بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا
محمّد وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين عليهم
السلام ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وبعد...
لا يقتصر مفهوم إحياء الأمر على إقامة المراسم،
ومجالس الفرح والحزن، أو بعض الأنشطة العامّة، فلا
بدّ لتحقّقه من الاعتقاد والالتزام بمجموعة من
المبادئ، تبدأ بمعرفة أهل البيت عليهم السلام
والعقيدة الصحيحة بهم عليهم السلام ، والإيمان
الواعي بنهجهم ومبادئهم، والعمل بهذا النهج
والمبادئ والقيم؛ وذلك لأنّ معرفة أهل البيت عليهم
السلام وولايتهم والإيمان بهم، وأنّهم آل بيت رسول
الله صلى الله عليه وآله وسم المطهّرون، وولاة
الأمر وخلفاؤه على العباد والبلاد، أساس البنية
الإيمانيّة والعقائديّة للإنسان المسلم لناحيتي
الإيمان والعمل. وقد حثّت الروايات على معرفتهم،
فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسم: "مَن
مَنَّ الله عليه بمَعرِفةِ أهلِ بيتي وولايتهم فقد
جمع الله له الخيرَ كله"1.
ومحرّم اسم الشهر الأوّل من السنة الهجريّة. وسمّي
هذا الشهر محرّماً لأنّ أهل الجاهليّة كانوا
يُحرّمون الحرب فيه أيّام الجاهليّة. وقد جُعل أول
يوم منه بداية السنة الهجريّة2.
لكنّ بني أميّة لم يحفظوا لهذا الشهر حرمته
فأراقوا دم سيّد الشهداء عليه السلام وأهل بيته من
بني هاشم، وأصحابه الخلّص. وإلى هذا أشار الإمام
الرضا عليه السلام بقوله: "إنّ المحرّم شهر كان
أهل الجاهليّة يحرّمون القتال فيه، فاستُحِلّت فيه
دماؤنا وهُتِكت فيه حرمتنا، وسُبيت فيه ذرارينا
ونساؤنا، وأُضرمت النيران في مضاربنا، وانتُهب ما
فيها من ثقلنا، ولم يُترَك لرسول الله صلى الله
عليه وآله وسم حرمةٌ في أمرنا"3.
قال السيد الحميري:
في حرام من الشهور أحلّت
حرمة الله والحرام حـرام4
ولهذا يعيد شهر محرّم إلى الأذهان ذكريات واقعة
الطفّ، فصار حلوله يخيّم على القلوب بالحزن، ويدفع
محبّي الحسين عليه السلام إلى إقامة مجالس العزاء
حزناً على مصيبته، فيطغى طابع الحزن والبكاء على
جميع البلدان والمدن الشيعيّة، وتُذرف الدموع
حزناً على شهداء كربلاء.
ولهذا يستعدّ الموالون والمحبّون في أقطار العالم
لاستقبال هذا الشهر الحزين بمصيبة الحسين وزينب
عليهما السلام، وبقيّة الأهل والأصحاب، انسجاماً
مع الحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسم: "إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين
لا تبرد أبداً..."5.
وهذا الكتاب "زاد عاشوراء" خير مساعد للخطيب
والمحاضر الحسينيّ، بما يتضمّنه من مضامين
لمحاضرات ودروس ومواعظ غنيّة بشواهدها، وغالباً ما
تلامس احتياجات الناس، وتراعي المستوى العامّ
عندهم. وقد تضمّن عشرين محاضرة ليستفاد منها في
تنوّع المحاضرات وعدم الوقوع في التكرار.
والحمد لله رب العالمين
أولاً: السياسات العامّة
1. تأكيد أهميّة الجانب المعنويّ الذي يحقّقه
الارتباط بالله تعالى والتوكّل عليه، وأهميّة هذا
الجانب في استنزال المدد الإلهيّ للنصر على
الأعداء، ولو قلَّ المؤمنون وكثر أعداؤهم.
2. ربط الناس بالتّكليف الإلهيّ على قاعدة كونه
الموجِّه لموقف الفرد والأمّة.
3. توجيه الناس نحو العمل للآخرة، لضمان استمرار
الحياة بسعادة باقية، وإبراز دور الشهادة في تحقيق
ذلك.
4. غرس روح التضحية في أبناء الأمّة، لكون معركة
الحقّ ضدّ الباطل لا بدّ لها من تضحيات، وتضحيات
الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء الدليل
الواضح على ذلك.
5. الإرشاد إلى دور الولاية في توجيه الأمّة
وترشيدها، وإلى أنّ وحدة الوليّ والقائد هي الضمان
لوحدة الأمّة وعزِّها.
6. تأكيد ضرورة وحدة المسلمين صفّاً واحداً أمام
أعدائهم.
7. تحديد طواغيت العصر ويزيديّيه المتمثّلين اليوم
في الدرجة الأولى بأمريكا وإسرائيل، والتطرّق إلى
الممارسات الإرهابيّة التي يمارسها هؤلاء الطواغيت
ضدّ مسلمي العالم ومستضعفيه.
8. بيان تكليف الأمّة في نصرة المظلومين.
9. التشديد على ضرورة الثبات في معركة الحقّ ضدّ
الباطل، ودوره في تحقيق النصر الإلهيّ.
10. إبراز التشابه بين ثورة الإمام الحسين عليه
السلام ومعركتنا ضدّ الباطل، سواء على مستوى
الأهداف وممارسات الأعداء، أو على مستوى مشاركة
الشرائح المتنوّعة في المجتمع لنصرة الحقّ (من
شبّان، وشيوخ، ونساء، وأطفال، وطبقات اجتماعيّة
متفاوتة).
11. اللفت إلى ضرورة التكافل الاجتماعيّ في الأمّة
بما يؤمِّن القوّة الداخليّة للمجتمع في معركته
ضدّ الباطل.
12. تقوية علاقة الناس بصاحب العصر والزمان عجل
الله فرجه الشريف، وبيان مسؤوليّتهم في التمهيد
لظهوره المبارك، واستعدادهم لاستمرار التضحية بين
يديه.
ثانياً: التوجيهات العامّة
نقتبس من كلام الإمام الخمينيّ قدس سره بعض
التوجيهات المهمّة للمحاضرين والخطباء الحسينيّين،
وهي:
1. دعا قدس سره إلى تفعيل مجالس الإنشاد للشعر
الحسينيّ والاستماع إليها، فقال: "فلْتُقم مجالس
ذكرى سيّد المظلومين والأحرار بجلال أكثر وحضور
أكثر، فهي مجالس غلبة قوى العقل على الجهل، والعدل
على الظلم، والأمانة على الخيانة، وحكومة الإسلام
على حكومة الطاغوت".
2. اعتبر قدس سره أنّ البكاء في ثقافة عاشوراء
سلاح جاهز على الدوام يمكن رفعه عند الحاجة بوجه
الظالمين. والدموع هي لغة القلب، والبكاء هو صرخة
عصر المظلوميّة. قال الإمام الخمينيّ: "إنّ البكاء
على الشهيد إحياء للثورة، وإحياء لمفهوم أنّ فئة
قليلة تقف بوجه إمبراطور كبير... إنّهم يخشون هذا
البكاء، لأنّ البكاء على المظلوم صرخة بوجه
الظالم"و "لترتفع راياتُ عاشوراء المدمَّاة أكثرَ
فأكثر معلنةً حلول يوم انتقام المظلوم من الظالم".
3. وفي توجيهه المباشر للخطباء الحسينيين، قال
الإمام الخمينيّ قدس سره:
- إنّ على الخطباء أن يقرأوا المراثي حتّى آخر
الخطبة، ولا يختصروها بل ليتحدّثوا كثيراً عن
مصائب أهل البيت عليهم السلام.
- ليهتمّ خطباء المنابر، ويسعوا إلى دفع الناس نحو
القضايا الإسلاميّة وإعطائهم التوجيهات اللازمة في
الشؤون السياسيّة والاجتماعيّة.
- يجب التذكير بالمصائب والمظالم التي يرتكبها
الظالمون في كلّ عصر ومصر.
- أوّل شيء يجب أن تهتمّوا به هو رسالة الثورة في
المصيبة، وفي المدح وفي الأخلاقيّات والوعظ.
وعن كيفيّة إقامة مراسم العزاء يتحدّث الإمام
الخمينيّ قائلاً: إنّه سؤال موجَّه إلى جميع من
يشعر بالمسؤوليّة في هذه القضيّة، وباعتقادي أنّ
هذه المجالس يجب أن تتميّز بثلاثة أمور:
أ. تكريس محبّة أهل البيت عليهم السلام ومودّتهم
في القلوب؛ لأنّ الارتباط العاطفيّ ارتباط قيِّم
ووثيق.
ب. إعطاء صورة واضحة عن أصل قضيّة عاشوراء،
وإظهارها للناس من الناحية الثقافيّة والعقائديّة
والنفسيّة والاجتماعيّة.
ج. تكريس المعرفة الدينيّة والإيمان الدينيّ،
والاعتماد على آية شريفة أو حديث شريف صحيح السند،
أو رواية تاريخيّة ذات عبرة.
4. على أيّ منبر صعدتم وأيّ حديث تحدّثتم، بيّنوا
للناس يزيد هذا العصر وشمر هذا العصر ومستعمري هذا
العصر.
وكذا نجد في كلمات الإمام الخامنئيّ دام ظله
الكثير من التوجيهات المتعلّقة بالمضمون الفكريّ
للمجالس، حيث يقول:
1. من الخطأ أن يواظب المرء في مجلس العزاء، أو في
الهيئة المقيمة للعزاء، على أن لا يدخل في مواضيع
الإسلام السياسيّ. ولا يعني هذا الكلام أنّه كلّما
وقعت حادثة سياسيّة وجب أن نتكلّم فيها في مجالس
العزاء.
2. إنّ فكر الثورة والفكر الإسلاميّ، والخطّ
المبارك الذي أرساه الإمام قدس سره: في هذا البلد،
وتركه لنا هو ما ينبغي أن يكون حاضرًا في إحياء
هذه المراسم.
3. إنّ أكثر من يليق به القيام بإحياء عزاء سيّد
الشهداء، هم هؤلاء المجاهدون في سبيل الله، هؤلاء
المحاربون (المقاتلون).. هؤلاء الشّباب. وعليكم
أنتم أن تعرفوا قدر هذا الأمر، وأن تعملوا على
توجيهه. اعملوا على التوجيه.
4. الالتفات إلى أنّ ثورة الإمام الحسين عليه
السلام كانت لتأدية واجب عظيم وهو إعادة الإسلام
والمجتمع الإسلاميّ إلى الخطّ الصحيح، أو الثورة
ضدّ الانحرافات الخطيرة في المجتمع الإسلاميّ.
وهذا الواجب يتوجّه إلى كلّ فرد من المسلمين عبر
التاريخ، وهو أنّه على كلّ مسلم لزوم الثورة حال
رؤية تفشّي الفساد في جذور المجتمع الإسلاميّ.
5. الالتفات إلى أنّ الإمام الحسين عليه السلام
أحيا بثورته خطّ جدّه رسول اللَّه صلى الله عليه
وآله وسم ونهجه، وهو معنى قول النبي صلى الله عليه
وآله وسم: "حسينٌ منِّي وأنا من حسين"6. |