المحاضرة الرابعة: الحياء خُلق الإسلام

الهدف العام
التعرّف على دور الحياء في تربية الإنسان في علاقته بربه وبالناس.

المحاور الرئيسة
- الحياء من الإيمان
- إذا ذهب الحياء ذهب الإيمان
- الحياء عاصم من العيب
- مواطن لا حياء فيها
- من حياء أمير المؤمنين وبالغ زهده


49


تصدير الموضوع

رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ لِكُلِّ دين خُلُقاً، وإنَّ خُلُق الإسلام الحياء".

تمهيد

من صفات المسلم الحريص على طاعة ربِّه "الحياء"، فإنَّهُ خَيْرٌ كلُّه، كما ورد في النُّصوص الشريفة، فينضبط المتديِّن في قوله وفعله وشكله ضمن الموازين الشرعية والأعراف المحمودة السائدة، وذلك بترك ما يُخجل منه. روي عن علي عليه السلام قال: "وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِهِ فِي السِّرِّ، وَيُسْتَحَى مِنْهُ فِي الْعَلَانِيَةِ"1.

الحياء من الإيمان:

لا ننسى أنَّ ربَّنا سبحانه حَييٌّ، ونبيَّنا كان كثير الحياء موصوفاً بهذه الصِّفة حَتَّى أنَّهُ اشتُهر بها، رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الحياء من الإيمان، والإيمان من الجنَّة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النَّار"2.

و"إنَّ لِكُلِّ دين خُلُقاً، وإنَّ خُلُق الإسلام الحياء"3.
 


50


وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "مَنْ كساه الحياء ثوبه خفي على النَّاس عيبه"4.

وكتب الإمام الصَّادق عليه السلام إلى أصحابه: "... وعليكم بالحياء والتنزُّه عمَّا تنزَّه عنه الصالحون قبلكم"5.

إذا ذهب الحياء ذهب الإيمان:

روي عن علي عليه السلام قوله: "لَا إِيمَانَ كَالْحَيَاءِ وَالصَّبْرِ"6.

ورُوي عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الحياء هو الدِّين كلُّه"7.

وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تَبِعَهُ صاحبه"8.

وعن الإمام الصَّادق عليه السلام: "لا إيمان لِمَنْ لا حياء له"9.

يقول الشيخ الأنصاري الَّذِي أوصى الإمام الخميني بقراءة كتابه (منازل السائرين): "قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى10.

في الآية إشعار بأنَّ الحياء ينشأ من الإيمان، وأنَّ الله يرى عبده "فإنْ لم تكن تراه فإنَّهُ يراك".
 


51


الحياء عاصم من العيب:
أ. روي عن علي عليه السلام قوله: "مَنْ كَسَاهُ الْحَيَاءُ ثَوْبَهُ لَمْ يَرَ النَّاسُ عَيْبَهُ"11.
ب. وعنه عليه السلام: "مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ، وَمَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ، وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ، وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ، وَمَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّارَ"12.
ج. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما كان الفُحْش في شيءٍ قط إلاَّ شانه، ولا كان الحياء في شيءٍ قط إلاَّ زانه"13.
د. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ الله يُحبُّ الحيِيَّ المتعفِّف، ويُبْغض البذيء السائل المُلْحف"14.

مواطن لا حياء فيها:

أ. التعلم: عن الإمام علي عليه السلام: "وَلَا يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الشَّيْ‏ءَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ"15.

فالجهل مُردٍ، ومفتاح العلم المسألة والتعلم، وما التخبط والضلال إلا بترك العلم والمعرفة، والإنسان لم يولد عالماً، فحياؤه بقاؤه جاهلاً "مَنْ رَقَّ وَجْهُهُ رَقَّ عِلْمُهُ"16. فلا بد له


52


من رفع نقيصته، وبلوغه كماله من التزود بما يرفع ذلك ويرقيه إلى ما يليق به.

ب. القول بغير علم: عن الإمام علي عليه السلام: "وَلَا يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ"17.

و"مَنْ تَرَكَ قَوْلَ (لَا أَدْرِي) أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ"18.

ج. إعطاء القليل: عن الإمام علي عليه السلام: "لَا تَسْتَحِ مِنْ إِعْطَاءِ الْقَلِيلِ، فَإِنَّ الْحِرْمَانَ أَقَلُّ مِنْهُ"19.

د. مواطن تحصيل الخير: عن الإمام علي عليه السلام: "قُرِنَتِ الْهَيْبَةُ بِالْخَيْبَةِ، وَالْحَيَاءُ بِالْحِرْمَانِ"20.

ه. ومما يستحى منه: الفرار من الزحف: عن الإمام علي عليه السلام: "وَاسْتَحْيُوا مِنَ الْفَرِّ فَإِنَّهُ عَارٌ فِي الْأَعْقَابِ، وَنَارٌ يَوْمَ الْحِسَابِ"21.

من حياء أمير المؤمنين وبالغ زهده:

ما ورد عنه عليه السلام "وَاللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي22 هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا، وَلَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ أَلَا تَنْبِذُهَا عَنْكَ؟ فَقُلْتُ: اغْرُبْ23 عَنِّي فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى"24.


53


 

هوامش

1- الرضي، السيد محمد بن حسين، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام -، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، دار الهجرة، إيران - قم، 1414ه‏، ط1، ص 459.
2- ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسم ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، إيران - قم، 1404ه‏، ط2، ص 394.
3- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج 8، ص 465.
4- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 8، ص 23.
5- المصدر نفسه، ج8، ص 2.
6- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص 488.
7- المتقي الهندي، كنز العمال، مصدر سابق، ج 3، ص 119.
8- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 106.
9- المصدر نفسه.
10- سورة العلق، الآية 14.
11- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص 508.
12- المصدر نفسه، ص 536.
13- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 334.
14- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، الأمالي، دار الثقافة، إيران - قم، 1414ه‏، ط1، ص 39.
15- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص 483.
16- عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام . الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 106.
17- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص 482.
18- المصدر نفسه، ص 482.
19- المصدر نفسه، ص 479.
20- المصدر نفسه، ص 471.
21- المصدر نفسه، ص 97.
22- المِدرعة: ثوب من صوف.
23- اغْرُبْ: اذهب وأبعد.
24- المصدر نفسه، ص 229.