الهدف:
التعرّف إلى أخلاق سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام في لمواجهة والحروب.
تصدير الموضوع:
عن الإمام الحسين عليه السلام: "والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ
لكم إقرار العبيد"1.
تمهيد
إنّ سيرة الإمام الحسين عليه السلام الأخلاقيّة في الحرب مستنبطة من منظومة الأخلاق
الإسلاميّة التي تربّى ونشأ عليها على يد جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، وأبيه الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فالإمام أبي عبد الله الحسين
عليه السلام تأدّب بآداب النبوّة وحمل روح أخلاق جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله
وسلم في الحرب والسلم.
1- أخلاق الصراع السياسيّ عند الإمام الحسين مع الخصم
في نهضة الحسين ومنذ الوهلة الأولى بعد هلاك معاوية سنة (60/679 م) طالبه والي
المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بمبايعة يزيد، فرفض الإمام عليه السلام هذا
العرض، ولكنّ أبا عبد الله الحسين عليه السلام بيّن سبب الرفض، إذ قال: "...
ويزيد رجل فاسق، شارب للخمر قاتل للنفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله"2.
والإمام الحسين عليه السلام في هذا الدرس العمليّ الأخلاقيّ يعلِّم الناس جميعاً أن
يكونوا أحراراً، ويرفضوا الذلّ والمهانه، لأنّ الإنسان العزيز، لا يمكن أن يخضع
لإنسان وضيعاً، كان ملحداً، فاسقاً، فاجراً إلى غير ذلك من الصفات التي كان يتّصف
بها يزيد الأمويّ وقد عبر عن ذلك في قوله: "والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل،
ولا أقرّ لكم إقرار العبيد"3.
2- أخلاق الإمام الحسين عليه السلام في الحرب
تمهيد خروج الإمام عليه السلام لتلبية نداء الأمّة:
كانت الرسائل المتتالية التي تضمّ بين طيّاتها (الاستغاثة، والنجدة من حكم يزيد مع
المواثيق والعهود والبيعة) الواردة إلى الإمام وهو في مكّة تطالبه بأن يقوم بالثورة
ويقبل عليهم، وهي تقدّر بالآلاف، وقد ورد في بعضها ما نصّه: - "أمَّا بعد فقد
اخضرّ الجناب، وأينعت الثمار، وطمت الجمام، فأقدم على جند لك مجنّدة والسلام عليك"4.
وبعد هذه الرسائل لا يوجد أمام الإمام الحسين عليه السلام المسؤول عن الأمّة، إلّا
الاستجابة والإقبال عليهم، وهذا التحرّك بحدّ ذاته نابع من القواعد الأخلاقيّة في
الإسلام، فقد قال أبو عبد الله عليه السلام في حديثه مع جيش الحرّ بن يزيد
الرياحيّ: بعد أن حمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: "أيّها الناس إنّها معذرة إلى الله
عزّ وجلّ وإليكم، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم أن أقدم علينا
فإنّه ليس لنا إمام لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم،
فإن تعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم
لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم"5.
أ- عدم البدء بالقتال:
كان شعار الإمام الحسين عليه السلام: "أني أكره أنْ أبدأهم بقتال"6.
والحوادث التي لم يبدأ الإمام فيها القتال في خروجه إلى أرض كربلاء المقدّسة وواقعة
الطفّ كثيرة منها:
- اللقاء مع الحرّ وجيشه في الصحراء: عندما قدم الحرّ بن بن يزيد الرياحيّ بألف
فارس قد أنهكهم العطش في حرّ الظهيرة قبل صلاة الظهر بوقت قريب. وما أن التقى
الحسين عليه السلام وأصحابه الحرّ بن يزيد التميميّ حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين
عليه السلام، فقال زهير بن القين للإمام: يا بن رسول الله أن قتال هؤلاء أهون من
قتال من يأتينا من بعدهم، لكنّ الإمام الحسين عليه السلام رفض7.
وقال عليه السلام لفتيانه: "اِسقوا القوم واروهم من الماء، ورشِّفوا الخيل
ترشيفاً"، فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفاً، فقام فتية وسقوا القوم من الماء
حتّى رووهم، وأقبلوا يملأون القصاع والأتوار والطِّساس من الماء ثمّ يدنونها من
الفرس، فإذا عبَّ فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه، وسقوا آخر حتّى سقوا
الخيل كلّها. ولما حضر وقت الصلاة قال الحسين عليه السلام للحرّ:
أتريد أنْ تصلي
بأصحابك؟ فقال الحرّ: لا، بل تصلّي ونصلّي بصلاتك8.
وهكذا نلاحظ الفرق في الأخلاق، فالعدوّ يمنع الماء ويخون، والإمام عليه السلام يسقي
أعداءه الماء، ويرشف خيلهم، وينصحهم بعد أن أكمل الصلاة وفرغ منها قائلاً عليه
السلام: بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلّى على النّبيّ محمّد: "أيّها النّاس
إنّكم إنْ تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل بيت محمّد صلى
الله عليه وآله وسلم أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرين
بالجور والعدوان، وإنْ أبَيتم إلاّ الكراهية لنا والجهل بحقّنا وكان رأيكم الآن على
غير ما أتتني به كتبكم، انصرفتُ عنكم"9.
- في اليوم التاسع من محرّم: في يوم التاسع من محرّم أقبل شمر بن ذي الجوشن على
معسكر الإمام الحسين عليه السلام وكان من أخوال أخوة الحسين أبناء أمّ البنين،
فنادى: أين بنو أختنا؟ فاستنكروا الردّ عليه، فالتفت إليهم الإمام الحسين عليه
السلام، وقال: أجيبوه، وإن كان فاسقاً فأنّه من أخوالكم. فأقبلوا يسألونه حاجته،
فقال: أنتم يا بني أختي آمنون. لكنّهم رفضوا أمانه10.
ويلاحظ في هذه الحادثة تفعيل مسألة أخلاقيّة مهمّة جدّاً هي عدم استغلال هذه
المحاورة من أجل البدء بالقتال أو الغدر بالعدوّ وقتله، فالحسين عليه السلام وقبل
الحرب كان يعلِّم أصحابه وأنصاره على مبدأ (رفض الغدر بالعدو)، وقد كان بمقدور
الإمام عليه السلامأن يمنع أبناء أمّ البنين، أو يوصيهم بقتل شمر أثناء اللقاء
والحديث، لكنّه عليه السلامتأبى أخلاقه هذه التصرّفات حتّى في المواقف الصعبة.
- في صبيحة العاشر من محرّم عندما أراد مسلم بن عوسجة رمي العدوّ: عندما أقبل معسكر
يزيد وجيشه يجولون حول خيام الحسين، فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب
والقصب الذي كان ألقي فيه.وعندما نادى شمر بن ذي الجوشن بأعلى صوته: يا حسين
أتعجّلت، بالنار قبل يوم القيامة؟ فقال الحسين عليه السلام: من هذا كأنّه شمر بن ذي
الجوشن؟ فقالوا: نعم. فقال له: يا بن راعية المعزى أنت أولى بها صليّا.
في هذه الحادثة أراد مسلم بن عوسجة وهو من معسكر الإمام الحسين عليه السلام أن يرمي
شمراً بسهم، فقال مسلم للإمام: دعني حتّى أرميه فإنّ الفاسق من أعداء الله وعظماء
الجبّارين، وقد أمكن الله منه. قال له الحسين عليه السلام: لا ترمه، فإنّي أكره أن
أبدأهم بقتال11.
أخلاق الإمام عليه السلام مع أصحابه وأهل بيته في الحرب
تبرز الأخلاق الحقيقيّة عند القائد في المواقف الصعبة والحسّاسة، والإمام عليه
السلام بسبب سموّ أخلاقه ورفعتها لم يبخل على أهل بيته وأصحابه بالخطاب بل تكرّر
الخطاب مرّات عديدة من خروجه المدينة إلى كربلاء قبل مقتله بليلة واحدة حتى صباح
العاشر من محرّم.
فعندما سار الإمام من المدينة قال عليه السلام لأصحابه: "ما أراني إلاّ مقتولاً،
فإنّي رأيت في المنام كلاباً تنهشني، وأشدّها عليَّ كلب أبقع"12.
وهنا يكشف أبو عبد الله عليه السلامعن المصير المحتوم الذي ينتظره، فيمهِّد لخطابه
القادم مع أصحابه، حيث خيّرهم أكثر من مرّة بين اللحاق به أو التخلّي عنه، وكان ذلك
قريب المساء، إذ جمع أهل بيته وأصحابه، فخطب قائلاً: "اُثني على الله أحسن
الثناء وأحمده على السرّاء والضرّاء، اللهمّ إنّي أحمدك على أنْ أكرمتنا بالنبوّة،
وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدةً، ولَم
تجعلنا من المشركين. أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي،
ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي جميعاً. وقد أخبرني جدّي
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنّي سأُساق إلى العراق فأنزلُ أرضاً يقال
لها عمورا وكربلاء، وفيها اُستشهد. وقد قرب الموعد. ألا وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء
الأعداء غداً. وإنّي قد أذِنت لكم فأنطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام.
وهذا
الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي،
فجزاكم الله جميعاً خيراً! وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم، فإنّ القوم إنّما
يطلبونني، ولَو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري"13.
3- بعض المرافقين لمعسكره عليه السلام في ليلة التاسع
طلب منه عليه السلام بعض الأشخاص أن ينصرفوا فأذن لهم، وكان من بينهم الطُرّماح، حيث
قال للإمام: أنا لديّ مِيرة، لأهلي بالغذاء والطعام، فأذن لي حتّى أوصِل لهم
مِيرتهم وأعود إليك، فأذن له الإمام عليه السلام، فذهب الطُرّماح ولم يعد إلّا
بعد استشهاد الإمام عليه السلام وأصحابه14.
4- أخلاق الإمام عليه السلام مع الجنود في معسكره
أ- أصغر جنديّ في معسكر الإمام الحسين عليه السلام هو عمر بن جناده، فقد كان غلاماً
يبلغ من العمر الحادية عشرة، عندما أقبل يطلب الرخصة من أبي عبد الله الحسين عليه
السلاملينزل إلى المعركة، التفت إليه الإمام الحسين، وقال: هذا غلام قتل أباه في
الحملة الأولى ولعلّ أمّه تكره ذلك، وإذا بالغلام يتقدّم إلى الحسين عليه السلام
ودموعه تسيل على خدّيه، والسيف الذي يحمله لعلّه أطول من قامته، فيقول: إنّ أمّي
أمرتني15.
ب- الغلام التركيّ لمّا نظر إليه الإمام الحسين عليه السلام وقال له: أنت في حلّ
اِذهب وانجُ بنفسك. فقال الغلام: سيدي يا أبا عبد الله، هذه لحظة السعادة ساعة
الفوز كيف أفوّتها على نفسي. وهذا الغلام لم يكن له أقارب ومعارف، بل كان غريباً،
وخرج الغلام إلى المعركة، فاستشهد، فأقبل الإمام الحسين عليه السلام نحو الغلام،
وميّزه وانحنى عليه ووضع خدّه على خدّه، فقد كان الغلام فيه رمق من الحياة، ففتح
عينيه ورأى الحسين واضعاً خدّه على خدّه، فابتسم وطارت نفسه فرحاً وسروراً، وقال:
من مثلي وابن رسول الله واضع خدّه على خدّي16.