الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
إستقلال القرآن في الحجية وشبهة افتراق الثقلين
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم

انّ القرآن الكريم الّذي هو المبيّن للخطوط العامّة لمعارف الدين، واضح جدّاً في تبيين الخطوط الأصليّة لمعارف الدين. ولا يوجد في كلّ القرآن ـ من الناحية التفسيريّة ـ موضوع مبهم وضبابيّ، لأنّه إذا كانت ألفاظ الآية بمفردها لاتستطيع أن تبيّن مقصودها، فإنّ الآيات الاُخرىٰ للقرآن تتكفّل بنحو تامّ توضيح أصل الموضوع فيها. امّا تبيين الجزئيّات، والخصوصيّات والحدود لتلك الخطوط العامّة فهو علىٰ عاتق الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بإرشاد القرآن نفسه: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيكَ الذِّكْرَ لِتُبَينَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم1، ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا2، ﴿... أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول....3 وبعد عصر الرسالة أيضاً وبوصيّة من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله في حديث الثقلين فقد اُوكلت هذه المهمّة إلىٰ أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

ومقتضىٰ برهان النبوّة العامّة الشامل لنبوّة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله  أيضاً هو انّ كتاب السماء والقانون الإلهيّ الموجود في يد النبيّ يكون قابلاً للفهم وصالحاً للعمل أيضاً.

فالكتاب الّذي تكون قوانينه غير مفهومة للناس وغير قابلة للتنفيذ في المجتمع، لايكون لائقاً وجديراً برسول الله، لكنّ صلاحيّة وكفاءة قانون النبيّ للعلم والعمل ليست منحصرة في أن يكون نفس الكتاب النازل من السماء مبيّناً لجميع المعارف والأحكام بالتفصيل، بل من الممكن أن يوضّح بعضها علىٰ نحو مفصّل، ويفصّل بعضها الآخر عن طريق الوحي والإلهام إلىٰ النبيّ نفسه والنبيّ يبيّنها للمجتمع. او ان يكتفي أصلاً ببيان الخطوط العامّة للحِكَم والأحكام، ويلهم تفاصيلها إلىٰ النبيّ عن طريق الحديث القدسيّ. والنبيّ بدوره يقوم بإبلاغ ما أدركه من التفصيل إلىٰ اُمّته. والمقصود هو أنّ مايستفاد من برهان ضرورة الوحي والنبوّة هو وصول الرسالة الإلهيّة في مجال اُصول وفروع الدين إلىٰ الناس، وذلك البلاغ له طرق متعدّدة وليس منحصراً أبداً بالبيان التفصيليّ لنفس النصّ المقدّس النازل من السماء.

والقرآن الكريم ذو ظاهر وباطن وتأويل وتنزيل، والعلم بالباطن وتأويل القرآن الكريم أيضاً تحت تصرّف الأئمّة المعصومين عليهم السلام. حيث انّ لاُولئك العظام طريقاً إلىٰ المقام المكنون للقرآن.

ولذلك يمكن القول: انّ العلم بمجموع القرآن الّذي هو أعمّ من الظاهر والباطن والتنزيل والتأويل منحصر بالمعصومين عليهم السلام. أمّا الاستفادة من ظواهر ألفاظ القرآن وفي حدود تبيين كلّيات الدين مع مراعاة شروطها الخاصّة فهو نصيب الجميع.

والآن وبعد أن اتّضحت دعوىٰ (استقلال القرآن في مجال الحجيّة والدلالة علىٰ معارف الدين) يجب أن نجيب علىٰ الشبهات الّتي تدور حول استقلال القرآن في تفهيم المعارف الدينيّة وحجيّة ظواهره4 وطريقة تفسير القرآن بالقرآن.

شبهة افتراق الثقلين

في حديث الثقلين الشريف (كتاب الله وعترة رسول الله) جعلت (العترة) مساوية لكتاب الله ومتلازمة معه، ولازم هذه المساواة انّ روايات أهل البيت عليهم السلام تكون عِدلاً وملازماً ومثيلاً للقرآن الكريم، ولهذا قيل انّ عدم الرجوع إلىٰ روايات أهل البيت في فهم ظواهر القرآن يؤدّي إلىٰ افتراق الثقلين ويصبح عاملا للضلال المذكور في الحديث: "انّي تارك فيكم الثقلين، ما ان تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي... وهما كتاب الله... وعترتي أهل بيتي لن يفترقا..."5، وضرورة الرجوع إلىٰ العترة الطاهرة عليهم السلام في فهم ظواهر القرآن لايتناسب مع القول باستقلال القرآن في تبيين معارف الدين. ولذلك فإنّ القرآن الكريم وبضميمة روايات أهل البيت عليهم السلام يصبح حجّة إلهيّة وتبياناً لكلّ شيء.

جواب الشبهة

أوّلاً: انّ الّذي جُعِل في حديث الثقلين الشريف عِدْلاً للقرآن هو نفس العترة عليهم السلام6، لا الرواية، ناهيك عن الخبر الواحد.

ثانياً: انّ العترة الطاهرة وإن كانوا بلحاظ المقامات المعنويّة، وفي النشأة الباطنيّة برأي اساطين الدين كصاحب الجواهر7 وكاشف الغطاء8 ليسوا أقلَّ من القرآن، والكلام الرفيع لأمير المؤمنين عليه السلام  "ما لله عزّ وجلّ آية هي أكبر منّي"9 أيضاً شاهد علىٰ هذه الدعوىٰ، ولكن بلحاظ النشأة الظاهريّة وفي إطار تعليم وتفهيم معارف الدين، فالقرآن الكريم هو الثقل الأكبر واُولئك العظام هم الثقل الأصغر، وفي هذه النشأة يضحّون بأجسامهم فداءً لأجل حفظ القرآن10، وحديث الثقلين "طبقاً لأكثر النصوص الّتي نقل بها" بنفسه شاهد علىٰ هذا الإدّعاء: "وانّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تبارك وتعالىٰ حبل ممدود من السماء إلىٰ الأرض وعترتي أهل بيتي".11

ثالثاً: انّ الروايات ظنيّة (غير قطعيّة) من ثلاثة أبعاد:

أ. بُعد السند وأصل الصدور، لأنّ الخبر المتواتر أو الخبر الواحد المحفوف بالقرائن المفيدة للقطع نادر جدّاً.
ب. بُعد جهة الصدور لأجل احتمال وجود التقيّة في الروايات.
ج. بُعد الدلالة لأنّ المستند في دلالتها علىٰ مضامينها هو الاُصول العقلائيّة كأصالة الإطلاق، وأصالة العموم، واصالة عدم التقييد واصالة عدم التخصيص واصالة عدم القرينة وأمثالها. لكنَّ القرآن الكريم في أكثر هذه الأبعاد قطعيّ، لأنّه من جهة السند، إسناده إلىٰ الله سبحانه قطعيّ، ولا يوجد أدنىٰ شكّ في كونه كلام الله. ومن حيث جهة الصدور فإنّه أيضاً لايمكن الاعتراض عليه، لأنّ الله سبحانه لايستعمل التقيّة في بيان الحقائق ولا وجود للتقيّة في القرآن اطلاقاً.12

والحاصل انّ القرآن في أصل الصدور قطعيّ وكذلك بلحاظ جهة الصدور قطعيّ أيضاً. وأمّا من ناحية الدلالة فعلىٰ رغم انّ آيات القرآن تظهر كالروايات لكن حيث انّها من جهة محفوظة ومصونة من احتمال الدسّ والتحريف ومن احتمال السهو والنسيان والخطأ في الفهم والعصيان في الإبلاغ والإملاء من جهة اُخرىٰ، ومن جانب هي متكفّلة لبيان الخطوط الكليّة للدين، لا فروعه الجزئيّة، لهذا فبعد إرجاع المتشابهات إلىٰ المحكمات وحمل مطلقها علىٰ مقيّدها وعمومها علىٰ خصوصها وإرجاع الظواهر إلىٰ النصوص أو الأظهر والجمع بين الآيات والمواضيع، فإنّ الأمر يصبح يقيناً أو بمنزلة اليقين، وعليه فإنّ القرآن الكريم مصدر قطعيّ أو مفيد للإطمئنان في الدين، وزمام الدين يجب أن يوكل إلىٰ الأمر القطعيّ لا الظنّي.

رابعاً: انّ روايات المعصومين عليهم السلام تابعة للقرآن الكريم في أصل حجيّتها وفي تأييد مضمونها ومحتواها أيضاً.

أمّا في أصل الحجيّة فلأنّ مصدر حُجيّة سنّة النبيّ صلى الله عليه وآله  ـ الّتي تعني قوله وفعله وتقريره هو القرآن، الّذي يرجع المسلمين إليه صلى الله عليه وآله  في آيات عديدة كقوله تعالىٰ: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول13، و﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا14، و﴿أَنزَلْنَا إِلَيكَ الذِّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم.15

ومصدر حجيّة سنّة الأئمّة عليهم السلام أيضاً هو قول النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله  في حديث الثقلين الشريف. وعليه فإنّ حجّية وقيمة الصادر من النبيّ الأكرم والأئمّة عليهم السلام هي ببركة القرآن الكريم، الاّ أن تثبت نبوّة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله  بمعجزة اُخرىٰ غير القرآن وحينئذٍ لاتكون حجّية سنّة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله  متوقّفة علىٰ القرآن. وفي عصرنا الحاضر حيث لاتوجد هناك معجزة سوىٰ القرآن فإنّه لايمكن إثبات حجيّة سنّة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله  بغير القرآن، الاّ إذا ثبت بالتواتر صدور معجزة اُخرىٰ غير القرآن فتثبت بها حجّية السنّة. وأمّا حجّية القرآن الكريم فهي ذاتيّة ولم تحصل من مصدر آخر. وبالنتيجة فإنّ حجّية القرآن وحجّية الروايات ليستا في مستوى ودرجة واحدة.

ومن الجدير بالذكر انّ المقصود من كون حجّية القرآن ذاتيّة، هي الحجيّة بالنسبة إلىٰ السنّة، وليس المقصود منها الذاتيّة الأوّليّة.

والحال إذا كانت حجيّة ظواهر القرآن الكريم أيضاً تابعة للروايات وكان القرآن الكريم حتّىٰ علىٰ مستوىٰ التفسير والدلالة علىٰ معاني ظواهر ألفاظه ـ متوقّفاً علىٰ الروايات، فهذا سوف يكون مستلزماً للدور (توقّف الشيء علىٰ نفسه) الّذي هو بديهيّ الاستحالة و... نعم لم تتمّ الاشارة إلىٰ فرض عدم الدور.

تنويه: انّ إرجاع المسلمين إلىٰ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله  والأئمّة عليهم السلام قد تمّ أيضاً بواسطة القرآن نفسه، وهو من مصاديق {تِبْياناً لِكُلِّ شَي‏ء}16 إذن فنور القرآن يعرِّف البشريّة علىٰ هداتها ومرشديها، وليس الأمر بحيث انّ المجتمع الإنسانيّ بغير هداية القرآن يكون قادراً أو مكلّفاً بأن يرجع إلىٰ النبيّ صلى الله عليه وآله  وأهل البيت عليهم السلام.  وصحيح انّ مفتاح فهم الكثير من الحقائق القرآنيّة عند أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام لكنّ القرآن نفسه هو الّذي أوضح مقام ومنزلة هذا المفتاح.

وأمّا تبعيّة الروايات للقرآن الكريم في تأييد المضمون والمحتوىٰ فلأجل انّ المعصومين عليهم السلام أنفسهم وفي أحاديث كثيرة أمروا بعرض كلامهم علىٰ الميزان الإلهيّ وهو القرآن الكريم وبأن تُقيَّم به أحاديثهم وفي حالة عدم المخالفة مع القرآن يتمّ قبولها، وهذه الأحاديث تعرف بـ(أخبار العرض علىٰ الكتاب) وهي علىٰ طائفتين:

الطائفة الاُولىٰ: تضمّ الروايات الّتي تتحدّث عن طريقة حلّ التعارض بين الأحاديث المتعارضة، ويطلق عليها في "باب التعادل والترجيح" من علم اصول الفقه اسم "النصوص العلاجيّة".

وأحد المعايير في حلّ تعارض الروايات بواسطة الأخبار العلاجيّة هو عرض الحديثين المتعارضين اللذين لايوجد جمع دلاليّ لهما وقد استقرّ تعارضهما علىٰ القرآن الكريم كي يؤخذ بالموافق للقرآن أو غير المخالف له، ويُردّ الحديث الّذي يتمّ تشخيصه بأنّه مخالف للقرآن: "... وكلاهما اختلفا في حديثكم... فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر فيما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ويترك ماخالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة"17، "اعرضوهما علىٰ كتاب الله عزّ وجلّ فما وافق كتاب الله عزّ وجلّ فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه"18، "اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما علىٰ كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه".19

الطائفة الثانية: وهي الروايات العامّة الّتي لا اختصاص لها بالأخبار المتعارضة، بل تعتبر صحّة مضمون ومحتوىٰ كلّ رواية مرهونة بموافقتها أو عدم مخالفتها للقرآن الكريم، وهذه توسّع دائرة لزوم العرض علىٰ القرآن إلىٰ جميع الأحاديث20، كالروايات التالية:

1- قال رسول الله صلى الله عليه وآله : "انّ علىٰ كلّ حقّ حقيقة وعلىٰ كلّ صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه".21 أي انّ لكلّ حقّ أصلاً، وذلك الأصل هو ميزان قياس ومعيار تقيم ذلك الحقّ، وكلّ صواب (وهو الأمر الواقعيّ) له نور يعرف بواسطته ذلك الصواب المذكور. إذن كلّ ماكان موافقاً للميزان الإلٰهيّ، أي القرآن الكريم فخذوه وما كان مخالفاً له فدعوه. ومن تفريع ذيل الرواية: "فما وافق" يظهر انّ الروايات هي ذلك الحقّ الّذي حقيقته تتمثّل في القرآن الكريم، وصحّة مضمون الرواية رهن لموافقتها مع حقيقتها (أي القرآن الكريم)، والنور الّذي به يقاس صدق الروايات هو القرآن.

2- كذلك الإمام الصادق عليه السلام  في جواب سؤال حول الأحاديث الّتي يكون بعض رواتها موثّقين والبعض الآخر غير موثّقين يقول: "إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله  وإلاّ فالّذي جاءكم به أولىٰ به"22 أي إذا كان الحديث موافقاً للقرآن أو لم يكن مخالفاً له فاقبلوه، وإذا كان مخالفاً للقرآن فإنَّ مسؤوليّته تقع علىٰ عاتق ناقله وراويه.

3- وفي هذا السياق أيضاً يقول الإمام الصادق عليه السلام  : "كلّ شيء مردود إلىٰ الكتاب والسنّة وكلّ حديث لايوافق كتاب الله فهو زخرف"23 في صدر هذا الحديث يقول انّ الكتاب والسنّة مرجعان لتقييم كلّ كلام، ثمّ يقول بعد ذلك انّ القرآن الكريم وحده هو المرجع المعترف به للتقيم، لأنّ السنّة القطعيّة وإن كانت مستغنيةً عن العَرض علىٰ محتوىٰ القرآن، لكنّ أصل حجّية السنّة القطعيّة مرتبط بحجيّة القرآن واعجازه، لأنّ رسالة الرسول الأكرم ونبوّته تثبت بواسطة كون القرآن معجزةً، إلاّ أن يكون أصل الرسالة قد ثبت بمعجزةٍ اُخرىٰ غير القرآن، لكنّ معجزة كهذه سوف لن تكون خالدة ولا مؤثّرة ولا مفيدة للأجيال الحاضرة والقادمة الاّ إذا ثبت عن طريق التواتر أصل تلك المعجزة، ففي هذه الحالة ستكون نبوّة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله  خالدة في ظلّ الاعتماد علىٰ تواتر الإعجاز. والسنّة غير القطعيّة أيضاً بغضّّ النظر عن أصل حجيّتها فإنّها من ناحية المتن والمحتوىٰ يجب أن تُقيَّم بالقرآن الكريم فإذا كانت مخالفة لمحتواه فهي زخرف وباطل.

تنويه: يجب الالتفات إلىٰ أنّ لسان مثل هذه الروايات يأبىٰ التخصيص والتقييد ولا يمكن أبداً تخصيصها أو تقييدها.

4. متن الجملة الأخيرة من الحديث السابق، نُقلت في رواية اُخرىٰ بهذا النحو: "مالم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف"24 أي انّ الحديث الّذي لايكون موافقاً للقرآن فهو باطل.

5. يقول الإمام الصادق عليه السلام  : "انّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله  في خطابه في أرض منىٰ قال: أيّها الناس ماجاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم اقله".25 بناءً علىٰ هذا فحتّىٰ في غير حال التعارض أيضاً فالرواية الّتي تكون بحسب الظاهر واجدةً لأركان الحجيّة يجب أن تقيَّم من ناحية المحتوىٰ بواسطة القرآن الكريم. هذه الأحاديث تدلّ جيّداً علىٰ انّ الحديث ليس في عرض وموازاة القرآن، بل هو في طوله، لأنّه لو كان في عرض القرآن ففي حالة تعارض ظاهر الحديث مع القرآن يصبح الكلام عن (تساقط المتعارضين) والرجوع إلىٰ الأصل الحاكم في المسألة أو (التخيير) في الأخذ بأحد المتعارضين، ولا يصحّ الكلام عندئذٍ عن كون الرواية المخالفة والمعارضة للقرآن زخرفاً وباطلاً.

تنويه: المخالفة المؤدّية إلىٰ سقوط الرواية عن الحجيّة هي المخالفة التباينيّة لا المخالفة الّتي بين المطلق والمقيّد أو العامّ والخاصّ، لأنّ مثل هذه المخالفة في عرف واضعي القوانين وكذلك في عرف العقلاء تعدّ مخالفة ابتدائيّة وليست مخالفة وتعارضاً مستقرّاً، فلايصل الأمر إلىٰ عدّها من الروايات المخالفة للقرآن الّتي تعتبر من الزخرف والباطل. كما انّ مخالفة وتعارض الحديثين أيضاً هي تلك المخالفة التباينيّة الّتي ليس لها جمع دلاليّ، ولذلك يصل الأمر إلىٰ النصوص العلاجيّة. فالنصوص العلاجيّة هي لأجل رفع التعارض المستقرّ، كما جاء في تلك النصوص: "واحد يأمرنا... والآخر ينهانا عنه".26 والدليل علىٰ انّ المخالفة في العموم والخصوص والاطلاق والتقييد لاتعدّ من التعارض هو اوّلاً: انّ لها جمعاً دلاليّاً وعرفيّاً، وثانياً: انّ هذا النوع من الاختلافات موجود أيضاً بين آيات القرآن مع بعضها، مع انّ هذا الكتاب الإلهيّ يعلن كونه منزّهاً عن الإختلاف: ﴿أَفَلاَ يتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيرا.27

فالمقيّد بالنسبة إلىٰ المطلق والمخصِّص بالنسبة إلىٰ العامّ شارح ومفصِّل وليس معارضاً.

سرّ التأكيد علىٰ تقييم الحديث بواسطة القرآن

إنّ سرّ تأكيد الروايات المذكورة علىٰ ضرورة قياس وتقييم الروايات بواسطة القرآن الكريم، ونبذ وترك الأحاديث المخالفة للقرآن هو انّ كلام المعصومين عليهم السلام ليس كالقرآن الكريم الّذي هو غير قابل للتحريف وجعل المماثل، ولذلك فإنّ يد الجعل والوضع والدسّ والتحريف قد انطلقت منذ عصر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله  للقيام بجعل الأحاديث إلىٰ درجة انّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله  قال في خطابه: انّ الكذّابين قد اكثروا من الكذب عليّ.

وقد قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام  في جواب سؤال قيس الهلاليّ الّذي سأله عن اختلاف الروايات في التفسير وغيره: "قد سألت فافهم الجواب: انّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً وصدقاً وكذباً وناسخاً ومنسوخاً وعامّاً وخاصّاً ومحكماً ومتشابهاً وحفظاً ووهماً وقد كُذب علىٰ رسول الله صلى الله عليه وآله  علىٰ عهده حتّىٰ قام خطيباً فقال: "ايّها الناس قد كثرت عليّ الكذّابة فمن كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من النار. ثمّ كُذب عليه من بعده..."28 أي انّ الروايات الّتي هي في أيدي الناس والرواة مزيج من الحقّ والباطل، والصدق والكذب، والناسخ والمنسوخ، والعامّ والخاصّ، والمحكم والمتشابه، والأحاديث الّتي نقلت بأمانة فحفظت كما كانت واُخرىٰ تدخّلت فيها أوهام الرواة فتغيّرت ممّا حدىٰ برسول الله صلى الله عليه وآله  أن يقوم خطيباً فيقول انّ المفترين للكذب قد كذَّبوا عليّ كثيراً، فمن كَذَبَ عليّ فمكانه نار جهنّم، وبعد عصر الرسول أيضاً قد كذّبوا عليه.... 29

ونظرة بسيطة وعابرة إلىٰ تاريخ الحديث، تكفي للشهادة علىٰ انّ الجاعلين والواضعين قد عبثوا بالأحاديث، فكتابة ونقل الحديث قد بقيا ممنوعين فترة استمرّت مائة وثلاثين سنة بعد الهجرة، وفي خلال هذه المدّة لم يتصدَّ لضبط وحفظ الحديث سوىٰ بعض الصحابة الخواصّ لأهل البيت عليهم السلام.  وفي هذه الفترة المظلمة ذهبت الكثير من الأحاديث الّتي لم يكن لها محلّ سوىٰ أذهان الرواة، فزالت وفقدت بموتهم. والجاعلون للحديث لم يقوموا بجعل الحديث فحسب، بل امتدّت دائرة الجعل إلىٰ الراوي واُصول الحديث أيضاً، فنُقل عن أشحاص علىٰ أنّهم رواة، ولم يكن لهم وجود عينيّ أبداً. وظهرت كتب بعنوان انّها (اُصول) تتضمّن احاديث مجعولة وصحيحة قد اختلقتها يد الناسخين وتجّار الكتابة.

أحد هؤلاء الجاعلين للحديث هو عبد الكريم بن أبي العوجاء الّذي اعترف بجعل أربعين ألف حديث.30 واستمرّ هذا الوضع إلىٰ زمان الصادقَين 8، وفي عصر هذين الإمامين الهمامين حدث تغيير وتطوّر. وخلال ذلك قام علماء الشيعة بالذبّ عن حريم الحديث وبذلوا مساعي جبّارة ولم يدَّخِروا جهداً في هذا المجال. فمن جملة ما قاموا به هو انّ بعض كبار العلماء أخرجوا رواة الأحاديث الضعيفة من قم حتّىٰ ينتظم وضع رواية الحديث.

وبالنتيجة، فإنّ القرآن يوفّر ويؤمِّن القيمة للروايات من ناحية السند (وان اُحتمل اثبات حجيّة السنّة بمعجزة اُخرىٰ غير القرآن) وكذلك قيمتها من ناحية الدلالة. وفي القسم الأخير لافرق في حجيّة السنّة بين أن تكون بواسطة القرآن أو بمعجزة اُخرىٰ، لأنّ السنّة غير القطعيّة من ناحية الإعتبار الدلاليّ يجب أن تعرض علىٰ القرآن في جميع الأحوال. فالقرآن سند للرسالة بلا واسطة، وهو سند للإمامة مع الواسطة، وهو في السند وفي الدلالة غنيّ عن الغير، وحجيّته ذاتيّة من الجهتين (طبعاً ليس بمعنىٰ الذاتيّ الأوّلي كالبرهان القطعيّ بل ذاتيّ بالنسبة إلىٰ السنّة).

وبناءً علىٰ هذا فإنّ الروايات يجب أن تبلغ نصاب الحجيّة في أحضان القرآن، وفي تأييد مضمونها يجب أن تُقيَّم بواسطة القرآن. هذه الحقيقة، هي رسالة القرآن الكريم الّذي يعتبر نفسه أصلاً ويعدّ سنّة المعصومين فرعاً (في إرجاع المسلمين إلىٰ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله )، وكذلك رسالة المعصومين عليهم السلام الّذين يرون القرآن أصلاً ويعدّون حديثهم فرعاً (في حديث الثقلين وأحاديث العرض علىٰ الكتاب).

تنويه: انّ السُنّة تنقسم إلىٰ قسمين: أحدهما السنّة القطعيّة والاُخرىٰ السُنّة غير القطعيّة، والّذي يجب أن يعرض علىٰ القرآن هو السنّة غير القطعيّة، ولا حاجة أبداً لعرض السنّة القطعيّة علىٰ القرآن؛ لأنّ صدورها من مقام العصمة قطعيّ، ومثل هذا الصادر منتسب إلىٰ الله سبحانه يقيناً.

* آية الله الشيخ جوادي آملي


1- سورة النحل، الآية 44.
2- سورة الحشر، الآية 7.
3- سورة النساء، الآية 59.
4- حجيّة ظواهر القرآن لاتعني الاستغناء عن الرجوع إلىٰ الروايات لأجل تشخيص مقيّداتها ومخصّصاتها، كما هو الحال في حجيّة الروايات أيضاً حيث انّها لاتعني الاستغناء عن الفحص عن مخصّصاتها ومقيّداتها.
5- البحار، ج23، ص108.
6- يقول الإمام الحسين عليه السلام حول الأئمّة عليهم السلام : "نحن... أحد الثقلين اللذين جعلنا رسول الله ثاني كتاب الله تبارك وتعالىٰ" البحار، ج44، ص205.
7- جواهر الكلام، ج13، ص71 76.
8- كشف الغطاء، كتاب القرآن، ص298: "المبحث الرابع انّه (القرآن) أفضل من جميع الكتب المنزلة من السماء ومن كلام الأنبياء والأصفياء وليس بأفضل من النبيّ صلى الله عليه وآله وأوصيائه عليهم السلام وإن وجب عليهم تعظيمه واحترامه... فتواضعهم لبيت الله وتبرّكهم بالحجر والأركان وبالقرآن وبالمكتوب من أسمائه وصفاته من تلك الحيثيّة لايقضي لها بزيادة الشرفيّة".
9- اصول الكافي، ج1، ص207؛ البحار، ج23، ص206.
10- انّ الأرواح الشريفة لأولئك العظماء لاتُفدىٰ لأيّ شيء حتّىٰ في النشأة الظاهريّة، وإنّما هي معدّة للقاء الله سبحانه.
11- البحار، ج89، ص13.
12- التقيّة بمعنىٰ اظهار الأمر غير الواقعيّ وهي لا وجود لها في القرآن، ولكنّ عدم ذكر بعض الاُمور لأجل مصلحة ما مثل الذكر الصريح لأوصياء النبيّ حيث لم يتعرّض القرآن لذلك وأوكل إلىٰ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله فهذا موجود في القرآن ولكنّ هذا ليس من التقيّة.
13- سورة النساء، الآية 59.
14- سورة الحشر، الآية 7.
15- سورة النحل، الآية 44.
16- سورة النحل، الآية 89.
17- اصول الكافي، ج1، ص67.
18- وسائل الشيعة، ج18، ص80.
19- نفس المصدر، ص84.
20- أخبار العرض علىٰ الكتاب لاتشمل الروايات المنقولة بلاواسطة (السنّة القطعيّة) لانّ الّذي أدرك حضور النبيّ أو الإمام المعصوم عليه السلام وسمع كلاماً من لسانه المطهّر وأحرز جهة صدوره بنحو لا يحتمل فيه التقيّة أصلاً، فهو في هذه الحالة لايبقىٰ لديه أيّ احتمال للخلاف. وسماع الكلام من الناطق بالوحي سبب لحصول الجزم. وعليه فإنّ أخبار العرض علىٰ الكتاب مختصّة بالأخبار المنقولة مع الواسطة، هذا إذا لم يكن صدورها قطعيّاً.
21- اصول الكافي، ج1، ص69.
22- نفس المصدر.
23- نفس المصدر.
24- اصول الكافي، ج1، ص69.
25- نفس المصدر.
26- وسائل الشيعة، ج18، ص88.
27- سورة النساء، الآية 82.
28- اصول الكافي، ج1، ص62.
29- يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله : "قد كثرت عليّ الكذّابة" (البحار، ج2، ص225). قال بعض شرّاح هذا الحديث: انّ هذا الحديث أفضل شاهد علىٰ وجود الأحاديث المجعولة، لأنّ هذا الحديث إمّا أن يكون قد صدر من المعصوم أو هو مجعول، فإذا كان من كلام المعصوم فهو يدلّ علىٰ وجود الأحاديث المجعولة بين الروايات المنقولة عنهم، وإذا كانت هذه الجملة ليست من كلام المعصوم، فهي بنفسها مصداق للحديث المجعول (مرآة العقول، ج1، ص221).
وبعض الأحاديث المجعولة وضعها بعض الجهّال من الأصدقاء الّذين أرادوا بها ترويج القرآن، كبعض الروايات الواردة في ثواب قراءة بعض السور القرآنيّة، وبعض الأحاديث جُعلت بواسطة الأعداء الدهاة حتّىٰ يختلط زلال المعرفة الدينيّة بأقذار الكلام البشريّ فيؤدّي ذلك إلىٰ الحطّ من مكانة الدين السامية.
30- خمسون ومائة صحابي مختلق، ج1، ص31.

25-09-2014 | 16-14 د | 2404 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net