الهدف:
بيان خطورة قسوة القلب وأسبابها وطرق علاجها.
تصدير الموضوع:
في الحديث القدسيّ: "يا موسى لا تطول في الدنيا أملك
فيقسو قلبك والقاسي القلب منّي بعيد"1.
مقدّمة: محرّم ومطر الرحمة للقلوب:
إنّ الله تعالى قد أودع في الإنسان جوهرة جعلها بيته
الحقيقيّ: "لا يسعني أرضي ولا سمائي
ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن"2.
وأمرنا بعمارة هذا البيت وتطهير من رجس الشيطان ليكون
لائقاً بصاحبه وسيّده.
عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا وإنّ
لله أواني في أرضه، وهي القلوب وأحبّ الأواني إلى الله
أصفاها وأصلبها وأرقّها..."3.
وثمّة صفات أرشدنا إليها دليل الخير النبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم ليكون القلب محبوباً لله وهي الصافية من الذنوب
والصلبة في الدين والرقيقة على الإخوان.
فالرقّة التي هي مقابل الغلظة والقسوة تجعل القلب محلّ
عناية خالقه لصيرورته بها محبوباً عنده تعالى للقلوب كما
جاء عن باقر العلوم عليه السلام: "إنّ لله عقوبات في
القلوب والأبدان، ضنك في المعيشة ووهن في العبادة، وما ضرب
عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب"4.
ولأنّ الله لطيف بعباده ومن موقع ربوبيّته للنفوس والقلوب
متداركاً ما يوجب في القلوب قسوتها والمعبّر عنه بطول
الأمد:
﴿فَطَالَ
عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾5.
إذ أنّ انقطاع القلوب عن مصدر الرحمة يؤدّي إلى قسوتها
وجفافها تلطف بحسن التدبير, وجعل مواسم لمطر الرحمة
الإلهيّة ينزلها على القلوب لتلين وتهتزّ وتنبت وتزهر
وتثمر، فمحرّم كما أشهر النور مواسم ينبغي اغتنامها
للتعرّض لهذه الرحمة والنعمة الإلهيّة العظمى.
محاور
الموضوع
معنى قسوة القلوب:
قبل الحديث عن أسباب قسوة القلوب لا بدّ من القول أنّ معنى
كون قلب الإنسان قاسياً هو كونه صلباً لا يتفاعل مع ما
يوجب الرقّة واللين, فهو لا يخشع بين يدي الله تعالى ولا
يعطف على أصحاب الآلام ولا يحنّ على الفقراء ولا يرأف
بأحوال الضعفاء ولا يرقّ لمصاب ذوي المصائب, فالقاسي من
القلوب هو ما لا يخشع لحقّ ولا يتأثّر برحمة، وإنّ من أبرز
ذلك ونحن في عاشوراء الحسين عليه السلام هو عدم تفاعله
وتأثّره بمصائب أهل بيت
النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله
وسلم.
ولنا أن نعبّر بطريقة أخرى, وهي أنّ القلب كالأرض كلّما قلّ
الماء فيها وجفّ ولم تتلقّ مطر السماء صلبت وقست، وإنّ
الماء الذي يلين القلوب ويجعلها قابلة للإنبات والصلاح
للزرع هو الرحمة. فالقلب القاسي هو القلب الذي جفّت فيه
ونضبت منه ينابيع الرحمة ولم يتلقّ مطر الرحمة النازل من
الله تعالى من خلال مواسم الرحمة ومجالس الرحمة ومواطن
الرحمة ومنها مجالس عاشوراء, في الحديث القدسيّ: "القاسي
القلب منّي بعيد"6.
أسباب قسوة القلوب:
هناك أسباب كثيرة لقسوة القلب ذكرت في القرآن الكريم وكذلك
في أحاديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم
السلام ومن ذلك:
1- ترك العبادة:
إنّ مراودة العبادة هي مراودة لباب الرحمن الرحيم والتي من
جملة آثارها أن يكسى الإنسان من حلل الله تعالى هداية,
فالعبادة باب لتلقّي العناية الإلهيّة, فزائر العطّار يعود
من عنده برائحة عطرة يجدها هو ومن يمرّ به، والمقبل على
الله بالعبادة لا بدّ أن يعود من عنده فهو الرحمن الرحيم
بشيء من الرحمة.
إضافة إلى أنّ العبادة من آثارها التواضع لأنّها تذلّل بين
يدي الله تعالى فبالتالي فإنّ التذلّل يفضي إلى إيقاظ
الرحمة في القلب, وعن أثر ترك العبادة على القلب جاء عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"ترك العبادة يقسّي القلب، وترك الذكر يميت النفس"7.
2- طول الأمل ونسيان الآخرة:
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من يأمل أن يعيش غداً
فإنّه يأمل أن يعيش أبداً ومن يأمل أن يعيش أبداً يقسو
قلبه ويرغب في الدنيا ويزهد في الذي وعده ربّه تبارك
وتعالى"8.
ويمكن أن يستفاد إضافة إلى طول الأمل أنّ نسيان الإنسان
الموت والقبر والآخرة جميعها من موجبات قسوة القلب.
3- كثرة الذنوب:
عن الإمام عليّ عليه السلام: "ما جفّت الدموع إلّا
لقسوة القلوب وما قست القلوب إلّا لكثرة الذنوب"9.
حيث إنّ آثار الذنوب التي ذكرت أنّها تترك على صفحة القلب
آثاراً سمّاها القرآن الرين
﴿كَلَّا
بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾10.
فإذا تراكم الرين نتيجة الإكثار من الذنوب وعدم معالجته
بالتوبة والاستغفار أدّى ذلك إلى قسوة القلوب، ومن أهمّ ما
يؤدّي إلى قسوة القلب من الذنوب استماع الغناء والموسيقى
المحرّمة.
4- الثرثرة وكثرة الكلام بغير ذكر الله:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإنّ كثرة
الكلام بغير ذكر الله قسوة القلب، إنّ أبعد النّاس من الله
القلب القاسي"11.
لقد ذكرت بعض الروايات خريطة عجيبة تؤدّي إلى الهلاك
الأبديّ وأوّل هذه الخريطة كثرة الكلام التي توصل إلى
محطّة في الطريق إلى الهاوية وهي كثرة الخطأ وكثرة الخطأ
توصل إلى قسوة القلب وقسوة القلب تؤدّي إلى الهلاك الأعظم
وهو موت القلب. وما ذلك إلّا لأنّ الثرثار يصل إلى درجة
اللامبالاة بما يقول وإلى ما يؤدّي ما يقول، فلا يعبأ بعرض،
ولا بالكلام, ومن حصائد إبليس في هذا الزمن ومصاديق
الثرثرة ما يحصل على وسائل الاتصال الحديثة... فحذار ثمّ
حذار.
5- أكل المال الحرام:
إنّ لأكل المال الحرام آثاراً خطيرة جدّاً في الدنيا
والآخرة، حيث يكون هذا المال هناك بنفسه النّار التي يكون
في محلّها
بطن الإنسان وقد قال تعالى عن أكل مال اليتامى.
﴿إِنَّ
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا
إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا
وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾12.
ومن مصاديق المال الحرام في زماننا ما يؤكل بالربا
والتجارة المحرّمة والاحتيال والتجارة بالمحرّمات.
وأمّا في الدنيا فإنّ أكل المال الحرام كان سبباً لقسوة
قلوب جنود ابن زياد وابن سعد إلى درجة أن يرتكبوا أفظع ما
ارتكب من جرائم في تاريخ البشريّة، ولشدّة قسوة هذه القلوب
لم تتأثّر بخطابات وليّ الله المعصوم الإمام الحسين عليه
السلام حيث قال لهم: "كلّكم
عاصٍ لأمري غير مستمع قولي، فقد ملئت بطونكم من الحرام
وطبع على قلوبكم، ويلكم ألا تنصتون؟ ألا تسمعون؟"13.
علاج قسوة القلب:
ذكرت الروايات مجموعة علاجات لقسوة القلب فمنها:
1- ذكر الله في الخلوات:
عن الإمام الباقر عليه السلام: "تعرّض لرقة القلب بكثرة
الذكر في الخلوات"14.
2- التفكّر والبكاء من خشية الله:
عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "عوّدوا قلوبكم الرّقّة
وأكثروا من التفكّر والبكاء من خشية الله"15.
3- الرّقّة الإنسانيّة:
عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لمّا شكا إليه
رجل قساوة قلبه: "إذا أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين
وامسح رأس اليتيم"16.
خاتمة: الجأ إلى طبيب القلوب:
في دعاء الجوشن الكبير: "... يا مقلّب القلوب، يا طبيب
القلوب، يا منوّر القلوب، يا أنيس القلوب..."17.
فالله هو طبيب القلوب وعليك أن تلجأ إلى طبيبك الذي بيده
طبّك وشفاؤك, ومن ثمّ عليك أن تشكو إليه آلامك كما علّمنا
الإمام السجاد في مناجاة الشاكين:
"إلهي إليك أشكو قلباً قاسياً مع الوسواس
متقلّباً وبالرين والطبع متلبّساً وعيناً عن البكاء من
خوفك جامدة وإلى ما يسرّها طامحة"18.
وكذلك ما جاء في مناجاة التائبين:
"إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلّتي وجلّلني التباعد منك
لباس مسكنتي, وأمات قلبي عظيم جنايتي, فأحيه بتوبة منك يا
أملي وبغيتي ويا سؤلي ومنيتي، فوعزّتك لا أجد لذنوبي سواك
غافراً ولا أرى لكسري غيرك جابراً..."19.