الهدف العام
التعرف إلى نظرة
الإسلام إلى خلق الإنسان
من خلال الآيات القرآنية
والروايات الشريفة.
المحاور الرئيسة
- التصوير القرآنيّ
الإيجابيّ للإنسان
- التصوير القرآنيّ
السلبيّ للإنسان
- حقيقة الإنسان
- الإنسان كائن مُخيَّر
- إرشاد الإنسان وتوجيهه
- رفع شبهة إجبار الإنسان
- دور سنّة الابتلاءات في
تربية الإنسان
تصدير الموضوع
قال تعالى:
﴿
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا
بَنِي آدَمَ
وَحَمَلْنَاهُمْ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ
الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى
كَثِيرٍ مِّمَّنْ
خَلَقْنَا تَفْضِيلاً
﴾1.
التصوير القرآنيّ
الإيجابيّ للإنسان:
الإنسان في نظر الإسلام
أكرم مخلوق بين الخلائق،
قال تعالى:
﴿
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا
بَنِي آدَمَ
وَحَمَلْنَاهُمْ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ
الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى
كَثِيرٍ مِّمَّنْ
خَلَقْنَا تَفْضِيلاً
﴾2.
وتتجلّى مظاهر تكريم
الإنسان في خلقه في أحسن
تقويم، قال عزّ من قائل:
﴿لَقَدْ
خَلَقْنَا الْإِنسَانَ
فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾3.
ولقد وُصفت خلقة الإنسان
في القرآن الكريم على
النحو الآتي:
قال تعالى:
﴿ثُمَّ
خَلَقْنَا النُّطْفَةَ
عَلَقَةً فَخَلَقْنَا
الْعَلَقَةَ مُضْغَةً
فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ
عِظَامًا فَكَسَوْنَا
الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ
أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا
آخَرَ فَتَبَارَكَ
اللَّهُ أَحْسَنُ
الْخَالِقِينَ * ثُمَّ
إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ
لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ
إِنَّكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ
* وَلَقَدْ خَلَقْنَا
فَوْقَكُمْ سَبْعَ
طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا
عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾4.
في هذه الآية - بعد
استعراض مراحل التكامل
المادّي، وبلوغ مرحلة
الاستعداد لقبول الروح
المجرّدة - جاءت العبارة
التالية:
﴿ثُمَّ
أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا
آخَرَ
﴾
حيث وصف الخلق
الجديد بأنّه خلق آخر، من
هذا يستفاد أن آخر مرحلة
من مراحل وجود الإنسان أي
الصورة والنفس الإنسانية
هي أسمى وأكمل من مراحل
الوجود الإنساني السابقة.
وفي آية أخرى أيضاً يشرح
قصّة خلق الإنسان على
النحو التالي:
﴿
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ
شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ
خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن
طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ
نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ
مِّن مَّاء مَّهِينٍ *
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ
فِيهِ مِن رُّوحِهِ
وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ
وَالْأَبْصَارَ
وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا
مَّا تَشْكُرُونَ﴾5.
في الآيات المذكورة أشار
سبحانه إلى ثلاث نقاط:
النقطة الأولى:
أنّه لا بدّ - لنفخ الروح
الإنسانية - من حصول
القابلية والاستعداد في
المادة، ولهذا جاء في
الآية:
﴿ثُمَّ
سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ
مِن رُّوحِهِ﴾.
النقطة الثانية:
أنّ الله تعالى نسب الروح
الإنسانية إلى نفسه،
وقال: وَنَفَخَ فِيهِ مِن
رُّوحِهِ، وذلك لأجل أن
يُثبت قيمته العليا، يعني
أنّ الله سبحانه بعد أن
هيأ مادة البدن الإنسانيّ
أفاض عليه الروح التي
نسبها إلى نفسه والتي
كانت من سنخ العالم
الربوبيّ.
النقطة الثالثة: إنّ
من امتيازات هذا الكائن
الجديد هو أنّه يمتلك
السمع والبصر والقلب،
يعني أسباب تحصيل العلم،
وبذلك يختلف عن المراحل
السابقة.
وفي آية أُخرى أيضاً يشير
إلى النقطتين الأولى
والثانية ويقول للملائكة:
﴿فَإِذَا
سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ
فِيهِ مِن رُّوحِي
فَقَعُواْ لَهُ
سَاجِدِينَ
﴾6.
فقد فرّع الأمر للملائكة
بالسجود على تسوية عنصر
البدن الإنسانيّ ونفخ
الروح المنسوبة إلى الله
فيه، وهو شاهد على امتياز
الوجود الإنساني، لأنّه
كان بحيث صار مؤهّلاً
ولائقاً لأن يصير مسجوداً
للملائكة، وخليفةً لله في
الأرض، له فطرة تنجذب إلى
الله وإلى الكمال
وتحبّهما.
يقول في القرآن الكريم:
﴿وَلَقَدْ
كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ
وَحَمَلْنَاهُمْ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ
الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى
كَثِيرٍ مِّمَّنْ
خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾7.
ويقول:
﴿وَعَلَّمَ
آدَمَ الأَسْمَاء
كُلَّهَا ثُمَّ
عَرَضَهُمْ عَلَى
الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ
أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء
هَؤُلاء إِن كُنتُمْ
صَادِقِينَ * قَالُواْ
سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ
لَنَا إِلاَّ مَا
عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ
أَنتَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ * قَالَ يَا
آدَمُ أَنبِئْهُم
بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا
أَنبَأَهُمْ
بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ
أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ
إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ
وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾8.
ويقول:
﴿وَإِذْ
قَالَ رَبُّكَ
لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي
جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ
خَلِيفَةً قَالُواْ
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن
يُفْسِدُ فِيهَا
وَيَسْفِكُ الدِّمَاء
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ
بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ
لَكَ قَالَ إِنِّي
أَعْلَمُ مَا لاَ
تَعْلَمُونَ
﴾9.
ويقول:
﴿فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ
حَنِيفًا فِطْرَةَ
اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ
النَّاسَ عَلَيْهَا لَا
تَبْدِيلَ لِخَلْقِ
اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ﴾10.
التصوير القرآنيّ
السلبيّ للإنسان
ورد في طائفة من الآيات
الكريمة ذمّ لهذا الإنسان
نفسه...، حيث وُصف بأنه:
الضعيف، والبخيل،
والظالم، والجاهل،
والكفور، والمشدود إلى
متاع الدنيا، والطاغي،
والعجول، و...
يقول تعالى في القرآن:
﴿إِنَّ
الْإِنسَانَ خُلِقَ
هَلُوعًا * ِذَا مَسَّهُ
الشَّرُّ جَزُوعًا *
وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ
مَنُوعًا﴾
11.
ويقول:
﴿يُرِيدُ
اللّهُ أَن يُخَفِّفَ
عَنكُمْ وَخُلِقَ
الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾12.
ويقول:
﴿كَلَّا
إِنَّ الْإِنسَانَ
لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ
اسْتَغْنَى﴾13.
ويقول:
﴿وَيَدْعُ
الإِنسَانُ بِالشَّرِّ
دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ
وَكَانَ الإِنسَانُ
عَجُولاً﴾14.
ويقول:
﴿وَآتَاكُم
مِّن كُلِّ مَا
سَأَلْتُمُوهُ وَإِن
تَعُدُّواْ نِعْمَتَ
اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا
إِنَّ الإِنسَانَ
لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾15.
ويقول:﴿وَلَئِنْ
أَذَقْنَا الإِنْسَانَ
مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ
نَزَعْنَاهَا مِنْهُ
إِنَّهُ لَيَئُوسٌ
كَفُورٌ﴾16.
ويقول:
﴿قُل
لَّوْ أَنتُمْ
تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ
رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا
لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ
الإِنفَاقِ وَكَانَ
الإنسَانُ قَتُورًا
﴾17.
حقيقة الإنسان
لقد وُصف الإنسان في
القرآن الكريم بنحوَين
متضادّين .. ولهذا لا بد
من الإجابة عن هذا
السؤال:
ما هي حقيقة الإنسان؟
وكيف يمكن أن نجمع بين
هذين الصنفين من الآيات؟
إنّ الإنسان ليس سوى
حقيقة واحدة، ولكنه من
ناحيةٍ حيوان، أُودِعت
فيه الميول والنزعات
الحيوانية في كيانه
ووجوده، وتنبع الشرور
والآثام من جانبه
الحيوانيّ هذا؛ ولهذا
يتعرض للذمّ ويوصف بتلك
الصفات الذميمة.
ومن ناحية أُخرى هو إنسان
ذو نفس مجرّدة ملكوتية،
وهو نفحة إلهية مسانخة
لعالم القدس ومناسبة
لمنبع الخيرات، ومن هذا
الجانب يميل إلى الكمال
ويرغب في الفضائل
والمكارم، والخيرات، ومن
هذه الجهة كُرّم وتأهّل
ليكون خليفة الله، ومسجود
الملائكة.
الإنسان كائن مُخيَّر:
خُلق الإنسان مخيَّراً،
حُرَّ الإرادة، قد وُهب
العقل والتفكير، والإرادة
والاختيار. ولهذا فإنّ
أعمال الإنسان تنبع من
رضاه ومن تصديق قوّة
تشخيصه وتمييزه. والإنسان
يرى نفسه دائماً أمام
مفترق طريقين أو طرق عدّة
يتوقف سلوك كلّ واحدةٍ
منها على نظره ورأيه،
وإرادته الشخصية. وقد
أشار سبحانه إلى هذا
الأمر في آيات كثيرة،
منها:
يقول في القرآن الكريم:
﴿إِنَّا
خَلَقْنَا الْإِنسَانَ
مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ
نَّبْتَلِيهِ
فَجَعَلْنَاهُ
سَمِيعًا بَصِيرًا *
إِنَّا هَدَيْنَاهُ
السَّبِيلَ إِمَّا
شَاكِرًا وَإِمَّا
كَفُورًا
﴾18.
ويقول:
﴿وَمَن
يُرِدْ ثَوَابَ
الدُّنْيَا نُؤْتِهِ
مِنْهَا وَمَن يُرِدْ
ثَوَابَ الآخِرَةِ
نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾19.
ويقول:
﴿وَقُلِ
الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ
فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن
وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾20.
ويقول:
﴿وَمَا
أَصَابَكُم مِّن
مُّصِيبَةٍ فَبِمَا
كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ
وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾21.
ويقول:
﴿ظَهَرَ
الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ بِمَا
كَسَبَتْ أَيْدِي
النَّاسِ لِيُذِيقَهُم
بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
﴾22.
ويقول:
﴿لاَ
يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا
إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا
مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا
مَا اكْتَسَبَتْ﴾23.
وفي الحديث عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي
مَحْمُود قَالَ:
وَسَأَلْتُهُ (أبا
الحَسَن) عَنِ اللَّهِ
عزّ وجلّ هَلْ يُجْبِرُ
عِبَادَهُ عَلَى
الْمَعَاصِي؟
فَقَالَ: "بَلْ
يُخَيِّرُهُمْ
وَيُمْهِلُهُمْ حَتَّى
يَتُوبُوا".
قُلْتُ: فَهَلْ يُكَلِّفُ
عِبَادَهُ مَا لَا
يُطِيقُونَ؟
فَقَالَ: "كَيْفَ
يَفْعَلُ ذَلِكَ وَهُوَ
يَقُولُ:
﴿وَمَا
رَبُّكَ بِظَلَّامٍ
لِّلْعَبِيد﴾24؟".
ثُمَّ قَالَ عليه السلام:
"حَدَّثَنِي أَبِي
مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ
عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ
بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما
السلام أَنَّهُ قَالَ:
مَنْ زَعَمَ أَنَّ
اللَّهَ يُجْبِرُ
عِبَادَهُ عَلَى
الْمَعَاصِي أَوْ
يُكَلِّفُهُمْ مَا لَا
يُطِيقُونَ فَلَا
تَأْكُلُوا ذَبِيحَتَهُ
وَلَا تَقْبَلُوا
شَهَادَتَهُ وَلَا
تُصَلُّوا وَرَاءَهُ
وَلَا تُعْطُوهُ مِنَ
الزَّكَاةِ شَيْئاً"25.
إرشاد الإنسان وتوجيهه
يستفاد من هذه الآيات
والأحاديث ونظائرها أن
أعمال الإنسان وتصرفاته
الحسنة أو السيئة تستند
إليه نفسه، وأن فاعلها
الحقيقيّ هو ذاته لا غير.
لكن هذا لا يعني أنّ
الإنسان يتمتّع بالحرية
الكاملة في الاختيار
والانتخاب وأن الإنسان
مستقلّ في أفعاله،
استقلالاً كاملاً، وأنّه
غير محتاج إلى الله في
هذا المجال، بل الإنسان
كما يحتاج في أصل وجوده
وبقائه إلى إيجاد الله
وإفاضته فإنه يحتاج،
كذلك، في أفعاله وآثاره
الوجوديّة إلى الله تعالى
وإلى إفاضاته فالإنسان
لولا العطاء الإلهي عاجز
عن القيام بأي فعل، والله
عزّ وجلّ هو الذي يعطيه
القدرة على القيام
بالأعمال.
قال تعالى:
﴿
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن
رَّسُولٍ إِلاَّ
بِلِسَانِ قَوْمِهِ
لِيُبَيِّنَ لَهُمْ
فَيُضِلُّ اللّهُ مَن
يَشَاء وَيَهْدِي مَن
يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ
﴾26.
وقال تعالى:
﴿الَّذِي
خَلَقَنِي فَهُوَ
يَهْدِينِ * وَالَّذِي
هُوَ يُطْعِمُنِي
وَيَسْقِينِ * وَإِذَا
مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾27.
وقال تعالى:
﴿وَلَوْ
شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ
أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن
يُضِلُّ مَن يَشَاء
وَيَهْدِي مَن يَشَاء
وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا
كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾28.
إنّ الإنسان، وإن كان
كائناً مخيّراً حرّ
الإرادة، لكنّه يجب أن
يعتبر نفسه مسؤولاً تجاه
الله، والنبيّ، وأن يلتزم
بالضوابط والمقرّرات
الدينية
ومسؤولاً عنها. انظروا
إلى الحديث الآتي وإلى
الآية التالية:
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ
سَأَلْتُ الصَّادِقَ
جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ
عليه السلام فَقُلْتُ
لَهُ: لِمَ خَلَقَ
اللَّهُ الْخَلْقَ؟
فَقَالَ: "إِنَّ
اللَّهَ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ
خَلْقَهُ عَبَثاً وَلَمْ
يَتْرُكْهُمْ سُدًى، بَلْ
خَلَقَهُمْ لِإِظْهَارِ
قُدْرَتِهِ،
وَلِيُكَلِّفَهُمْ
طَاعَتَهُ
فَيَسْتَوْجِبُوا
بِذَلِكَ رِضْوَانَهُ،
وَمَا خَلَقَهُمْ
لِيَجْلِبَ مِنْهُمْ
مَنْفَعَةً، وَلَا
لِيَدْفَعَ بِهِمْ
مَضَرَّةً، بَلْ
خَلَقَهُمْ
لِيَنْفَعَهُمْ،
وَيُوصِلَهُمْ إِلَى
نَعِيمِ الْأَبَدِ"29.
﴿كَانَ
النَّاسُ أُمَّةً
وَاحِدَةً فَبَعَثَ
اللّهُ النَّبِيِّينَ
مُبَشِّرِينَ
وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ
مَعَهُمُ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ
بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا
اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا
اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ
الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن
بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ
الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا
بَيْنَهُمْ فَهَدَى
اللّهُ الَّذِينَ
آمَنُواْ لِمَا
اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ
الْحَقِّ بِإِذْنِهِ
وَاللّهُ يَهْدِي مَن
يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ﴾30.
لقد جاء الأنبياء
ليُثبتوا للإنسان
مسؤوليّته ويوضّحوا له
تكاليفه، وواجباته،
ومسؤوليّاته.
رفع شبهة إجبار الإنسان
ولرفع شبهة الإجبار
والإكراه في أفعال
الإنسان، نكتفي بما ورد
عَنْ أَبِي الْحَسَنِ
الرِّضَا عليه السلام
قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَهُ
الْجَبْرُ وَالتَّفْوِيضُ
فَقَالَ: "أَلَا
أُعْطِيكُمْ فِي هَذَا
أَصْلًا لَا
تَخْتَلِفُونَ فِيهِ
وَلَا يُخَاصِمُكُمْ
عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا
كَسَرْتُمُوهُ".
قُلْنَا: إِنْ رَأَيْتَ
ذَلِكَ.
فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ
عزّ وجلّ لَمْ يُطَعْ
بِإِكْرَاهٍ وَلَمْ
يُعْصَ بِغَلَبَةٍ وَلَمْ
يُهْمِلِ الْعِبَادَ فِي
مُلْكِهِ، هُوَ
الْمَالِكُ لِمَا
مَلَّكَهُمْ وَالْقَادِرُ
عَلَى مَا أَقْدَرَهُمْ
عَلَيْهِ، فَإِنِ
ائْتَمَرَ الْعِبَادُ
بِطَاعَتِهِ لَمْ يَكُنِ
اللَّهُ عَنْهَا صَادّاً،
وَلَا مِنْهَا مَانِعاً،
وَإِنِ ائْتَمَرُوا
بِمَعْصِيَتِهِ فَشَاءَ
أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ ذَلِكَ فَعَلَ
وَإِنْ لَمْ يَحُلْ
وَفَعَلُوهُ فَلَيْسَ
هُوَ الَّذِي
أَدْخَلَهُمْ فِيهِ"
ثُمَّ قَالَ عليه السلام:
"مَنْ يَضْبِطْ
حُدُودَ هَذَا الْكَلَامِ
فَقَدْ خَصَمَ مَنْ
خَالَفَهُ"31.
دور سنّة الابتلاءات في
تربية الإنسان
لقد تحدّث القرآن الكريم
عن نماذج وأنواع عديدة من
الاختبارات والابتلاءات
التي قد يبتلى بها
الإنسان. قال الله تعالى:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ
وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ
مِّنَ الأَمَوَالِ
وَالأنفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ﴾32.
وقال سبحانه:
﴿أَمْ
حَسِبْتُمْ أَن
تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ
وَلَمَّا يَأْتِكُم
مَّثَلُ الَّذِينَ
خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم
مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء
وَالضَّرَّاء
وَزُلْزِلُواْ حَتَّى
يَقُولَ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُواْ
مَعَهُ مَتَى نَصْرُ
اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ
اللّهِ قَرِيبٌ
﴾33.
﴿لَتُبْلَوُنَّ
فِي أَمْوَالِكُمْ
وَأَنفُسِكُمْ
وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُواْ
الْكِتَابَ مِن
قَبْلِكُمْ وَمِنَ
الَّذِينَ أَشْرَكُواْ
أَذًى كَثِيرًا وَإِن
تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ
فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ
عَزْمِ الأُمُورِ
﴾34.
﴿أَحَسِبَ
النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا
أَن يَقُولُوا آمَنَّا
وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ
*
وَلَقَدْ فَتَنَّا
الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ
الَّذِينَ صَدَقُوا
وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ﴾35.
فنستنتج من هذه الآيات
وغيرها أنّ سنّة الامتحان
جارية في الشؤون الفردية
والاجتماعية. وإن وسائل
الاختبار هي عبارة عن
الخيرات، كالمال والنفس
والولد، وعن الشرور،
كالنقص في الأموال
والأنفس والثمرات والعسر
والصعوبة والجوع والخوف.
وعليه فلازم وجود
الامتحان وجود مثل هذه
الأمور الحسنة والسيئة،
ووجود اللذات والأمور
السعيدة، ووجود الآلام
والأمور التعيسة، حتّى
تصبح وسيلة لاختبار
الناس.
ونتيجة للامتحان يمتاز
ويتميّز المؤمنون
المجاهدون الصابرون
الصادقون عن مدّعي
الإيمان والجهاد والصبر
والصدق وهم كاذبون.
|