الهدف:
التعرّف إلى فلسفة تحريم الخمر والمخدّرات، وآثارهما السلبيّة.
تصدير الموضوع:
قال الله تعالى:
﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ
وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ
وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ
الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾1.
1- ضرورة حرمة الخمر وكلّ مُسكِر
لقد وقف الإسلام موقفا حازماً من الخمر وشربه وبيعه وغرسه وعصره وحمله، قال تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ ... رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ...﴾
وعن الرسول الأعظم صلى الله عليه
وآله وسلم "من شرب الخمر بعد ما حرّمها الله على لساني فليس بأهلٍ أن يُزوَّج إذ
خطب، ولا يشفع إذا شفع، ولا يُصدّق إذا حدّث، ولا يُؤتمن على أمانة"2. بل لعن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخمر وشاربها والعامل فيها، فجاء عنه صلى الله
عليه وآله وسلم في رواية معتبرة: "لعن الله الخمر وغارسها وعاصرها، وشاريها،
وساقيها، وبايعها، وشاربها، وآكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليه"3. وقد عدّ
الفقهاء الخمر من الأعيان النجسة فقالوا: الخمر، وما يلحق بها كلّ مُسكِر مائع
بالأصالة من النجاسات، وأمّا الجامد كالحشيشة - وإن غلى وصار مائعاً بالعرض - فهو
طاهر لكنّ الجميع حرام بلا إشكال. وحرّموا أيضاً بيع العنب أو التمر ليعمل خمراً..
وكذا تُحرّم ولا تصحّ إجارة المساكن لتباع فيها الخمرة أو تُحرز فيها، أو يعمل فيها
شيء من المحرّمات، وكذا تُحرّم ولا تصحّ إجارة السفن أو الدوابّ أو غيرها لحمل
الخمر، والأجرة في ذلك محرّمة، بل حرّموا الأكل من مائدة يشرب عليها الخمر أو
المُسكِر، بل يُحرّم الجلوس عليها.
ولمّا كان الأصل في حرمة الخمر هو الإسكار، فكلّ الفصائل المُسكِرة
مُحرّمة كالبيرة
والبارندي والويسكي وأمثالها، لأنَّ القاعدة: حُرّمت الخمرة لإسكارها، وبقياس منصوص
العلّة تُحرّم تلك الأصناف عامّة لأنّها مُسكِرة ومنها الفقاع - وهو البيرة – شراب
مخصوص مُتّخذ من الشعير غالباً، وليس منه ماء الشعير الذي يصفه الأطبّاء ولا يجوز
للمسلم تقديم الخمر لأيّ كان، وإن كان مُستحِلاً له، ولا يجوز له غسل أوانيه، ولا
تقديمها لغيره، إذا كان ذلك الغسل وهذا التقديم مقدّمة لشرب الخمر فيها. كما لا
يجوز إجارة نفسه لبيع الخمر، أو تقديمه، أو تنظيف أوانيه مقدّمة لشربه، كما لا يجوز
له أخذ الأجرة على عمل كهذا لأنّه حرام...
وأمّا أمراض الخمور وأضرارها فحدّثْ عن ذلك ولا حرج، فأمراض القلب، وتصلّب
الشرايين، وقرحة المعدة، وانتكاسة الجهاز الهضميّ، وجملة الأعراض العقليّة
والنفسيّة والسلوكيّة، وتعرّض الجينات الوراثيّة للأخطار، والتأثير في الأجنّة
والمواليد.. كلّ ذلك بعض أضرارها، عدا التضحية بالعقل والمال والوقار، وهكذا.
2- تناول الخمر وكلّ مُسكِر من مُفسِدات المجتمع القاتلة
حرمة الخمر والمُسكِر: كان الخمر سلعة رئيسة في المجتمع العربيّ قبل الإسلام،
ومورداً اقتصادياً هامّاً، ولهذا كان تداول الناس به على مستوى الصناعة، التجارة،
والشرب وغيرها من الأمور الطبيعيّة وشبه اليوميّة عند شرائح كثيرة من الناس.ونظراً
للمفاسد والأضرار الكبيرة الناشئة عنه حرص المشرّع الإسلاميّ على القضاء على هذه
الآفة ضمن سلسلة من
المحرّمات التي تضمن سلامة المجتمع وحصانته. وهو ما جاء في
القرآن الكريم في عدّة آيات، قال الله تعالى:
﴿يَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾4.
وفي آية أخرى قال سبحانه:
﴿إِنَّمَا
يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ
أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾5.
وفي مورد أخرى قال الله سبحانه:
﴿إِنَّمَا
الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾6.
فالواضح أنّ الله تعالى قد أوضح المفاسد والآثار السلبيّة الناشئة عن الخمر، حتّى
اعتبره رجساً من عمل الشيطان، وأمر بالاجتنابه. وجاء في العديد من الروايات الواردة
في باب تحريم كلّ مُسكِر غير الخمر، ومنها صحيحة فضيل حيث ذكر فيها "وحرّم الله
الخمرة بعينها، وحرّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المُسكِر من كلّ شراب
فأجاز الله له ذلك"7
إذن فتحريم الخمر صادر عن الله تعالى، وتحريم بقية المسكرات صدر عن النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم8 وهناك بعض الروايات تصرّح كلّها بأنّ تحريم غير
الخمر كان من قبل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
3- تعاطي المُخدّرات (مرض العصر المستعصي)
مشكلة المُخدِّرات من أخطر المشاكل الصحيّة والاجتماعيّة والنفسيّة التي تواجه
العالم أجمع وطبقاً لتقديرات المؤسّسات الصحيّة العالميّة يوجد ما يزيد على 800
مليون من البشر يتعاطون المُخدِّرات أو يدمنونها.
والمخدِّرات في مجملها تؤثّر في المخ وهذا سرّ تأثيرها، والكثير منها يتسبّب في
ضمور (موت) بعض خلايا الجزء الأماميّ لقشرة الدماغ (Cortex). وهناك مخدِّرات تسبّب إدماناً نفسيّاً دون تعوّد عضويّ لأنسجة الجسم
مثل: القِنَّب (الحشيش)، القات، وعند توفّر الإرادة لدى المتعاطي فإنّ الإقلاع لا
يترك أيّ أعراض للانقطاع.
وهناك مُخدِّرات تسبّب إدماناً نفسيّاً وعضويّاً أهمّها: الأفيون، المورفين،
الهيروين، الكوكايين، الكراك وكذلك الخمور وبعض المنوّمات والمهدّئات والإقلاع عن
تعاطي تلك المخدِّرات يتسبّب في أعراض انقطاع قاسية للغاية تدفع المتعاطي للاستمرار
بل لزيادة تعاطيه. لذلك فإنّ الانتباه لعدم الوقوع في شرك المُخدِّرات هو النجاة
الحقيقة، ويجب المبادرة إلى طلب المشورة والعلاج مهما كانت مرحلة الإدمان حيث
تتحقّق المكاسب الصحيّة لا محالة.
4- من الأضرار الاجتماعيّة للمخدِّرات
- انهيار المجتمع وضياعه بسبب ضياع اللَبِنة الأولى للمجتمع وهي ضياع الأسرة.
- تسلب من يتعاطاها القيمة الإنسانيّة الرفيعة، وتهبط به في أودية
البهيميّة، حيث
تؤدّي بالإنسان إلى تحقير النفس فيصبح دنيئاً مهاناً لا يغار على محارمه ولا على
عرضه، وتفسد مزاجه ويسوء خلقه.
- سوء المعاملة للأسرة والأقارب فيسود التوتّر والشقاق، وتنتشر الخلافات بين
أفرادها.
- امتداد هذا التأثير إلى خارج نطاق الأسرة، حيث الجيران والأصدقاء.
- تفشّي الجرائم الأخلاقيّة والعادات السلبيّة، فمدمن المخدِّرات لا يأبه بالانحراف
إلى بؤرة الرذيلة والزنا، ومن صفاته الرئيسة الكذب والكسل والغشّ والإهمال.
5- الحكم الشرعيّ للمخدِّرات
أجمع علماء المسلمين من جميع المذاهب على تحريم المخدِّرات التي تؤدّي إلى الأضرار
في دين المرء وعقله وطبعه، فقد حرّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسكر من
كلّ شراب كما جاء في العديد من الروايات، وقد نهى الدين الإسلاميّ عن كلّ ما يؤدّي
إلى الإضرار بالنفس، أو بالآخرين.
وأفتى فقهاء المسلمين بالحرمة بالاتفاق، وممّا جاء عنهم:
- يُحرّم تعاطي كلّ ما يضرّ بالبدن والعقل حرمة شديدة كالأفيون والحشيش والكوكايين
وجميع أنواع المخدِّرات الضارّة والسموم9.
- أورد الفقهاء في رسائلهم العمليّة فتاوى جامعة في حرمة الخمر
والمخدِّرات هذه
خلاصتها: يُحرّم استعمال المخدِّرات مع ما يترتب عليه من الضرر البليغ، سواء من جهة
إدمانها، أو من جهة أخرى، بل الأحوط لزوماً اجتنابها مطلقاً، إلّا في حالات الضرورة
الطبيّة ونحوها، فتستعمل بمقدار ما تدعو إليه الضرورة.
6- العلاج: قُوا أنفسكم وأهليكم النار
يخاطب القرآن الكريم جميع المؤمنين، ويرسم لهم المنهج الصالح لتربية الزوجات
والأولاد والأسرة بشكل عامّ، فهو يقول أولاً:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾10,
وذلك بحفظ النفس من الذنوب وعدم الاستسلام للشهوات والأهواء، وحفظ العائلة من
الانحراف بالتعليم والتربية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتهيئة الأجواء
الصالحة والمحيط الطاهر من كلّ رذيلة ونقص. وينبغي مراعاة هذا البرنامج الإلهيّ منذ
اللحظات الأولى لبناء العائلة، أي منذ أولى مقدّمات الزواج، ثمّ مع أوّل لحظة
لولادة الأولاد، ويراعى ويلاحظ بدقّة حتّى النهاية. فإنّ حقوق الزوجة والأولاد لا
تقتصر على توفير المسكن والمأكل، بل الأهمّ تربية نفوسهم وتغذيتها بالأصول
والتعاليم الإسلاميّة وتنشئتها نشأة تربويّة صحيحة.
والتعبير ب "قُوا" إشارةٌ إلى أنّ ترك الأطفال والزوجات دون أيّة
متابعة أو إرشاد سيؤدّي إلى هلاكهم ودخولهم النار شئنا أم أبينا. لذا عليكم أن
تقوهم وتُحذّروهم من ذلك "الوقود" وهو المادة القابلة للاشتعال مثل (الحطب)
وهو بمعنى المعطي لشرارة النار كالكبريت - مثلاً - فإنّ العرب يطلقون عليه
(الزناد). وبناء على هذا فإنّ نار جهنّم ليس كنيران هذا العالم، لأنّها تشتعل من
داخل البشر أنفسهم ومن داخل الصخور وليس من صخور الكبريت وحسب التي أشار إليها بعض
المفسّرين. فإنّ لفظ الآية مطلقاً يشمل جميع أنواع الصخور11.
|