الهدف:
بيان قيمة النفس وحرمة الاعتداء عليها وآثار ذلك والحثّ
على تجنّب ذلك.
تصدير الموضوع:
﴿وَلاَ
تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ
بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا
لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ
إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾1.
مقدّمة: الإسلام دين الرحمة:
إنّ الله تعالى يقول عن نبيّه الكريم صلى الله عليه وآله
وسلم:
﴿وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.
هذا يعني أنّ النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في
سمته وسلوكه ودعوته ودينه الذي جاء به يفيض رحمة على كلّ
الموجودات، ولا أقلّ على النّاس، وحقّ أن يقال أنّه صلى
الله عليه وآله وسلم حمل للبشريّة ديناً هو رسالة السماحة
والرأفة والرحمة بالخلق أجمعين، وقد جاءت نبوّته ورسالته
في مكان وزمان قمّة في التوحّش والجاهليّة، حيث انتهاك
الحرمات والإسراف بالقتل إلى أبعد مدى، وقد كانت الحروب
والغارات تشنّ أحياناً لأجل السلب والنهب وأحياناً لشهوة
التسلّط والقتل إلى درجة أن يكون من دواعي الفخر لديهم
والتباهي عدد ما يقتلون وكمّيّة ما يسلبون، فجاءت رسالة
الإسلام لينطق بها رسول الله وحياً عن الله بالتحريم:
﴿وَلاَ
تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ
بِالحَقِّ...﴾.
محاور
الموضوع
الإسلام دين الإحياء:
بل لقد بالغ الإسلام في النهي عن القتل من خلال إعطاء
الإسلام صفة الإحياء للبشريّة وللنفوس، فلم يأتِ رسول الله
لأجل قتل النفوس وحصد الرؤوس، بل جاء لأجل إحياء
الإنسان
والإنسانيّة، ولأنّه كذلك كانت دعوته إحياءً لهما ومن ثمّ
دعا الله تعالى إلى اتّباعه والاستجابة إليه لأنّها دعوة
إلى الإحياء فقال تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ
وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ
وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ
وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾2.
ولقد شنّع القرآن على الكفر والجاهليّة لأنّها موت
الإنسانيّة وموت الإنسان إذ يكون فيها بلا قيّم وبلا روح
وإنّما جماد يدبّ على الأرض فهم في عرف القرآن
﴿أَمْواتٌ
غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾3.
فالأصل في الإسلام هو احترام الحياة الموهوبة من الله وعدم
الإجازة لأنفسنا أن نسلبها لأحد إلّا بالحقّ وقد بالغ
الإسلام في تصوير عظم جريمة القتل إلى حدّ أنّه اعتبر أنّ
قتل نفس واحدة كمثل قتل البشريّة جمعاء، فقال عزَّ من قائل:
﴿مَن
قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ
فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾4
بل أضاف إلى ذلك ترغيباً في صيانة حق الحياة حفظ
النفس فقال:
﴿...وَمَنْ
أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾.
وبالخلاصة نقول: إنّ الإنسان ذلك المخلوق المكرّم مسجود
الملائكة المفضّل على كثير ممّن خلق الله، الذي يحمل مظاهر
عظمة الله وقدرته وأسمائه وصفاته، أودع الله فيه سرّاً من
أسراره هي الروح فلا يحقّ لأحد أن يسلبه هذا السرّ وهذه
الكرامة التي نسبها إليه عندما قال:
﴿وَنَفَخْتُ
فِيهِ مِن رُّوحِي﴾5.
ولنقرّب الفكرة فنقول إنّ من يصنع دمية حتّى لو كان طفلاً
سيتألّم كثيراً لو جاء أحد ما فهشّمها ومزّقها، فكيف سيكون
يا ترى موقف الله تعالى من الذين يسمحون لأنفسهم بقتل من
خلقهم الله بيديه ليكونوا خلفاءه في الأرض؟
الإسلام وحماية حقّ الحياة:
إنّ الإسلام أراد أن يزرع في نفوس بنيه وفي النفوس
البشريّة جمعاء من القيم والسلوكيّات ما يشكل كابحاً
ومانعاً من استعمال الإقدام على القتل فمن ذلك:
أوّلاً: بيان خطورة جريمة القتل بجعلها مساوية لقتل
النّاس جميعاً.
ثانياً: من خلال نفي كونها صفّة للمؤمنين فوصف عباد
الرحمن بقوله:
﴿وَلَا
يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ﴾.
ثالثاً: تشريع القصاص والتحذير من التجاوز فيه،
فقال تعالى:
﴿وَمَن
قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ
سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ
مَنْصُورًا﴾6.
فالإسلام يقرّ للمعتدى عليه بأنّ له الحقّ أن يقتصّ من مَن
اعتدى عليه، فللمظلوم حقّ عند الظالم المعتدي لا عند
أقربائه أو أنسبائه أو مجتمعه, وهذا التشريع إنّما كان
بهدف حماية الحياة وحتّى لا تنتشر عادة القتل والقتل
المضادّ، وما أروع ما جاء في وصيّة الإمام عليّ عليه
السلام وهو على فراش الشهادة حيث قال: "يا بني عبد
المطلب, لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين، تقولون قتل
أمير المؤمنين، ألا لا تقتلنّ بي إلّا قاتلي، انظروا إذا
أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ولا تمثّلوا
بالرجل"7.
رابعاً: تعميم حرمة الدم لتشمل غير المسلم بل حتّى
الحيوانات:
إنّ حرمة دم الإنسان في الإسلام لا تختصّ بالمسلمين بل
تشمل كلّ من ينطبق عليه عنوان محترم النفس، من مسلم، أو
معاهد، أو غير محارب ممّن يعيش مع المسلمين في بلادهم
بطريقة مسالمة، أو من خارج بلاد المسلمين ممّن لا يعدّ
محارباً ولا يتّصف بكونه محارباً، والحرمة تشمل إضافة إلى
دمائه، عرضه وماله ويحرم أن يتجاوز المسلمون على هذه
الحقوق.
آثار وعواقب القتل:
إنّ لشيوع القتل وعدم وجود روادع قانونيّة أو نفسيّة أو
أخلاقيّة آثاراً وعواقب ليس أقلّها فناء البشريّة ودمارها
وهلاك أفرادها ومجتمعاتها، أضف إلى فقدان الأمن بكلّ
ألوانه الاجتماعيّة والاقتصاديّة والنفسيّة وغيرها، فعندها
تصبح الحياة جحيماً لا يطاق.
وقد ورد الكثير من الآيات والروايات في بيان عواقب القتل
فمنها ما جاء قوله تعالى:
... ويقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه:
1- جهنّم خالداً فيها.
2- وغضب الله عليه.
3- ولعنه الله.
4- وأعدّ له عذاباً أليماً.
فهذه الآية إشارة إلى أربع عقوبات.
والخامسة في العقوبات:
بلوغ الله العذر بعدم استسهال القاتل والذي تدلّ عليه
الرواية التالية: "لا يزال
المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً".
السادسة: عدم التوفيق للتوبة: وهي من أشدّ العقوبات، صحيح
أنّ باب التوبة مفتوح ولكن القائل يؤخذ بجريمته فكأنّها
عمىً بصيب بصيرته يعرف طريقه إلى الخلاص، أو يكون الدم
ثقلاً
على عاتقه يثقل خطاه دون سلوك هذا الطريق كما جاء في
رواية: "لا يوفّق قاتل المؤمن متعمّداً للتوبة"8.
خاتمة: في العلاج:
إنّ استسهال القتل عند بعض الأفراد في المجتمعات
الإنسانيّة والتي من مظاهرها الصريحة، إسقاط الأجنّة، أو
الانتحار، أو جرائم القتل لأجل السلب والنهب، أو غير
الصريحة كتعاطي ما يؤدّي إلى الموت كالمخدّرات، أو ترك أخذ
الأدوية أو الامتناع عن الذهاب للأطبّة للاستشفاء، ومنها
إطلاق النّار في المناسبات، والعلاج لهذه الآفة يأتي أوّلاً
بتثقيف أبنائنا على احترام الحياة وحرمة القتل، إضافة إلى
الثقافة الشرعيّة التي تدعو إلى الاقتصاص من القاتل لا غير.
إلّا أنّ أهمّ وسيلة للوقوف بوجه تنامي هذه الظاهرة ألا
وهو تقوية الجوانب الأخلاقيّة والمعنويّة والروحيّة
والدينيّة لدى شبابنا وفي مجتمعاتنا, وعلينا أن نأخذ في
عاشوراء دروساً مهمّة وأهمّها أنّه عندما تبلغ النفوس هذا
المستوى من الإقبال على الدنيا قد يصل بها إلى أنتاج أفراد
لا يتورّعون عن أن يتوسّلوا للحصول على الدنيا من خلال
تقديم رأس ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى
الطواغيت ألم يقل أحدهم:
املأ ركابي فضّة أو ذهبا
إنّي قتلت السيّد المحجّبا