الهدف:
التعرّف إلى أخلاقيّات الحياة الزوجيّة في الإسلام.
تصدير الموضوع:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
"تزوّجوا فإنّي مكاثر بكم الأمم غـداً في القيامـة حتّى إنّ السقط ليجيء
محبنطئاً على باب الجنـة فيقال له أدخل الجنّة فيقول: لا حتّى يدخل أبواي الجنّة
قبلي"1.
تمهيد
"النكاح والتزاوج من السنن الاجتماعيّة التي لم تزل دائرةً في المجتمعات الإنسانيّة
أيّ مجتمع كان على تاريخ هذا النوع إلى هذا اليوم، وهو في نفسه دليل على كونه سنّة
فطريّة. على أنّ أقوى الدليل على ذلك كون الذكر والأنثى مجهّزين بحسب البنية
الجسمانيّة بوسائل التناسل والتوالد..."2.
1- أهمّيّة الزواج في الإسلام
يُفهم من الروايات الكثيرة التي تحثّ على الزواج في السنة المطهّرة حرص النبي صلى
الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام على إرساء قواعد نظام الزواج
وأسسه في الإسلام، وبالإمكان تصنيف هذه الروايات إلى طوائف:
الأولى: الزواج سنّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:
- عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "تزوّجوا فإنّ رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم كثيراً ما كان يقول: من كان يحبّ أن يتّبع سنّتي فليتزوّج فإنّ من سنّتي
التزويج واطلبوا الولد فإنّي أكاثر بكم الأمم غداً"3.
الثانية: كمال العبادة في الزواج:
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولـه: "من تزوّج أحرز نصف دينه". وفي
خبر آخر: "فليتّق الله في النصف الآخر أو الباقي"4.
وعن الإمام
الباقر عليه السلام قال: "ركعتان يصلّيهما متزوّج أفضل من سبعين ركعة
يصلّيهما أعزب"5.
الثالثة: الزواج يجلب الرزق:
- روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء
ظنّه بالله عزّ وجلّ، إنّ الله عـزّ وجلّ يقول
﴿إِن
يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾6"7.
- وعن أبي عبد الله عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"اتّخذوا الأهل فإنّه أرزق لكم"8.
2- التربية على الصبر في الإسلام
يمثّل الصبر والحلم الدرع المثاليّة لصدّ مشاكل الأسرة والحياة الزوجيّة ومعالجته،
فإذا جزع الزوجان عند أوّل مشكلة تطرأ فسيكون الخلاف الأسريّ أمراً لا مفرّ منه.
والصبر بوصفه سمة نفسانيّة يستطيع أن يردع الأزمات، وقد اعتبرته النصوص الإسلاميّة
جزءاً لا يتجزّأ من الإيمان: "فإنّ الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد.."9. وإنّ
الفرد الذي لا يتمتّع برباطة الجأش ليس إلّا عبئاً علي الآخرين فضلاً عن أنّه
يُعلّق علامة استفهام كبيرة
علي صدق إيمانه: "فإنّه لا دين لمن لا صبر له"10.
وفيما يتعلّق بمسائل الأسرة قد يتطلّب تحقيق الأهداف المنشودة وقتاً طويلاً فإذا لم
يتحلّ الأعضاء بالصبر اللازم وأظهروا بالمقابل تسرُّعاً واستعجالاً فسيقعون في
الارتباك والتخبُّط وبالتالي يزيدون من صعوبة الموقف وهذا يكون حائلاً كبيراً أمام
ما يرومونه11 فيما لو تحلّوا بالصبر سيبلغون مقاصدهم عاجلاً أو آجلاً. ورد عن
الإمام عليّ عليه السلام قوله: "لا يُعدم الصبور الظفر وإن طال به الزمان"12،
و"استشعروا الصبر فإنّه أدعى إلى النصر"13.
3- الصبر وسعة الصدر في الحياة الزوجيّة
يتجلّى الصبر وسعة الصدر في الحياة الزوجيّة كسلوك عمليّ في الحياة الزوجيّة من
خلال الأصل التربويّ الهامّ الذي جاء في القرآن الكريم وهو معاشرة المرأة بالمعروف،
ويتجلّى من خلال عدد كبير من المفاهيم الأخلاقيّة والتربية السلوكيّة للزوجين،
منها:
أ- العِشرة الحسنة: إنّ الحياة الزوجيّة السليمة هي الحياة التي يعيش فيها الزوجان
بتناغم وتفاهم كبيرين، والعنوان الأبرز لهما
هو: ألّا يسيء أحدهما للآخر، بل يحرصان
على أن يكون الإحسان والمعروف هما الأصل الحاكم على سير الحياة الزوجيّة بينهما،
قال الله تعالى:
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ
اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾14.
وروي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "خيركم خيركم لنسائه،
وأنا خيركم لنسائي"15. بل ورد في الروايات أن مداراة المرأة وحسن صحبتها في
التعامل قولاً وفعلاً، يؤدّي إلى صفاء الحياة والعلاقة المتبادلة، وذلك لأنّ
التعامل الإيجابيّ من الرجل سيولِّد احتراماً متبادلاً من قبل المرأة تجاهه. جاء في
وصية الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام لمحمد بن الحنفية: "إنَّ المرأة ريحانة
وليست بقهرمانة، فدارِها على كلِّ حال، وأحسن الصحبة لها، فيصفو عيشك"16.
ب- الإكرام والرحمة: من أدنى حقوق الزوجة على زوجها إكرامها، والرفق بها، وإحاطتها
بالرحمة، والمؤانسة. عن الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام: "وأمّا حقُّ رعيّتك
بملك النكاح، فأن تعلم أنّ الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية، وكذلك كلّ
واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم أنّ ذلك نعمة
منه عليه، ووجب أن يحسن
صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقّك عليها أغلظ، وطاعتك بها ألزم في ما
أحبّت وكرهت ما لم تكن معصية، فإنّ لها حقّ الرحمة، والمؤانسة، وموضع السكونإليها
قضاء اللذة التي لا بدّ من قضائها"17.
ج- عدم استخدام القسوة: نهى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن استخدام
القسوة مع المرأة، وجعل من حقّ الزوجة عدم ضربها والصياح في وجهها، ففي جوابه عن
سؤال خولة بنت الأسود عن حقّ المرأة، قال: "حقّكِ عليه أن يُطعمك ممّا يأكل، ويكسوك
ممّا يلبس، ولا يلطم، ولا يصيح في وجهك"18. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "خير
الرجال من أُمّتي الذين لا يتطاولون على أهليهم، ويحنّون عليهم، ولا
يظلمونهم"19.
د- عدم الضرب: ورد عن جابر بن عبد الله الانصاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم أنّه قال: "ألا أخبركم بشرّ رجالكم؟ فقلنا: بلى فقال: إنّ مـن شرّ رجالكم:
البهّات، البخيل، الفاحش، الآكل وحده، المانع رفده، الضـارب أهـله..."20. وعن
شهاب بن عبد ربّه قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: ما حقّ المرأة على زوجها؟
قال:
"يسدّ جوعتها ويستر عورتها ولا يُقبّح لها وجهاً فإذا فعل ذلك فقد والله
أدّى حقّها"21.
هـ إطاعة الزوجة لزوجها: تجب طاعةُ الزوجِ في غير معصية. روي عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "إنّ من القِسمِ المصلح للمرء المسلم أن يكون له المرأة،
إذا نَظَرَ إليها سَرَّتْهُ، وإذا غَابَ عنها حَفِظَتْهُ، وإذا أَمَرَها
أَطاعَتْهُ"22.
و- مراعاة إمكانيّات الشريك: على الزوجة أن تراعي إمكانيّات الزوج في النفقة
وغيرها، فلا تكلّف الزوج ما لا يطيقه من أمر النفقة، فإنّ رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قال: "أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته ما لا يطيق،
لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً إلاّ أن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته"23.
ونِعمَ الواعظ في ذلك ما ورد في سيرة الزهراءعليها السلام سيدة نساء العالمين، ففي
الخبر عن أبي سعيد الخدريّ، قال: أصبح عليّ بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم
ساغباً، فقال: "يا فاطمة هل عندك شيء تغذّينيه؟ قالت: لا والذي أكرم أبي
بالنبوّة وأكرمك بالوصيّة ما أصبح الغداة عندي شيء، وما كان شيء أَطعمنا مذ يومين
إلّا شيء كنت أؤثرك به على نفسي وعلى ابنيَّ هذين الحسن والحسين، فقال علي عليه
السلام: فاطمة: ألا كنت
أعلمتني فأبغيكم شيئاً؟ فقالت: يا أبا الحسن إنّي لأستحيي
من إلهي أن أكلّفك ما لا تقدرعليه"24.
ز- الصبر على أذى الزوج وغيرته: ينبغي للزوجة أن تصبر على أذى الزوج، فلا تقابل
الأذى بالأذى والإساءة بالإساءة، قال الإمام الباقر عليه السلام: "وجهاد المرأة
أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته"25.
ح- لا تغضب زوجها: روي عن الرسـول صلى الله عليه وآله وسلم: "ويـل لامرأة أغضبت
زوجها، وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها"26. وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:
"ثلاثة لا يرفع لهم عمل: عبد آبق، وامرأة زوجها عليها ساخط..."27. فمن حقّ الزوج
على زوجته أن تتجنّب كلّ شيء يؤدّي إلى سخطه وإثارته وغضبه وتنكّد عيشته واستقراره.
4- أصالة علاقة المودّة والمحبّة
ينبغي أن تسود الحياةَ الزوجيّة روح المودّة والمحبَّة والصَّفاء، لأنَّ الحياةَ
الخالية من الحبّ لا معنى لها. والمودَّة من وجهة القرآن، هي الحبّ الفعّال لا ذلك
الحبّ الذي يطفو على السطح كالزَبَد. فالحبّ المنشود هو الحبّ الذي يضرب بجذوره في
الأعماق، والذي يظهر من القلب إلى الحياة بواسطة الأعمال. وإنّ الإسلام يُوجب أن
نبرز عواطفنا تجاه من نُحبّهم، وهو أمرّ تتجلّى ضرورته في الحياة الزوجيّة،
فالمرأة، كما يؤكِّد
الحديث الشريف لا تنسى كلمة الحبّ التي ينطقها زوجها أبداً، عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قول الرجل للمرأة: إنّي أحبّك لا يذهب من
قلبها أبداً"28.
يقول السيد الطباطبائيّ قدس سره في تفسيره الميزان في تفسير قوله تعالى:
﴿وَجَعَلَ
بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾29, "المودّة، كأنّها الحبّ الظاهر أثره في
مقام العمل، فنسبة المودّة إلى الحبّ، كنسبة الخضوع الظاهر أثره في مقام العمل إلى
الخشوع الذي هو نوع تأثُّرٍ نفسانيٍّ عن العظمة والكبرياء (..) ومن أَجَلِّ موارد
المودّة والرحمة: المجتمع المنزليّ، فإنّ الزوجين يتلازمان بالمودّة
والمحبّة..."30.
ومن آثار علاقة المودّة والرحمة، هدوء الأعصاب وسكن النفس وطمأنينة للروح وراحة
للجسد. وهي رابطة تؤدّي إلى تماسك الأسرة وتقوية بنائها واستمرار كيانها الموّحد.
والمودّة والرحمة تؤدّيان إلى الاحترام المتبادل والتعاون الواقعيّ في حلّ جميع
المشاكل الطارئة على الأسرة. وهي ضرورية للتوازن الانفعاليّ عند الطفل، فإنّ:
"اطمئنان الطفل الشخصيّ والأساسيّ يحتاج دائماً إلى تماسك العلاقة بين الوالدين
ويحتاج إلى انسجام الاثنين في مواجهة مسؤوليّات الحياة"31.
|