت
الإرادة والاختيار ابتلاءاً واختباراً، وطريقاً إلى تحقيق
الأهداف العائدة بكلّها علينا نحن البشر.
وقد لخّص الله تعالى الحكمة والغاية من خلقنا بقوله:
﴿وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾2.
فالطريق الموصل إلى الكمال اللائق بالبشريّة أفراداً
وجماعات هو العبادة والتي تعني فيما تعني الطاعة والخضوع
للمعبود والانصياع لأوامره.
فالوصول إلى تحقيق كمال الأهداف والغايات من الخلق منحصر
بالطاعة لله ففيها يكمن سرّ ومبدأ تكامل الإنسان ورقيّه
وبدون الطاعة والانقياد لله بالتمام سوف تنحرف الإنسانيّة
عن الصراط الموصل إلى مقامات عزّتها وكمالها وكرامتها.
والطاعة أو العبادة التي هي عنوان إجماليّ لها تفصيل
يتعلّق بكلّ أبعاد الإنسان وعوالمه ونشأته وبكلّ نواحي
الحياة في هذه الدار التي هي دار الدنيا، دار الابتلاء
والامتحان والاختبار,
فالخريطة التفصيليّة للطريق الموصل
إلى الأهداف كاملة هي التكاليف أي الأوامر والنواهي
الإلهيّة الشرعيّة، والتي بأدائها نسلم من السقوط والتنكّب
عن الصراط ونضمن الحياة والفلاح.
فأداء التكليف هو فقط يجعلنا نسلك في طريق العبوديّة
لخالقنا.
محاور الموضوع
من يحدّد التكليف:
على ضوء ما ذكرنا آنفاً من كون أداء التكليف هو المنجي
والمنجح لمسيرتنا نحن البشر، فالمفروض أن يكون السؤال الذي
يشغل بالنا أوّلاً هو أن نعرف تكليفنا أو من المخوّل أن
يحّدد لنا تكاليفنا؟ ولمن نلجأ لمعرفة هذه التكاليف؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من القول إنّ التكاليف
التي تقع على عاتقنا على نوعين، فمنها ما يتعلّق بالأحكام
الشرعيّة العامّة والثابتة كالعبادات والمعاملات من صلاة
وصوم وحجّ وبيع وتجارة وقرض وهبة وإجارة إلخ... وأخرى
تتعلّق بالوقائع والأحداث وما له علاقة بمصالح الأمّة
وأبنائها وتشخيص المصالح والمفاسد من موقع الإدارة
والقيادة للمجتمع.
في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان الرسول
الأعظم هو الذي يتولّى
كلا الجهتين, وكذلك في زمن الأئمّة
عليهم السلام، وقد قال تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ
وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾3،
فيفهم أنّ للرسول جهة من الطاعة غير كونه مبلّغاً لأحكام
الشريعة عن الله وهي جهة كونه وليّاً للأمر.
فكلّ ما يتعلّق بكونه قائداً ووليّاً للأمر وصادراً عنه في
هذه الجهة ملزم وتجب طاعته في العبادات والمعاملات، وممّا
لا شكّ فيه أنّ هذه الأوامر تأتي من خلال رؤيته صلى الله
عليه وآله وسلم وتشخيصه للمصالح والمفاسد، بل شدّد المولى
على شدّة الانقياد والطاعة له فيما يعود لهذه الجهة
قائلاً:
﴿فَلاَ
وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا
شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ
حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾4.
وباختصار إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كانت له هذه
المهمّة وهذا الحقّ وبعده الأئمّة إماماً بعد إمام ونحن
نعلم قطعاً بحاجتنا إلى من يتولّى هذه المهمّة ولا تنتفي
هذه الحاجة بغيبة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف،
والواضح والمتيقّن أنّ من بين لنا أدقّ تفاصيل الشريعة
والأحكام لابتلاءاتنا في أصغرها وأحقرها إلى أعظمها
وأخطرها لا يمكن أن يترك هذه المساحة خالية, ولذا نصّب
الأئمّة عليهم السلام الفقيه الجامع للشرائط في كلّ عصر
وليّاً يتحمّل هذه المسؤوليّة وهو ما يطلق عليه اسم
الوليّ
الفقيه وعنه قال الإمام الصادق عليه السلام: "فإنّي قد
جعلته عليكم حاكماً فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما
استخف بحكم الله وعلينا ردّ والرادّ علينا كالرادّ على
الله وهو على حدّ الشرك بالله"5.
بركات وآثار الالتزام بأداء التكليف:
إنّ للالتزام بأداء التكليف وأدائه آثاراً وبركات في
الدنيا والآخرة والتي منها تحصيل مشروعيّة عمله وبراءة
ذمّته وعلى الأقلّ تحصيل العذر أمام الله تعالى ومنها
إضافة إلى المرجوّ من الثواب الأخرويّ.
1- الوحدة والنجاح:
إذ أنّه من أهمّ دعائم وأركان وحدة الأمّة بل مقومّها
الأساس هو وحدة القيادة ووحدة الرؤى، فعندما نلتزم بأداء
التكليف ونرجع إلى الوليّ الفقيه فإنّه من سيشخّص لنا
الأولويّات ويحدّد لنا التكاليف وهذا ما يوحّد النظرة إلى
الواقع ويبيّن حالة من الانسجام الفكريّ والعمليّ وينزع
مادّة الخلاف, وعندها يمكن القول أنّنا حينها يمكن أن
نحقّق النجاحات العظمى في ميادين العمل وننجو من السقوط
والفشل الذي سبّبه الرئيس التنازع كما قال الله تعالى:
﴿وَأَطِيعُواْ
اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾6.
فالسلك الذي يربط أبناء الأمّة هو طاعة من أمره الله فعن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اسمعوا وأطيعوا
لمن ولّاه الله فإنّه نظام الإسلام"7.
2- تركيز الجهود:
فعندما نخلص من البحث عن تكاليفنا ونفرغ عن تحديدها سيصبح
همّنا ومركز جهدنا هو أداء التكليف وهذا ما يؤدّي إلى أن
تتركّز وتنصبّ الجهود على حسن الأداء والاتقان وهذا ما
يفترض أن يقوّي فينا روح الابداع، وبالتالي فإنّ الالتزام
بأداء التكليف يوفّر الجهود ويمنع تشتّتها وضياعها.
3- النّصر والغلبة:
إنّ الالتزام بأداء التكليف والطاعة للقيادة الشرعيّة
إضافة إلى كونها توحّد الجهود فإنّها تحقّق النصر والعزّة
والغلبة على الأعداء في كلّ ميادين الجهاد والمواجهة وقد
قال تعالى:
﴿وَمَن
يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ
فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾8.
4- الطمأنينة:
فعندما يؤدّي الإنسان تكاليفه بالرجوع إلى من خوّله الله
بيان ذلك أو أولاه فإنّه سوف يحصل له حالة من الراحة
النفسيّة والاطمئنان القلبيّ لأنّه أدّى ما عليه ولم يقصّر
ولأنّه كذلك لن يكون حيراناً في تشخيص مهامّه وتكاليفه.