الهدف العام
التعرّف على مواقف
أصحاب الإمام الحسين
وإخلاصهم لإمامهم حتى
الشهادة.
المحاور الرئيسة
- طاعةُ القائد في
المعركة
- طاعة أصحاب الإمام
الحسين وتسليمهم لقائدهم
- ثبات الأصحاب عليهم
السلام ليلة العاشر
- أثر حضور القادة في
المعركة
تصدير الموضوع
قال الإمام الحسين عليه
السلام لأخته الحوراء
زينب عليها السلام ، التي
سألته قائلةً: "يا بن
أمّي، هل استعلمت من
أصحابك نيّاتهم؟ فإنّي
أخاف أن يسلموك عند
الوثبة واصطكاك الأسنّة"،
فبكى الحسين عليه السلام
، وقال: "أما والله
لقد بلوتهم، فما رأيت
فيهم إلّا الأشوس الأقعس،
يستأنسون بالمنيّة دوني
استئناس الطفل بلبن أمّه"1.
مقدِّمة
صحيحٌ أنّ الله تعالى
فضّل المجاهدين في سبيله
على القاعدين حيث قال:
﴿ وَفَضَّلَ
اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ
عَلَى الْقَاعِدِينَ
أَجْرًا عَظِيمًا﴾2،
ولكن ليس كلّ من حمل
السِّلاح وانطلق لقتال
العدوّ نال بركة الجهاد
وثوابه، فكثير ممن قاتل
مع رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ما لبثوا
أن انقلبوا على أعقابهم
خاسرين، قال تعالى:
﴿يَا
قَوْمِ
ادْخُلُوا الأَرْضَ
المُقَدَّسَةَ الَّتِي
كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ
وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى
أَدْبَارِكُمْ
فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾3.
طاعةُ القائد في المعركة
من أهمِّ الشُّروط التي
يجب على المجاهد في سبيل
الله الالتزام بها طاعة
القيادة. قال تعالى:
﴿وَأَطِيعُواْ
اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ
تَنَازَعُواْ
فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ
رِيحُكُمْ...﴾4.
وإنَّ أوَّل عمل ركَّز
عليه الإسلام في بداية
ظهوره هو الطّاعة لله
ورسوله، حيث قال تعالى:
﴿وَمَن
يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ
اللَّهَ وَيَتَّقْهِ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْفَائِزُونَ﴾5،
فالفوز في الدّنيا
والآخرة مرهونٌ بطاعة
الله وطاعة رسوله وأهل
بيته أجمعين، قال تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ أَطِيعُواْ
اللّهَ وَأَطِيعُواْ
الرَّسُولَ وَأُوْلِي
الأَمْرِ مِنكُمْ﴾6.
كما ويَروي التاريخُ لنا
حادثةً معبِّرةً، تحكي عن
فداحة التخلُّفِ عن أوامر
القيادة لما له من عواقب
وخيمةٍ ، حين أعدَّ
النَّبيّ الأكرم صلى الله
عليه وآله وسلم جيشاً قبل
وفاته، وعيَّن قائداً
عليه لم يتجاوز من العمر
أكثرَ من عشرين سنة، وكان
ذلك سبباً عند بعض الناس
للتخلُّف والعصيان،
فعلِمَ رسولُ الله صلى
الله عليه وآله وسلم
بالأمر وقال جملتَهُ
المشهورةَ: "لعن الله
من تخلَّفَ عن جيش أسامة"7.
طاعة أصحاب الإمام الحسين
وتسليمهم لقائدهم
تروي المصادر التاريخية
أنّ الإمام الحسين عليه
السلام جمع أصحابه قرب
المساء، وقال لهم: "...أما
بعد: فإنّي لا أعلم
أصحاباً أوفى ولا خيراً
من أصحابي، ولا أهل بيت
أبرّ ولا أوصل من أهل
بيتي؛ فجزاكم الله عنّي
خيراً. ألا وإنّي لأظنّ
أنّه آخر يوم لنا من
هؤلاء، ألا وإنّي قد
أَذِنْتُ لكم فانطلقوا
جميعاً في حلّ، ليس عليكم
مني ذمام. هذا الليل
قد غشيكم فاتّخِذوه
جملاً"8.
فبرزت المواقف البطولية
من أصحابه، وأعلنوا صراحة
طاعتهم لله ورسوله
ووليّه، نذكر منها:
أ. موقف زهير بن
القين:
قام زهير بن القين
البجليّ رحمه الله فقال:
"والله، لوددتُ أنّي
قُتِلت ثمّ نُشِرت ثمّ
قُتِلت، حتى أقتل هكذا
ألفَ مرّة، وأنّ الله
تعالى يدفع بذلك القتل عن
نفسك، وعن أنفس هؤلاء
الفتيان من أهل بيتك"9.
ب. موقف محمّد بن
الحضرميّ:
"قيل لمحمد بن الحضرمي
[وهو مع الحسين في
كربلاء]: أُسر ابنك بثغر
الريّ.
قال: عند الله أحتسبه
ونفسي، ما كنت أحبُّ أنْ
يُؤسر، ولا أن أبقى بعده.
فسمع قوله الحسين عليه
السلام ، فقال له: "رحمك
الله! أنت في حلّ من
بيعتي، فاعمل في فكاك
ابنك".
قال: "أكلتني السباع
حيّاً إن فارقتك"10.
ج. موقف مسلم بن عوسجة:
قام إليه مسلم بن عوسجة،
فقال: "أنخلي عنك،
ولَمَّا نُعذَرْ إلى الله
سبحانه في أداء
حقِّك؟! أَمَا والله حتى
أطعن في صدورهم برمحي،
وأضربهم بسيفي ما ثبت
قائمه في يدي، ولو لم يكن
معي سلاح أقاتلهم به،
لقذفتهم بالحجارة. والله،
لا نُخْلِيْكَ حتى يعلمَ
الله أنْ قد حفظنا غيبة
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم فيك. والله، لو
علمت أنّي أُقتل ثمّ
أُحيا ثمّ أُحرق ثمّ
أُحيا ثمّ أذرّى، يُفعل
ذلك بي سبعين مرّة ما
فارقتك حتى ألقى حِمامي
دونك، فكيف لا أفعل ذلك
وإنّما هي قتلة واحدة،
ثمّ هي الكرامة التي لا
انقضاء لها أبدا"11.
د. موقف القاسم بن الحسن:
القاسم بن الحسن المجتبى
ابن أمير المؤمنين عليهم
السلام ، غلام لم يبلغ
الحلم، عندما سأله أبو
عبد الله عليه السلام عن
طعم الموت:
"قال له القاسم بن
الحسن: وأنا فيمن يقتل؟
فأشفق عليه، فقال له: يا
بنيّ، كيف الموت عندك؟!
قال: يا عمّ، أحلى من
العسل.
فقال: إي والله، فداك
عمّك! إنّك لأحد من يُقتل
من الرجال معي، بعد أن
تبلو ببلاء عظيم، وابني
عبد الله"12.
ثبات الأصحاب عليه السلام
ليلة العاشر
لقد أجاز الإمام الحسين
عليه السلام أصحابه،
وأعطاهم الرخصة بالذهاب
ليلة العاشر من المحرّم،
قائلاً: "إنّ هؤلاء
يريدونني دونكم، ولو
قتلوني
لم يُقبِلوا إليكم،
فالنجاة النجاة، وأنتم في
حلّ، فإنّكم إن أصبحتم
معي قُتلتم كلكم".
فقالوا: "لا نخذلك،
ولا نختار العيش بعدك"13.
لكن ماذا كان موقف
الأصحاب والآل؟
أ. العباس: رد
العبّاس بن عليّ عليهما
السلام، أمان الشمر
قائلاً: "لعنك الله
ولعن أمانك، أتؤمننا وابن
رسول الله لا أمان له؟"
وفي رواية: فناداه العباس
ابن أمير المؤمنين
عليهما السلام: "تبّت
يداك، ولعن ما جئتنا به
من أمانك يا عدوّ الله.
أتأمرنا أن نترك أخانا
وسيّدنا الحسين بن فاطمة،
وندخل في طاعة اللعناء
وأولاد اللعناء؟"14.
ب. زهير: وهذا
زهير بن القين، يخاطب
الشمر حين هدّده ورماه
بالسهم، فيقول: أفبالموت
تخوّفني؟ فواللَّه،
لَلموتُ أحبُّ إليّ من
الخلد معكم15.
ج. عابس بن أبي شبيب
الشاكريّ: خاطب عابس
الإمام عليه السلام ،
قائلاً: "أمّا بعد،
فإنّي لا أخبرك عن الناس،
ولا أعلم ما في أنفسهم،
وما أغرَّك منهم. والله
أحدّثك عمّا أنا موطّن
نفسي عليه، والله
لأجيبنّكم إذا دعوتم،
ولأقاتلنّ معكم عدوّكم،
ولأضربنّ بسيفي دونكم حتى
ألقى الله، لا أريد بذلك
إلا ما عند الله"16.
د. حبيب: قال
الشيخ الكبير حبيب بن
مظاهر: "رحمك الله! قد
قضيت ما في نفسك بواجزٍ
من قولك"، ثمّ قال:
"وأنا، والله الذي لا إله
إلا هو، على مثل ما هذا
عليه"17.
وفي موقف آخر لحبيب عندما
علِم من نافع بن هلال
بأنّ السيدة زينب عليها
السلام وباقي النساء في
حال وجلٍ ورعب: قال: "يا
أصحاب الحميّة، وليوث
الكريهة، هذا نافع بن
هلال يخبرني الساعة بكذا
وكذا، فأخبروني عن
نيّاتكم. فجرَّدوا
صوارمهم، ورموا عمائمهم،
وقالوا: أما والله يا بن
مظاهر، لئن زحف القوم
إلينا لنحصدنّ رؤوسهم،
ولنلحقنّهم بأشياخهم،
ولنحفظنّ رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم في
عترته وذريته.
فقال لهم حبيب: معي معي.
فقام يخبط الأرض بهم، وهم
يعْدُون خلفه، حتى وقف
بين أطناب الخيم، ونادى:
السلام عليكم يا ساداتنا،
السلام عليكم يا معشر حرم
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ، هذه صوارم
فتيانكم آلوا أن لا
يغمدوها إلّا في رقاب من
يبتغي السوء فيكم، وهذه
أسنّة غلمانكم آلوا أن لا
يركزوها إلّا في صدور من
يفرّق بين ناديكم"18.
أثر حضور القادة في
المعركة
يجب أن لا يغيب عن بال
أحد ما لحضور القادة في
الميدان مع
المجاهدين من الأثر
الكبير على المعركة
والمجاهدين معاً، ومجريات
الأحداث ونتائج المعركة
شهادة كانت أو انتصاراً،
وما للقيادة الشخصية
لرسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم للمعارك ومن
بعده حضور كل من الإمام
عليّ عليه السلام والإمام
الحسين عليه السلام في
قيادة المعركة، وما
لوجودهم الشخصيّ في ميدان
الحرب من دلالات تشريعية
وتربوية وروحية عميقة،
رسَخت عبر التاريخ في
قلوب المجاهدين
والمقاومين، وأصبحت
عنصراً فاعلاً في كلّ
الانتصارات. ومن هذه
المدرسة تخرّج القادة
الشهداء والمجاهدون في
المقاومة الإسلامية في
لبنان، فكانت قوة
المقاومة وثباتها، وأصبح
دم الشهداء عنصراً حاسماً
في النصر.
وهذا ما شاهدناه في
مجاهدي المقاومة
الإسلامية في لبنان حيث
جسّدت أقدس المعارك من
خلال مواجهتها للعدوان
الإسرائيليّ والحرب
التكفيرية على المقاومة،
وكان السلاح الأقوى في
هذه الحرب الإيمان
والإرادة والثبات
والتوكّل على الله تعالى
والطاعة له سبحانه.
فالمجاهدون بحقّ كانوا
رجال الله، وقد تولّاهم
الله بعنايته ورحمته
وتوفيقه وتسديده، وقائدهم
السيد الملهم أعاد إلى
الأذهان صوت محمد صلى
الله عليه وآله وسلم
بقيادته الإلهية الحكيمة،
وشجاعة عليّ في خيبر،
ولهذا أعلن باطمئنان
ووثوق انتهاء زمن الهزائم
وولادة زمن الانتصارات.
قال الله تعالى:
﴿....
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ
مَن يَنصُرُهُ إِنَّ
اللَّهَ لَقَوِيٌّ
عَزِيزٌ﴾19.
|