الهدف:
بيان الأهداف من إحياء النهضة الحسينيّة على مرّ التاريخ.
تصدير الموضوع:
"والله لا أفارق الطريق الأعظم حتّى يقضي الله ما هو قاض".
الإمام الحسين عليه السلام.
مقدّمة:
الارتباط بين أهداف الإحياء الحسينيّ والثورة الحسينيّة نفسها ارتباط وثيق، وكذلك
الارتباط بين الأعمال المسنونة كالبكاء والتباكي والزيارات القريبة والبعيدة من
ضريح الإمام الحسين عليه السلام، وبين الأهداف هو ارتباط من قبيل المقدّمة الموصلة
إلى النتيجة.
إنّ التعاقب لإرسال الرسل والأنبياء عليهم السلام تأريخيّاً لأمرين هما:
- التصديق بالرسالة السابقة
- والتبشير بالنبوّة اللاحقة.
هذه النبوّة المصدّقة والمبشّرة لها دور مهمّ و رئيسيّ هو إصلاح الفساد الذي عاثه
ويعيثه الصناديد من خصوم الأنبياء وأعداء الرسالات. وبعبارة أخرى فإنّ التهديدات
التي تواجه نهج الهداية الإلهيّة للإنسان على طول التاريخ مواجهة من قبل الأنبياء
عليهم السلامومن آمن بهم، إذاً فهم ضمانة لعدم الانحراف في خطّ الرسالات، ويعملون
على إصلاح الفساد اللاحق بهذا الخطّ.
وبما أنّ النبيّ محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم الأنبياء وأنّه لا نبيَّ
بعده فضمانة الخطّ من الانحراف والعامل الاساسيّ في إصلاح الفساد - اللاحق به - عبر
الأوصياء لرسوله صلوات الله عليهم، وأعظم عمليّة إصلاح قد جرت على يدي الإمام
الحسين عليه السلام في كربلاء، ويعود ذلك إلى أنّ أخطر عمليّة فساد وإفساد وانحراف
أصاب الخطّ وأتباعه في ذلك الظرف،
ولا بدّ من كون مواجهة الفساد والانحراف بحجمها
وزيادة لتأمين الضمانة وتحقيق سلامة خطّ الرسالة، وربما يقال بأنّ حجم التضحيات
التي تُقدّم من قبل الرساليّين يكشف لنا عن حجم التهديدات والانحراف، وهذا هو
الواقع الذي عاش فيه الإمام الحسين عليه السلام، وأمّا في فترة الغيبة الكبرى التي
تعيش فيه الأمّة التي لم تلحق بنبيّها وغاب عنها إمامها، والحال أنّ الفساد منتشر
وأنّ التهديد بالانحراف قائم فيأتي السؤال: ماهي العوامل التي تضمن سلامة النهج من
الانحراف وتعمل على إزالة الفساد ومواجهة التهديدات؟
فيأتي الحديث حينها عن السيرة المباركة للإمام الحسين عليه السلام والدور الفعّال
والمؤثّر لهذه السيرة في حفظ النهج وتشكيل أهمّ العوامل في ضمانته من الانحراف.
والدليل عليه من الواقع العمليّ ما عبّر عنه الإمام المقدّس روح الله الموسويّ الخمينيّ
قدس سره وبعد الإنجاز الضخم الذي قام به، فيقول: إنّ كلّ ما عندنا من عاشوراء.
محاور الموضوع:
لا بدّ من حرارة مؤجّجة في النّفوس:
إنّ عامل الزمان كفيل بتبديل ثقافة البشر من حالة إلى أخرى وكذلك يساهم في عمليّة
النسيان ومحو الذاكرة للنّاس، ولتحصين العقول والنّفوس من العامل المذكور فلا بدّ
من وجود قضيّة تكون مصدراً للحرارة لا
تبرد أبداً، وبالتالي ترفض النّفوس الخنوع
والتكاسل والتردّد وتبقى روح الإقدام والتضحية متوهّجة، وهنا ندرك أنّ القضيّة
الوحيدة التي هي إكسير النّفوس والأرواح والعقول هي قضيّة التضحيات الحسينيّة، وقد
عبّر عن هذه الحقيقة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، حينما قال صلى الله
عليه وآله وسلم: "إنّ لقتل الحسين عليه السلام حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد
أبدا".
الإحياء الحسينيّ إصلاح لخطّ النبوّة:
روي عن الحسن البصريّ أنّه قال: "أربع خصال كنّ في معاوية، ولو لم تكن فيه إلّا
واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمّة بالسيف حتّى أخذ الأمر من غير مشورة
وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه بعده ابنه سكّيراً، خمّيراً، يلبس
الحرير، ويضرب بالطنابير، وادّعاؤه زياداً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم "الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وقتله حجراً وأصحاب حجر فيا ويلاً له من حجر!
ويا ويلاً له من حجر وأصحاب حجر"1.
فأخطر عمليّة ارتداد بدأت في عهد معاوية، وأكبر عمليّة تضليل إعلاميّ وحرب نفسيّة
نجد بدايتها حينما تربّع معاوية على كرسي الخلافة الإسلاميّة وتجسّدت بسبِّ أمير
المؤمنين عليه السلام على منابر المسلمين واستمرت لتسعٍ وستّين سنة وحين آل الأمر
إلى يزيد إذ أوكلت إليه المهمّة الكبرى وهي تشويه صورة النبيّ صلى الله عليه وآله
وسلم في عقول المسلمين وإزالة حبّه من قلوبهم ونفوسهم فينقل في التاريخ أنّه حصل
لقاء بين المغيرة بن شعبة الذي تولّى إمارة
الكوفة وبين معاوية بعد شهادة الإمام
الحسن المجتبى عليه السلام فقال المغيرة له: لقد ظفرت يا معاوية ببني هاشم وآلَ
الملك إليك، وأخذهما الحديث زهو الانتصار...رفع المؤذّن صوته بلا إله إلّا الله
وأنّ محمّداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثار معاوية مغضباً وضرب صدر
المغيرة وقال له: يا مغيرة أنت تسخر منّي، هذا المُلك الذي لا يُبلى، (اللّات
والعزّى) سأعمل على محو هذا الاسم، ثمّ أوكل المهمّة الى ولده يزيد، ولذا نجد هذا
الأخير قام وعلى مدار ثلاث سنوات متوالية حيث إنّه بادئ الأمر قتل الحسين عليه
السلام ثمّ حرق المدينة المنوّرة واستباحها لجيشه ثمّ عمد الى قصف الكعبة الشريفة
بالمناجيق.
وقد عبّر عن حقيقة التهديد وخطورة الانحراف ما نقل عن عبد الله بن حنظلة غسيل
الملائكة: والله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء، إنّ
رجلاً ينكح الأمّهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر، ويدع الصلاة... والله لو لم يكن
معي أحد من النّاس لأبليت الله فيه بلاءً حسناً2.
فإنّ قيام الإمام الحسين عليه السلام بثورته والتضحيات العظيمة التي قدّمها إنّما
كانت للوقوف أمام هذه الحركة الأمويّة الارتداديّة، وقد عبّر عن هذه الحقيقة حينما
قال: "إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنّما خرجت لطلب
الاصلاح في أمّة جدّي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم".
من جملة الأهداف الكبرى لإحياء القضيّة الحسينيّة هو الحفاظ على
حركة الاصلاح في
أمّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ويمكن القول إنّ الإحياء العاشورائيّ هو صرخة
مستمرّة وجهد دائم ومتواصل لعمليّة الاصلاح لكلّ فساد وتقويم لكلّ اعوجاج يصيب أمّة
النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم حتّى ينتهي الأمر إلى صاحب الأمر عجل الله
تعالى فرجه الشريف.
- ضرورة تلازم الدمعة والفكرة:
إنّ الدموع التي تذرفها العيون على الحسين عليه السلام ومصابه لهي تعبير صادق عن
عاطفة حارّة متوهّجة في النّفوس ومتّقدة في القلوب، إذ من دون توهّج العواطف
والمشاعر تنطفئ قضايا كبيرة ومصيرية. وفي هذا السياق تأتي دعوة النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم - بعد شهادة الحمزة بن عبد المطّلب - النساء إلى إقامة مجالس البكاء
والحزن عليه فكيف إذا كانت الحادثة هي قتل الامام الحسين عليه السلام مظلوماً
غريباً عطشان؟! ومنه يتبيّن لنا فلسفة بكاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على
ولده وهو في أيّامه الأولى وكذلك نفهم تقديم جبرائيل التعزية للنبيّ محمّد صلى الله
عليه وآله وسلم بولده الحسين عليه السلام حين ولادته، وهكذا فإنّنا نفقه ما ورد
عنهم من التأكيد على البكاء أو حتّى التباكي الذي يحطّ الذنوب العظام كما عن الإمام
الرضا عليه السلام: "على مثل الحسين فليبك الباكون".
وأمّا الفكرة التي تزيل الشكّ والشبهة عن العقول وتبيّن حقيقة الوقائع والكرامات
وتدخلها الى دائرة الامكان كالقضيّة التي نقلها المؤرّخون في كتبهم وهي: مكث النّاس
شهرين، بعد عاشوراء، كأنّما تلطّخ الحوائط بالدّماء، ساعة تطلع الشمس حتّى ترتفع"3.
فالتلازم بين الوعي والاحاطة بالقضيّة الحسينيّة من جهة وتأجيج نيران الأحاسيس
والعواطف من جهة أخرى ضمان لديمومة حركة الأمّة وللبذل والعطاء من دون حساب مطلقاً،
والشاهد الحيّ على ذلك اليوم هو المقاومة وتضحياتها ووعي أبنائها حيث إنّ هذا
التلازم قد تجسد واقعاً ملموساً إذ إنّ شرارة المقاومة في الجنوب ضدّ إسرائيل
انطلقت من ساحة سيّد الشهداء عام (1983م) يوم العاشر من المحرّم...حيث يحتفي أبناء
الجنوب بذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام ففي هذا اليوم المفعم بحرارة
الإيمان ومحبّة الحسين عليه السلام تفجّر غضب هؤلاء الشباب الحسينيّ حينما لمحوا
حافلات العدوّ الصهيونيّ تشقّ صفوف المحتفلين فلم يتمالكوا من أن ينثالوا عليها
بسيوفهم وأضرموا النّار بحافلاته، وامتدّ الغضب إلى الجماهير المحتشدة وكان يوماً
مشهوداً سجّل عبر هذه الوثبة الحسينيّة الجريئة من إباء أبي الأحرار الإمام الحسين
عليه السلام شرارة المقاومة ضدّ العدوّ الصهيونيّ الغاشم، وأضفى عليها هذا اليوم
العظيم البركة فراحت تتنامى وتتصاعد حتّى كتب النصر المؤزّر، ومن اللافت للنظر
وكريم الصدف أنّ هذا النصر المبين جاء يوم أربعين الإمام الحسين عليه السلام عام
2000 م فكانت البداية والنهاية محاطة ببركة وعناية الإمام الحسين عليه السلام4.
التفاعل بين النهضة الحسينيّة وإحيائها:
الإمام الحسين عليه السلام وهو في طريقه من مكّة إلى كربلاء قال بعض أهل بيته: لو
تنكبت الطريق كما فعل ابن الزبير، قال: "والله لا أفارق الطريق الأعظم، حتّى
يقضي الله ما هو قاض". هذا الطريق الأعظم هو منهج الأنبياء والرسل من لدن آدم حتّى
خاتمهم صلى الله عليه وآله وسلم ومحالّ من مثل الحسين عليه السلام أن يتنكّب عنه أو
يحيد، فهو الوارث لهم وهو الضامن لسلامته حتّى تقوم الساعة، وبما أنّ ثمن الحفاظ
عليه هو دماؤه الزاكية جاد بها طوعاً ثمّ استحال دمه نفوساً أبيّة وأنوفاً حميّة في
حركة دائمة مستمرّة لصون منجزات كربلاء وتحصين الأحكام من الضياع، وهكذا فإنّه
يتولّد من نهضته الشريفة ومن إحيائها من قبل محبّيه ما كان يؤدّيه الأنبياء من دور
جسيم ومهمّة عظيمة إلّا وهو أداء الرسالة الإلهيّة إلى أقوامهم ثمّ الحفاظ عليها من
الانحراف أو الفساد.