بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ
العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى أهل
بيته الطيّبين الطاهرين عليهم السلام، وعلى جميع
الأنبياء والمرسلين، وبعد...
ثورة الإمام الحسين عليه السلام نموذج من الثورات
الفريدة في تاريخ البشرية، في أهدافها، ومبادئها،
ونتائجها، وقادتها، وشهدائها...، ولهذا فقد أرسى
دم الإمام الحسين عليه السلام وأهله وأصحابه في
يوم عاشوراء مبادئ مواجهة الظلم والظالمين لكلّ
الأمم والأجيال مهما غلت التضحيات، وقلّ العدد
والعُدّة والعَتاد، وهذا ما جعل كلّ يوم عاشوراء
وكلّ أرض كربلاء. وإنّ الإصلاح الذي أعلنه الإمام
الحسين عليه السلام واعتبره شعاراً وهدفاً لها
وافتداه بدمه الزكيّ، يعني حفظ الدين، واستمرار
نهج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة
الأطهار عليهم السلام، وقد أشار إليه عليه السلام
في سياق وصيّته لأخيه محمد بن الحنفيّة، بقوله:
"... وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً
ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة
جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير
بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني
بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا،
أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير
الحاكمين"1،
فإنّ الإصلاح المقصود هو الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر في كلّ جوانب الدين والحياة، وقد تحقّق ذلك
من خلال النهضة العظيمة التي قام بها عليه السلام
فكانت الهداية لهم دينيّاً ومعنويّاً وإنسانيّاً
وأُخرويّاً بشهادته وبركات دمه الطاهر، وتلك
النهضة التي عليها تربّت أجيال من الأمّة، فكان
الإمام الخمينيّ، وكانت الثورة الإسلاميّة، وكانت
المقاومة الإسلاميّة في لبنان على هذا النهج
والمبدأ.
ولهذا لا يقتصر إحياؤها على إقامة المراسم، ومجالس
الحزن واللطم، أو بعض الأنشطة العامّة، فلا بدّ
لتحقّقه من الاعتقاد والالتزام بمجموعة من المبادئ
التي تعزّز البنية الإيمانيّة والعقائديّة للإنسان
المسلم، وهو ما يتطلّب الاستفادة الصحيحة والكاملة
من إحياء عاشوراء، من النواحي الوجدانيّة
والمعرفيّة والثقافيّة.
وهذا الكتاب "زاد عاشوراء" خير مساعد للخطيب
والمحاضر الحسينيّ، بما يتضمّنه من مضامين
لمحاضرات ودروس ومواعظ غنيّة بشواهدها، وغالباً ما
تلامس احتياجات الناس، وتراعي المستوى العامّ
عندهم، وقد تضمّن عشرين محاضرة ليستفاد منها في
تنوّع المحاضرات وعدم الوقوع في التكرار.
والحمد لله ربّ العالمين
مركز المعارف للتأليف والتحقيق
السياسات
والتوجيهات العامّة للخطاب العاشورائيّ
أولاً: السياسات العامّة:
١- تأكيد أهميّة الجانب المعنويّ الذي يحقّقه
الارتباط بالله تعالى والتوكّل عليه، وأهميّة هذا
الجانب في استنزال المدد الإلهيّ للنصر على
الأعداء ولو قلَّ المؤمنون وكثر أعداؤهم.
٢- ربط الناس بالتّكليف الإلهيّ على قاعدة كونه
الموجِّه لموقف الفرد والأمّة.
٣- توجيه الناس نحو العمل للآخرة، لضمان استمرار
الحياة بسعادة باقية. وإبراز دور الشهادة في تحقيق
ذلك.
٤- غرس روح التضحية في أبناء الأمّة لكون معركة
الحقّ ضدّ الباطل، لا بدّ لها من تضحيات، وتضحيات
الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء الدليل
الواضح على ذلك.
٥- الإرشاد إلى دور الولاية في توجيه الأمّة
وترشيدها، وإلى أنّ وحدة الوليّ والقائد هي الضمان
لوحدة الأمّة وعزِّها.
٦- تأكيد ضرورة وحدة المسلمين صفّاً واحداً أمام
أعدائهم.
٧- تحديد طواغيت العصر ويزيديّيه المتمثّلين اليوم
في الدرجة الأولى بأمريكا وإسرائيل، والتطرّق إلى
الممارسات الإرهابيّة التي يمارسها هؤلاء الطواغيت
ضدّ مسلمي العالم ومستضعفيه.
٨- بيان تكليف الأمّة في نصرة المظلومين.
٩- التشديد على ضرورة الثبات في معركة الحقّ ضدّ
الباطل، ودورها في تحقيق النصر الإلهيّ.
١٠- إبراز التشابه بين ثورة الإمام الحسين عليه
السلام ومعركتنا ضدّ الباطل، سواء على مستوى
الأهداف وممارسات الأعداء، أو على مستوى مشاركة
الشرائح المتنوّعة في المجتمع لنصرة الحقّ (من
شبّان، وشيوخ، ونساء، وأطفال، وطبقات اجتماعيّة
متفاوتة).
١١- اللفت إلى ضرورة التكافل الاجتماعيّ في الأمّة
بما يؤمِّن القوّة الداخليّة للمجتمع في معركته
ضدّ الباطل.
١٢- تقوية علاقة الناس بصاحب العصر والزمان عجّل
الله تعالى فرجه الشريف وبيان مسؤوليّتهم في
التمهيد لظهوره المبارك، واستعدادهم لاستمرار
التضحية بين يديه.
ثانياً: التوجيهات العامّة
نقتبس من كلام الإمام الخمينيّ قدس سره بعض
التوجيهات المهمّة للمحاضرين والخطباء الحسينيّين،
وهي:
١- دعا الإمام الخميني قدس سره إلى تفعيل مجالس
الإنشاد للشعر الحسينيّ والاستماع إليها، حيث قال:
"فلْتُقم مجالس ذكرى سيّد المظلومين والأحرار
بجلال أكثر وحضور أكثر فهي مجالس غلبة قوى العقل
على الجهل، والعدل على الظلم، والأمانة على
الخيانة، وحكومة الإسلام على حكومة الطاغوت".
٢- واعتبر أنّ البكاء في ثقافة عاشوراء سلاح جاهز
على الدوام يمكن رفعه عند الحاجة بوجه الظالمين.
والدموع هي لغة القلب، والبكاء هو صرخة عصر
المظلوميّة. قال الإمام الخمينيّ قدس سره: "إنّ
البكاء على الشهيد إحياء للثورة، وإحياء لمفهوم
أنّ فئة قليلة تقف بوجه إمبراطور كبير... إنّهم
يخشون هذا البكاء، لأنّ البكاء على المظلوم صرخة
بوجه الظالم ولترتفع راياتُ عاشوراء المدمَّاة
أكثرَ فأكثر معلنةً حلول يوم انتقام المظلوم من
الظالم".
٣- وفي توجيهه المباشر للخطباء الحسينين، قال
الإمام الخمينيّ قدس سره:
- إنّ على الخطباء أن يقرأوا المراثي حتّى آخر
الخطبة، ولا يختصروها بل ليتحدّثوا كثيراً عن
مصائب أهل البيت عليهم السلام.
- ليهتمّ خطباء المنابر، ويسعوا إلى دفع الناس نحو
القضايا الإسلاميّة وإعطائهم التوجيهات اللازمة في
الشؤون السياسيّة والاجتماعيّة.
- يجب التذكير بالمصائب والمظالم التي يرتكبها
الظالمون في كلّ عصر ومصر.
- أوّل شيء يجب أن تهتمّوا به هو رسالة الثورة في
المصيبة، وفي المدح وفي الأخلاقيّات والوعظ.
وعن كيفيّة إقامة مراسم العزاء يتحدّث الإمام
الخميني قدس سره قائلاً:
باعتقادي أنّ هذه المجالس يجب أن تتميّز بثلاثة
أمور:
١- تكريس محبّة أهل البيت عليهم السلام ومودّتهم
في القلو؛ لأنّ الارتباط العاطفيّ ارتباط قيِّم
ووثيق.
٢- إعطاء صورة واضحة عن أصل قضيّة عاشوراء،
وإظهارها للناس من الناحية الثقافيّة والعقائديّة
والنفسيّة والاجتماعيّة.
٣- تكريس المعرفة الدينيّة والإيمان الدينيّ.
والاعتماد على آية شريفة أو حديث شريف صحيح السند،
أو رواية تاريخيّة ذات عبرة، على أيّ منبر صعدتم
وأيّ حديث تحدّثتم، بيّنوا للناس يزيد هذا العصر
وشمر هذا العصر ومستعمري هذا العصر.
وكذا نجد في بعض كلمات الإمام الخامنئيّ دام ظله
الكثير من التوجيهات المتعلّقة بالمضمون الفكريّ
للمجالس، حيث يقول:
١- من الخطأ أن يواظب المرء في مجلس العزاء أو في
الهيئة المقيمة للعزاء، على أن لا يدخل في مواضيع
الإسلام السياسيّ. ولا يعني هذا الكلام أنّه كلّما
وقعت حادثة سياسيّة وجب أن نتكلّم فيها في مجالس
العزاء.
٢- إنّ فكر الثورة والفكر الإسلاميّ، والخطّ
المبارك الذي أرساه الإمام (رضوان الله تعالى
عليه) في هذا البلد، وتركه لنا هو ما ينبغي أن
يكون حاضرًا في إحياء هذه المراسم.
٣- إنّ أكثر من يليق به القيام بإحياء عزاء سيّد
الشهداء، هم هؤلاء المجاهدون في سبيل الله، هؤلاء
المحاربون (المقاتلون).. هؤلاء الشّباب، وعليكم
أنتم أن تعرفوا قدر هذا الأمر، وأن تعملوا على
توجيهه، اعملوا على التوجيه.
٤- الالتفات إلى أنّ ثورة الإمام الحسين عليه
السلام كانت لتأدية واجب عظيم وهو إعادة الإسلام
والمجتمع الإسلاميّ إلى الخطّ الصحيح أو الثورة
ضدّ الانحرافات الخطيرة في المجتمع الإسلاميّ،
وهذا الواجب يتوجّه إلى كلّ فرد من المسلمين عبر
التاريخ، وهو أنّه على كلّ مسلم لزوم الثورة حال
رؤية تفشّي الفساد في جذور المجتمع الإسلاميّ .
٥- الالتفات إلى أنّ الإمام الحسين عليه السلام
أحيا بثورته خطّ جدّه رسول اللَّه صلى الله عليه
وآله وسلم ونهجه، وهو معنى قول النبي صلى الله
عليه وآله وسلم: "حسينٌ منِّي وأنا من حسين".
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته |