المحاضرة الرابعة عشرة: الصدق منجاة

الهدف العام
التعرف على قيمة الصدق وأثره في تحصين الفرد والمجتمع

المحاور الرئيسة
- قيمة الصدق وأهميته
- من آثار الصدق
- الصدق عمل الجنة
- تأثير الصدق في حياة الإنسان
- بالصدق يصلح السلوك


133


تصدير الموضوع

ورد في الرواية الشريفة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "الصِّدقُ صلاح كُلِّ شيء والكِذبُ فَسـادُ كُلِّ شَيء".

قيمة الصدق وأهميته

مفردة الصدق متفق على حسنها ومدحها وأهميتها في كل المجتمعات البشرية؛ فهو زينة الحديث، ورمز الاستقامة والصلاح، وسبب النجاح والنجاة. وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تتحدّث عن أهميّة الصدق وقيمته، ودوره في تحصين الشخصية. وما ورد في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام يعتبر أن الصدق: "رأس الإيمان، ودعامة الإيمان، ولباس الدين"، و"روح الكلام"، و"فيه صلاح كل شيء". وقد كرَّم أهلُ البيت عليهم السلام هذا الخلق الرفيع.

فقد تحدث القرآن الكريم عمّا يترتب من النتائج الايجابية والثواب العظيم على الصدق ﴿قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 1.

فبعد أن تذكر الآية ظاهرة انحراف النصارى عن دائرة التوحيد وسؤال الله تعالى المسيح يوم القيامة عن سبب هذا الانحراف وتبرئة المسيح لنفسه من هذه التهمة تقول الآية: ﴿
قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ


134


صِدْقُهُمْ ....، وتبين ما يترتب من النتائج الايجابية والثواب العظيم على هؤلاء الصادقين وتقول: ﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ....

ويخاطب الله جميع المؤمنين من موقع الأمر بتقوى الله تعالى الذي يقترن مع الصدق، حيث قال تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ2.

كما يبشر الله طوائف عدّة بالمغفرة والثواب الجزيل. والطائفة الرابعة منهم هم الصادقون والصادقات، حيث قال تعالى: ﴿
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ ... أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا 3.

وورد في الحديث الشريف عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في بيان أهميّة الصدق قوله: "لا تَنظُروا إلى كَثْرَةِ صَلاتِهِم وَصَومِهِم وَكَثْرَةِ الحَجِّ وَالمَعرُوفِ وَطَنطَنَتِهِم بِالَّليلِ وَلَكِنْ اُنظُرُوا إِلى صِدقِ الحَدِيثِ وَأَداءِ الأَمانةِ"4.

ونقرأ في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام: "إِن اللهَ عزّ وجلّ لَم يَبعَثْ نَبيّاً إلاّ بِصدقِ الحَدِيثِ وَأَداءِ الأمـانةِ إِلَى البِرِّ والفـاجِرِ"5.
 


135


من آثار الصدق
أ. نماء العمل: ورد عن الإمام الصادق عليه السلام حول تأثير الصدق في جميع أعمال الإنسان وسلوكياته قوله: "مَن صَدَقَ لِسانُهُ زكَا عَمَلُهُ"6، لأنّ الصدق يمثل الجذر والأساس لجميع الأعمال الصالحة.

ب. القرب من الصالحين: وفي حديث آخر عن الإمام الصادق أيضاً في كتابه إلى أحد أصحابه ويُدعى عبد الله بن أبي يعفور قال له: "انْظُرْ مَا بَلَغَ بِهِ عَلِيٌّ عليه السلام عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَالْزَمْهُ، فَإِنَّ عَلِيّاً عليه السلام إِنَّمَا بَلَغَ مَا بَلَغَ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ"7.

ج. النجاة: وجاء عن أمير المؤمنين عليه السلام حديث يتحدّث فيه عن تأثير الصدق في نجاة الإنسان من الأخطار والمشكلات حيث يقول: "الزموا الصدق فإنّه منجاة"8.

حفظ الدين: وعن أهميّة الصدق يكفي أن نذكر الحديث الشريف الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: "الصِّدقُ رأسُ الدِّينِ"9. وعليه فالحفاظ على الدين يكون من خلال الصدق.

ويقول في حديث آخر: "الصِّدقُ صَلاحُ كُلِّ شَيء"10.
 


136


ويقول في حديث آخر أيضاً: "الصِّدقُ أَقوى دَعـائِمِ الإِيمـانِ"11.

وفي رواية اُخرى يقول: "الصِّدقُ جَمـالُ الإنسـانِ وِدَعـامَةُ الإيمـانِ"12.

وأخيراً يضيف إلى ذلك تعبيراً مهمّاً آخر عن الصدق ويقول: "الصِّدقُ أَشرَفُ خَلائِقِ المُوقِنِ"13.

الصدق عمل الجنّة

جاء في حديث شريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتحدّث فيه عن مفتاح الجنّة والنار ويقول: "إِنّ رَجُلاً جـاءَ إِلى النَّبِيِّ فَقـالَ يـا رَسُولَ اللهِ مـا عَمَلُ الجَنَّةِ؟ قَـالَ: الصِّدقُ، إِذا صَدَقَ العَبدُ بَرَّ وإذا بَرَّ آمَنَ، وإذا آمَنَ دَخَلَ الجَنَّةَ قَـالَ: يـا رَسُولَ اللهِ وَمـا عَمَلُ النَّارِ؟ قَالَ: الكِذبُ، إِذا كَذَبَ العَبدُ فَجَرَ، وَإِذا فَجَرَ كَفَرَ، وإِذا كَفَرَ دَخَلَ النَّارَ"14.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "أَرْبَعٌ مَنْ أُعْطِيَهُنَّ فَقَدْ أُعْطِيَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: صِدْقُ حَدِيثٍ، وَأَدَاءُ أَمَانَةٍ، وَعِفَّةُ بَطْنٍ، وَحُسْنُ خُلُق‏"15.

تأثير الصدق في حياة الإنسان

- الكذاب كالميت: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "الكَذِّابُ والمَيِّتُ سَواءٌ فإنَّ فَضِيلَةَ الحَيِّ عَلَى المَيِّتِ الثِّقَةُ بِهِ، فَإذا لَمْ يُوثَقُ


137


بَكلامِهِ فَقَد بَطَلَتْ حَيـاتُهُ"16.

- جلالة القدر: الصدق يهب لصاحبه شخصية اجتماعية مرموقة، والإنسان الصادق يعيش حياة العزّة والكرامة دائماً، أمّا الكاذب فيعيش حالة الدناءة والحقارة والانتهازية. ولهذا ورد عن أمير المؤمنين أنّه قال: "عَلَيكَ بِالصِّدقِ فَمَنْ صَدَقَ فِي أَقوالِهِ جَلَّ قَدرُهُ"17.

- المحبة والثقة: الصدق يوطد أركان المحبّة ويعمّق وشائج المودّة بين أفراد المجتمع وبذلك يفضي على شخصية هؤلاء الأفراد نوراً وبهاءً أكثر، ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "يَكتَسِبُ الصَّادِقُ بِصِدقِهِ ثَلاثاً، حُسنُ الثِّقَةِ بِهِ والمَحَبَّةُ لَهُ وَالمَهـابَةُ مِنهُ"18.

بالصدق يصلح السلوك

ورد في الحديث الشريف عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه جاء رجل إليه صلى الله عليه وآله وسلم وقال: أنا يا رسول الله أستسرّ بخلال أربع، الزنا، وشرب الخمر، والسرقة، والكذب، فأيّتهنّ شئت تركتها لك، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "دع الكذب".

فلمّا ولّى همّ بالزنا فقال: يسألني فإن جحدت نقضت ما جعلت له وإن أقررتُ حِددْت، ثم همّ بالسرقة ثم بشرب الخمر ففكّر في مثل ذلك فرجع إليه فقال: قد أخذت عليَّ السبيل كلّه فقد تركتهنّ أجمع19.


138


 

هوامش

1- سورة المائدة، الآية 119.
2- سورة التوبة، الآية 119.
3- سورة الأحزاب، الآية 35.
4- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 303. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص9.
5- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص104.
6- المصدر نفسه، ح3.
7- المصدر نفسه، ح5.
8- الشيخ ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسم ، مصدر سابق، ص 104.
9- الليثي الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق وتصحيح حسين الحسني البيرجندي‏، نشر دار الحديث، إيران - قم، 1418ه‏، ط1، ص 25.
10- المصدر نفسه، ص 44.
11- التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمد، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح مصطفى درايتي، مكتب الإعلام الإسلامي، إيران - قم، 1407ه‏، ط1، ص 218.
12- المصدر نفسه.
13- المصدر نفسه، ص 217.
14- ورام بن أبي فراس، مسعود بن عيسى‏، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام‏، مكتبة الفقيه‏، إيران - قم، 1410ه‏، ط1، ج 1، ص 43.
15- الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص 74.
16- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 220.
17- الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص 333.
18- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 219.
19- ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله‏، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي‏، إيران - قم، 1404ه‏، ودار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1378ه - 1959م، ط1، ج 6، ص 357.