الليلة السادسة: مجلس الأصحاب

القصيدة
 

قَدْ شَرَوْا أرواحَهُمْ فيهِ فِداءَا
أبصروا العيشَ بلا السبطِ مماتاً
خَيرُ أَصْحابٍ مضَوْا في خيرِ درْبٍ
لستُ أنساهُ ينادي: أَنِيامٌ
يَا حبيبٌ، يَا بريرٌ، يَا زهيرٌ
أيْنَ جونٌ؟ أيْنَ قيسٌ؟ أيْنَ حُرٌّ؟
بعدَكُمْ جيشُ النفاقِ استضْعفوني
ثمَّ يحتزُّونَ بالسيفِ وَرِيدي
يا حبيبٌ، مَنْ إلَيْها جِئتَ زحفا
سَوْفَ تُهْدى مِنْ زيادٍ لِيَزيدٍ

يشْترونَ الجنَّةَ المأوى لِقاءا
وكذا الموتَ معَ السِّبطِ بقاءا
شُهداءًا بلْ وسَادُوا الشُّهداءا
يرتجيهمْ كيْ يلبُّوه رجاءَا
انهضوا كي تكشفوا عنِّي البلاءا
بَنُوا حَرْبٍ قدِ اجتاحوا الخِباءا
وبعينيَّ لَقَدْ سدُّوا الفَضَاءا
وعلى الأكْوارِ يسْبُونَ النِّسَاءا
بِثراها تعْفِرُ الخدَّ انْحِناءا
ويداها تَصْبَغُ الحَبْلَ دِماءا!


65


وغداً لِلأسديّاتِ يُنادى
فيصيحُ الشِّمْرُ يَا زينبُ قُوْمِي
ستُساقينَ إلى الشَّامِ جِهاراً

وهْيَ تبقى وحدَها تَرْجو نِداءا
واندُبي العبّاسَ صبْحاً ومَسَاءا
ومِراراً سَتَموتِينَ خَفَاءا!

(بحر طويل/ لفى عاشور)

يبو اليمه إلك فدوه
عمرنا والأهل يحسين
قليله ابحقك الأعمار
وشنو الدنيا بعد عينك
أبد والله مَنِتْخَيّل
إلك نتسابق بهل يوم
فاز اللي نصر هالدين
يوالينه و رخص كلشي
وبعد مِنّ الشهادة اوياك
اشكبر حظه ويموت اوياك
اشكبر حظنا ترى بهل يوم
يعابس يا وهب والله

يذبحونا ألف مره*
فلا اتساوي إلك ذره*
يبو السجاد نفديها
يوالينه ونِصد ليها؟
من غيرك نظل بيها
وفاز اللي انقطع نحره
فدا أهله وفدا دمه
لجل عينك يبو اليمه
أخذ يابو علي سهمه
ويقر عين أمك الزهره
يمسلم يا زهير وجون
حقكم بالولي اتجنون


66


وبسم احسين بالحومه         بعد هم حقكم اتهوسون
هذا اللي يشق ثوبه           وهذا اليكشف لصدره

(فايزي)

نمتوا يا أنصار الوغى كلكم يطيبين
وما قلتوا ظل وحده بلا ناصر ولا امعين

نمتوا على الغبره حسافه آيا فرسان
وارسومكم غطاها دم مخلوط تربان
وآنه وحيد ابكربله ودلالي حيران

نمتوا ولا قلتوا اشيصير بحالة حسين
آيا النشامه شو حلت إلكم النومه
و أوليكم ثقلت عليه والله اهمومه
محد بقى منكم إله بساحة الحومه
وعباس يم المشرعه امقطع الچفين

(أبو ذيّة)

اچفوف الگدر يصحابي لونكم     احشمكم او روحي اتون لونكم


67


تـنهضون او تشوفوني لونكم     وحيد او حاطت العدوان بيّه

ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في الزيارة التي علّمها لصفوان الجمّال:
"السلام عليكم يا أولياء الله وأحبّاءه، السلام عليكم يا أصفياء الله وأودّاءه، السلام عليكم يا أنصار دين الله، السلام عليكم يا أنصار رسول الله، السلام عليكم يا أنصار أمير المؤمنين، السلام عليكم يا أنصار فاطمة سيّدة نساء العالمين، السلام عليكم يا أنصار أبي محمّد الحسن بن عليّ الزكيّ الناصح، السلام عليكم يا أنصار أبي عبد الله، بأبي أنتم وأمّي! طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم، وفزتم فوزاً عظيماً، فيا ليتني كنت معكم فافوز معكم".


لقد كان أصحاب الحسين عليه السلام صفوة البشريّة يومئذٍ وسادة المسلمين، فهم بين صحابيّ سمع حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ووعاه، وبين تابعيّ محض الحقيقة، وجلّهم حضر مشاهد أمير المؤمنين عليه السلام، إضافة إلى ذلك منزلتهم الاجتماعيّة، فهم زعماء المسلمين وفرسانهم، وعلماء الأمّة وجهابذتها، وسادة الناس.

فقد كان تصميمهم على الموت واستبشارهم بالشهادة لم يعهد في جيش من جيوش الإسلام، ولم يكن هذا منهم من قبيل المصادفة، بل كان صدىً لعقيدة راسخة وولاء صادق، وقدم ثابتة في الإيمان والجهاد، حتى أضحت مواقفهم نبراساً يقتدي به أهل الوفاء


68


والشرف في كلّ زمان ومكان؛ حيث إنهم سطّروا أروع ملاحم الوفاء والفداء والعطاء.

ومن هؤلاء الأصحاب البررة الذين باعوا أنفسهم لله وضحّوا بأرواحهم في سبيل الحقّ ونصرة الإمام المظلوم عليه السلام، كان جون مولى أبي ذرّ الغفاري، وحبيب، ومسلم بن عوسجة، وغيرهم...

المصيبة

نعم، فلمّا أصبح يوم العاشر من المحرّم عبّأ عمر بن سعد جيشه لقتال الحسين عليه السلام، ثمّ صاح: يا دريد، أدْنِ رايتك، فأدناها فوقف تحتها وأخذ سهماً ووضعه في كبد قوسه ورماه نحو معسكر الحسين، وقال: اشهدوا لي عند الأمير بأنّي أوّل من رمى، فتبعه الجيش على ذلك، فلم يبقَ أحد من أصحاب الحسين، إلّا وأصابه من تلك السهام شيء، فقال الحسين لأصحابه: قوموا رحمكم الله، قوموا يا كرام إلى الموت الذي لا بدّ منه، هذه السهام رسل القوم إليكم؛ فحمل أصحاب الحسين حملة واحدة، واقتتلوا مع القوم، فما انجلت الغبرة إلّا عن خمسين صريعاً، وكان من بينهم مسلم بن عوسجة، فمشى إليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر فوقف الحسين عند رأسه وقرأ قوله تعالى:
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا, وكان بمسلم


69


رمق من الحياة، فقال له حبيب: لقد عزّ عليّ مصرعك يا مسلم أبشر بالجنّة، فأجابه مسلم: بشّرك الله بخير يا أخي، فقال حبيب: لو لم أعلم أنّي في الأثر لأحببت أن توصي إليّ بكلّ ما أهمّك، ففتح مسلم عينيه، وقال: يا حبيب، أوصيك بهذا الغريب خيراً - وأشار بيده إلى الإمام الحسين - قاتل دونه، ولا تقصّر عن نصرته!

وصلت يبن ظاهر منيتي
ما وصّيك بعيالي وبيتي
بالحسين واولاده وصيتي
فقال حبيب: لأنعمنَّك عينا.

ولا يمكن أن ننسى حبيب بن مظاهر، وعمره تسعون سنة، وهو ممّن رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقف أمام الحسين يبكي، قال له الحسين عليه السلام: "يا حبيب، لعلّك ذكرت الأهل والأوطان؟ أنت في حلّ من بيعتي"، فقال: ﻻ والله يا سيّدي، إنّي استبدلت عن أهلي أهلا، وعن داري دارا، قال: "إذاً ممّا بكاؤك!؟".

فأشار إلى العقيلة زينب، وكانت واقفة على باب الخيمة، قال: أنا ابكي لحال هذه المرأة وما يجري عليها من بعدك.

فالتفت الحسين عليه السلام وراءه، وإذا به يرى أُخته زينب عليها السلام.

كانت مصائب زينب عليها السلام ﻻ تفارق مخيّلته، يقول حبيب: آه يا زينب يوم تحملين على بعير ضالع، وكأنّي براسي هذا معلّق في عنق


70


الفرس، ورأس أخيك على الرمح تحفّ به رؤوس أصحابه وأهل بيته...

الوجدك آه گام يصيح يا زينب المظلومه
يوم على الهزل تمشين متيسره ومهظومه
وظعنك حرمله يباريه وراسي
معلگ تشوفيه برگبته العوج يضرب بيه
وتروحين لابن زياد وتطبين ديوانه

ثم انطلق إلى الميدان، وجعل يقاتل قتال الأبطال، والإمام ينظر إليه، وإذا بحبيب ينادي: سيّدي يا أبا عبد الله، أدركني! فأقبل إليه الإمام، ووضع رأسه في حجره، وقال: "رحمك الله يا حبيب، فقد كنت فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة، بلّغ رسول الله عنّي السلام، وقل له: إنّي في الأثر".

نزلوا احباب حسين لارض المنيّه
صاحوا رخيصة الروح لابن الزكيه
وسافه تروح نفس وحده ضحيه
وبصوت الفخر لبيك يا أمير

نزل عابس ونادى وين الابطال
خلها بساح الحرب يمي الرجال
نزع درعه بفنون العشق آجال


71


وصاح جنيت انا بالوجه المنير

برز مسلم وقام فيهم خطيب
صنديد الحرب يويلي خضيب
آخر انفاسه قال اوصيك يا حبيب
ضعيف وقله إحمي هذا الأسير

ودع عياله وهب راح للميدان
راح لحسين قله يا أجمل انسان
ما رادت عيلته يموت بالاحزان
ورجعت تقله جاهد ما له نصير

وهكذا عابس ووهب وباقي الأصحاب، حتى بقي الحسين وحيداً فريداً! راح ينظر يميناً وشمالا، لا حبيب ولا مسلم لا الأكبر ولا العبّاس ولا القاسم...

وقف الحسين عند أجساد الشهداء، صار يناديهم واحداً واحداً: قوموا يا كرام، ما لي أناديكم فلا تسمعون؟! وأدعوكم فلا تجيبون؟! قوموا من نومتكم حاموا عن بنات رسول الله...

هذا لسان حال الأصحاب:

أريد اوياك أتوذّر
يبو اليمه ويگطعوني


72


وساعة نومتك بالحر
ظِل اتحرسك اجفوني

آه يامظلوم آه يامظلوم آه يامظلوم آه

يسبط الهادي يامولاي     
يالگبلك هويت الموت       
أنه احتاريت يامولاي         
يريت اهواي عندي ارواح  
لو اعرف يقتلوني
وأرجع حي واموت انوب
ما عوفك ابد والله
يغالي وأغلى من الروح
نصرتك ياعزيز الروح
أنادي عالعدو لتروح
إذا طاح السبط مذبوح
دمع أمه يظل مسفوح

والله الروح ترخص ليك
وبالامنازع افكّر بيك
وحدك كيف أنه اخليك
فدا لك ياضوه عيوني
ويحرگوا جثّتي وتذره
يوذروني الف وذرة
يمهجة فاطمة الزهرة
على حبك يلوموني
شرف لينه ورفعة راس
لا تقتل أعزّ الناس
صدره عالأرض ينداس
عسى بمدمعها غسلوني


آه لقلبك يا حسين، ما زال صدى ندائك يصدح أسماعنا: هل من ناصر ينصرنا؟ هل من معين يعيننا؟ هل من ذابٍّ عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟


73


سيّدي أبا عبد الله، إنْ كانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي عِنْدَ اسْتِغاثَتِكَ وَلِسانِي عِنْدَ اسْتِنْصارِكَ فَقَدْ أَجابَكَ قَلْبِي وَسَمْعِي وَبَصَرِي...

وهكذا لبَّوا رجالنا وشبابنا نداء الحسين عليه السلام في ساحات الجهاد، (شباب بعمر الورد)

هم شايف ورد مجروح
شباب معفّره وتنام
حسافه موذّره الأوصال
تبكيهم أراضي الشام
راحوا ولا بعد ملگى
كلّ الدور تنعاهم
خلونا نعيش هموم
نذكر دوم حَكياهم
وايام السعد وَلّت
مِن حَلّت مناياهم
شباب بعمر الورود
انشلع من ارضه وترابه
شدوا للحِرب همّه
ورادو يحفظوا الحضره


74


هذا عيونه مصيوبه
وذاك تصّوب بصدره
وزينب حاضره تنعى
كلمن نادى يا زهره
تنعاهم بفخر وآيات

كما الحسين نعى أصحابه:
﴿فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا

(لحن الفراق)

ما نعوفك ياغريب الغاضرية
ما نعوفك والله لو نلگه المنيه
ما نعوفك لا وحگ ضلع الزجيه
نبقى نبقى إعله نهجك مانعوفه
نبقى نبقى لو دهرنه سل سيوفه
نبقى نبقى وحگ عباس وچفوفه

هذه حال الشهداء الذين قدّموا أنفسهم قرابين فداءً للحسين، فما حال الأمّهات والثاكلات المفجوعات؟!

ردت عمري وي عمرك
اتباهي انه بحِسنّك
وتگعد وسطة الديوان
وتحلالي الدّني بحِسّك


75


ارجَع وامسح دموعي
مرمرني الهجر بَسك
مهجتي ذابت ب بُعدك
وخلصت كل احبابه

(لحن الفراق)

يل تضحي          دمك امنجل العقيده
يل تضحي          حسين الك مداهن ايده
يل تضحي          وشاركت قطعت وريده

ما يعوفك           بالحشر سيد البريّه
ما يعوفك           يل مجاهد بالقضيّه
ما يعوفك          الزهره تنطيك الهديّه

حسين رادك        تجي عنده بهذا دمك
حسين رادك        يمسح اكفوفه علجسمك
حسين رادك       مع اسمه يصير اسمك

بأبي من شرَوا لقاء حسين بفراق النفوس والأرواحِ


76