المحاضرة السادسة عشرة: الإنسانُ وقبولُ المسؤوليّة

الهدف العام
التعرّف إلى مسؤولية الإنسان أمام الله والنبيّ، وتجاه نفسه، وتجاه الآخرين.

المحاور الرئيسة
- الإنسان قابل لتحمّل المسؤولية
- مسؤوليات الإنسان الثلاث
- الأوّل: المسؤولية تجاه الله
- الثاني: مسؤوليّة الإنسان عن نفسه
- الثالث: مسؤولية الإنسان تجاه الآخرين


151


تصدير الموضوع

يقول تعالى في القرآن الكريم: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا.

الإنسان قابل لتحمّل المسؤولية

عندما نتأمّل في خلق الله نجد أنّ:
- الجمادات والنباتات لا تمتلك العلم والشعور، والإرادة والاختيار، لذلك ليست صالحةً للتكليف...

- الحيوانات لا تصلح أيضاً للتكليف، ولا تتحمل مسؤولية، وذلك لأنها تفتقر إلى العقل والتفكّر...

- الملائكة هي الأخرى ليست بحاجة إلى التشريع والتكليف بالأحكام لأنّها موجودات أعلى وأسمى من المادة والماديّات...، يقول القرآن الكريم حول الملائكة: ﴿
لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ1.

ويقول: ﴿
وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُون2.

- الإنسان قابل لتحمّل المسؤوليّة، وهو بحاجة إلى التكليف، لأنّه كائن ذو بعدين، فهو من جانبٍ حيوان يتّصف بالخصائص الحيوانية مثل الإحساس والشعور والإرادة والحركة والشهوة والغضب، ومن جانب آخر هو يمتلك العقل والتفكير ويمكنه أن يفكّر في عواقب الأمور...، جاء في الحديث الشريف عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ


152


جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ عليه السلام فَقُلْتُ: الْمَلَائِكَةُ أَفْضَلُ أَمْ بَنُو آدَمَ؟

فَقَالَ: "قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام: "إِنَّ اللَّهَ رَكَّبَ فِي الْمَلَائِكَةِ عَقْلًا بِلَا شَهْوَةٍ، وَرَكَّبَ فِي الْبَهَائِمِ شَهْوَةً بِلَا عَقْلٍ، وَرَكَّبَ فِي بَنِي آدَمَ كِلْتَيْهِمَا، فَمَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ شَهْوَتَهُ فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمَنْ غَلَبَ شَهْوَتُهُ عَقْلَهُ فَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْبَهَائِمِ"3

إنّ الإنسان على أثر هذه الخِلقة وبحكم هذه التركيبة قابل لتحمّل المسؤولية ويمكنه أن يكون مكلّفاً. يقول تعالى في القرآن الكريم: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا 4.

مسؤوليات الإنسان الثلاث

إنّ الإنسان كائن مسؤول ومكلّف، أي إنه مسؤول تجاه تكاليف ووظائف ومسؤوليات واسعة ومتنوعة، وهي تتلخّص في ثلاثة أقسام:
1. مسؤولية الإنسان أمام الله والنبيّ.
2. مسؤولية الإنسان تجاه نفسه.
3. مسؤولية الإنسان تجاه الإنسان الآخر.

الأوّل: المسؤولية تجاه الله

إنّ الإنسان مكلّف عقلاً وشرعاً بأن يجدّ ويجتهدَ في طريق معرفة الخالق الذي أوجده وأوجد كل ما هو موجود في عالم الكون، فهو


153


المالك الحقيقيّ له ولها جميعاً، وهو الذي منحه كلّ تلك الأنعم .. وعليه أن يطيع كلّ أوامره، وأوامر أنبيائه.

يقول تعالى في القرآن: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ5.

ويقول: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً6.

ويقول: ﴿
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ7.

ويقول: ﴿
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ8.

الثاني: مسؤوليّة الإنسان تجاه نفسه

إنّ للنوع الإنسانيّ - هو الآخر - غايةً مقرّرةً يمكنه التحرّك نحوها. وإنّ الله الحكيم أنزل برنامج سعادة البشر وتكاملهم على أنبيائه المصطفين ليقوموا بتبليغه إلى البشرية، ولكنّهم مخيّرون - مع ذلك - في اختيار طريق السعادة، أو طريق الشقاء. وقد جعِلَتْ مسؤوليّة تربية النفس وتكميلها على عاتق البشر أنفسهم .. فإذا لم يجتهد الإنسان في هذا


154


السبيل يكون قد ظلم نفسه، ولن ينال شيئاً سوى الخسران والشقاء.

يقول في القرآن الكريم: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ9.

ويقول: ﴿
وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ10.

ويقول: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ11.

يقول الإمام زين العابدين عليه السلام: "وَأَمَّا حَقُّ نَفْسِكَ عَلَيْكَ فَأَنْ تَسْتَوْفِيَهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَتُؤَدِّيَ إِلَى لِسَانِكَ حَقَّهُ، وَإِلَى سَمْعِكَ حَقَّهُ، وَإِلَى بَصَرِكَ حَقَّهُ، وَإِلَى يَدِكَ حَقَّهَا، وَإِلَى رِجْلِكَ حَقَّهَا، وَإِلَى بَطْنِكَ حَقَّهُ، وَإِلَى فَرْجِكَ حَقَّهُ، وَتَسْتَعِينَ بِاللَّهِ عَلَى ذَلِك"12.

ومن أقدس الواجبات وأهمها تجاه النفس حرمة قتلها، قال الله تعالى: ﴿
وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا13.

وإنَّ ممّا عُلِمَ من الدِّين بالضرورة وتواترتْ به الأدلّة من الكتاب والسُّنَّة حُرمةُ دم المسلم؛ فإنَّ المسلم معصوم الدم والمال، وحرمته أعظم عند الله من حرمة الكعبة المشرّفة، بل من الدنيا أجمع. وفي


155


ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا"14. وأوّل ما يُقضَى يوم القيامة بين العباد في الدماء، يقول النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أوّلُ ما يُحاسَبُ به العبدُ الصّلاةُ، وأوّلُ ما يُقضَى بينَ النّاسِ في الدماءِ"15، وذلك لعظم خطرها يوم القيامة.

فإذا وصل التسخُّط بالعبد إلى قتل نفسه؛ فهو متوعّد بوعيد شديد، مصداقاً للآية السّابقة: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا أي: مهما اشتدّ عليكم الأمر، فإنّ لكم مخرجاً في رحمة الله، فتطلّبوها واسعوا إليها واتوا أسبابها؛ يرحمكم الله، فمَن ترك هذا الطريق وقتل نفسه أو غيره فإنّه سينتقل إلى عذاب أشدّ ممّا حاول الفرار منه. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنّم يتردّى فيها خالداً مُخلِّداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سُمًّا فقتل نفسه فسُمّه في يده يتحسّاه في نار جهنّم خالداً مُخلِّداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنّم خالداً مُخلِّداً فيها أبدا"16.

الثالث: مسؤولية الإنسان تجاه الآخرين (التكافل الاجتماعيّ)

إنّ الإنسان كائن اجتماعيّ يعيش في المجتمع، ويميل إلى النمط الاجتماعيّ للحياة ... وإنّ الحياة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقّق للبشر من دون التعاون والتعاضد ومن دون رعاية الحقوق المتقابلة.
 


156


- روي عن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ، فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ مَنْ نَفَعَ عِيَالَ اللَّهِ وَأَدْخَلَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ سُرُوراً"17.

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "خَيْرُ النَّاسِ مَنِ انْتَفَعَ بِهِ النَّاسُ"18.

- ويقول تعالى في القرآن: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ19.

- ويقول: ﴿
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ 20.

- عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: "مَنْ أَصْبَحَ لَا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَمَنْ سَمِعَ رَجُلًا يُنَادِي يَا لَلْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْهُ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ"21.

- ويقول تعالى في القرآن: ﴿
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 22.

روي عن أبي عبد الله عليه السلام: "لَا وَاللَّهِ لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً أَبَداً حَتَّى يَكُونَ لِأَخِيهِ مِثْلَ الْجَسَدِ إِذَا ضَرَبَ عَلَيْهِ عِرْقٌ وَاحِدٌ تَدَاعَتْ لَهُ سَائِرُ عُرُوقِهِ"23.
 


157


قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ.24

وقال الله عزّ وجلّ: ﴿
وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ25.

وقد نفى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كمال الإيمان عمّن يبيت شبعان وجاره جائع وهو يعلم: "مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِع‏"26.

وقد عد القرآن الإمساك وعدم الإنفاق سبيلاً للتهلكة، بقوله سبحانه وتعالى: ﴿
وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ27.

وأمر القرآن الكريم بالإحسان إلى أفراد المجتمع: ﴿
وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ28.

وقد جعل الإسلام كل مسلم مسؤولاً في بيئته الاجتماعية، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه‏"29، ودعا صلى الله عليه وآله وسلم إلى الاهتمام بأمور المسلمين ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم، فقال: "مَنْ


158


أَصْبَحَ لَا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ"30.

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه عليه السلام يَقُولُ: "الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِنِ اشْتَكَى شَيْئاً مِنْه وَجَدَ أَلَمَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ جَسَدِه وأَرْوَاحُهُمَا مِنْ رُوحٍ وَاحِدَةٍ وإِنَّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ لأَشَدُّ اتِّصَالاً بِرُوحِ اللَّه مِنِ اتِّصَالِ شُعَاعِ الشَّمْسِ بِهَا"31.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ عَيْنُه ودَلِيلُه لَا يَخُونُه ولَا يَظْلِمُه ولَا يَغُشُّه ولَا يَعِدُه عِدَةً فَيُخْلِفَه"32.

ونفهم الواجبات والحقوق الفردية والاجتماعية المنبثقة عن هذه القاعدة الاجتماعية التي يؤسّسها القرآن في الأخوّة الاجتماعية في ما روي عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام في رسالة الحقوق، حيث يقول: "وحقُّ أخيكَ، أن تعلمَ أنَّه يدكَ الّتي تبسطُها، وظهرُك الّذي تلتجىءُ إليهِ، وعزُّك الّذي تعتمدُ عليهِ، وقوَّتك الّتي تصولُ بها، فلا تتّخذْهُ سلاحًا على معصيةِ اللهِ، ولا عُدَّةً للظلمِ لخلقِ اللهِ، ولا تدعْ نصرتَه على نفسِه ومعونَتَه على عدوِّهِ، والحؤولَ بينَه وبينَ شياطينِه، وتأديةَ النصيحةِ إليهِ، والإقبالَ عليهِ في اللهِ، فإنِ انقادَ لربِّهِ وأحسنَ الإجابةَ لهَ، وإلَّا فليكُن اللهُ آثرَ عندَكَ وأكرمَ عليكَ منهُ"33.

وللتأكيد على الجانب العمليّ للعمل الاجتماعيّ تؤكّد النصوص على عنصرَي الحب والبغض كونهما العنصرين الناظمين للعلاقات


159


الاجتماعية. في الحديث عن عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام: "مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّه وتُبْغِضَ فِي اللَّه وتُعْطِيَ فِي اللَّه وتَمْنَعَ فِي اللَّه"34.

ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "خير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين، ولا خير في من لا يألف ولا يُؤلف"35. وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "المؤمن مألوف، ولا خير في من لَا يَأْلَفُ ولَا يُؤْلَف"36. ومفردة "ألف" في اللغة العربيّة تدلّ على انضمام شيء إلى شيء37.


160


 

هوامش

1- سورة التحريم، الآية 6.
2- سسورة الصافات، الآيات 164 – 166.
3- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 57، ص 299.
4- سورة الأحزاب، الآية 72.
5- سورة محمّد، الآية 33.
6- سورة النساء، الآية 59.
7- سورة الحشر، الآية 7.
8- سورة البقرة، الآية 21.
9- سورة البقرة، الآية 286.
10- سورة البقرة، الآية 281.
11- سورة التحريم، الآية 6.
12- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج71، ص10.
13- سورة النساء، الآيتان 29 - 30.
14- النسائي، سنن النسائي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1348 - 1930م، ط1، ج 7، ص 82.
15- المصدر نفسه، ص 83.
16- النسائي، السنن الكبرى، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1411هـ، ط1، ج1، ص638.
17- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 164.
18- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 72، ص 23.
19- سورة المائدة، الآية 2.
20- سورة الحجرات، الآية 13.
21- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 164.
22- سورة التوبة، الآية 71.
23- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 71، ص 233.
24- سورة البقرة، الآية 215.
25- سورة البقرة، الآية 195. ويراجع سورة البقرة: الآيات 53 و261-262 و267.
26- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 668.
27- سورة البقرة، الآية 195.
28- سورة النساء، الآية 36.
29- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج72، ص38.
30- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 163.
31- المصدر نفسه، ج2، ص 166.
32- المصدر نفسه، ج2، ص 166.
33- ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسم ، مصدر سابق، ص 263 - 264.
34- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 125.
35- الشيخ الطوسيّ، الأمالي، مصدر سابق، ص462.
36- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص102.
37- ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مكتبة الإعلام الإسلامي، إيران - قم، 1404ه، ط 1، ج1، ص131.