الهدف العام
التعرّف على الآثار
السلبية لكفران النعم،
والتربية على فضيلة
الشكر.
المحاور الرئيسة
- معنى كفران النعمة
- الشكر وكفران النعمة في
آيات
- عواقب كفران النعم
- الشكر قناة موصلة للنعم
الإلهية
- أسباب ودوافع الكفران
- التربية على شكر الله
تعالى
- شكر الخالق وشكر
المخلوق
تصدير الموضوع
ورد في حديث عن أمير
المؤمنين عليه السلام
أنّه قال: "مَنْ
شَكَرَ النِّعَمَ
بِجِنـانِهِ استَحَقَّ
المَزيدَ قَبْلَ أَن
يَظهَرَ عَلَى لِسـانِهِ"1.
معنى كفران النعمة
الكفر يعني في الأصل
الإخفاء. وبما أنّ الكافر
يسعى في إخفاء وتغطية
النعمة وقيمتها فسمّي
عمله بالكفران.
ومن البديهيّ أنّ الكفران
مرّة يكون بالقلب واُخرى
باللسان وثالثة بالعمل.
ففي قلبه لا يستشعر
الإنسان أهمية تلك
النعمة، ويصرّح بلسانه
بقلّة النعمة وعدم
أهمّيتها. وفي العمل لا
يتحرّك من موقع الاهتمام
بمواهب الله عليه، وبدلاً
من أن يستعملها بالخير،
يستعملها بالشرّ. ولذلك
قال كبار علماء الأخلاق:
"الشُّكْرُ صَرفُ
العَبدِ جَمِيعَ مـا
أَنْعَمَهُ اللهُ تَعـالى
فِي مـا خُلِقَ لأجلِهِ"2.
والكفران هو عدم الاعتناء
بالنعم وتحقيرها
وتضييعها، وهو أيضاً من
الرذائل الأخلاقية ذات
العواقب الوخيمة، سواء
كانت على الصعيد الفرديّ
أو الاجتماعيّ. والكفران
هو استعمال النعم في غير
محلّها، فالعين التي
وهبها الله تعالى للإنسان
ليرى بها طريق الحق
والآيات
الإلهية ويشخصّ بها
الطريق السويّ من البئر
لئلّا يقع فيها، فإذا به
يستعملها في موارد
الحرام، وكذلك اليد
والأُذن وغيرهما من
الجوارح أو المال
والثروة.
جاء عن الإمام السجاد علي
بن الحسين عليه السلام
أنّه قال: "الذُّنُوبُ
الَّتِي تُغَيُّرُ
النِّعَمَ البَغيُ عَلَى
النّاسِ والزَّوالُ عَنِ
العادَةِ فِي الخَيرِ
واصطِناعِ المَعرُوفِ،
وَكُفرانُ النِّعَمِ
وَتَركُ الشُّكْرِ"3.
الشكر وكفران النعمة في
آيات
يزخر كتاب الله بالحديث
عن الآيات التي تذمّ حالة
الكفران، وتمدح حالة
الشكر للنعمة، نذكر منها:
ـ قوله تعالى:
﴿ وَإِذْ
تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ
لَئِن شَكَرْتُمْ
لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن
كَفَرْتُمْ إِنَّ
عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾4.
تستعرض الآية كلام النبيّ
موسى عليه السلام مع بني
إسرائيل، حيث يذكّرهم
بأمر إلهيّ مهمّ:
﴿وَإِذْ
تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ
لَئِن شَكَرْتُمْ
لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن
كَفَرْتُمْ إِنَّ
عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾5،
فذكّرهم النبيّ عليه
السلام بقضية الشكر
ومعطياته والكفران وآثاره
السلبية وذلك بعدما
انتصروا على فرعون ونالوا
الاستقلال وذاقوا طعم
الحرية والعظمة وظهرت
منهم بوادر كفران النعمة.
وجملة "لأزيدنّكم" فيها
أنواع من التأكيدات، فهي
وعد إلهيّ قطعيّ
للشاكرين، بأنّه سيزيدهم
من فضله، وفي الوقت نفسه
تهديد شديد ووعيد مخيف
لكفّار النعم بأنّ عليهم
أخذ العبرة من قصة بني
اسرائيل عندما كفروا
أنعُم الله "فتاهوا" في
الصحراء أربعين سنة.
ـ قوله تعالى:
﴿ أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِينَ
بَدَّلُواْ نِعْمَةَ
اللّهِ كُفْرًا
وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ
دَارَ الْبَوَارِ * أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِينَ
بَدَّلُواْ نِعْمَةَ
اللّهِ كُفْرًا
وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ
دَارَ الْبَوَارِ
﴾6.
"الآية من الآيات تتوجّه
بالخطاب إلى الرسول
الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم وتبيّن أنّ
كفران النعم الإلهية يمكن
أن يؤدّي بقوم أو بمجتمع
بأكمله إلى قعر جهنّم ولا
يستبعد نزول العذاب
الدنيويّ فيها حيث تبدّل
دنياهم إلى جحيم لا يطاق.
وقد اختلف المفسّرون في
المقصود من النعمة في هذه
الآية، فبعض قال: إنّها
بركة وجود الرسول الأعظم
صلى الله عليه وآله وسلم
، فالعرب المشركون قد
كفروا بالنعمة بإنكارهم
لدعوته ورفضهم الإذعان
لرسالته فأحلّوا قومهم
دار البوار، وفسّرها
بعضهم الآخر بأهل البيت
عليهم السلام حيث كفر بهم
بعض الناس أمثال بني
أُمية. ولكن على الظاهر
أنّ مفهوم الآية أوسع من
هذه الدوائر والاُطر في
مصاديق الآية ويشمل جميع
النعم الإلهية.
ـ قوله تعالى:
﴿وَضَرَبَ
اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً
كَانَتْ آمِنَةً
مُّطْمَئِنَّةً
يَأْتِيهَا رِزْقُهَا
رَغَدًا مِّن كُلِّ
مَكَانٍ فَكَفَرَتْ
بِأَنْعُمِ اللّهِ
فَأَذَاقَهَا اللّهُ
لِبَاسَ الْجُوعِ
وَالْخَوْفِ بِمَا
كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾7.
تتحدث هذه الآية عن جماعة
أنعم الله تعالى عليهم
بنعمة ظاهرة وباطنة، نعمة
الأمان والرزق الكثير
والنعم المعنوية والروحية
التي
نزلت عليهم بواسطة
نبيّهم، ولكنّهم كفروا
تلك النعم فعاقبهم الله
تعالى بعقاب الجوع
والخوف، ...
﴿ فَأَذَاقَهَا
اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ
وَالْخَوْفِ بِمَا
كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾.
عواقب كفران النعم
تناولت الروايات
الإسلامية آثار حالة
الكفران المشؤومة
وأضرارها، وتبيّن مدى
خطورة هذه الرذيلة
وآثارها السيئة على مستوى
الحياة الفردية
والاجتماعية وكيف أنّ
الإنسان ينحدر من أوج
الكرامة وذروة النعمة إلى
قعر الذلّة والمسكنة،
وتُسلب منه التوفيقات
الإلهية ويبتعد عن الله
تعالى ويقترب من الشيطان.
ـ عن الرسول الأكرم صلى
الله عليه وآله وسلم أنّه
قال: "أَسرَعُ
الذُّنُوبِ عُقُوبَةً
كُفرانُ النِّعْمَةِ"8.
ـ وعن أمير المؤمنين عليّ
عليه السلام أنّه قال: "سَبَبُ
زَوالِ النِّعَمِ
الكُفرانُ"9.
ـ وعنه أيضاً عليه
السلام: "كُفرُ
النِّعْمَةِ مُزيلُهـا
وَشُكرُهـا مُستَدِيمُهـا"10.
ـ والاستدراج هو أحد
عقوبات الباري تعالى
ويعني أنّ الله تعالى
يغدق على عبده الكافر
نعمه ثم يسلبها منه حتى
يحس بالألم والعناء
الشديدين، وقد جاء في
حديث عن الإمام الحسين
عليه السلام: "الاستِدراجُ
مِنَ اللهِ سُبحـانَهُ
لِعَبدِهِ أَنْ يُسْبِغَ
عَلَيهِ النِّعَمَ
وَيَسلُبَهُ الشُّكرَ"11.
وفي حديث عن أمير
المؤمنين عليّ عليه
السلام أنّه قال: "كُفرُ
النِّعْمَةِ لُؤمٌ
وَصُحْبَةُ الأحمَقِ
شُؤمٌ"12.
الشكر قناة موصلة للنعم
الإلهية
إنّ الإنسان المنعم
يتوقّع الشكر من الطرف
الآخر، أو ربّما يحتاجه
في بعض الأحيان، سواء كان
احتياجاً مادياً أو
معنوياً. ولكن الباري،
تعالى، هو الغنيّ عن
العالمين، حتّى ولو كفر
الناس جميعاً، فهو لا
يحتاج لشكرهم، ومع ذلك
فقد أكّد سبحانه على
الشكر، فمثله كمثل باقي
العبادات، ونتيجته تعود
على نفس الإنسان. وإذا ما
دقّقنا النظر قليلاً
فسندرك أنّ الإنسان إذا
قدّر النعم الإلهية سواء
كان بالقلب أو اللسان أو
بالعمل، فهو يستحقّ تلك
النعمة، والله تعالى هو
الحكيم لا يسلب النعمة من
مستحقّها ، فعندما يشكر
الإنسان النعم فلسان حاله
يقول إنّني مستحقّ للنعم،
وحكمة الباري لا توجب له
النعمة فقط بل تزيده
أيضاً13.
وهذا ما نفهمه من
الأحاديث الواردة عن أئمة
أهل البيت عليهم السلام
كما عن أمير المؤمنين
عليه السلام قال: "بالشكر
تدوم النعم ، وبالكفر
زوالها ، وخير القول
أصدقه"14.
وعنه عليه السلام قال: "ثَمَرَةُ
الشُّكرِ زِيادَةُ
النِّعَمِ"15.
وعن الإمام الصادق عليه
السلام أنّه وبمجرّد
الحمد والثناء يصدر
الباري تعالى أمره بزيادة
النعم على ذلك العبد،
فقال: "مـا أَنْعَمَ
اللهُ عَلَى عَبد مِنْ
نِعمَة فَعَرَفَها
بِقَلبِهِ وَحَمِدَ اللهَ
ظـاهِراً بِلِسـانِهِ
فَتَمَّ كَلامُهُ حَتّى
يُؤمَرَ لَهُ بِالمَزيدِ"16.
وروي عنه عليه السلام
أنّه قال: "مَكْتُوبٌ
فِي التَّوْرَاةِ اشْكُرْ
مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْكَ
وَأَنْعِمْ عَلَى مَنْ
شَكَرَكَ فَإِنَّهُ لَا
زَوَالَ لِلنَّعْمَاءِ
إِذَا شُكِرَتْ وَلَا
بَقَاءَ لَهَا إِذَا
كُفِرَتْ"17.
وقد دلت النصوص على أنّ
الشكر سبب لبقاء النعم،
وكفرها سبب في زوالها،
فقال تعالى:
﴿ وَإِذْ
تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ
لَئِن شَكَرْتُمْ
لأَزِيدَنَّكُمْ﴾18.
ومن آثار الشكر الجزاء
الذي قال الله تعالى عنه:
﴿وَسَيَجْزِي
اللّهُ الشَّاكِرِينَ
﴾19،
و﴿وَسَنَجْزِي
الشَّاكِرِينَ﴾20
أي: سنعطيهم من فضلنا
ورحمتنا في الدنيا
والآخرة بحسب شكرهم
وعملهم، فالمولى أطلق
جزاء الشاكرين فلم يقيّده
بشيء.
وعليه يمكن القول: إنّ
أهل البيت عليهم السلام
قد رسموا لنا في منهجهم
التربويّ معادلة واضحة
مفادها أنّ دوام النعم
وبقاءها مسبّب عن دوام
الشكر للمنعم واستمراره
في آناء الليل والنهار.
روي عن أبي عبد الله عليه
السلام قوله: "من أعطي
الشكر أعطي الزيادة يقول
اللَّه عزّ
وجلّ
﴿ لَئِن
شَكَرْتُمْ
لأَزِيدَنَّكُمْ﴾21"22.
"مـا أَنْعَمَ اللهُ
عَلَى عَبد مِنْ نِعمَة
فَعَرَفَها بِقَلبِهِ
وَحَمِدَ اللهَ ظـاهِراً
بِلِسـانِهِ فَتَمَّ
كَلامُهُ حَتّى يُؤمَرَ
لَهُ بِالمَزيدِ"23.
والقرآن الكريم أشار في
موارد عديدة إلى فضيلة
الشكر عند الأنبياء
العظام، وأمرهم بالشكر24.
وقد خاطب آل داوود:
﴿اعْمَلُوا
آلَ دَاوُودَ شُكْرًا
وَقَلِيلٌ مِّنْ
عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾25.
ويقول في مكان آخر إنّ
شرط رضا الباري تعالى هو
الشكر:
﴿إِن
تَكْفُرُوا فَإِنَّ
اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ
وَلَا يَرْضَى
لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ
وَإِن تَشْكُرُوا
يَرْضَهُ لَكُمْ ...﴾26.
أسباب ودوافع الكفران
التقصير في الشكر ينشأ من
عدم معرفة الإنسان
بالمنعم بصورة كاملة.
وأساساً فإنّه لا يتحرّك
في طريق التدبّر في النعم
الإلهية. فمثلاً عندما
ننظر إلى بدننا وما فيه
من عجائب ودقائق وتفاصيل
على مستوى الخلقة فسنتوجه
إلى أهمية تلك النعم
ويتحرك فينا حسّ الشكر
لله تعالى. ولذلك قالوا:
إنّ أول طريق للشكر هو
المعرفة والتفكير
بالمواهب والصنائع
الإلهية وأنواع نعمه
الظاهرة والباطنة.
ويعتبر الإمام الخميني
قدس سره أنّ ما ذكره
المحقّقون في الشكر مبنيّ
على المجاز والمسامحة،
لأنّ الشكر لا يكون نفس
المعرفة بالقلب، والإظهار
باللسان، والعمل بالأعضاء
والجوارح، بل هو حالة
نفسية ناجمة عن معرفة
المنعم والنعمة وأنّ هذه
النعمة من المنعم، وتُنتج
من هذه الحال الأعمال
القلبية القالبية العمل
بالجوارح27
وقد ذكر الإمام الصادق
عليه السلام في كتاب
"التوحيد" المعروف بتوحيد
المفضّل حقائق توحيدية
هامّة من موقع تحليل
ماهية النعم الإلهية في
تفاصيلها الدقيقة ومن
خلالها ينفتح الإنسان على
المنعم الحقيقي.
قال عليه السلام: "فَإنّه
لَو لَم يَكُن لَهُ لِسان
مُهيأ للكَلامِ وَذِهن
يَهتَدِي بِهِ للاُمورِ
لَم يَكُن لِيتَكَلَّمَ
أَبَداً، وَلَو لَم يَكُن
لَهُ مُهيأةً وَأَصـابِعَ
للِكِتابَةِ لِيَكتُبَ
أَبداً، واعتَبر ذَلِكَ
مِنَ البَهائِمِ الّتي لا
كَلامَ لَها ولا
كِتابَةَ، فَأصلِ ذَلِكَ
فَطرَةِ البـاري عَزَّ
وجَلَّ ومـا تَفضّل بِهِ
عَلَى خَلقِهِ، فَمن
شَكَرَ اُثِيبَ، وَمَنْ
كَفَرَ فإنَّ اللهَ
غَنِيٌ عَنِ العـالَمِينَ"28.
التربية على شكر الله
تعالى
جاء في حديث عن الإمام
الصادق عليه السلام
أيضاً، أنّ النبيّ الأكرم
صلى الله عليه وآله وسلم
كان في يوم من الأيّام
راكباً ناقته وفجأة نزل
وسجد خمس سجدات، وعندما
قام وركب مركبه، قلت له:
يا رسول الله رأيت منك
اليوم
أمراً لم أره من قبل،
فقال: "نِعَمٌ
استَقبَلَني جِبرئِيلُ
عليه السلام فَبَشَّرنِي
بِبشـارات مِنْ اللهِ عزّ
وجلّ فَسَجَدتُ للهِ
شكُراً لِكُلِّ بُشرى"29.
وفي حديث آخر عن الإمام
الصادق عليه السلام أنّه
أمر بشكر جامع وكامل
فقال: "إِذا أَصبَحتَ
وَأَمسَيتَ فَقُلْ عَشرَ
مَرّات: اللَّهُمَّ مـا
أَصبَحتْ بِي مِنْ نِعمَة
أو عـافِية مِنْ دِين أو
دُنيـا فَمِنكَ وَحدَكَ
لا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ
الحَمدُ وَلَكَ الشُّكرُ
بِهـا عَلَيَّ يـا ربِّ
حَتّى تَرضى وَبَعدَ
الرّضا"30.
وعن أمير المؤمنين عليه
السلام: "شَرُّ
النّاسِ مَنْ لا يَشكُرُ
النِّعمَةَ وَلا يرعى
الحُرُمَةَ"31.
وعن الإمام الباقر عليه
السلام: "كَانَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله
عليه وآله وسلم عِندَ
عـائِشة لَيلَتها
فَقـالَتْ: يـا رَسُولَ
اللهِ لِمَ تَتعَب
نَفسَكَ وَقَدْ غَفَرَ
اللهُ لَكَ مـا تَقَدمَ
مِنْ ذَنبِكَ وَمـا
تأَخرَ؟ فَقَالَ: يـا
عـائِشة أَلا أَكُونَ
عَبدَاً شَكُوراً؟"32.
في حديث عن هشام بن
الأحمر أنّه قال: "كُنتُ
أَسِيرُ مَعَ أَبي الحَسن
عليه السلام (الكاظم) فِي
بَعضِ أَطرافِ المَدِينةِ
إذ ثَنّى رِجلَهُ عَن
دابَّتِهِ فَخَرَّ
ساجِداً، فَأَطـالَ
وَطـالَ، ثُمَّ رَفَعَ
رَأسَهُ وَرَكَبَ
دابَّتَهُ فَقُلتُ:
جُعلتُ فداك قَد أَطلتَ
السُّجُودَ؟ فَقالَ: "إنّني
ذَكَرتُ نِعمَةً أَنعَمَ
اللهُ بِها عَلَيّ
فأَحبَبتُ أَنْ أَشكُرَ
رَبِّي"33.
ويُعلم من هذه الرواية
أنّ الأئمّة عليهم السلام
، كانوا ملتزمين بأداء
الشكر لكلّ نعمة، وكانوا
يوصون مريديهم ومحبّيهم
بذلك أيضاً، حيث جاء في
الحديث عن الإمام الصادق
عليه السلام أنّه قال: "إِذا
ذَكَرَ أَحَدُكُم نِعمَةَ
اللهِ عَزَّ وجَلَّ
فَليَضَع خَدَّهُ عَلى
التُّرابِ شُكراً للهِ،
فَإِنْ كانَ راكِباً
فَليَنزِل فَليَضَعَ
خَدَّهُ عَلَى التُّرابِ،
وإِنْ لَم يَكُن يَقدَرُ
عَلَى النُّزُولِ
للشُّهرَةِ فَليَضَع
خَدَّهُ عَلى قَربُوسِه،
وإن لَم يَقدر فَليَضَع
خَدَّهُ عَلى كَفِّهِ
ثُمَّ لِيحمِدَ اللهَ
عَلى مـا أَنعَم عَليهِ"34.
وورد في حديث آخر عن
الإمام الصادق عليه
السلام ، أنّه قال لأحد
أصحابه: "مـا أَنعَمَ
اللهُ عَلَى عَبد
بِنِعمَة صَغُرَتْ أَو
كَبُرَتْ فَقَالَ الحَمدُ
للهِ إلاّ أَدّى شُكْرَها"35.
ونقرأ في حديث ثالث عنه
عليه السلام ، أنّ أحد
أصحابه سأله: "هَلْ
لِلشُّكرِ حَدٌّ إِذا
فَعَلَهُ العَبدُ كَانَ
شـاكِراً؟ قَالَ: نَعم،
قُلتُ: مـا هُوَ؟ قَالَ:
يَحَمدُ اللهَ عَلَى
كُلِّ نِعمَة عَلَيهِ فِي
أَهل وَمـال وإِن كانَ
فِيمـا أَنعَمَ عَلَيهِ
فِي مـالِهِ حَقٌّ
أَداهُ، وَمِنهُ قَولُهُ
عزّ وجلّ:
﴿ سُبْحانَ
الَّذِي سَخَّرَ لَنَا
هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ
مُقْرِنِينَ﴾36..."37.
شكر الخالق وشكر المخلوق
ورد في الرواية المعروفة
عن الإمام علي بن موسى
الرضا عليه السلام
قوله: "مَن لَم
يَشْكُرِ المُنعِمَ مِنَ
المَخلُوقِينَ لَم
يَشكُرِ اللهَ عزّ وجلّ"38.
وورد عن الإمام الصادق
عليه السلام قوله، أنّه
ورد في التوراة:
"اُشكُرْ مَنْ أَنعَمَ
عَلَيكَ وَأَنعِمْ عَلَى
مَنْ شَكَرَكَ"39.
ونقرأ في المفاهيم
القرآنية أنّ الله تعالى
يأمر بتقديم الشكر
للمخلوقين إلى جانب شكره
تعالى:
﴿ وَوَصَّيْنَا
الْإِنسَانَ
بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ
أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى
وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي
عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ
لِي وَلِوَالِدَيْكَ
إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾40.
|