الهدف العام
التعرّف على معالم
المدرسة والسيرة
الأخلاقية للنبي الأكرم
صلى الله عليه وآله وسلم
وأهل بيته عليهم السلام ،
والاقتداء بهم.
المحاور الرئيسة
- إحياء مجالس أهل البيت
عليهم السلام
- فضل البكاء على أهل
البيت عليهم السلام
وخاصّة على سيّد الشهداء
- ذكر مصائب أبي عبد الله
عليه السلام وأهل البيت
عليهم السلام
- السلام على الحسين
وثواب زيارته
- فضيلة الصلاة عند
الإمام الحسين
- تربة الحسين عليه
السلام
تصدير الموضوع
ورد في الحديث الشريف عن
الإمام الصادق عليه
السلام أنّه قال: "إنّ
اللهَ عزّ وجلّ أَدّبَ
نَبِيَّهُ فَأَحسَنَ
أَدَبَهُ فَلَمّا أَكمَلَ
لَهُ الأَدَبَ قَـالَ
إِنَّكَ لَعلى خُلُق
عَظِيم"1.
تعريف حسن الخلق
حسن الخلق عبارة عن
مجموعة من الصفات
والسلوكيات التي تتمثّل
بمداراة الناس، البشاشة،
الكلام الطيب وإظهار
المحبّة، ورعاية الأدب،
والتبسّم، والتحمّل
والحلم مقابل أذى الآخرين
وأمثال ذلك، فلو امتزجت
هذه الصفات مع العمل
وترجمها الإنسان في حركة
الواقع الخارجيّ سمّي ذلك
حسن الخلق. وفي حديث جامع
جميل عن الإمام الصادق
عليه السلام في تعريف حسن
الخلق ورد أنّ أحد أصحاب
الإمام سأله: مـا حَدُّ
حُسنِ الخُلقِ؟ قال
الإمام عليه السلام:
"تَلِينُ جـانِبَكَ
وَتُطَيِّبُ كَلامَكَ
وَتلقى أَخـاكَ ببُشر
حسن"2.
التربية الأخلاقية في
القرآن
قال الله تعالى مخاطباً
نبيه صلى الله عليه وآله
وسلم:
﴿
﴾6
تقرّر هذه الآية أنّ
المداراة واللّين محبّذان
حتى مع الأعداء الشرسين،
ويؤثران في أعماق نفوسهم
تأثيراً بالغاً. وبالطبع
فإنّ دفع السيئات
بالحسنات له طرق ومصاديق
مختلفة، أحدها أن يتعامل
الشخص من موقع المداراة
والأدب والبشاشة مع عدوّه
المعاند والحقود، إلى
درجة بحيث يمكن أن ينقلب
هذا الإنسان الحقود إلى
صديق محبّ، ويتحوّل من
حالة العداوة والبغضاء
إلى حالة الصداقة
والمحبّة.
والوصول إلى هذه المرتبة
من حسن الخلق بحيث يواجه
الإنسان السيئات بعكسها
من الحسنات ليست من شأن
كلّ إنسان لأنها تحتاج
إلى تسلّط كامل على قوى
النفس ولا يستطيع ذلك
إلاّ من اُوتي حظاً
عظيماً من سعة الصدر
وتخلّص من عقدة الانتقام.
دور حسن الخلق في التربية
هناك روايات كثيرة في
كيفية التعامل مع الناس
في حركة التفاعل
الاجتماعيّ. والتعبيرات
الواردة في هذه الروايات
عن هذه الفضيلة الأخلاقية
إلى درجة من الكثرة
والتأكيد أننا قلّما نجد
نظيراً لها في النصوص
الإسلامية. نختار من بين
الروايات الكثيرة ما يلي:
ورد عن الرسول الأكرم صلى
الله عليه وآله وسلم أنّه
قال: "الإِسلامُ حُسنُ
الخُلُقِ"7.
وعنه صلى الله عليه وآله
وسلم أنّه قال: "أَكْثَرُ
مَا تَلِجُ بِهِ
أُمَّتِيَ الْجَنَّةَ
تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ
الْخُلُقِ"8.
ونقرأ عن الإمام علي عليه
السلام قوله: "عِنوانُ
صَحِيفَةُ المُؤمنُ حُسنُ
خُلُقِهُ"9.
وعنه عليه السلام قال: "أَكْمَلُكُم
إِيمـاناً أَحسَنَكُم
خُلقاً"10.
الثواب والآثار الماديّة
والمعنوية للخلق الحسن
نقرأ في حديث عن الرسول
الأعظم صلى الله عليه
وآله وسلم أنّه قال: "الخُلْقُ
الحَسَنُ يُذِيبُ
السَّيِّئَةَ"11.
وعنه صلى الله عليه وآله
وسلم قال: "إِنَّ
صـاحِبَ الخُلقِ الحَسَنِ
لَهُ مِثلُ أَجرِ
الصَّائِمِ"12.
وعنه صلى الله عليه وآله
وسلم أنّه قال: "حسُنُ
الخُلقِ يُثبِتُ
المَوَدّةَ"13.
وفي حديث عن أمير
المؤمنين عليه السلام
قال: "حُسْنُ
الْأَخْلَاقِ يُدِرُّ
الْأَرْزَاقَ"14.
وعنه عليه السلام قال:
"فِي سَعَةِ الأخلاقِ
كُنُوزُ الأرزَاقِ"15.
وورد عن الإمام الصادق
عليه السلام: "إِنَّ
اللهَ تَبـارَكَ وَتَعالى
لَيُعطي العَبدَ مِنَ
الثَّوابِ عَلى حُسنِ
الخُلقِ كَمـا يُعطي
المُجـاهِدُ فِي سَبيلِ
اللهِ"16.
وعنه عليه السلام أنّه
قال: "البِرُّ وَحُسنُ
الخُلقِ يَعمُران
الدِّيـارَ وَيَزِيدانِ
فِي الأَعمـارِ"17.
ومن مجموع هذه الروايات
الإسلامية ندرك جيداً
الأهميّة البالغة لحسن
الخلق في حركة الحياة
المادية والمعنوية
للإنسان، ويتبيّن أنّ
صاحب الخلق الحسن يتميّز
على من يقوم الليل في
العبادة والمجاهد في سبيل
الله ويضاهيهما في الثواب
حيث يطهّر حسن الخلق
النفس الإنسانية من أدران
الذنوب وتلوّثات الأهواء
والنوازع الدنيوية...
سيرة أهل البيت
الأخلاقية
ومن أفضل الطرق لكسب
فضيلة حسن الخلق وملاحظة
نتائجها الإيجابية على
واقع الإنسان هو الاقتداء
بسيرة الأولياء العظام.
نقرأ في حديث عن الإمام
الحسن عليه السلام أنّه
قال: "كَانَ رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وآله
وسلم دَائِمَ البُشر،
سَهلَ الخُلق، لَينَ
الجَانبِ، لَيسَ بِفَظٍّ
ولا غلِيظ ولا سَخّاب،
ولا فَحّاش، ولا عيّاب،
ولا مَدّاح، ولا
يَتَغافَلُ عَمّا لا
يَشتَهِي، ولا يُؤيس
مِنهُ، قَد تَركَ نَفسَهُ
مِنْ ثَلاث: كَانَ لا
يَذُّمُ أَحداً، ولا
يُعيّرُه، ولا يَطلُبُ
عَورَتَهُ، ولا
يَتَكَلَّمُ إِلاّ فَيما
يَرجُو ثَوابَهُ، إِذا
تَكَلَّمَ أَرقَ
جُلساؤُهُ كَأَنّما عَلى
رُؤوسِهِم الطَّيرُ، وإذا
تَكَلَّمَ سَكَتُوا وإذا
سَكَتَ تَكَلَّمُوا لا
يُسارِعُون عِندَهُ
بِالحَديثِ، مَن
تَكَلَّمَ نَصتُوا لَهُ
حَتّى يَفرَغَ،
حَدِيثُهُم عِندَهُ حَديث
إِلَيهم، يَضحَكُ ممّا
يَضحَكُونَ مِنهُ،
وَيَتَعَجَّبُ ممّا
يَتَعَجَّبُونَ مِنهُ،
يُصبِّرُ الغريبَ عَلى
الجَفوةِ فِي المنطِقِ،
وَيَقُولُ: (إِذا
رَأَيتُم صـاحِبَ
الحَاجَة يَطلُبُها
فَأَرفِدُهُ)، ولا
يَقبَلُ الثَّناءَ إلاّ
مِنْ مُكافئ، ولا يَقطَعُ
عَلَى أَحد حَدِيثَهُ
حَتّى يَجُوزَهُ
فَيَقطَعُهُ بِانتهاء أَو
قِيام"18.
ونقرأ في حالات الإمام
عليّ عليه السلام في
الرواية المعروفة أنّ
الإمام كان قاصداً الكوفة
فصاحب رجلاً ذميّاً فقال
له الذمّي: أين تريد يا
عبد الله؟ قال: اُريد
الكوفة، فلما عدل الطريق
بالذمّي عدل معه علي عليه
السلام ، فقال له الذميّ:
أليس زعمت تريد الكوفة؟
قال: بلى. فقال له
الذميّ: فقد تركت الطريق،
فقال عليه السلام: قد
علمت، فقال له:
فلمَ عدلت معي وقد علمت
ذلك؟ فقال له علي عليه
السلام: "هذا مِن تمام
الصُّحبةِ أَن يُشيِّعَ
الرّجلُ صـاحِبهُ هُنيئةً
إذا فارَقَهُ وَكَذلِكَ
أَمرنـا نَبيِّنُا".
فقال له الذميّ: هكذا
أمركم نبيّكم؟ فقال: نعم،
فقال له الذمّي: لا جرم
إنّما تبعه من تبعه
لأفعاله الكريمة، وأنا
أشهد على دينك، فرجع
الذمّي مع الإمام عليّ
عليه السلام ، فلمّا عرفه
أسلم19.
3 - وفي حديث آخر في
تفسير الإمام الحسن
العسكريّ أنّه قال: "حَضَرَتِ
امْرَأَةٌ عِنْدَ
الصِّدِّيقَةِ فَاطِمَةَ
الزَّهْرَاءِ عليها
السلام فَقَالَتْ: إِنَّ
لِي وَالِدَةً ضَعِيفَةً،
وَقَدْ لُبِسَ عَلَيْهَا
فِي أَمْرِ صَلَاتِهَا
شَيْءٌ، وَقَدْ
بَعَثَتْنِي إِلَيْكِ
أَسْأَلُكِ.
فَأَجَابَتْهَا فَاطِمَةُ
عليها السلام عَنْ
ذَلِكَ، ثُمَّ ثَنَّتْ،
فَأَجَابَتْ، ثُمَّ
ثَلَّثَتْ [فَأَجَابَتْ]
إِلَى أَنْ عَشَّرَتْ
فَأَجَابَتْ، ثُمَّ
خَجِلَتْ مِنَ
الْكَثْرَةِ، فَقَالَتْ:
لَا أَشُقُّ عَلَيْكِ يَا
بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ.
قَالَتْ فَاطِمَةُ عليها
السلام: هَاتِي وَسَلِي
عَمَّا بَدَا لَكِ،
أَرَأَيْتِ مَنِ
اكْتُرِىَ يَوْماً
يَصْعَدُ إِلَى سَطْحٍ
بَحَمْلٍ ثَقِيلٍ،
وَكِرَاؤُهُ مِائَةُ
أَلْفِ دِينَارٍ،
أَيَثْقُلُ عَلَيْهِ؟
فَقَالَتْ: لَا.
فَقَالَتْ: اكْتُرِيتُ
أَنَا لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ
بِأَكْثَرَ مِنْ مِلْءِ
مَا بَيْنَ الثَّرَى
إِلَى الْعَرْشِ
لُؤْلُؤاً فَأَحْرَى أَنْ
لَا يَثْقُلَ عَلَيَّ،
سَمِعْتُ أَبِي [رَسُولَ
اللَّهِ] صلى الله عليه
وآله وسلم يَقُولُ: إِنَّ
عُلَمَاءَ شِيعَتِنَا
يُحْشَرُونَ، فَيُخْلَعُ
عَلَيْهِمْ مِنْ خِلَعِ
الْكَرَامَاتِ
عَلَى قَدْرِ كَثْرَةِ
عُلُومِهِمْ، وَجِدِّهِمْ
فِي إِرْشَادِ عِبَادِ
اللَّهِ.."
20.
وممّا ورد عن حلم الإمام
الحسن عليه السلام أنّ
شامياً رآه راكباً (في
بعض أزقّة المدينة) فجعل
يلعنه والحسن لا يردّ،
فلمّا فرغ أقبل الحسن
عليه السلام فسلّم عليه
وضحك فقال:
"أيُّها الشّيخ
أَظُنُّك غَريباً،
وَلَعلَّك شُبّهت، فَلَو
استَعتَبتَنا أَعتَبناكَ،
وَلَو سَأَلتَنا
أَعطَيناكَ، وَلَو
استَرشَدتَنا أَرشدناك،
وَلَو استَحمَلتَنا
أَحملناكَ، وإن كُنتَ
جـائِعاً أَشبَعنَاك،
وَإِن كُنتَ عُرياناً
كَسوناك، وإِن كُنتَ
مُحتاجاً أَغنَيناكَ،
وإِن كُنتَ طِريداً
آويناكَ، وإن كانَ لَكَ
حـاجَةً قَضيناها لَكَ،
فَلَو حَركتَ رَحلَكَ
إِلينا وَكُنتَ ضَيفَنا
إِلى وَقتِ إرتحالِك كانَ
أَعود عَلَيكَ، لأنَّ
لَنا مَوضِعاً رَحِباً
وَجاهاً عَريضاً وَمالاً
كَثَيراً".
فلمّا سمع الرجل كلامه
بكى، ثم قال أَشهدُ أَنّك
خَليفة الله في أرضه،
اللهُ أَعلَمُ حيثُ
يَجعلُ رسالتهُ. وكنتَ
أَنت وأبوك أبغضُ خلق
الله إليَّ، والآن أَنت
وأبُوكَ أحبُّ خلق اللهِ
إليَّ، وَحوّل رحله إليه،
وكان ضيفه إلى أن ارتحل،
وصار معتقداً لمحبتهم21.
ـ وجاء في كتاب "تحف
العقول": أنّ رجلاً من
الأنصار جاء إلى الإمام
الحسين عليه السلام يريد
أن يسأله حاجة، فقال عليه
السلام: "يـا أخـا
الأنصار صُن وجَهك عَن
بَذلِ المسألةِ وارفع
حـاجتَك فِي رقعة فإنّي
آت فِيها مـا سـاركَ إن
شاء الله"، فكتب
الأنصاريّ: يا أبا عبد
الله إنّ لفلان
عليَّ خمسمائة دينار وقد
ألجّ بي فكلّمه ينظرني
إلى ميسرة، فلما قرأ
الإمام الحسين عليه
السلام الرقعة، دخل إلى
منزله فأخرج صرّة فيها
ألف دينار وقال عليه
السلام له: "أَما
خمسمائة فاقض بِها دينك
وأمّا خمسمائة فاستعن
بِها على دَهرِكَ ولا
تَرفع حـاجتَكَ إلاّ إِلى
أحد ثلاث: إِلى ذِي دين،
أَو مروّة، أو حسب، فأمّا
ذو الدين فَيصُون
دِينُهُ، وأَمّا ذو
المُروة فإنّه يستحي
لمروّته، أَمّا ذو الحسب
فيعلم أنّك لم تكرم وجهكَ
أن تَبذلُه فِي حاجتِكَ
فَهو يَصون وَجهكَ أن
يردَك بِغير قضاءِ
حـاجتِك"22.
ـ ونقرأ في حالات الإمام
الباقر: عن محمد بن
سليمان عن أبيه قال:
كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
الشَّامِ يَخْتَلِفُ
إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ
عليه السلام ، وَكَانَ
مَرْكَزُهُ
بِالْمَدِينَةِ
يَخْتَلِفُ إِلَى
مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ
عليه السلام يَقُولُ
لَهُ: يَا مُحَمَّدُ،
أَلَا تَرَى أَنِّي
إِنَّمَا أَغْشِي
مَجْلِسَكَ حَيَاءً
مِنِّي لَكَ، وَلَا
أَقُولُ إِنَّ فِي
الْأَرْضِ أَحَداً
أَبْغَضَ إِلَيَّ
مِنْكُمْ أَهْلَ
الْبَيْتِ، وَأَعْلَمُ
أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ
وَطَاعَةَ رَسُولِهِ
وَطَاعَةَ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ فِي
بُغْضِكُمْ، وَلَكِنْ
أَرَاكَ رَجُلًا
فَصِيحاً، لَكَ أَدَبٌ
وَحُسْنُ لَفْظٍ،
وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ
إِلَيْكَ لِحُسْنِ
أَدَبِكَ.
وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ
عليه السلام يَقُولُ لَهُ
خَيْراً، وَيَقُولُ: "لَنْ
تَخْفَى عَلَى اللَّهِ
خَافِيَةٌ".
فَلَمْ يَلْبَثِ
الشَّامِيُّ إِلَّا
قَلِيلًا حَتَّى مَرِضَ
وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ،
فَلَمَّا ثَقُلَ دَعَا
وَلِيَّهُ، وَقَالَ لَهُ:
إِذَا أَنْتَ مَدَدْتَ
عَلَيَّ الثَّوْبَ فِي
النَّعْشِ، فَأْتِ
مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ
وَأَعْلِمْهُ أَنِّي
أَنَا الَّذِي أَمَرْتُكَ
بِذَلِكَ.
قَالَ: فَلَمَّا أَنْ
كَانَ فِي نِصْفِ
اللَّيْلِ ظَنُّوا
أَنَّهُ قَدْ بَرَدَ
وَسَجَّوْهُ، فَلَمَّا
أَنْ أَصْبَحَ النَّاسُ
خَرَجَ وَلِيُّهُ إِلَى
الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا
أَنْ صَلَّى مُحَمَّدُ
بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام
وَتَوَرَّكَ- وَكَانَ
إِذَا صَلَّى عَقَّبَ فِي
مَجْلِسِهِ- قَالَ لَهُ:
يَا أَبَا جَعْفَرٍ،
إِنَّ فُلَاناً
الشَّامِيَّ قَدْ هَلَكَ،
وَهُوَ يَسْأَلُكَ أَنْ
تُصَلِّيَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:
"كَلَّا، إِنَّ بِلَادَ
الشَّامِ بِلَادُ صِرٍّ
وَبِلَادَ الْحِجَازِ
بِلَادُ حَرٍّ
وَلَحْمُهَا شَدِيدٌ،
فَانْطَلِقْ فَلَا
تَعْجَلَنَّ عَلَى
صَاحِبِكَ حَتَّى
آتِيَكُمْ"، ثُمَّ قَامَ
مِنْ مَجْلِسِهِ،
فَأَخَذَ وَضُوءاً، ثُمَّ
عَادَ فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ
مَدَّ يَدَهُ تِلْقَاءَ
وَجْهِهِ مَا شَاءَ
اللَّهُ ثُمَّ خَرَّ
سَاجِداً حَتَّى طَلَعَتِ
الشَّمْسُ.
ثُمَّ نَهَضَ فَانْتَهَى
إِلَى مَنْزِلِ
الشَّامِيِّ، فَدَخَلَ
عَلَيْهِ، فَدَعَاهُ
فَأَجَابَهُ، ثُمَّ
أَجْلَسَهُ فَسَنَّدَهُ،
وَدَعَا لَهُ بِسَوِيقٍ
فَسَقَاهُ، فَقَالَ
لِأَهْلِهِ: "امْلَاؤا
جَوْفَهُ، وَبَرِّدُوا
صَدْرَهُ بِالطَّعَامِ
الْبَارِدِ"، ثُمَّ
انْصَرَفَ، فَلَمْ
يَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا
حَتَّى عُوفِيَ
الشَّامِيُّ، فَأَتَى
أَبَا جَعْفَرٍ عليه
السلام فَقَالَ:
أَخْلِنِي، فَأَخْلَاهُ،
فَقَالَ: أَشْهَدُ
أَنَّكَ حُجَّةُ اللَّهِ
عَلَى خَلْقِهِ،
وَبَابُهُ الَّذِي
يُؤْتَى مِنْهُ، فَمَنْ
أَتَى مِنْ غَيْرِكَ
خَابَ وَخَسِرَ وَضَلَّ
ضَلالًا بَعِيداً.
قَالَ لَهُ أَبُو
جَعْفَرٍ عليه السلام:
"وَمَا بَدَا لَكَ؟".
قَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي
عَهِدْتُ بِرُوحِي
وَعَايَنْتُ بِعَيْنِي،
فَلَمْ يَتَفَاجَأْنِي
إِلَّا وَمُنَادٍ
يُنَادِي، أَسْمَعُهُ
بِأُذُنِي يُنَادِي وَمَا
أَنَا بِالنَّائِمِ:
رُدُّوا عَلَيْهِ
رُوحَهُ، فَقَدْ
سَأَلَنَا ذَلِكَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو
جَعْفَرٍ عليه السلام: "أَمَا
عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْعَبْدَ
وَيُبْغِضُ عَمَلَهُ،
وَيُبْغِضُ الْعَبْدَ
وَيُحِبُّ عَمَلَهُ".
قَالَ: فَصَارَ بَعْدَ
ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ
أَبِي جَعْفَرٍ عليه
السلام23.
وأورد (الكليني) في الجزء
الأول من الكافي حول
الإمام العسكري عليه
السلام أنّه قال: "حُبِسَ
أَبُو مُحَمَّدٍ (الإمام
العسكري) عِنْدَ عَلِيِّ
بْنِ نَارْمَشَ وَهُوَ
أَنْصَبُ النَّاسِ
وَأَشَدُّهُمْ عَلَى آلِ
أَبِي طَالِبٍ وَقِيلَ
لَهُ: افْعَلْ بِهِ
وَافْعَلْ يعني مِن السوء
وَالأذى فَمَا أَقَامَ
الإمام عِنْدَهُ إِلَّا
يَوْماً حَتَّى وَضَعَ
خَدَّيْهِ لَهُ وَكَانَ
لَا يَرْفَعُ بَصَرَهُ
إِلَيْهِ إِجْلَالًا
وَإِعْظَاماً فَخَرَجَ
مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ
أَحْسَنُ النَّاسِ
بَصِيرَةً وَأَحْسَنُهُمْ
فِيهِ قَوْلًا"24.
آثار سوء الخلق
إنّ سوء الخلق من أهم
عوامل إيجاد الكراهية
والتنفّر والتفرّق بين
أفراد المجتمع، ولهذا
السبب ورد في الروايات
تعبيرات شديدة تتحدّث عن
سوء الخلق وأحياناً نقرأ
فيها كلمات مذهلة ومخيفة
عن النتائج الوخيمة
والآثار السلبية لهذا
المرض الأخلاقيّ، ومن ذلك
نقرأ ما ورد في بعض هذه
الروايات:
جاء في الحديث الشريف عن
النبيّ الأكرم صلى الله
عليه وآله وسلم: "إيّاكُم
وَسُوءَ الخُلقِ فإَنَّ
سُوءَ الخُلقِ فِي
النَّارِ لا مَحـالَةَ"25.
وجاء عن الإمام عليّ عليه
السلام في تقريره لحالة
سوء الخلق أنْ: "أشَدُّ
المَصـائِبِ سُوءُ
الخُلقِ"26.