الليلة التاسعة: مجلس القاسم بن الحسن

القصيدة

على قبرٍ بأرض الطفّ نوحٌ
عزاءٌ صدّعَ الأكوانَ حُزنًا
كأنَّ المُجتبى يَنعى حبيبًا
"أقاسمُ ها أباكَ إليكَ لبّى
فقم ولدي وحدِّث فيَّ جُرحًا
وقل يا نورَ عيني أيُّ جرحٍ
أجرحُ القلب أم سهمُ المنايا
و إذ بالصوتِ من نحرِ المنايا
جراحُ المَوتِ يا أبَتاهُ تحلو

وصرخةُ والدٍ فقدَ الوليدَا
ألانَ بأنَّةٍ منهُ الحَديدا
لهُ في كربلا ينعى فقيدا
ليبكي في الثرى رأسا و جيدا
أجِبني كيفَ حزّوهُ الوريدا
يؤلّمُ فيكَ إيلامًا شديدا
أم الأضلاعُ مذ صارت صعيدا
يُنادي والبُكا يتلو النشيدا
فدونَ العمّ قد صرتُ الشهيدا

ساعد الله قلب الأم!


101


كأنّي برملة تخاطب ولدها:
تگلة يمه
جاسم ييمه اشلون بية
لو عاينت دارك خلية
يابعد روحي تعال لية
تعال خل اگعد وحاجيك
واصواب البگلبي أراويك
يوليدي يل حلوة معانيك

(بحر طويل/ لفى عاشور/ تغريد حزين)

يقاسم يمه رد اجواب
أمك آنه محرومة
قلبي كم سهم منصاب
ومني الروح مالومه

آه يايمة آه يايمة آه يايمة آه

ممروده عيوني اعليك
تصب ادموعها من دم
ليل انهار أفكر بيك


102


يا من للجرح بلسم
قلب أمك بقى يناديك
نهاري بعدك إتعتم
تنام اعلى الترب ألقيك
مطول يبني هالنومه؟

آه يايمة آه يايمة آه يايمة آه

مثل شمعة ضوية جان
شبابك ياعزيز الروح
يوردة مشكلة بأغصان
تهل دم من أثر لجروح
شباب وزينة الشبان
يجاسم يبني يامذبوح
ثياب الزفه صار اكفان
ابدمه امغركه اهدومه

آه يايمة آه يايمة آه يايمة آه


103


(طور العكرواي)
يرمله
گومي يرمله ودعي ابنچ المظلوم آه آه آه
جابه العزيز حسين يتحسّر ومهموم آه آه آه

أبو السجاد جابه والگلب مالوم

يگلّه
صبح ظهري يبويه اعليك مجسوم آه آه آه
ياريحة الغالي المجتبى المسموم
ابنچ يرمله اتحنّه بفيض الدموم آه آه آه

(أبو ذيّة)

يريتـك يالحسن رمله تراها        تشم بجروح جاسمها تراها
وتكله وليدي اكعدلي تراها        بغـيرك ما أريد الـروح بيه

المصيبة
هذا القاسم بن الحسن المجتبى، ذلك الشاب الذي لم يبلغ الحلم من عمره، كان المثال الأعلى لكلّ شاب بأخلاقه وأثاره وتضحياته للأمّة والإسلام في عصرنا هذا ودفاعاً عن مقدّساتنا وأعراضنا، ولا يهابون الموت وهم يرَونه أحلى من العسل.


104


يسأله الإمام الحسين: "بني قاسم، كيف تجد طعم الموت عندك؟" فيجيبه القاسم: "والله يا عمّ، أحلا من العسل".

وفي كربلاء ،كان من جملة الذين أذن لهم الإمام بالرحيل، وأبَوا أن يعيشوا دون بذل مهجهم دون الحسين عليه السلام.

فبعد استشهاد أصحاب الحسين، تقدّم القاسم مستأذناً عمّه في القتال، ولكنّ الحسين أبى أن يأذن له.

أمّا بعد استشهاد الأكبر وأبناء جعفر الطيّار وأبناء مسلم بن عقيل، ما تحمّل القاسم مشهد عمّه الحسين ينادي: "هل من ناصر ينصرنا؟! ‎هل من ذابٍّ يَذُبُّ عن حرم رسول الله؟! هَل مِن مُوَحِّد يَخافُ اللهَ فِينا؟! هل مِن مُعين يرجُو ما عِندَ اللهِ في إعانَتِنا"؟!، فخرج ينادي: "لبيَّكَ عَم أبا عبد الله".

‎أقبل الحسين عليه السلام إليه، ضمَّهُ إلى صَدرِهِ، وقال له: "يا ابن أخي، أنت البقيَّة من أخي الحسن المجتبى، فلا أحبُّ أن أُعرِّضَكَ لِضربِ السُّيوف"، قال القاسم: "سيّدي ومولاي، خذ منّي هذه الوصيّة"، أخذها الحسين منه، فتحها، وإذا هي كتاب من الإمام الحسن لأخيه الحسين عليه السلام، يقول فيها: "أخي أبا عبد الله، ائذن لولدي القاسم بالشهادة بين يديك".


105


(لحن الفراق)
ياخليصي     عندي طلبة بلبن أمّك
ياخليصي     اقبل اوليدي ينصرك
ياخليصي     قدّمه للموت قبلك

وكأنه يقول: اسمح لي بأن أكون شريكاً معك في كربلاء.

نظر الحسين عليه السلام إلى القاسم نظرة عطف ورحمة، وسالت دموعه على خدّيه،كأنّي به تذكّر يوم رحيل أخيه الحسن عليه السلام وهو يلفظ كبده المسموم!

ثم دنا من القاسم وضمّه إلى صدره، وجعلا يبكيان!

(عاشوري)

يگله
وداعة الله يا عيوني آه آه نيّتكم وحدي تخلّوني
هان عليكم يا ويلي تودعوني آه آه يا عمّي وداعكم للقلب تفطر

‎فأقبَلَ القاسِمُ إلى أُمِّهِ فَرِحاً مَسروراً، وهو يقول: "يا أُمَّاه يا أمّاه، إنَّ عمِّي قَدْ أذِنَ لِي"، فَضَمَّتهُ رَملَةُ إلى صَدرِها.

‎بَعضُ الرِّواياتِ تقولُ: إنَّ رَمْلَةَ بِنَفسها ألبستْ لامَةَ الحَربِ لابنها القاسم ليقاتِلَ بَينَ يَدَي أبي عَبدِ اللهِ الحُسينِ عليه السلام.


106


كأنّي بها تخاطب ولدها:
وداعا ياحبيبي
يكل مالي ونصيبي
يأغلى ما بقى لي
ذخرته ليوم شيبي
لچن هاليوم يومك
دگوم انفض همومك
فدا لحسين عمك
ردت ترخص دمومك

تعال وودّع أمك
يماخذ گلبي يمك
گبل متروح عني
آ يوليدي ارد اشمك
وأحَملك هالوصية
سلامي للزچیة
ولبوك الراح مسموم
إخذ مني تحية


107


‎فانطلَقَ القاسِمُ إلى المعركةِ، وتَساءلَ الأعداءُ عَن شَخصِيَّةِ هذا الغُلامِ، فبدَأ يَرتَجِزُ ويَقولُ:
‎إنْ تنكروني فأنا نَجْلُ الحَسَنْ      سِبُط النَّبِيِّ المُصطفى والمُؤتَمَنْ
هذا حُسَيْنٌ كالأسيرِ المُرْتَهَنْ       بَيْنَ أُناس لا سُقُوا صَوْبَ المُزُنْ

‎يقول حميد بن مسلم: خرج إلينا القاسِمُ وبيده سيفُهُ، وجهُهُ كفلقَةِ قمر طالِع، وعليهِ قَميصٌ وإزارٌ، وفي رِجْلَيهِ نَعلان.

‎وفي ذلك يقول حميد بن مسلم: لو تَصَفَّحْتَ التاريخ لَما وجَدْتَ غُلاماً كَهَذا، يبَرُز إليهِ سَبعونَ رَجُلاً وعَلَيهِ قميصٌ وإزارٌ، والحالةُ أنَّ العربَ كانوا لا يبرُزونَ إلاّ بعد الاستعدادِ، ولبسِ الدُّروعِ والمفاخِرِ، حتى إنّ الرجل منهم كان لا يُعرَفُ لِكثرةِ ما عليهِ من الحديدِ ومن لامَةِ الحربِ، ولا يُرى منهُ إلاّ عيناهُ، والقاسِمُ بن الحسن عليه السلام برز يوم عاشوراء إلى الأعداء، وعليه قميصٌ وإزارٌ (فأينَ هذا من ذاكَ؟)، وأعجَبُ من هذا أنّ القاسِمَ لعدَمِ مُبالاتِهِ بِكَثرَةِ الأعداءِ انقطَعَ شِسعُ نَعلهِ، ووقَفَ بين تلك الجموع يَشدُّه، وبينما هو كذلك إذ بدر إليه لعينٌ من أعداء اللهِ، وهو عُمرو بن سعد بن نُفيل الأزدي، قائلاً: ‎عَلَيّ آثامُ العرب، إن لم أُثكِل بهِ أُمَّهُ وعَمَّهُ.

‎فقال له حميد: أما ترى وجهه كفلقة قمر؟! دعه، يكفيك الذين احتوشوه، فقال: لا والله، حتَّى أضرب ضربتي، فما ولّى عدو الله


108


حتى ضرب القاسم على أُمِّ رأسه فشَقَّ هامته نصفين، فهوى على الأرض منادياً: "يا عمَّاه، أدركني!".

عمي يعمي ابساع حضنك أرد اشمه           خلني اودعك ياحبيبي يبو اليمة
مگدر اشوفك صار هالميدان ظلمه            ودم راسي غطه العين مگدر انظرك زين

‎فأتاه الحسين عليه السلام، وإذا بالغلام يفحص بيديه ورجليه، فقال الإمام عليه السلام: "عزَّ واللهِ على عمِّكَ أن تَدعوهُ فلا يُجيبُكَ، أو يُجيبُكَ فلا يُعينُكَ، أو يُعينُكَ فلا يُغني عَنْكَ، بُعْداً لقَوم قتلوكَ، ومن خَصمُهُم يَومَ القيامَةِ جَدُّك وأبوكَ، هذا يَومٌ واللهِ كَثُرَ واتِرُهُ وَقَلَّ ناصِرُهُ".

‎بكه اوناداه يا جاسم اشبيدي              ياريت السيف گبلك حز وريدي
‎هان الكم تخلوني اوحيدي               أو على اخيمي يا عمي الگوم تفتر
‎يعمي اشگالت امن الطبر روحك       يجاسم ما تراويني اجروحك
‎لون ابگه يعمي كنت أنوحك            ابگلب مثل الغضا وبدمع محمر

‎ثُمَّ نزل إليه، ووضع صدره على صدر القاسم، واحتمله إلى المُخيَّم، ورجِلاه تَخُطَّان الأرض.

‎جاء بالقاسم إلى الخيمة الّتي فيها ولده، علي الأكبر، طرحه إلى جنبه، وجعل ينظر تارةً إلى وجه الأكبر وينحني عليه، وينادي: "واعليّاه!" وينظر تارةً أخرى إلى وجه القاسم، وينادي: "واقاسماه!".


109


حِمل جسّام واتوجه
للخيمة يجر حسرات
يسترجع على الشبان
وبصدره إعتلت زفرات

ابني الاكبر اليشبه
رسول الله بجماله
ربيته بدمع عيناي
يحق للغالي دلاله

وي عباس يتمشى
ملَثم يخفي اهلاله
وعين حسين اتناظر
تعوّذهم بسور وآيات

يگعد بين الاثنين
ودمعة عينهَ تتّحدر

وصيّة من الحسن هاليوم
صار حسين يتذگر


110


أمانه هالولد مدة
وعلى فراقه أخي بَشَر

يوَسفه موسّد الغالي
وانه وحدي أجر وسفات

‎‎جابه ومدّده ما بين اخوته         وبكى عدهم يا ويلي وهم موته
‎بس ما سمعن النسوان صوته     إجت رمله تصيح الله اكبر

‎كأنِّي بأُمِّه رملة، جاءت رمت بنفسها عليه، ولسان حالها:
(عاشوري)

گلب والدتك اشلعته يجسّام          آه آه اشوفن جثّتك گدامي اقسام
وبجسمك جروحك يحوَ اسهام       آه آه وعٌيونك چنها تنظرلي ابأسيّة

طبُر راسك عسى ابراسي يمحبوب
يالتشبه ابوك الزكي المهيوب

وعلي الكرار جدّك داحي البوب
شبيهه لهامته راسك رميّة

(لحن يمجهّز حسين)

وسط الصواوين... نايم ضوه العين


111


يحلالك النوم... يزغير السنين

يايمه ويّاك ارد احچي هاليوم
ارد ابث شكواي واشكيلك اهموم
أمك يامحبوب و اتوسلك گوم
مااحمل اجفاك ياأغلى الابنين

أدري هالافراگ ما منه رجعه
اغيابك يامظلوم گلبي يشلعه
لاتترك احسين وحده اسمعه
أمك واناديك عليت الاونين
راسك المطبور ماحركيته
شعرك اشوفه شو دم مليته
خدك يوليدي صابغ لگيته
أحمر والاعيون غمضهن البين

گلب أمك اعليك ينتحب وينوح
مترد على امك يالماخذ الروح
الگه الصبر وين ووليدي مذبوح
يا حسرتي اعليك يبن الميامين


112


(‎أبو ذيّة)
‎يبني ماذكرت أمّك وحنّيت          ‎عفتني امن انطبكك ظهري وحنّيت
‎يجاسم خضبت شيبي وحنّيت        ‎ابدمّك ياشباب الغاضريّة

(‎أبو ذيّة)

أنا ردتك ما ردت دنيا ولا مال         تحضرني لو وقع حملي ولو مال
يبني يا جاسم خابت ظنوني والامال    عند الضيق يبني گطعت بیّه
بنيَّ تقضي على شاطي الفرات ظماً    والماء أشربه صفواً بلا كَدرِ


113