الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في خطبتَي صلاة عيد الفطركلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمع من الطلّاب الجامعيّينكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في اللقاء الرمضانيّ مع مسؤولي البلادبِهذا جُمِعَ الخَيرُ

العدد 1612 07 شوال 1445 هـ - الموافق 16 نيسان 2024 م

لَا تُطَوِّلْ فِي الدُّنْيَا أَمَلَكَ

العامل الأساس للنصر مراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِن
من نحن

 
 

 

التصنيفات
إنتشار الإسلام بالسيف!!
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه المقالة تأتي في سياق الرد على سؤال طرحه أحد المستشكلين - من غير المسلمين - على مسألة أن انتشار الاسلام خارج حدود شبه الجزيرة العربية يعود إلى إعمال السيف، وهذا الامر يخالف مظهر الرحمة الذي يدعيه المسلمون لدينهم، والذي هو متحقق في غير الإسلام من الأديان كالمسيحية مثلاً!!، وإليكم نص السؤال والجواب عليه:

(لقد سمعت أن الدين الإسلامي لم ينتشر بالسيف، ولكن هذا لم يظهر لي، والسبب أن الفتوحات الإسلامية التي انتشر بها كانت من خلال السيف، وخصوصاً في عهد عمر بن الخطاب الخليفة الثاني للنبي محمد كما تعتقدون، فهو ممثل الإرادة الإلهية لأن الخليفة لابد له أن يمثل أرادة النبي المرسل من الرب، ولا أعتقد أن الرب يشاء ذلك، فيسوع المسيح كان كلمة الرب ونشر الدين من خلال الكلمة الطيبة؟ وكيف يمكن أن يكون الخليفة بهذا النحو كما قرأت عن الحقبة التي تولى فيها هذا الرجل الخلافة...!!).

الجواب:
بالنسبة لهذا السؤال: فقد ذكرت فيه استغرابك لمقولة عدم انتشار الإسلام بالسيف وبررت ذلك: بأن السبب في نشر الإسلام هو فتوحات عمر بن الخطاب، الذي يمثل إرادة النبي المرسل من الرب، ونسبت ذلك إلى اعتقادنا، ثم قارنت ذلك بمقولة أن يسوع نشر الدين بالكلمة الطيبة حسب قولك، والرب لا يشاء نشر الدين بالسيف.

أقول: إن هذه الفقرة تشتمل على التباسات كثيرة تبدأ بنظرة المسلمين إلى الخليفة والخلافة، ولا تنتهي بالمقارنة بين الدعوة الإسلامية للدين، وبين دعوة السيد المسيح "عليه السلام" إليه. وسوف نبدأ بمعالجتها من حيث انتهيت، وهو نشر السيد المسيح "عليه السلام" للدين بالكلمة الطيبة، بمقدار ما يسمح به الوقت: إننا على الرغم من اعتقادنا الجازم: بأن هذا هو شأنه "عليه السلام"، بل شأن سائر الأنبياء، بل لا يُتصور غير هذا منهم "عليهم السلام"، إلا أن الأناجيل الأربعة لا تدل على هذه الحقيقة التي ذكرتها، وإنما تدل على خلافها تماماً كما سيظهر.

إن المسيحية الموجودة فعلاً، ليست مسيحية السيد المسيح "عليه السلام" كما تفترضون، بل هي مسيحية بولس الرسول، وهي مسيحية لا يمكن الاطمئنان والوثوق باتصالها بالسيد المسيح "عليه السلام" ولا بارتباطها بتعاليمه، ولا سبيل إلى تحقيق ذلك أصلاً، ذلك أن بولس لم يأخذها من المسيح "عليه السلام"، إذ هو لم يلتقه، ولم يؤمن بالدعوة الجديدة إلا سنة35 للميلاد، أي بعد ارتفاعه "عليه السلام" بخمس سنين، وهو يعترف في رسائله أنه لم يأخذ دينه وإنجيله من أحد، ولم يتعرف إلى أحد من الرسل إلا بطرس الذي التقاه مرة، ثم ذهب إلى العربية وإنطاكية مبشراً؛ بالإنجيل الذي رآه مناسباً مدة خمسة عشر عاماً.

ولا يخفى عليكم أن هدايته إلى الدين الجديد كانت، وهو في طريقه إلى دمشق، حيث كان ذاهباً لملاحقة المهتدين وتسليمهم إلى السلطات وتعذيبهم، فادَّعى أنه تجلى له السيد المسيح "عليه السلام" في أثناء رحلته هذه، ودعاه ليؤمن به ويكون رسوله فآمن.
وأنتم تعلمون: أن هذه مجرد دعوى، ناشئة عن طريق غيبي ـ لو صحت ـ فلا يمكن إثباتها ولا الركون إليها، خصوصاً إذا صدرت من خصم عنيد للدين الجديد.

وهذا ما حصل بالفعل، إذ لم يقبله التلاميذ لولا تدخل برنابا.

وعلى كل حال، فإنه لو صح ذلك منه وآمن واهتدى فعلاً، فإن التعاليم والوصايا التي نشرها بين الناس، لا يمكن نسبتها إلى السيد المسيح "عليه السلام" لعدم أخذها عنه ولا عن تلاميذه، كما أقر بولس نفسه بذلك، مع أن الكثير من هذه التعاليم مخالف لتعاليمهم، مما أدى إلى نشوب الخلاف المرير بينه وبين التلاميذ، مما لا مجال لتفصيله الآن.

وأما دعوة السيد المسيح "عليه السلام" ومواعظه وتعاليمه، فلم يصل إلينا منها شيء يستحق الذكر، ذلك أنه على الرغم من أنه "عليه السلام" استمر ثلاث سنوات، دون كلل ولا ملل، وبحسب تعبير إنجيل متى: "إنه كان يطوف المجامع كلها ويعظ ويكرز".
إلا أن ما هو مذكور من مواعظه وتعاليمه خطبة واحدة ألقاها على الجبل في أواخر أيامه، وبعضاً من كلمات مقطعة وردت في مناسبات مختلفة له لا ترقى إلى مستوى الموعظة والتعليم بحسب النظرة الفاحصة والمتأملة.

هذا مع وجود الاختلاف الشديد بين رواية إنجيل متى للخطبة المذكورة، وبين رواية إنجيل يوحنا، وهو اختلاف يوحي بعدم وجود أية علاقة بينها.

ولو فرضنا: أنها خطبتان أو ثلاثة أو حتى عشرة خطب وردت في الأناجيل، فإنها بلا شك لا تغطي رحلته التبشيرية التي استمرت طيلة ثلاث سنوات كما أسلفنا، وهذا بخلاف الوصايا والتعاليم التي نشرها بولس في مختلف رسائله، والتي حرصت الكنيسة على الاهتمام بها حتى دخلت القانون الكتابي قبل سائر الأسفار، حتى باتت تشكل القسم الأكبر من العهد الجديد، مع أن كثيراً من الباحثين في الكتاب المقدس، يذهبون إلى أن الأناجيل الأربعة وأعمال المرسل القانوني قد كتبت بوحي من تعاليم بولس أو بأمره مباشرة.

هذا بالإضافة: إلى أن الأناجيل نفسها مجهولة المؤلف أو المؤلفين، ونسبتها إلى أشخاص معينين، نشأت من التقليد الكنسي اعتماداً على قرائن، في أكثرها من داخل هذه الأناجيل نفسها، وأنتم تعلمون أنها لا تثبت أمام النقد العلمي الموضوعي.

وعلى كل حال، فإن ما ركزت عليه الأناجيل الأربعة، في سردها لسيرته "عليه السلام" هي المعجزات التي اجترحها، من شفاء مرضى وإحياء موتى، مع أنها لم تكن هي المقصود والهدف الأول من دعوته الشريفة، وإنما كانت عبارة عن أدلة ومؤيدات له في صدق دعوته وكرازته، ليخضع بنو إسرائيل للحق الذي دعا إليه، ويتقبلوا دعوته وتعاليمه، التي كان أهمها بشارتهم باقتراب ملكوت السموات، وهذا ما يظهر بوضوح في الأناجيل الأربعة.

إنه رغم ندرة مواعظه وتعاليمه، المذكورة في الأناجيل، إلا أنها لا تكشف عن الدعوة إلى الدين بالكلمة الطيبة كما ورد في كلامك، إذ كيف تتفق هذه الدعوى والكلمة الطيبة، مع السيف وتشتيت المجتمع، بل البيت الواحد وتمزيقه، فهو يقول: "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً، فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها"1.

وبحسب إنجيل لوقا: فإن عبارته أشد قسوة وأكثر عنفاً، فيقول: "جئت لألقي ناراً على الأرض فماذا أريد لو اضطرمت، ولي صبغة اصطبغها وكيف أنحضر حتى تكمل، أتظنون أني جئت لأعطي سلاماً على الأرض، كلا أقول لكم بل انقساماً، لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة، ينقسم الأب على الابن والابن على الأب، والأم على البنت، والبنت على الأم، والحماة على كنتها، والكنة على حماتها"2.

وهل من الكلمة الطيبة أن يصف مخاطبيه بأنهم مراؤون؟3.

بل في خطبته النارية، التي توجه فيها إلى الكتبة والفريسيين، فوصفهم بأقبح النعوت وأبشع الصفات، فهم "ويل لهم لأنهم: مراؤون، قادة عميان، جهال وعميان، أيها الحيات وأولاد الأفاعي" وكرر هذه الصفات أكثر من مرة، فلاحظ مثلاً4.

وهل الكلمة الطيبة في نشر الدين والدعوة إليه، أن يتهم الأنبياء وغيرهم ممن سبقه بأنهم سُراق ولصوص، ألم يقل لهم: "جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص، ولكن الخراف لم تسمع لهم"5.

إننا لا نظن أن عاقلاً يسمع هذه الكلمات والنعوت، ولا يدرك أنها تصدم مشاعر المدعوين، وتؤثر سلباً في نفوسهم، وتدفعهم إلى إنكار دعوته، بل ومحاربته، إذ لا يتوقع ممن يوصف بهذه الأوصاف أن يقابلها بالقبول والتحسين، ومعه كيف يمكن القول بأنها دعوة إلى الدين بالكلمة الطيبة.

أما عن انتشار الدين الإسلامي بالسيف وعدمه، وطريقة الاستدلال الواردة في سياق كلامك، فقد فاجأتنا تمام المفاجأة، ووقعت في نفوسنا موقع الاستغراب والاستهجان، إذ لم نكن نتوقع صدور هذا الكلام من باحث مثلك، ذلك أننا نجزم أن مقامك أعلى، ومعرفتك أسمى وأجل، ولكنها قد تكون من سهو القلم، ولا غرابة في ذلك، فإن لكل جواد كبوة، ولكل باحث هفوة، وذلك لا ينقص من مقام الباحث ولا من أصالة الجواد، وهذا ظننا بكم.

وعلى كل حال، فسوف نبين حقيقة الأمر في هذه المسألة، بإيجاز شديد، والعاقل تكفيه الإشارة، ضمن نقطتين:

النقطة الأولى:
إن الخلافة تارة تكون: في الدين والتشريع، بمعنى الإئتمان على أحكامه وتشريعاته، وهي بهذا المعنى شاملة لجميع مناحي الحياة، السياسة، والإدارية، والإجتماعية، والإقتصادية، وغيرها..

وأخرى تكون: خلافة في الدولة ونظام الحكم، بمعنى أنها زمنية، تقوم على سياسة الناس، وتولي تنظيم شؤونهم في الدولة.

وهي بالمعنى الأول: لابد وأن تكون صادرة من أمر إلهي، وتعيين النبي "صلى الله عليه وآله" لخليفته، إذ ما من شك: أن الله تعالى هو الذي يعلم ما يصلح شأن الناس والمجتمع، وما يفسده، والله أعلم حيث يجعل رسالته.

وهذا من قبيل قول السيد المسيح "عليه السلام" لبطرس: "وأنا أقول لك أيضاً: أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيتي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها"6.

وقوله له أيضاً: "ارع غنمي"7.

ولا يصح افتراض وقوع الخطأ من الخليفة بهذا المعنى، ولا يمكن قيامه بما ينافي الإرادة الإلهية، لأن هذا الفرض يرتد سلباً على الذات الإلهية، المقدسة والمنزهة عن كل نقص وشين.

إلا أنه قد توجد عوامل وموانع، تمنع الخليفة من القيام بمهمته ووظيفته، يتحمل تبعاتها ومسؤوليتها الناس أنفسهم، فإنهم هم المأمورون بإطاعة أوامر الولي، لأنها إطاعة لأمر النبي "صلى الله عليه وآله"، وبالتالي إطاعة لأمر الله تعالى تبارك وتعالى، ولا يتحمل الخليفة والولي أية تبعة من تقصير الناس وعدم امتثالهم لأوامره.

ولا يخفى عليكم أن الدوافع التي تدفع الناس إلى مثل هذه المخالفات كثيرة ومتنوعة، خصوصاً إذا كانت تمس مصالحهم، التي يتوهمونها ويسعون إليها.

وهنا يتبلور المعنى الثاني للخلافة، الذي هو عبارة عن مجرد التصدي للشؤون السياسية، وتدبير مصالح الحكم، وهو منصب زمني لم يخضع من الناحية الواقعية التطبيقية إلى تعيين النبي "صلى الله عليه وآله" واختياره، فقد يتفق معه وقد يخالفه، وفي موقع المخالفة لا يتحمل الدين ولا النبي "صلى الله عليه وآله" مسؤولية المخالفة، لأنه في هذه الحالة يكون ناشئاً من اختيار الناس وتعيينهم له، وبحسب الإصطلاحات الحديثة انتخابه.

وهذا من قبيل ما فعله تلاميذ المسيح "عليه السلام" بعد ارفاعه عنهم، لاختيار بديل ليهوذا الأسخريوطي، فوقع اختيارهم على متياس فحسب مع الأحد عشر رسولاً8.

بل لا يخفى عليكم أن الكنيسة في العصور الوسطى والحديثة، هي التي كانت تمسك بكل شؤون الحكم في أوروبا، وأنتم تعتقدون أن الكنيسة تمثل سلطان المسيح "عليه السلام" على الأرض، إنها معصومة عن الخطأ، لحلول الروح القدس فيها، حتى إذا جاءت الثورة الفرنسية، وانكفأ سلطان الكنيسة، وألزمت بالامتناع عن التدخل في شؤون الحكم والسياسة، فلم تحكم بخروج الثائرين عن المسيحية، بل تقبلت الأمر، وسارت بطرق جديدة في التعامل معهم، واحتضانهم من جديد، ولم يفترض أحد من المسيحيين ولا من رجال الكهنوت أنها خرجت على تعاليم المسيح "عليه السلام" ووصاياه بهذا الإنكفاء، وذلك التقبل للواقع الجديد، بل احتضان الثائرين، وهي التي كانت تنادي بالأمس أنها تمثل سلطان المسيح "عليه السلام" ودولته.

ومهما يكن من أمر، فإن هذا الاختيار والتعيين لا يخرج الخليفة المعين عن كونه إنساناً عادياً يخطئ ويصيب، وكما أشرنا أنه لا يتحمل النبي ولا الدين، في هذه الحال أية مسؤولية عن أخطائه وتجاوزاته على فرض حصولها بالفعل، وإلا فاللازم على المسيحيين أن يحملوا السيد المسيح "عليه السلام" مسؤولية الأخطاء التي اقترفتها الكنيسة، سواء أثناء الفترة التي كانت تمسك خلالها بزمام الحكم، أو خطأ قبول الإنكفاء واحتضان الثائرين عليها، وكذلك تحميله "عليه السلام" أخطاء الثائرين على الحكم الكنسي، ولا أظن أن المسيحيين يقدمون على مثل هذا الأمر، ولا يتقبلونه، بل لا يخطر في بال أحد منهم.

إن المسلمين مجمعون على أن خلافة عمر بن الخطاب لم تكن باختيار النبي "صلى الله عليه وآله" له، ولا هو أمر الناس باتباعه، وإنما كانت بوصية من الخليفة الأول أبي بكر له، والذي لم تكن خلافته هو الآخر بأمر من النبي "صلى الله عليه وآله"، ولا بتنصيبه له كذلك، وعليه فلو افترضنا وقوعه في بعض الأخطاء، كثيرة كانت أم قليلة، فإن تبعاتها تنعكس عليه وعلى من أعانه عليها، ولا تمس الدين ولا النبي "صلى الله عليه وآله" أصلاً.

وهذا من قبيل ما هو حاصل في المسيحية، من اختيار البابا وتعيينه، وجنابك تعلم أنه قد مر على الكنيسة كثير من البابوات، الذين اقترفوا أخطاء فادحة في التاريخ، ولا يخطر ببال عاقل، مسيحي كان أم غير مسيحي، أن أخطاءهم وكذلك أخطاء سائر الأساقفة تنعكس سلباً على قداسة السيد المسيح "عليه السلام"، أو أنه يتحمل شيئاً من المسؤولية تجاهها.

هذا مع أن المسيحيين يرون في الكنيسة، وعلى رأسها البابا، خليفة للسيد المسيح "عليه السلام" بالمعنى الأول الشامل، كما أشرنا إليه، وأنها معصومة من الخطأ كذلك، مما يوقع المسيحيين في إشكالية كبيرة للتوفيق بين هذه الإعتقادات، وهنا سأستغني بمعرفتك بهذه الأمور عن ذكر المصادر غالباً.

والحاصل: أن الخليفة الذي يمثل الإرادة الإلهية، وإرادة النبي المرسل من الله، عند المسلمين، وخلافاً للمسيحية، هو الخليفة بالمعنى الأول، دون الثاني الوارد في مثل هذه المقامات.

بناء على ما تقدم، فلا يبقى لسؤالكم: "وكيف يمكن أن يكون الخليفة بهذه الفظاظة كما قرأت عن شخصية هذا الرجل وأخلاقه" أي موضع.

النقطة الثانية:
لم تكن الغاية من الفتوحات الإسلامية نشر الإسلام بالقوة، في الممالك التي فتحها المسلمون، وإنما كانت لأجل توسيع رقعة المملكة، وزيادة إيراداتها آنئذٍ، وفرق شاسع وهائل بين الأمرين كما تعلمون.

إن صفحات التاريخ مليئة بالشواهد الدالة على المعنى المذكور، بل لم نجد أحداً من المؤرخين المسلمين قد ذكر الغاية التي افترضتموها لهذه الفتوحات.

ويكفي أن نذكر هنا: أن القرآن الكريم قد قرر حقيقة ثابتة، وهي: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ9، ولم يكتف بذلك، بل أمر المؤمنين أن يحسنوا إلى غيرهم، إن لم يتعرضوا لهم بسوء، قال تعالى: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ10.

وجنابك تعلم ـ دون ريب ـ أن المسلمين قد فتحوا بلاد الشام، بما فيها فلسطين وبيت المقدس بالذات، بمساعدة المسيحيين ودعمهم، الأمر الذي سهل فتحها عليهم، وتعلم كذلك أنهم لم يخرجوا عن مسيحيتهم، ولم يدخلوا في دين الإسلام، ولو كانوا يظنون أو يتوهمون أن الفاتحين الجدد سينشرون الإسلام على حسابهم لما سهلوا لهم فتح البلاد.

إن مساعدة المسيحيين لهم في هذا الفتح، تدل ـ بما لا يدع مجالاً للشك: على أن هدف المسلمين من هذه الحروب والفتوح، كان معلوماً لديهم على نحو اليقين، وأنه لم يكن قهرهم على الدخول في الإسلام، بل لم يخطر على بالهم ما يخالف هذا المعنى أبداً.

ثمة أمر آخر لابد من الإشارة إليه، وهو أنه لو كانت الفتوحات الإسلامية لأجل نشر الدين، لأجبروا زوجاتهم على الدخول في الدين الجديد، في أقل الفروض، وهو ما لم يحصل أبداً، كما شهد بذلك خريوستمس بابا دوبوس، حيث يقول: "ولم تكن الزوجات المسيحيات عند المسلمين العرب يجبرن على تغيير ديانتهن"11.

* سماحة الشيخ حاتم إسماعيل12 - بتصرّف


1- إنجيل متى: 100/34 ـ 35.
2- إنجيل لوقا: 12/49 ـ 53.
3- إنجيل لوقا: 12/56.
4- إنجيل متى: 23/19/39
5- إنجيل يوحنا: 10/8.
6- إنجيل متى:16/18.
7- إنجيل يوحنا: 21/17.
8- أعمال الرسل: 1/26.
9- الآية 256 من سورة البقرة.
10- الآية 8 من سورة الممتحنة.
11- تاريخ كنيسة أنطاكية ص557.
12- جواب الإشكال هو لسماحة الشيخ حاتم اسماعيل

16-03-2013 | 11-36 د | 1435 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net