الهدف:
بيان خطر الكلام الزائد عن الحاجة، وحسنات تركه،
والتحذير من الثرثرة على الهواتف المحمولة والإنترنت.
تصدير الموضوع:
قال الله تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلًا سَدِيدًا﴾1.
مقدّمة:
الكلمة مسؤوليّة
قال الله تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلًا سَدِيدًا﴾.
في هذه الآية أمَرَنا الله تعالى بالقول السديد، ولكن مهدَّ
لهذا الأمر بأمر آخر هو الأمر بتقوى الله، وهذا ملفت إلى
علاقة القول والكلام بشكل عامّ بالتقوى، والكلام مرتبط
بالقول كما هو مرتبط بأمور أخرى قلبيّة وقالبيّة، وثمّة
أمر آخر يُرشد إليه تقديم الأمر بالتقوى، وهو إشارة إلى أنّ
التقوى بما هي شعور قلبيّ بحضور الله ورقابته مطلوب
استحضارها قبل القول.
فالآية تنبّه الإنسان إلى الاحتماء والاحتراز من تَبِعات
الكلام، وهذا يعني أنّ هناك مسؤوليّة تُرتّب على كلام
الإنسان، وعليه الانتباه إلى أهمّيّة ما يقول.
فكما أنّ تسديد السهم هو توجيهه باتجاه الهدف ليصيبه ولا
ينحرف عنه، كذلك فإنّ القول السديد هو القول الصادق الهادف
الذي يطلقه الإنسان مستحضراً الرقابة الإلهيّة، ومتوسّلاً
بالتقوى لإصابة الخير والصلاح.
فإنّه محاسب على خطئه، وانحراف كلامه عن الخير والهدى.
وقد قال تعالى:
﴿مَا
يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾2.
فالكلام من العمل، ولو لم يكن من العمل لما صحّ أن يكون
محلّ رقابة الله عبر الملائكة. فمنها ما عن أمير المؤمنين
عليّ بن
أبي طالب عليه السلام
أنّه مرّ برجل يتكلّم بفضول الكلام، فوقف عليه، ثمّ قال:
"إنّك تُملي على حافظيك كتاباً إلى ربّك، فتكلّم بما يعنيك
ودع ما لا يعنيك"3.
محاور الموضوع
ما يجب مراعاته عند الكلام:
بعدما تقدّم، يتضح أنّ على المتكلّم أن يفهم دور الكلمة
ومؤثّريّتها، ويتدبّر كلامه قبل إطلاقه، فقد جاء عن أمير
المؤمنين قوله عليه السلام: "للإنسان فضيلتان، عقلٌ
ومنطق، فبالعقل يَستفيد، وبالمنطق يُفيد"4.
وقد اختصر الإمام عليّ عليه السلام
الشروط الرئيسيّة بقوله عليه السلام:
"العاقل لا يتكلّم إلّا بحاجته أو حجّته"5.
ويمكن أن نقول إنّ المطلوب أن نراعي في أقوالنا كما في
أعمالنا أمرين:
1ـ أن نستحضر دائماً أنّ كلامنا هو من أعمالنا، ونلتفت إلى
أنّنا مسؤولون عن كلّ قِوانا بما في ذلك ألسنتنا.
قال تعالى:
﴿وَلاَ
تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ
مَسْؤُولاً﴾6.
2ـ أن نكون هادفين في أقوالنا كما في أعمالنا، وهذا مقتضى
أمر الله تعالى بالقول السديد
﴿وَقُولُوا
قَوْلًا سَدِيدًا﴾ ولا بدَّ مع
هذا مراعاة الحكمة من حيث الزمان والمكان والأسلوب.
فضول الكلام وآفاته:
الفضول من كلّ شيء هو الزائد عن محلّ الحاجة، سواءً أكان
طعاماً أو شراباً أو مسكناً أو مالاً أو كان كلاماً.
وقد جاءت الروايات لتذمَّ هذا النوع من الكلام، ففي وصيّةٍ
أوصاها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذرّ
قال له: "... يا أبا ذر أترك فضول الكلام، وحسبك من
الكلام ما تَبلغ به حاجتك"7.
فكلّ كلام بما لا يعني الإنسان هو من فضول الكلام. وقد قال
أمير المؤمنين عليه السلام "عجبتُ
لمن يتكلّم بما لا ينفعه في دنياه، ولا يُكتب له أجره في
أخراه"8.
وقد عَدّدت الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم
السلام الآثار المترتّبة على فضول القول منها:
1ـ كثرة الذنوب: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أكثر
الناس ذنوباً، أكثرهم كلاماً فيما لا يعنيه"9
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "إيّاك والهذر، فمن كَثُرَ
كلامُه كثرت آثامه"10.
2ـ التأثير في القلب: فعن أمير المؤمنين عليه السلام:
"الهَذر يأتي على المُهجة"11
فالكلام مؤثّر، وأثره يبلغ القلب. قلب المتكلّم قبل قلب
السامع. وقد أوضح أمير المؤمنين ذلك بقوله عليه السلام:
"من كَثُرَ كلامه كثر خطاؤه، ومن كثر خطاؤه قلَّ حياؤه،
ومن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومن قلَّ ورعه مات قلبُه، ومن
مات قلبُه دَخَلَ النّار"12.
3ـ إظهار العيوب وتحريك العداوات: فعن الإمام عليّ
عليه السلام: "إيّاك وفضول الكلام، فإنَّه يُظهر من
عيوبك ما بطن، ويُحرّك عليك من أعدائك ما سكن"13.
4ـ يورث الملل والضجر: عن الإمام عليّ عليه السلام:
"إيّاك وكثرة الكلام فإنّه يكثر الزلل، ويُورث المَلل"14.
وعنه عليه السلام: "الإكثار إضجار"15.
5ـ يورث الملامة: عنه عليه السلام
"الإكثار يُزلّ الحكيم، ويُملُّ الحليم، فلا
تُكثر فتضجر، وتُفرط فَتُهَن"16.
آثار وميزات ترك فضول الكلام:
لمّا كانت الآفات المرافقة لفضول الكلام كثيرة، ويكاد
الإنسان يعثر بإحداها كلّما بسط لسانه للقول، جاء الأمر
بحفظ اللسان كما في وصيّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
لأبي ذر: "يا أبا ذر, ما عَمل من لم يحفظ لسانه"17.
وقد جاءت الروايات لترشد إلى الحكمة والقصد في القول، حيث
جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام
قوله: "الكلام كالدواء، قليله ينفع، وكثيره قاتل"18
ولِتَركِ الزائد والفاضل من الكلام آثار وحسنات ليس أقلّها
السلامة من آفاته ومن هذه الآثار:
1ـ ستر العيوب: عنه عليه السلام: "قلّة الكلام
يستر العيوب"19
بل يعين على الخلاص من العيوب فعنه عليه السلام: "من قلَّ
كلامه بطل عيبه"20.
2ـ الأمن من الملامة: وعنه عليه السلام: "أَقلل
الكلام، تَأمن الملام"21.
3ـ نور القلب وصواب الفكر: فعن الإمام عليّ عليه
السلام: "إن أحببت سلامة نفسك وستر معايبك فأَقلل كلامك،
وأكثرْ صمتك، يتوفّر فكرك، ويستنر قلبك"22.
خاتمة:
زمن الثرثرة: بعدما تقدم لنعد إلى واقعنا في هذا الزمن
الذي نعيشه، لنجد أنّ النّاس وخصوصاً الجيل الشابّ منهم،
مُبتلى ببليّة خطرة جدّاً، وهي هذه الثورة في عالم
الاتصالات، حيث لدينا اليوم إضافة إلى أجهزة الإعلام،
الهواتف الخلوية والانترنت وغير ذلك... ومن المهمّ علينا
أن نفهم أنّ الكتابة على الانترنت والمحادثة الخطيّة هي
كلام كالقول اللسانيّ وعلى جيلنا الشابّ أن ينتبه إلى أن
ما قلناه حول آفات فضول الكلام تنطبق على الهواتف النقّالة
وعلى الكمبيوتر وعلى صفحات الانترنت وغيرها.
وعليهم أن يتّقوا الله في ذلك كلّه، وينتبهوا إلى ما
يقولون وما يكتبون وما يسمعون وما يشاهدون وما يقرؤون.
وإلّا فإنّ الكلمة التي يقولها الإنسان في الهواء المباح
سيتحمّل وزرها بالغاً ما بلغ ولنتأمّل معاً هذه الحكمة
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: "إنّ
الرجل ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظنّ أن تبلغ
ما بلغتِ يَكتب الله تعالى بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإنّ
الرجل ليتكلّم بالكلمة من سخط الله ما كان يظنّ أن تبلغ ما
بلغت، يَكتب الله بها سخطه إلى يوم يلقاه"23.
هوامش |
1- سورة الأحزاب، الآية:
70.
2- سورة ق، الآية: 18.
3- نهج البلاغة, ج 4 ص 82.
4- عيون الحكم والمواعظ,
ص 403.
5- عيون الحكم والمواعظ,
ص 23.
6- سورة الإسراء، الآية:
36.
7- وسائل الشيعة, ج 8 ص
531.
8- عيون الحكم والمواعظ,
ص 330.
9- ميزان الحكمة, ج 3 ص
2735.
10- موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام, ج12 ص 42.
11- عيون الحكم
والمواعظ, ص 47.
12- تحف العقول, ص 99.
13- عيون الحكم
والمواعظ, ص 99.
14- عيون الحكم
والمواعظ, ص 97.
15- المصدر السابق, ص 60.
16- ميزان الحكمة، ج3 ص
2737.
17- مكارم الأخلاق, ص 467.
18- عيون الحكم
والمواعظ, ص 76,
19- ميزان الحكمة، ج3 ص
2737.
20- ميزان الحكمة، ج3 ص
2737.
21- ميزان الحكمة، ج 3 ص
2737.
22- ميزان الحكمة، ج 3 ص
2737.
23- ميزان الحكمة، ج 3 ص
2734. |
|