الهدف العام
التعرَّف إلى قيمة
اللِّسان ودوره في صون
الإنسان أو ضياعه
وانحرافه، والميزان
الصحيح بين السُّكوت
والكلام.
المحاور الرئيسة
- اللِّسان، قيمته وخطره
- اللِّسان والإيمان
- آفات اللِّسان
- عذاب اللِّسان
- كيف نستفيد من اللسان؟
- أيُّهما أفضل الكلام أم
الصَّمت؟
تصدير الموضوع
قال الشاعر:
احـفظ لســانك أيهـا
الإنســـــان
لا يلـــدغـنـّـك
إنـــه ثعــبــان
كـم فـي المقابــر مـن
قتيل لسـانه
كـانت تخـاف
لقـاءه الشــجعــان
اللِّسان، قيمته وخطره:
اللسان مظهر إبداع
الخلقة، وعجيب الصنعة،
كما قال علي عليه السلام:
"اعْجَبُوا لِهَذَا
الْإِنْسَانِ يَنْظُرُ
بِشَحْمٍ وَيَتَكَلَّمُ
بِلَحْمٍ وَيَسْمَعُ
بِعَظْمٍ وَيَتَنَفَّسُ
مِنْ خَرْمٍ"1.
وهو المعبر الحاكي،
والمترجم الراوي لخلجات
النفس وما يجول في الفكر.
وهو جالب المحبّة، وباعث
الفتنة، من أعظم الجوارح
فعلاً وتأثيراً.
جراحاتُ السنانِ لها
التئامٌ
ولا يلتامُ ما
جرحَ اللسانُ
سأل سائل رسول الله، قال
يا رسول الله أوصني، فقال
صلى الله عليه وآله وسلم:
"احفظ لسانك، وَيْحكَ
وهل يَكُبُّ النّاس على
مناخرهم في النّار إلّا
حَصائِدُ ألسنتهم"2.
وعن الإمام علي بن الحسين
عليهما السلام أنّه قال:
"إنّ لسان ابن آدم
يشرف كلّ يوم على جوارحه،
كلّ صباح، فيقول: كيف
أصبحتم فيقولون: بخير إن
تركتنا، ويقولون: الله
الله فينا ويناشدونه
ويقولون إنّما نُثاب
ونعاقب بِك"3.
وعن الإمام عليّ عليه
السلام: "اللِّسان
سَبُعٌ إن خُلِّيَ عَقَر"4.
ومثله أيضاً ما روي عن
أمير المؤمنين عليه
السلام: "كم من دم
سفكه فم"5.
وعنه عليه السلام: "إنّ
أكثر خطايا ابن ادم في
لسانه"6.
اللِّسان والإيمان:
لا شكّ في أنّ الإيمان
الحقيقيّ موطنه في القلب،
واللِّسان ترجمان هذا
القلب، فما يظهر على
اللِّسان غالباً ما يكون
تجلّياً لما يُضمر في
القلب. روي عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم:
"لا يستقيم إيمان عبد
حتّى يستقيم قلبه، ولا
يستقيم قلبه حتّى يستقيم
لسانه، فمن استطاع منكم
أن يلقى الله، سبحانه،
وهو نقيّ الرّاحة من دماء
المسلمين وأموالهم، سليم
اللِّسان من أعراضهم
فليفعل"7.
قال الشّاعر:
إنّ الكـلام لـفـي
الـفـؤاد وإنـّمـا
جـُعـل اللِّسانُ
على الـفـؤاد دليلا
آفات اللِّسان:
اللِّسان جارحة لها
الصّدارة في الخطورة بين
الجوارح، وتعتريه الكثير
من الآفات والموبقات
الواجب اجتنابها والحذر
منها، منها:
أ. الخوض في الباطل:
يقول المولى الكريم حكاية
عن بعض أهل النَّار قولهم
﴿ كُنَّا
نَخُوضُ مَعَ
الْخَائِضِينَ﴾8،
والمراد منه الدُّخول في
أيّ حديث وأيّ كلام، بلا
حساب ولا تدبر ولا وعي.
وقد ورد عن النّبيّ صلى
الله عليه وآله وسلم:
"أعظم الناس خطايا يوم
القيامة أكثرهم خوضاً في
الباطل"9.
ب. المراء والمجادلة:
ورد في الحديث عن الرّسول
الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم: "لا يستكمل
عبد حقيقة الإيمان حتّى
يدع المراء، وإن كان
محقّاً"10.
ج. الفحش والسّبّ
واللّعن: عن الرّسول
الأعظم صلى الله عليه
وآله وسلم: "ليس
المؤمن بالطَّعَّان، ولا
اللّعان، ولا الفاحش، ولا
البذيء"11.
وعنه صلى الله عليه وآله
وسلم: "إنّ من شرار
عباد الله من تكره
مجالسته لفحشه"12.
د. السُّخرية
والاستهزاء: قال الله
تعالى:
﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا يَسْخَرْ
قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى
أَن يَكُونُوا خَيْرًا
مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء
مِّن نِّسَاء عَسَى أَن
يَكُنَّ خَيْرًا
مِّنْهُنَّ﴾13.
ه. إفشاء السّرّ:
السّرّ من أعظم الأمانات
وإفشاؤه خيانة، والله لا
يحبّ الخائنين. ورد في
الحديث النَّبويّ أنّ
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قال لأبي ذرّ
رضوان الله عليه: "يـا
أبـا ذرّ، المَجـالِس
بِالأمـانَةِ، وإفشَـاءُ
سرّ أَخِيكَ خِيـانَة"14.
و. الكذب: وهو من
أعظم الخطايا، كما قال
أمير المؤمنين عليه
السلام: "أعظم الخطايا
اللِّسان الكذوب"15.
ز. الغيبة: ورد
النَّهي الصّريح عنها في
القرآن الكريم:
﴿وَلَا
يَغْتَب بَّعْضُكُم
بَعْضًا أَيُحِبُّ
أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ
لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا
فَكَرِهْتُمُوهُ﴾16.
وروي عن الإمام الصَّادق
عليه السلام أنّه قال: "من
روى على مؤمن رواية يريد
بها شينه، وهدم مروءته،
ليسقط عن أعين النّاس،
أخرجه الله من ولايته إلى
ولاية الشَّيطان فلا
يقبله الشَّيطان"17.
عذاب اللِّسان:
روي عن الإمام الصَّادق
عليه السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: "يعذِّب
الله اللِّسان بعذاب لا
يعذِّب به شيئاً من
الجوارح، فيقول: أي ربِّ
عذَّبتني بعذاب لم تعذِّب
به شيئاً، فيقال له: خرجت
منك كلمة فبلغت مشارق
الأرض ومغاربها فسُفك بها
الدَّم الحرام، وانتُهب
بها المال الحرام،
وانتُهك بها الفرج
الحرام، وعزَّتي وجلالي،
لأعذِّبنَّك بعذاب لا
أعذِّب به شيئاً من
جوارحك"18.
كيف نستفيد من اللسان؟:
يجب العودة إلى توجيهات
النبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم وأهل بيته
عليهم السلام في كيفية
الاستفادة من اللسان، حيث
ورد عنهم:
أ. قول الخير دائماً:
يقول تعالى في ذلك:
﴿ وَقُل
لِّعِبَادِي يَقُولُواْ
الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
﴾19.
وعن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم أنّه قال:
"من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فليقل خيراً
أو ليسكت"20.
ب. ذكر الله:
فاللِّسان آلة ذكر الله.
وقد جاء الأمر في الذِّكر
الحكيم، قال تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اذْكُرُوا
اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾21.
ج. التَّفَكُّر قبل
الكلام: ورد عن أمير
المؤمنين عليه السلام في
نهج البلاغة: "وإنَّ
لسان المؤمن وراء قلبه،
وإن قلب المنافق من وراء
لسانه؛ لأنّ المؤمن إذا
أراد أن يتكلَّم بكلام
تدبَّره في نفسه،
فإن كان خيراً أبداه،
وإن كان شرّاً واراه، وإن
المنافق يتكلَّم بما أتى
على لسانه لا يدري ماذا
له وماذا عليه"22.
د. الصَّمت والسُّكوت:
عن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم أنّه
قال: "من صمت نجا"23.
وعن النّبيِّ الأعظم صلى
الله عليه وآله وسلم أنّه
قال: "الصَّمت عبادة
لمن ذكر الله"24.
وعن أمير المؤمنين عليه
السلام: "واجعلوا
اللِّسان واحداً وليخزن
الرَّجل لسانه، فإنّ هذا
اللِّسان جموح بصاحبه،
والله، ما أرى عبداً يتقي
تقوى تنفعه حتى يختزن
لسانه"25.
وعن النَّبيِّ الأعظم صلى
الله عليه وآله وسلم: "إنّ
أولياء الله سكتوا فكان
سكوتهم ذكراً، ونظروا
فكان نظرهم عبرة، ونطقوا
فكان نطقهم حكمة"26.
وعن الإمام عليّ عليه
السلام أنّه قال: "إنَّ
لله عباداً كسرت قلوبهم
خشية الله، فأسكتتهم عن
النِّطق وإنّهم لفصحاء
عقلاء يستبقون إلى الله
بالأعمال الزكيّة..."27.
أيُّهما أفضل الكلام أم
الصَّمت؟:
روي عن النَّبيُّ صلى
الله عليه وآله وسلم: "السُّكوت
خير من إملاء الشرّ
وإملاء الخير خير من
السُّكوت"28.
وسئل الإمام زين العابدين
عليه السلام عن الكلام
والسُّكوت أيُّهما أفضل؟
فقال عليه السلام:
"لكلِّ واحد منهما آفات،
فإذا سلما من الآفات
فالكلام أفضل من
السُّكوت. قيل: كيف ذلك
يا بن رسول الله؟ قال
عليه السلام: "لأنَّ
الله، عزّ وجلّ، ما بعث
الأنبياء والأوصياء
بالسُّكوت، إنَّما بعثهم
بالكلام، ولا استُحقت
الجنّة بالسُّكوت، ولا
استُوجبت ولاية الله
بالسُّكوت ولا
تُوِقِّيَتْ النَّار
بالسُّكوت، إنّما ذلك كله
بالكلام"29.
وعن أمير المؤمنين عليه
السلام أنّه قال: "ألا
وإنَّ اللِّسان الصَّالح،
يجعله الله للمرء، خير له
من المال يورثه من لا
يحمده"30.
وعن الإمام علي بن الحسين
عليه السلام في رسالة
الحقوق: "وأمّا حقّ
اللِّسان فإكرامه عن
الْخَنَى31،
وتَعْوِيدهُ الخَيْرَ،
وحَملُهُ على الأدب،
وإِجْمَامُهُ32،
إلّا لموضع الحاجة
والمنفعة للدّين
والدّنيا، وإعفاؤه عن
الفضول الشَّنِعَةِ33
القليلة الفائدة الّتي لا
يؤمن ضررها مع قلّة
عائدتها، ويعدّ شاهد
العقل والدّليل عليه،
وتزَيّن العاقل بعقله،
(و) حُسْنُ سيرته في
لسانه، ولا قوّة إلا
بالله العليّ العظيم"34.
|