المحاضرة الثامنة عشرة: العجلة والتسرّع وأثرها في السلوك

الهدف العام
التعرّف على نظرة الإسلام إلى مفهوم العجلة والتسرّع، والحث على المسارعة في الخيرات.

المحاور الرئيسة
- خُلق الإنسان من عجل
- مفهوم العجلة والتسرّع
- الآثار السلبية للعجلة والتسرّع
- المسارعة في الخيرات خُلق حميد
- طرق العلاج


169


تصدير الموضوع

روي عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: "مَنِ اِسْتَطَاعَ اَن يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِن أَرَبَعَة أَشياء فَهُوْ خَليقٌ بِاَنْ لا يَنْزِلَ بِهِ مَكرُوهٌ اَبَداً. قِيلَ وَمَا هِي؟ قَالَ: الْعَجَلَةُ وَاللِّجاجَةُ وَالعُجْبُ وَالتَّواني"1.

خُلق الإنسان من عجل

إنّ العجلة والتسرع في نظر الإسلام صفة سلبية. فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "العَجَلَةُ مَذمُومَةٌ فِي كُلِّ أمْر اِلاّ فِيمَا يَدفَعُ الشَّرَّ"2. وتقع في مقابل القيم الأخلاقية الايجابية من الصبر والمثابرة والتأني، والصبر والتأني يعدّان من أهم الفضائل الأخلاقية والإنسانية.

وتتحدّث بعض الآيات عن طبيعة الإنسان وكأنّه في سلوكه وحركته في حياته إلى درجة من العجلة وكأنّ ذاته ونفسه قد عُجنت بالعجلة فهي عين العجلة. قال تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ3.

تشير هذه الآية إلى أنّ طبيعة الإنسان مخلوقة منذ اليوم الأوّل بالعجلة والتسرّع، ولكنّه يجب عليه استخدام هذه الحالة وسلوك طريق التسرّع والعجلة بعد توفّر المقدمات للعمل لا قبل ذلك
 


170


أمّا قوله تعالى ﴿خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ فهو إشارة إلى أنّ طبع الإنسان الأوليّ هو أن يتحرّك بسرعة باتّجاه إشباع حاجاته ورغباته البدنية والنفسية. وقد ورد هذا المضمون أيضاً في الآية 19 من سورة المعارج حيث يقول تعالى ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا 4 أي حريصاً وقليل الصبر.

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "وَاَعِرِفْ طَريقَ نِجاتِكَ وَهَلاكِكَ كَي لا تَدعُو اللهَ بِشَيء عَسى فِيهِ هَلاكُكَ وَاَنْتَ تَظُنُّ اَنّ فيهِ نَجاتُكَ قَالَ اللهُ تَعالى ﴿
وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً5"6.

وفي آية أخرى يخاطب الله تعالى النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ويوصيه بالصبر والاستقامة كما هي حالة الأنبياء الماضين. وبالرغم من أنّ التاريخ شاهدٌ على أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لم يتحرّك من موقع العجلة والتسرّع بل كان يسلك في خطّ المثابرة والصبر والاستقامة في كلّ أعماله وأفعاله، ولكنَّ الآية الشريفة جاءت لتؤكد هذا المعنى على نبيّنا الكريم وتقول: ﴿
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ 7.
 


171


مفهوم العجلة والتسرّع
إنّ العجلة بما هي صفة ذميمة في سلوك الإنسان تظهر باشكال مختلفة، بمعنى أنّ الإنسان وقبل أن يوفّر مقدّمات العمل يُقدم على تحصيل النتيجة. وهذا العمل لا يترتّب عليه سوى الفشل أو يثمر ثمرة ناقصة. وهذا كما لو أنّ الإنسان قطف الثمرة قبل نضجها فإنّه يحرم نفسه من طيب هذه الثمرة أو تكون ذات فائدة قليلة، أو أنّه يقوم بنثر البذور على الأرض قبل أن يحرثها فتكون النتيجة تلف البذور أو قلّة المحصول الزراعيّ، ويقول أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الصدد: "وَمُجْتَنِي الثَّمَرةِ لِغَيرِ وَقتِ اِيناعِهَا كَالزّارعِ بِغَيرِ اَرْضِهِ"8.

أي أنه يتلف طاقاته ورأس ماله بدون أن يعود عليه بالفائدة المطلوبة. وصفة العجول: تقال للأشخاص الّذين لا يتمتعون بحالة الصبر في أعمالهم وأقوالهم وتعاملهم مع الآخرين ولغرض الوصول إلى هدفهم لا يسلكون الطريق الصحيح لذلك، فلهذا السبب فإنّهم يقعون في دوامة من المشكلات والنواقص في حركتهم الاجتماعية وسلوكهم في خطّ التكامل الماديّ والمعنويّ.

والصفة المقابلة للعجلة والتسرّع هي "التأنّي" والتريّث والتحمّل. ولا ينبغي أن تؤخذ "العجلة" بمعنى السرعة في الإقدام على العمل والّذي يحمل مضموناً إيجابياً في حركة الحياة، فالسرعة في العمل تكون بعد توفّر المقدّمات المطلوبة لذلك العمل وأن لا يدع الإنسان الفرصة


172


تفلت من يده للحصول على النتيجة والثمرة، فمثل هذا العمل من الواضح أنّه يعدّ أحد العوامل المهمّة للفلاح والنجاة والموفّقية.

ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في بيان الفرق بين مفهوم العجلة والسرعة أو مفهوم التسرّع والسرعة قوله: "اِيّاكَ وَالعَجَلَةَ بِالاُمُورِ قَبْلَ اَوانِهَا، وَالتَّساقُطَ فِيها عِندَ اِمْكانِها"9.

الآثار السلبية للعجلة والتسرّع

ورد في روايات كثيرة ذمّ العجلة وبيان الآثار المترتّبة عليها، منها:
أ اليأس: من المعطيات السلبية للعجلة، حالة اليأس الّتي تصيب الإنسان عندما لا ينال مقصوده ولا يتسنّى له تحصيل النتيجة من عمله. وقد يفضي به هذا الحال إلى أن يسيء الظنّ بكلّ شيء حتّى بالتقدير الإلهيّ. ولذلك ورد في الحديث الشريف عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام أنّه قال: "فَلَا تَعْجَلْ عَلَى ثَمَرَةٍ لَمْ تُدْرِكْ وَإِنَّمَا تَنَالُهَا فِي أَوَانِهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُدَبِّرَ لَكَ أَعْلَمُ بِالْوَقْتِ الَّذِي يَصْلُحُ حَالُكَ فِيهِ فَثِقْ بِخِيَرَتِهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ يَصْلُحْ حَالُكَ وَلَا تَعْجَلْ بِحَوَائِجِكَ قَبْلَ وَقْتِهَا فَيَضِيقَ قَلْبُكَ وَصَدْرُكَ وَيَخْشَاكَ الْقُنُوط"10.

ب. الحزن والغمّ: وقد ورد هذا المعنى في إحدى الكلمات القصار لأمير المؤمنين عليه السلام حيث قال "العَجَلُ قَبْلَ الإمكانِ يُوجِبُ الغُصّةَ"11.
 


173


ج. زيادة الخطأ: ورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "إِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ فَإِنَّكَ إِذَا عَجَّلْتَ أَخْطَأْتَ حَظَّكَ"12. ويقول أمير المؤمنين عليه السلام "مَعَ العَجَلِ يَكْثُرُ الزَّلل"13، و"مَن عَجَل كَثُرَ عِثارُهُ"14.

د. الهلاك: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث آخر "اِنَّما اَهْلَكَ النّاسَ الْعَجَلَةُ وَلَوْ اَنَّ النّاسَ تَثَبَّتُوا لَمْ يهلكْ أَحدٌ"15. وطبعاً المقصود من الهلكة هو الموت بسبب الحوادث غير المتوقّعة والّتي تكون معلولة بالعجلة وعدم التثبّت من الأمور.

ه. الغصّة: ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "الْعَجَلُ قَبلَ الْاِمْكانِ يُوجِبُ الغُصَّةَ"16، لأنّ العجلة تهدر أتعاب الإنسان وسعيه ولا يصل إلى نتيجة مطلوبة.

و. الندامة: عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "مَعَ التَّثَبُّتِ تَكونُ السَّلامَةُ وَمَعَ العَجَلَةِ تَكونُ النَّدامَةُ"17.

المسارعة في الخيرات خلق حميد

نقرأ في القرآن الكريم في آيات عدّة الدعوة إلى المسارعة في الخيرات والمسابقة في الحسنات، ومن ذلك ما ورد في الآية 114 من سورة آل


174


عمران في وصف بعض المؤمنين الحقيقيين حيث يقول ﴿.. وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ18.

ويقول في سورة الأنبياء الآية 90 في وصف جماعة من الأنبياء العظام مثل زكريا ويحيى ويقول عنهم ﴿
.. إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ... 19.

ويقول في الآية 61 من سورة المؤمنين في شرح الصفات البارزة لهؤلاء المؤمنين: ﴿
أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ20.

وهذا المعنى نفسه ورد في الآية 148 من سورة البقرة تحت عنوان المسابقة في الخيرات حيث تقول الآية ﴿
...فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ...21.

وقد ورد في الروايات الإسلامية إشارات جميلة وعميقة المعنى بالنسبة إلى هذا الموضوع، منها:
- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اِنّ اللهَ يُحِبُّ مِنَ الخَيْرِ مَا يُعَجَّلُ"22.
- وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "بَادِرُوا بِعَمَلِ الخَيرِ قَبلَ اَن تُشغَلُوا عَنْهُ بِغَيرِهِ"23.
- وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "مَن هَمَّ بِخَير فَلْيُعَجِّلْهُ وَلا يُؤَخِّرْهُ"24.
 


175


- وجاء هذا المعنى أيضاً في حديث آخر بصورة مفصلة، قال الإمام الصادق عليه السلام: "اِذا هَمّ اَحَدُكُم بِخَير أَوَ صِلَة فَاِنّ عَن يَمينِهِ وَشِمالِهِ شَيطانَينَ فَلْيُبادِرْ لا يَكُفّاهُ عَن ذَلِكَ"25.
- وعن الإمام الباقر عليه السلام "مَن هَمَّ بِشَيْء مِنَ الخَيرِ فَلْيُعَجِّلْهُ فَاِنَّ كُلَّ شَيْء فيهِ تَأخيرٌ فَاِنَّ لِلشَّيطانِ فِيهِ نَظْرَةً"26.

ولهذا لا بدّ أيضاً من أن يفرّق الإنسان بين السرعة والمسارعة في أعمال الخير، وبين العجلة المذمومة الّتي تكون قبل توفّر مقدّمات العمل.

طرق العلاج

ولغرض التصدّي لهذه الرذيلة الأخلاقية وعلاجها أو الوقاية منها فقبل كلّ شيء يجب التفكّر في هذه العواقب الوخيمة والآثار السيئة لحال الاستعجال والتسرّع. فلو أنّ الشخص تفكّر في هذه الأمور والآثار السيئة، فإنّه سيدرك حتماً أنّ الاستعجال في العمل مضافاً إلى أنّه لا يوصله إلى مقصده ولا يحصل على غايته بسرعة فإنه قد لا يحصل عليها أبداً فيما بعد. ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّما أهلك الناس العجلة ولو أنّ الناس تثبّتوا لم يُهلك أحد"27.


176


 

هوامش

1- الشيخ ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسم ، مصدر سابق، ص 206.
2- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 267.
3- سورة الأنبياء، الآية 37.
4- سورة المعارج، الآية 19.
5- سورة الإسراء، الآية 11.
6- الإمام الصادق، جعفر بن محمد عليهما السلام منسوب-، مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1400ه - 1980م، ط1، ص 143.
7- سورة الاحقاف، الآية 35.
8- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص 52، الخطبة 5.
9- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص 52، 444، الرسالة 53 عهده إلى مالك اشتر-.
10- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 75، ص 379.
11- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 267.
12- ورام بن أبي فراس، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام‏، مصدر سابق، ج 2، ص 350.
13- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 267.
14- المصدر نفسه.
15- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 340.
16- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 267.
17- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 338.
18- سورة آل عمران، الآية 114.
19- سورة الأنبياء الآية 90.
20- سورة المؤمنين، الآية 61.
21- سورة البقرة، الآية 148.
22- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 142.
23- الشيخ ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسم ، مصدر سابق، ص 110.
24- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 142.
25- المصدر نفسه، ج 2، ص 143 .
26- المصدر نفسه.
27- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 340.