الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
سلاح البكاء عند الإمام السجاد عليه السلام
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم

سلاح البكاء عند الإمام السجاد عليه السلام

لقد صاحبت هذه الظاهرة الإمام زين العابدين عليه السلام مدة إمامته ونضاله، بحيث لا يمكن المرور على أي مرفق من مرافق عمره الشريف، أو أي موقف من مواقفه الكريمة، إلا بالعبور من مجرى دموعه وفيض عيونه. ولا ريب أن البكاء، كما أنه لا يتهيأ للإنسان إلا عند التأثر بالأمور الأكثر حساسية، وإثارة وحرقة، ليكون سببا للهدوء والترويح عن النفس. فكذلك هو وسيلة لإثارة القضية، أمام الآخرين، وتهييج من يرى دموع الباكي تنهمر، ليتعاطف معه طبيعيا، وعلى الأقل يخطر على باله التساؤل عن سبب البكاء؟ وإذا كان الباكي شخصية مرموقة، وذا خطر اجتماعي كبير، مثل الإمام زين العابدين عليه السلام، فإن ظاهرة البكاء منه، مدعاة للإثارة الأكثر، وجلب الاهتمام الأكبر، بلا ريب. والحكام الظالمون دائما يهابون الثوار في ظل حياتهم، فيحاولون إسكاتهم بالقتل والخنق، مهما أمكن، ويتصورون ذلك أفضل السبل للتخلص منهم، أو تطويقهم بالسجن والحبس.

وكذلك هم يحاولون بكل جدية إبادة آثار الثورة ومحوها عن الأنظار والأفكار حتى لا يبقى منها ولا بصيص جذوة. ولكنهم رغم كل قدراتهم لم يتمكنوا من اقتلاع العواطف التي تستنزف الدموع من عيون الباكين على أهليهم وقضيتهم، فالبكاء من أبسط الحقوق الطبيعية للباكين. والإمام زين العابدين عليه السلام قد استغل هذا الحق الطبيعي في صالح القضية التي من أجلها راح الشهداء صرعى على أرض معركة كربلاء. وإذا أمعنا النظر في تحليل التاريخ وتابعنا مجريات الأحداث، التي قارنت كربلاء، وجدنا أن المعركة لم تنته بعد، وإنما الدماء الحمر أصبحت تجري اليوم دموعا حارة بيضا، تحرق جذور العدوان، وتجرف معها مخلفات الانحراف وتروي بالتالي أصول الحق والعدالة.

وبينما يعد الطغاة ظاهرة البكاء دليلا على العجز والضعف والانكسار والمغلوبية، فهم يكفون اليد عن الباكي، لكون بكائه علامة لاندحاره أمام القوة، وعلامة الاستسلام للواقع، نجد عامة الناس، يبدون اهتماما بليغا لهذه الظاهرة، تستتبع عطفهم، وتستدر تجاوبهم إلى حد ما، وأقل ما يبدونه هو نشدانهم عن أسباب البكاء؟ وتزداد كل هذه الأمور شدة إذا كان الباكي رجلا شريفا معروفا! وبالأخص إذا كان يفيض الدمعة بغزارة فائقة، وباستمرار لا ينقطع! كما كان من الإمام زين العابدين عليه السلام، حتى عد في البكائين، وكان خامسهم بعد آدم، ويعقوب، ويوسف، وجدته فاطمة الزهراء1.

إن البكاء على شهداء كربلاء، وثورتها، لم يكن في وقت من الأوقات أمر حزن ناتج من إحساس بالضعف والانكسار، ولا عبرة يأس وقنوط، لأن تلك الأحداث، بظروفها ومآسيها قد مضت، وتغيرت، وذهب أهلوها، وعرف حقها من باطلها، وأصبحت للمقتولين كرامة وخلودا، وللقاتلين لعنة ونقمة، لكن البكاء عليهم وعلى قضيتهم، كان أمر عبرة وإثارة واستمداد من مفجرها، وصانع معجزتها، وحزنا على عرقلة أهدافها المستلهمة من ثورة الإسلام التي قام بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم. والدليل على كل ذلك أن لكل حزن أمدا، يبدأ من حين المصيبة إلى فترة طالت أو قصرت، وينتهي ولو بعد جيل من الناس. أما قبل حدوث المصيبة، فلم يؤثر في المعتاد، أو المعقول للناس، أن يبكوا لشئ. لكن قضية الحسين أبي عبد الله عليه السلام، قد أقيمت الأحزان عليها قبل وقوعها بأكثر من نصف قرن، واستمر الحزن عليها إلى الأبد، فهي إلى القيامة باقية. والذين أثاروا هذا الحزن، قبل كربلاء، وأقاموا المآتم بعد كربلاء: هم الأئمة من أهل البيت عليهم السلام. فمنذ ولد الحسين عليه السلام أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم مآتم على سبطه الوليد ذلك اليوم، الشهيد بعد غد.

فكيف يقيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجلس الحزن على قرة عينه، يوم ولادته، أهكذا يستقبل العظماء مواليدهم؟ أو لا يجب أن يستبشروا بالولادات الجديدة، ويتهادوا التهاني والأفراح والمسرات؟! وتتكرر المجالس التي يعقدها الرسول العظيم، ليبكي فيها على وليده، ويبكي لأجله كل من حوله، وفيهم فاطمة الزهراء عليها السلام أم الوليد، وبعض أمهات المؤمنين، وأشراف الصحابة2. وحقا عد ذلك من دلائل النبوة ومعجزاتها3. وهكذا أقام الإمام علي عليه السلام، مجلس العزاء على ولده الحسين عليه السلام، لما مر على أرض كربلاء، وهو في طريقه إلى صفين، فوقف بها، فقيل: هذه كربلاء، قال: ذات كرب وبلاء، ثم أومأ بيده إلى مكان، فقال: هاهنا موضع رحالهم، ومناخ ركابهم، وأومأ بعده إلى موضع آخر، فقال: هاهنا مهراق دمائهم4. ونزل إلى شجرة، فصلى إليها، فأخذ تربة من الأرض فشمها، ثم قال: واها لك من تربة، ليقتلن بك قوم يدخلون الجنة بغير حساب5. ورثاه أخوه الحسن عليه السلام وقال له: لا يوم كيومك يا أبا عبد الله.

.. ويبكي عليك كل شئ6.... وحتى الحسين عليه السلام نفسه، نعى نفسه ودعا إلى البكاء على مصيبته، وحث المؤمنين عليه، حيث قال: أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى7. وهكذا الأئمة عليهم السلام بعد الحسين، أكدوا على البكاء على الحسين بشتى الأشكال. ‹ صفحة 182 › لكن الإمام زين العابدين عليه السلام: قد تحمل أكبر الأعباء، في هذه المحنة، إذ عايش أسبابها، وعاصر أحداثها، بل باشر جراحها وآلامها، فكان عليه أن يؤدي رسالتها، لأنه شاهد صدق من أهلها، بل الوحيد الذي ملك أزمة أسرارها، ولا بد أن يمثل أفضل الأدوار التي لم يبق لها ممثل غيره، ولم تبق لها صورة في أي منظار، غير ما عنده!

وإذا عرفنا بأن الإمام زين العابدين عليه السلام هو أوثق من يروي حديث كربلاء، فهو أصدق الناقلين له، وخير المعبرين عنه بصدق. وأما أهداف شهداء كربلاء التي من أجلها صنعت، فلا بد لها أن تستمر، ولا تنقطع عن الحيوية، في ضمير الناس ووجدانهم، حتى تستنفد أغراضها. وبينما الحكام التائهون لا يعبأون ببكاء الناس، فإن الإمام زين العابدين عليه السلام اتخذ من البكاء عادة، بل اعتمدها عبادة، فقد كانت وفي تلك الفترة بالذات وسيلة هامة لأداء المهمة الإلهية التي حمل الإمام عليه السلام أعباءها.

والناس، لما رأوا الإمام زين العابدين عليه السلام يذرف الدموع ليل نهار، لا يفتأ يذكر الحسين الشهيد ومصائبه، فهم: بين من يدرك: لماذا ذلك البكاء والحزن، والدمع الذارف المنهمر، والحزن الدائب المستمر؟ وعلى من يبكي الإمام عليه السلام؟ فكان ذلك سببا لاستمرار الذكرى في الأذهان، وحياتها على الخواطر، وبقاء الأهداف حية نابضة، في الضمائر ووجدان التاريخ، وتكدس النقمة والنفرة من القتلة الظلمة. وبين من يعرف الإمام زين العابدين بأنه الرجل الفقيه، الزاهد في الدنيا، الصبور على مكارهها، فإنه لم يبك بهذا الشكل، من أجل أذى يلحقه، أو قتل أحد، أو موت آخر، فإن هذه الأمور هي مما تعود عليها البشر - على طول تاريخ البشرية - بل هي سنة الحياة.

كما قال القائل:
له ملك ينادي كل يوم لدوا                         للموت وابنوا للخراب

وخصوصا النبلاء والنابهين، والأبطال الذين يقتحمون الأهوال ويستصغرونها من أجل أهداف عظام ومقاصد عالية رفيعة. فبكاء مثله، ليس إلا لأجل قضية أكبر وأعظم، خاصة البكاء بهذا الشكل الذي لا مثيل له في عصره8.

لقد ركز الإمام زين العابدين عليه السلام على قدسية بكائه لما سئل عن سببه؟ فقال: لا تلوموني. فإن يعقوب عليه السلام فقد سبطا من ولده، فبكى، حتى ابيضت عيناه من الحزن، ولم يعلم أنه مات.. وقد نظرت إلى أربعة عشر9 رجلا من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة! فترون حزنهم يذهب من قلبي أبدا؟!10.

السيد محمد رضا الجلالي - بتصرّف


1-الخصال للصدوق (ص 272) وأمالي الصدوق (المجلس 29) ص (121)
2 - إقرأ عن المجالس التي أقامها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كتاب: سيرتنا وسنتنا للأميني، ولاحظ تاريخ دمشق لابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص 165 - 185).
3 - دلائل النبوة للبيهقي (6: 468) ومسند أحمد (3: 242 و 265) وانظر أمالي الصدوق (ص 126) ودلائل النبوة، لأبي نعيم (ص 709) رقم (492).
4-وقعة صفين (ص 141) والمصنف لابن أبي شيبة (15: 98) رقم (191214) وكنز العمال (7: 105 و 110) وأمالي الصدوق المجلس (78) (ص 478 و 479).
5 - تاريخ دمشق لابن عساكر (ترجمة الإمام الحسين عليه السلام) (ص 235) رقم 280 وانظر الأرقام (236 - 239).
6 - أمالي الصدوق (المجلس (24) ص 101).
7 - فضل زيارة الحسين للعلوي (ص 41) الحديث (13).
8- - أمالي الصدوق (ص 121) ولاحظ بحار الأنوار (46: 108) الباب (6) الحديث (1).
9 - يلاحظ أن المعروف في عدد المقتولين من أولاد علي وفاطمة عليهما السلام في كربلاء هم (ستة عشر) رجلا، - الوسائل - المزار - الباب (65) تسلسل (19694) عن عيون أخبار الرضا عليه السلام (1: 299) ولاحظ نزهة الناظر (ص 45).
10- كامل الزيارات (ص 107) أمالي الصدوق (المجلس 9 و 91) تيسير المطالب لأبي طالب (ص 118) وتاريخ دمشق الحديث (78) ومختصره لابن منظور (17: 239) وحلية الأولياء (3: 138).

07-12-2012 | 03-53 د | 1907 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net