الهدف العام
التعرّف على جانب من
أسس تدبير شؤون الأسرة من
الناحية الاقتصادية.
المحاور الرئيسة
- الإنفاق واقتصاد الأسرة
- تدبير شؤون الأسرة
ونظمها
- العمل والمثابرة رأس
مال اقتصاد الأسرة
- التربية على استثمار
الموارد
- الدخل والكسب الحلال
- اجتناب الإسراف
والتبذير
تصدير الموضوع
عن الإمام جعفر الصادق
عليه السلام في موعظةٍ
للقمان الحكيم، يقول
فيها: "اعْلَم أَنَّكَ
سَتُسأَلُ غَدَاً إَذا
وَقَفتَ بَينَ يَدَي
اللهِ عزّ وجلّ عَن
أربعٍ: شبابِكَ فيما
أَبلَيتَهُ، وَعُمرِكَ
فيما أَفنيتَهُ، وَمالِكَ
مِمّا اكتَسبتَهُ وَفيما
أَنفَقتَهُ، فَتَأَهَّبْ
لِذلِكَ، وَأَعِدَّ لَهُ
جَوابَاً"1.
الإنفاق واقتصاد الأسرة
قال الله تعالى:
﴿ يَسْأَلُونَكَ
مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ
مَا أَنفَقْتُم مِّنْ
خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ
وَالأَقْرَبِينَ
وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ
السَّبِيلِ وَمَا
تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ
فَإِنَّ اللّهَ بِهِ
عَلِيمٌ﴾.2
وعدّ القرآن الإمساك وعدم
الإنفاق سبيلًا إلى
التهلكة، قال تعالى:
﴿
وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ
اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَةِ
وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ
اللّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ
﴾3؛
كما عدّ الكنـز وحجب
المال عن وظيفته
الاجتماعيّة مدعاةً
للعذاب الأليم:
﴿وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ وَلاَ
يُنفِقُونَهَا فِي
سَبِيلِ اللّهِ
فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ﴾
4. وقد نفى
الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم كمال الإيمان
عمَّنْ يبيت شبعان وجاره
جائع وهو يعلم: "ما
آمن بي من بات شبعان
وجاره جائع وهو يعلم"5.
تدبير شؤون الأسرة
ونظمها
لا يختلف اثنان في أنّ
تدبير شؤون الأسرة يُعدّ
من الأمور الرئيسة لكلّ
إنسانٍ. ولرسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم
كلامٌ رائعٌ في هذا
المجال، عندما خاطب ابن
مسعود، قائلاً: "يا
ابن مسعود، إذا عملتَ
عمَلاً فاعملْ بعلمٍ
وعقلٍ، وإيّاكَ وأنْ
تعملَ عملاً بغيرِ تدبّرٍ
وعلمٍ، فإنّه جلَّ جلالهُ
يقولُ: وَلا تَكُونُوا
كَالَّتِي نَقَضَتْ
غَزْلَها مِنْ بَعْدِ
قُوَّةٍ أَنْكاثَاً"6.
وقد أكّد الإمام جعفر
الصادق عليه السلام على
هذه الحقيقة، بقوله: "لا
يَصلُحُ المؤمنُ إلا على
ثَلاثِ خِصالٍ:
التَّفقُّهِ في الدِّينِ،
وحُسنِ التَّقديرِ في
المعيشةِ، والصَّبرِ على
النّائبَةِ"7.
وروي عن الإمام جعفر
الصادق عليه السلام أنّه
قال: "كانَ أميرُ
المؤمنينَ عليه السلام
يَحتطِبُ ويَستقِي
ويَكنِسُ، وكانتْ فاطمةُ
عليها السلام تَطحَنُ
وتَعجِنُ وتَخبُزُ"8.
وعن الإمام موسى الكاظم
عليه السلام: "اجْتَهِدُوا
فِي أَنْ يَكُونَ
زَمانُكُمْ أَرْبَعَ
ساعاتٍ: ساعَةً
لِمُناجاةِ اللهِ،
وساعَةً لأَمْرِ
الْمَعاشِ، وساعَةً
لِمُعاشَرَةِ الإِخْوَانِ
والثِّقَاتِ الَّذِينَ
يُعَرِّفُونَكُمْ
عُيُوبَكُمْ ويُخْلِصُونَ
لَكُمْ فِي الْباطِنِ،
وسَاعَةً تَخْلُونَ فِيها
لِلَذّاتِكُمْ فِي غَيْرِ
مُحَرَّمٍ، وبِهذِهِ
السّاعَة تَقْدِرُونَ
عَلَى الثَّلاثِ ساعاتٍ.
لا تُحَدِّثُوا
أَنْفُسَكُمْ بِفَقرٍ،
ولا بِطُولِ عُمُرٍ،
فَإِنَّهُ مَنْ حَدَّثَ
نَفْسَهُ بِالْفَقرِ
بَخِلَ، ومَنْ حَدَّثَهَا
بِطُولِ الْعُمُرِ
يَحْرِصُ.
اجْعَلُوا
لأَنفُسِكُمْ حَظّاً مِن
الدُّنْيا، بِإِعْطائِها
ما تَشْتَهِي مِن
الْحَلالِ، وما لا
يَثْلِمُ الْمُرُوَّةَ
وما لا سَرَفَ فِيهِ،
واسْتَعِينُوا بذلِكَ
عَلَى أُمُورِ الدِّينِ،
فَإِنَّهُ رُوِيَ: لَيْسَ
مِنّا مَنْ تَرَكَ
دُنْياهُ لِدِينهِ، أَو
تَرَكَ دِينَهُ
لِدُنْياهُ"9.
العمل والمثابرة رأس مال
اقتصاد الأسرة
كان ديدن أنبياء الله
تعالى وأوليائه الصّالحين
عليهم السلام على هذا
النهج، حيث أشار الإمام
موسى الكاظم عليه السلام
إلى هذه الحقيقة. فعن
الحسن بن عليّ بن أبي
حمزة، عن أبيه، قال:
رأيتُ أبا الحسن عليه
السلام يعمل في أرضٍ له
وقد استنقعت قدماه في
العرَق، فقلت: جُعلت
فداك، أين الرجال؟ فقال
عليه السلام: "يا
عَليُّ، قَد عَملَ
بِاليدِ مَن هُو خيرٌ
مِنّي في أِرضِهِ، ومِن
أبي". فقلت: ومن هو؟
فقال: "رَسولُ اللهِ صلى
الله عليه وآله وسلم
وأَميرُ المؤمِنينَ عليه
السلام ، وآبائي كُلُّهُم
كانوا قَد عَملُوا
بأَيدِيهِم، وهُو مِن
عَملِ النَّبييِّنَ
والْمُرسَلينَ والأوصياءِ
والصّالِحينَ"10.
وروي عن زرارة: أنّ رجلاً
أتى الإمام الصادق عليه
السلام ، فقال له: إنّي
لا أُحسن أن أعمل عملاً
بيدي، ولا أُحسن أن
أتّجر، وأنا محارفٌ11
محتاجٌ! فقال له الإمام
عليه السلام: "اعْمَلْ،
فَاحمِلْ على رَأسِكَ،
واسْتغنِ عَن النّاسِ،
فإنَّ رَسولَ اللهِ صلى
الله عليه وآله وسلم قَد
حَمَلَ حَجَراً عَلى
عُنُقِهِ، فَوَضَعَهُ في
حائطٍ مِن حيطانِهِ،
وإنَّ الحجَرَ لَفِي
مَكانِهِ ولا يُدرى كَمْ
عُمقُهُ"12.
التربية على استثمار
الموارد
صرّح القرآن الكريم
بمشروعيّة جمع الثروة،
وأهمّيّة تأمين المصادر
الاقتصاديّة واستثمارها
في مجال الإنتاج، وأشار
إلى أنّ الله تعالى خلق
الإنسان من الأرض،
وسخّرها له، وأوكل إليه
إعمارها، حيث قال:
﴿ هُوَ
أَنشَأَكُم مِّنَ
الأَرْضِ
وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾13،
وبالطبع، فإنّ عمران
الأرض لا يتمّ إلا عن
طريق الاستثمار.
وروى محمّد بن عذافر، عن
أبيه، قال: أعطى أبو عبد
الله عليه السلام أبي
ألفاً وسبعمائة دينارٍ،
فقال له: "اتَّجِر لِي
بِها". ثمّ قال عليه
السلام: "أَما إنّهُ
لَيسَ لِي رَغبَةٌ في
رِبحِها، وإنْ كانَ
الرّبحُ مَرغوباً فيهِ،
ولكِنِّي أحبَبتُ أن
يَراني اللهُ عزّ وجلّ
مُتعرِّضاً لفَوائدِهِ".
قال: فربحت له فيها مائة
دينارٍ، ثمّ لقيته، فقلت
له: قد ربحت لك فيها مائة
دينارٍ، ففرح أبو عبد
الله عليه السلام بذلك
فرحاً شديداً، وقال لي: "أَثبِتْها
في رَأسِ مالِي"14.
وقد أوصى الإمام جعفر
الصادق عليه السلام أحد
أصحابه أن يشتري مزرعةً
أو بستاناً، لأنّ الذي
يمتلك رصيداً مادّيّاً
يؤمّن حاجاته وحاجات
عياله، سوف لا يعاني
كثيراً، ويرتاح باله، لو
تعرّض إلى نائبةٍ أو
حادثةٍ. فقد روى محمّد بن
مرازم، عن أبيه: أنّ أبا
عبد الله عليه السلام قال
لمصادف مولاه:
"اتّخِذْ عقدةً أو
ضَيعةً، فإنّ الرّجلَ إذا
نزَلت بهِ النّازِلةُ أو
المصيبةُ، فذَكرَ أنّ
وَراءَ ظهرِهِ ما يقيمُ
عيالَهُ، كانَ أسخَى
لنفسِهِ"15.
وأوصى رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم الناس
باستثمار أموالهم، وعدَّ
ذلك من المروءة، حيث قال:
"مِن المروءَةِ
استصلاحُ المالِ"16.
وروي عن الإمام الصادق
عليه السلام: "إنَّما
أعطاكُمْ اللهُ هذهِ
الفُضولَ مِن الأموالِ،
لتُوجِّهوها حيثُ
وَجّهَها اللهُ، ولَم
يُعطِكُموها لتكنِزُوها"17.
الدخل والكسب الحلال
بما أنّ الدخل من مواضيع
الأحكام الإسلاميّة، فمن
الضروريّ للمسلم أن يعلم
مصدر تحصيل دخله، وكيف
يحصل عليه، وأين ينفقه.
عن الإمام علي عليه
السلام قال: "إنَّ
مَعايشَ الخلقِ خمسَةٌ،
الإمارَةُ والعِمارةُ
والتِّجارَةُ والإجارَةُ
والصَّدَقاتُ"18.
وروي عن الإمام جعفر
الصادق عليه السلام: "وأمّا
وُجوهُ الحرامِ، مِن
البيعِ والشِّراءِ،
فكُلُّ أمرٍ يكونُ فيه
الفسادُ مِمّا هو مَنهيٌّ
عَنهُ، مِن جِهةِ أكلِهِ،
وشُربِهِ، أو كسبِهِ، أو
نِكاحِهِ، أو مُلكِهِ، أو
إمساكِهِ، أو هِبَتِهِ،
أو عاريَتِهِ، أو شَيءٌ
يَكونُ فيهِ وَجهٌ من
وُجوهِ الفَسادِ"19
وتجدر الإشارة إلى أنّ
بعض الروايات أطلقت على
اقتناء المال الحرام
عنوان (أكل السُّحت)
وعدّته من كبائر الذنوب،
إذ نهت عنه نهياً شديداً.
لذا يجب القول: إنّ
المراد من أكل السُّحت لا
يعني بالضرورة
الأكل والشرب، بل يعني
مطلق التصرّفات بالأموال
المحرّمة، وعدم إرجاعها
إلى أهلها. وتوجد روايات
مستفيضة حثّت الناس على
ضرورة السعي في كسب لقمة
العيش بطُرُقٍ مشروعّةٍ،
نذكر منها ما روي عن رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم: "العِبادَةُ
سَبعونَ جُزءاً، أفضلُها
طَلَبُ الحلالِ"20.
وروي عن الرسول الأكرم
صلى الله عليه وآله وسلم
أيضاً أنّه قال: "مَن
باتَ كالّاً مِن طَلَبِ
الحلالِ، باتَ مَغفُوراً
لَهُ21".
وعن الإمام جعفر الصادق
عليه السلام أنّه قال: "...
فبَكِّروا في طَلبِ
الرِّزقِ، واطلُبوا
الحلالَ، فإنَّ اللهَ
سيرزُقُكُم ويُعينُكُم
عَليهِ"22.
وللإمام عليّ بن موسى
الرضا عليه السلام كلامٌ
طويلٌ ذكر فيه ما حرّم
الله تعالى، منه: "واجتنابُ
الكبائرِ، وهي قَتلُ
النَّفسِ التي حرَّمَ
اللهُ تعالى، ... وأكلُ
الرِّبا بَعدَ
البيٍّنَةِ، ... والبَخسُ
فِي المكيالِ والميزانِ،
... والإسرافُ،
والتَّبذيرُ، والخيانَةُ"23.
اجتناب الإسراف والتبذير
أ- وجوب اجتناب الإسراف:
"السّرف هو تجاوز
الحدّ في كلّ فعلٍ يفعله
الإنسان، وإن كان ذلك في
الإنفاق أشهر"24.
ونستلهم
من آيات القرآن الكريم
أنّ الإسراف يقابل
التقتير، حيث قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ
إِذَا أَنفَقُوا لَمْ
يُسْرِفُوا وَلَمْ
يَقْتُرُوا وَكَانَ
بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾
25. وقد عدّ
الله الإسراف من السُّنَن
الفرعونيّة:
﴿...
وَإِنَّ فِرْعَوْنَ
لَعَالٍ فِي الأَرْضِ
وَإِنَّهُ لَمِنَ
الْمُسْرِفِينَ﴾،26
وتوعّد المسرفين بعذابٍ
أليمٍ:
﴿...
وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ
هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾27.
ويُعدّ الإسراف في
استهلاك الموارد
الطبيعيّة تعدّياً على
حقوق الآخرين، وإهداراً
للثروة العامّة التي هي
حقٌّ لجميع البشر
والأجيال كافة. وحسب
الرؤية الإسلاميّة، فإنّ
نتيجة الإسراف والإنفاق
المفرط ليست سوى إهدار
الثروة العامّة،
وبالتّالي حرمان الشّعب
منها. قال الإمام عليّ
عليه السلام في هذا
الصدد: "السَّرفُ
مَثواةٌ"28.
وذلك لأنّ الإسراف خروج
عن مستوى التوازن، أي عن
حكم العقل والإذعان
لأهواء النفس. فهو إهدارٌ
للنعمة التي أكرم الله
تعالى بها عباده، لإمرار
معاشهم. ونتيجة هذا
الإهدار هي البعد عن رحمة
الله تعالى ورضوانه29.
ب- وجوب اجتناب التّبذير:
التبذير: التفريق، وأصله
إلقاء البذر وطرحه،
فاستعير لكلِّ مُضيِّعٍ
لماله، فتبذير البذر:
تضييعٌ في الظاهر لمن لم
يعرف مآل ما يلقيه30.
والقرآن الكريم بدوره عدّ
المبذّرين إخوانَ
الشياطين، حيث قال تعالى:
﴿ ِانَّ
الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ
إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ
وَكَانَ الشَّيْطَانُ
لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾31.
أمّا كون المبذّرين إخوان
الشياطين، فذلك لأنّهم
كفروا بنعم الله، حيث
وضعوها في غير مواضعها
تماماً، كما فعل الشيطان
مع نِعم الله تعالى. ثمّ
إنّ استخدام (إخوان) يعني
أنّ أعمالهم متطابقةٌ
ومتناسقةٌ مع أعمال
الشيطان، كالأخَوين
اللَّذَين تكون أعمالهما
متشابهةً32.
وقد أنّب القرآن الكريم
المسرفين والمبذّرين
تأنيباً شديداً، وذمّ
تصرّفاتهم في موارد
كثيرة، حيث أكّد على
أنّهم سيُحرَمون من محبّة
الله تعالى:
﴿...
كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ
إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ
حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ
وَلاَ تُسْرِفُواْ
إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ
الْمُسْرِفِينَ﴾33،
كما قال تعالى في الصدد
نفسه:
﴿يَا
بَنِي آدَمَ خُذُواْ
زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ
مَسْجِدٍ وكُلُواْ
وَاشْرَبُواْ وَلاَ
تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ
يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾34.
|