الليلة الخامسة: مجلس مسلم بن عقيل

القصيدة

ودّعت أهلك والفراق يطولُ
وتمنّي نفسك بالوصول لكوفة
أين الوصيّ وأين غاب المجتبى
فتبيت في رحب البلاد مشرّداً
بالأمس صلّوا خشعاً بقلوبهم
عبثاً تودّ بأن تكون ديارها
فتهيم في أنحائها متعثّراً
وتقول انزل يا كريم بدارتي
فقضيت ليلك في الصلاة موجّهاً
ساقوك رغماً بالقيود مكبَّلا

تطوي الفيافي للحسين نزولُ
وتخال صدق القول حين تقولُ
غدراً قضوا والغادرون مثولُ
إذ أنت ما بين اللئام نزيلُ
واليوم فوقك للسيوف صليلُ
مأوى لمثلك في الأنام جليلُ
تلقاك طوعةُ للرجال بديلُ
فلمثلكم حبّ القلوب يميلُ
شكواك للرحمن وهو كفيلُ
تلقى الهوان بهم وأنت نبيلُ


53


يسترسلون بسبّ آل محمّد
حرموك حقداً ماءهم وتشفيّاً
وإلى الحسين رفعت صوتك قائلاً
مولاي لا تأتِ ولا تركن لمن
فأطيح رأسك بالحسام مجرّداً
وتجرُّ بالأسواق بين أزقةٍ
يُؤتى بنعيك للحسين بكربلا
فيقلّب الكفين حزناً قاتلاً
بكت العيون دماً لأجلك مسلم
وقُتلت قبل الطف غدراً لم تعِ

بغضاً لهم كيل السباب سبيلُ
والقلب صادٍ والدماء تسيلُ
مولاي كلٌّ ظالمٌ وجهولُ
خانوا بعهدك فتية وكهولُ
والعين ناحية الحسين تجولُ
جسماً تدوس حوافرٌ وخيولُ
تُطوَى بوادٍ خفيةً وطلولُ
وبطرفه نحو السماء يطيلُ
وعلا صياح دائم وعويلُ
أنّ الحسين بكربلاء قتيلُ

لسان حال حميدة بنت مسلم

(لحن الجفيري)

طفلة غريبة وحايرة
تسأل على بوها اشجرى
بلهفة الحنينة تنطِره

وين الولي...وين الولي


54


وقت الغروب اتندبه
فرگتك بويه صعبة
من بعدك ابقى ابغربة

وين الولي...وين الولي

معقولة ما يرجع بعد
وابقى أنه ابلايه سند
بيت وصفى ابلايه عمد

وين الولي...وين الولي

گلب اليتيمة يستعر
حسّت ببوها ينغِدر
شبكت على الراس العشر

وين الولي...وين الولي

تتخايله ايغدرونه
والوالد ايذبحونه
والدمه فوگ اعيونه

وين الولي...وين الولي


55


(أبو ذيّة)
زمـانــي عگـب عينك سلمتني        او راحـــات النــوايب سلمتني
رحــت عــدمن يـبويه سلمتني        يــتــيمه ويـا شهم وصيت بيّه

المصيبة

كان مسلم بن عقيل ومعه ثلاثون ألفاً، ولم يبقَ معه أحد يدلّه على الطريق... لقد خذلوه ولم يثبتوا على مواقفهم كما فعلوا مع الحسين عليه السلام...

فأخذ يسير في أزقّة الكوفة، لا يدري أين يذهب حتى وصل إلى دار امرأة يقال لها طوعة، فرآها مسلم على الباب، سلّم عليها، ردّت عليه السلام، فقال: أمة الله، اسقيني بعض الماء، فسقته ودخلت إلى بيتها، ومن ثم خرجت، فرأته جالساً على باب دارها، فقالت له: اذهب إلى أهلك، فإنّه لا يصلح لك الجلوس على باب داري، ولا أحلّه لك!

كأنّي بها تقول:
(فايزي)

بالله يهالواقف ابابي اودمعك ايسيل
اسقيتك الماي روح لهلك هود الليل


56


قلها يحرمه ما لي بهالبلد دار
او مالي عشيره او لالي امحامي ولا انصار

قالت اخبرني باسمك او من ايه قبيله
قلها انا عمّي حيدر الضيغم مظهر الدين

هلت دمعتها او نادته بالله ادخل الدار
تفديك روحي يابن اخو حيدر الكرار

نعم، دخل الدار، وبات تلك الليلة وهو يصلّي، فوصل الخبر إلى عبيد الله بن زياد فبعث بجنوده واقتحموا عليه الدار، فشدّ عليهم وقاتلهم، فلمّا رأوا ذلك منه أشرفوا عليه من فوق أسطح البيوت، وجعلوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار بأطنان القصب، فلمّا رأى ذلك منهم خرج عليهم مصلّتا سيفه، وجعل يقاتلهم مقاتلة الأبطال، ثم حملوا عليهم من كلّ جانب ومن بينهم ابن الأشعث، ثم طعنه رجل من خلفه فسقط على الأرض، فحاوطوه وأسروه...

فقال: "إنّا لله وإنا إليه راجعون"، ثم بكى...

فقال له عبيد الله بن العبّاس السلمي: إنّ الذي يطلب مثل الذي طلبت، لا يبكي إذا نزل به مثل الذي نزل بك، فقال مسلم: والله، ما لنفسي بكيت، ولكن أبكي لأهلي المقبلين عليكم، أبكي للحسين وآل الحسين!


57


كأنّي به يخاطب طوعة:
(موشّح عراقي)

ياحره بعد ايام واتجيكم حميده
ابعبره تنوح او تجري الونه شديده
تنظر لراسي والظالم ايلوحه ابإيده
فجيعه بعد الغياب تشوفني بهالمنيه

ثم جيء به إلى قصر الإمارة، فأمر ابن زياد بأن يصعدوا به إلى أعلى القصر ويضربوا عنقه، فوجّه وجهه إلى ناحية الحسين، وقال: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يابن رسول الله.

ثم ضرب عنقه، فأهوى رأسه إلى الأرض، وأُتبع جسدُه رأسَه، ثم سحبوه بالحبال من رجليه في الأسواق آه وامسلماه! واسيّداهّ!

كأنّي بطوعة تنظر إلى سيّدها مسلم بتلك الحالة، لمّا رأته يُسحب على الأرض.

(لحن الفراق)

شهالرزيّة        ابعيني اشوفك عالوطية
شهالرزيّة        يبن اخو خير البريّة
شهالرزيّة        يابو طاهر ياشفيّة


58


كأنّي بها تكلّم الظالم الذي يجرّه:
لا تسحبه      عالارض جسمه تِجرّح
لا تسحبه      گلبي لمصابه تِقرّح
لا تسحبه      لا يظالم لا لَتفرَح

خل اسمعه     چنه رايد يحچي كلمة
خل اسمعه     اوگف اوخلّيني اكلمه
خل اسمعه     هذا حيدر تدري عمه

لسان حال مسلم:

گلها طوعة      من تشوفين الابنية
گلها طوعة      وصّلي لبنتي تحية
گلها طوعة      ادري حتنشدچ عليّه

(أبو ذيّة)

آه عادة ليستجير يكون ينجار      وعن قتله حليف الشرف ينجار
مثل مسلم صدق بالحبل ينجار     وتتعاون بقتله علوج أميّه

وصل خبر استشهاد مسلم إلى الإمام الحسين، فقال: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون، عند الله أحتسبك يابن العم...".


59


آه وامسلماه
(موشح عراقي)

انقتل مسلم وابو اليمه بدربه
إجاه الخبر عنه وذاب قلبه
على زينب صاح والمدمع يصبه
على ثيابه وعليه خيم الهم

(نعي)
لسان حال الحسين عليه السلام:

على مسلم بكى وترحم عليه
وبكت زينب من بواكيه
وصاح يا زينب جيبي حميده

نعم، نادى: إليّ بحميدة ابنة مسلم، أجلسها في حجره وراح يمسحُ على رأسها، استشعرت بالخطب، نادت: هل أصيب والدي بمكروه؟

يبويه يبويه
مشتاگه اشوفه
حُرمت افراحي

صاحت حميده
بويه أريده
 واهلالي غايب


60


اتنطّر الرّجعه     
من صغر سنّي
ما يعَوّد إليّه
نادها عَمهه
يمسح براسه
صاحتله بعزيّه
هاذي علامه

والگلب ذايب
مفجوعة بحبايب
بويه أريده
وهيّج حزنهه
وتهلّ دمعهه
تحاكي عَمدهه
بويه أريده

جاوبه الحسين:

أنه حسين أبوك
مثلك يا عمّه
بذبحة أبوها
لن صاحوا سَويّه

وهاذي رقيه
اتشوف الرزيّه
تصير بعزيّه
بويه أريده


لهفى نفسي لمولاتنا رقيّة، الآن الحسين يمسح على رأس حميدة بعدما فقدت والدها، ولكن من لرقيّة بعدك أبا عبدالله؟!

تقول الرواية: جيء بموكب السبايا إلى الشام، أنزلوهم في خربة إلى جنب قصر يزيد لعنه الله، وكانت للحسين عليه السلام طفلة صغيرة يحبّها وتحبّه، وقيل: إنّ اسمها رقيّة، كانت مع الأسرى في خربة الشام، وكانت تبكي ليلاً ونهاراً، وهم يقولون لها: هو في السفر،


61


فينما هي نائمة ذات ليلة في الخربة، إذ انتبهت من نومها مذعورة باكية تقول: ائتوني بوالدي وقرّة عيني، أين أبي؟! الآن قد رأيته، ائتوني بأبي! أريد أبي!

نامت رقيه مشتاگه لأبوها
مضروبة جَنب مسبيّه اذوها
للشام غصبن عليها سِبوها
نامت ودموعها علخدها جريه

ولهانه والحشا منها ذاب
من راح الأبو عنها وغاب
ذبلانه لشوفة اهل واحباب
تنوحن من عظم الرزيّه

بحلم شافت حسين عَمدها
يمسح الخد بيديه ودمعها
تعاليلي يبويه لحضني يگلها
ونيران الحزن بگلبها سِريّه

أفاقت من نومها صارت تصرخ وتنادي: أريد والدي الحسين، الآن كان معي وضمنّي إلى صدره، وصلت الصيحة إلى مجلس ذاك اللعين، سأل: ما الخبر؟


62


قالوا: طفلة للحسين تريد أباها، قال: احملوا رأس الحسين إليها!

آويلي من صدّت لراس احسين
نادت بصوت يبويه الحَنين
ذوبني الصبر والگهر والبين
وروحي تون صبح ومسيّه

گلي يبويه منهو اليتّم الطفوله
وخله دمعتي علخدي هموله
لجرحي الدوه ريت يجيبوله
مصيوب خاطري بهم وعزيّه

اشتاگيت يبويه اشتاگيت
وهمي لغيرك ما شكيت
ضربني العدو وليك انتخيت
وطول الدرب اصفگ بيديّه

كأنّي بالحسين يجيبها:

كاللها
جِيتك يا رقيه يبعد عمري
وياي الدِوه يبويه صبري


63


الموعد الليله اضمنّك تدري
واخذك وياي ونظل سويّه

صاحت: يا أبتاه، من ذا الذي خضّبك بدمائك؟! يا أبتاه، من ذا الذي قطع وريدك؟! يا أبتاه، من ذا الذي أيتمني على صغر سنّي؟!

يا والدي والله هظيمه           أصير من صغري يتيمه
والنوح من بعدك لگيمه        أتاري الأبو يا ناس خيمه
يفيي على ابناته وحريمه

ولم تزل تُعوِل وتنوح وتبكي على أبيها، حتّى وضعت فمها على فم الشهيد المظلوم وبكت حتّى غُشي عليها، فقال الإمام زين العابدين عليه السلام: "عمّه زينب، ارفعي هذه اليتيمة من على رأس والدي؛ فإنّها قد فارقت الحياة!".

عمّه يزينب گومي ليها        شيليها عن راس وليها
ماتت الطفلة من بكيها         واختي انكسر قلبي عليها

(تخميس)

لا بُدَّ أنْ تَرِدَ القِيامَةَ فَاطِم         وَقَمِيصُها بِدَمِ الحُسينِ مُلَطَّخُ
وَيْلٌ لِمَنْ شُفَعاؤُهُ خُصَماؤُهُ        وَالصُّورُ فِي حَرِّ الخَلائِقِ يُنْفَخُ


64