الهدف:
بيان خطورة الإعراض عن ذكر الله تعالى, والحثّ على بناء
علاقة جيّدة مع الله وأوليائه وكتابه.
تصدير الموضوع:
﴿وَمَنْ
أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا
وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى
* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ
بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا
فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى* وَكَذَلِكَ
نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ
وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾1.
مقدّمة: آيات الله ونعمه لا تحصى
إنّ آيات الله وتجلّياتها في هذا الوجود لا تنفكّ ولا
تنقطع برهة من الزمن, فأين صرفت بصيرتك وبصرك, وأعملت عقلك
وقلبك وجدت آيات الله, كأنّ الله يخاطبك, في عقلك وإحساسك
وعواطفك ومشاعرك, إنّي هنا وهناك وهنالك ومعك وفيك...
﴿فَأَيْنَمَا
تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ
اللّهِ﴾2.
فالله يتجلّى لنا ويتراءى لبصائرنا ولكن نحن من يعرض,
يتراءى ويتجلّى ليذكّرنا به, بأسمائه, بأفعاله, بصفاته,
بآلائه... ولكن نحن من يغرق في ظلمات بعضها فوق بعض من
الغفلة والجهل والشهوات, والميول والرغبات, أضف إلى ما
يغشى أعين قلوبنا من غشاوة الأنا وحبّ الذّات, وما
يستعمرها من القسوة والأمراض, لتغدو مقارّ لعدوّ الله
وطريده الرجيم.
وإذا راجعنا مسلسل حياتنا لوجدناه مليئاً بالألطاف
الإلهيّة والعنايات الربّانيّة, فتارة تتلقّانا يد الرحمة
قبل السقوط في وديان المعصية,وأخرى تحجز عنّا البلاءات
والمصائب, وثالثة تخوّلنا نعمة نذوق حلاوتها, ورابعة تدفع
عدواً جبّاراً, وأخرى مرضاً قاتلاً... وحقيق أن نقول مع
القران الكريم:
﴿وَإِن
تَعُدُّواْ نِعْمَتَ
اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾3.
نعم إنّ النعم الإلهيّة لا قدرة لنا على أن نحصيها, ومع
ذلك فإنّ الكثير منّا لا يرون الآيات والنعم, ولا يشعرون
بها, ولا يتفاعلون معها, وغالباً لا يستفيدون منها, وأولى
أن لا يشكروا الله عليها حينها, فكيف يشكر على النعمة من
لا يراها نعمة؟!, بل من لا يراها أبداً, وأنّى له حينها أن
يغتنمها ويستفيد منها؟
محاور
الموضوع
معنى الإعراض عن ذكر الله ومصاديقه:
معنى الإعراض عن ذكر الله هو إشاحة الوجه عنها, أو إغفالها
وإهمالها, وبالمعنى القرآني نسيانها, فمن مصاديق ذكر الله
الالتفات إلى ألطافه ونعمه, ومن هذه الألطاف والنعم, الرزق
من مال وذرّيّة وأمن وغيره... ومنها المعنويّة كالهداية
والإيمان, ومنها وسائل الهداية من الآيات الأنفسيّة
والآفاقيّة, ومنها وهو أجلاها عدم الإقدام على عصيان الله
وعدم احترامه, حيث إنّ العالم محضر الله, ومع ذلك نعصيه
وهو يشهد علينا, ومنها الذكر اللسانيّ وهو التسبيح
والتحميد والتهليل وغير ذلك.
ومن ذكر الله القرآن الكريم, فإنّ عدم العناية به وإهمال
قراءته وعدم التدبّر فيها هو إعراض عنه ونسيان له, ومنها
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام
فهو الذكر, وهو المذكر بالله وأهله هم أهل
الذكر, وكذلك
نسيانه ونسيانهم وإهماله وإهمالهم وعدم الإقرار لهم بالفضل
وعدم التأسّي بهم والإقتداء بسلوكهم وسيرهم هو إعراض.
وقد أمرنا الله بعدم نسيان ذوي الفضل علينا وقرن الشهادة
له بالوحدة بالشهادة للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
وجعلها جزء الأذان والإقامة وجزء الصلاة, بل صار أبخل
الناس من سمع اسم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
ولم يصلِّ
عليه وكذلك ترك ولاية أمير المؤمنين عليه السلام
في إجابة
الإمام الصادق عليه السلام لمن سأله عن الآية, ومنها نسيان
الآخرة والموت ولقاء الله تعالى, وعدم الاستعداد لهما, وفي
الآية التي سبقت موضوعنا قال تعالى:
﴿فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي
هُدًى...﴾4
فعدم اتّباع الهدى الإلهيّ مطلقاً هو إعراض عن ذكر الله.
أسباب الإعراض:
إنّ أسباب إعراض الإنسان عن ذكر الله كثيرة, منها العامّ
ومنها الخاصّ, ويأتي بالدرجة الأولى ضعف الإيمان, وضعف
العقيدة, ومنها الانكباب المفرط على الدنيا والعلاقة
المفرطة بالماديّات, وتغييب المعنويّات والعلاقة بالغيب
والغيبيات, أي الضعف الروحيّ بل الفقر المعنويّ والروحيّ,
وطغيان الشهوات وانغماس الإنسان بها, ومنها الغفلة وقسوة
القلب نتيجة الذنوب
التي يتراكم أثرها على صفحة القلب
فتضعف البصيرة, وتتدرّج في الضعف إلى العمر الكامل:
﴿كَلَّا
بَلْ رَانَ عَلَى
قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا
يَكْسِبُونَ﴾5.
عاقبة الإعراض عن ذكر الله في الدنيا:
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أمرين يشكّلان عقوبة لمن
يعرض عن ذكر الله ولا يهتدي بهديه وهدي أوليائه, وهما
مجموعان في قوله تعالى:
﴿وَمَنْ
أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي
فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً
ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَعْمَى﴾6,
فالعقوبة الأولى هي المعيشة الضنك, والمراد من المعيشة
الضنك ضيق العيش, والذي قد يكون بالفقر والعوز والحاجة كما
فسّره بعضهم لغويّاً, ولكن قد يكون عكسها لكن مع الاضطراب
وفقدان الطمأنينة والخوف والقلق, فإن كان ذكر الله بقيد
الإيمان يورث الطمأنينة والسكينة:
﴿الَّذِينَ
آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ
قُلُوبُهُم بِذِكْرِ
اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ
اللّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ﴾7,
فإنّ العكس ينتج عنه الضدّ, فعدم الإيمان والإعراض عن ذكر
الله لا شكّ يورث الاضطراب والقلق والخوف والحزن, وهذا هو
العيش الضيق والمعيشة الضنك, فضيق الحياة غالباً يتولّد من
الفقر المعنويّ والنقائص الدنيويّة
وانعدام الغنى الروحيّ.
فمن لا يؤمن بالله والغيب ولا بالحياة بعد الموت ومن لا
يعدّ لذلك عدّته سيكون في حالة من عدم الطمأنينة للمستقبل,
وسيحكمه الخوف من ذهاب قدراته البدنيّة والماليّة وغيرها,
وهذه العقوبة قد تكون في البرزخ وليس فقط في الدنيا.
عمر الآخرة عقوبة الإعراض:
وأمّا العقوبة الثانية وهي عقوبة أخرويّة فهي أن يحشر الله
تعالى المعرض عن ذكره أعمى, وذلك أنّ عالم الآخرة عالم
ظهور الحقائق, وهو عالم تتجسّم فيه الأعمال والأخلاق,
فالمعرض عن ذكر الله تعالى حقيقته أنّه أغمض عيني قلبه عن
رؤية آيات الله وآلائه, وبالتالي أهمل استخدام بصيرته
ليراها, وإن كانت الدنيا بالبصر فالآخرة بالبصيرة, وإن
كانت العقوبة:
﴿جَزَاء
وِفَاقًا﴾8
أي أن العقوبة من سنخ الذنب فإنّ أعمى البصيرة في الدنيا
أعمى البصيرة في الآخرة, ومن ناحية أخرى فإنّ المعرض عن
ذكر الله يكون قد أهمل كلّ ما عرض الله له من آيات ليراها
ويراه من خلالها, فكذلك العقوبة هي الإهمال المعبّر عنه
بالنسيان:
﴿قَالَ
كَذَلِكَ أَتَتْكَ
آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا
وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ
تُنسَى﴾9.
ويا ليت العقوبة تتوقّف على ذلك بل إنّ الأمر أشدّ, قال
تعالى:
﴿وَكَذَلِكَ
نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ
وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ
رَبِّهِ وَلَعَذَابُ
الْآخِرَةِ أَشَدُّ
وَأَبْقَى﴾10.
خاتمة:
إنّ الإعراض عن ذكر الله عمل مهلك يجب أن نحذر منه, وعلينا
أن نوقظ قلوبنا من الغفلة, بأن لا نترك الدعاء, والتأمّل
في الكون والأنفس, وأن نحرص على أفضل العلاقة بالله أوّلاً
وبنبيّه ثانياً وبأولياء الله وكتاب الله وبيوت الله,
وعلينا دائماً أن نجعل ألسنتنا رطبة بذكر الله, وأن نتذكّر
الله عندما نرزق نعمة أو تدفع عنّا نقمة, وأن نتذكّره بشكل
أخصّ عندما نهمّ بمعصية.
|