الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
أدب الانتظار
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

العملُ بالوَرَع، ومحاسن الأخلاق

كتاب (وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف) للسيّد محمّد تقي الأصفهاني، المتوفّى سنة 1348 للهجرة. وقد جمع فيه السيّد، رحمه الله، جملة من الأعمال بعنوانها وظيفة المؤمنين في زمن غَيبة صاحب الأمر، الإمام المهديّ صلوات الله عليه، وهي أربعة وخمسون أمراً «يليق بالمؤمنين المواظبة عليها والعمل بها، وأن يجعلوها دستوراً لأعمالهم». والسيّد الأصفهاني هو صاحب الكتاب العلمي الموسوعي (مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم عليه السلام). هذا المقال مقتطف من كتاب (وظيفة الأنام) بشيء من الاختصار.

يليق بالمؤمن الموالي في زمن غَيبة إمامه، صلوات الله عليه، أن يواظب على جملة من الأمور، منها:

الأوّل:الاغتمام لفراقه، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ولمظلوميّته. فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «نَفَسُ الْمَهْمُومِ لَنَا، الْمُغْتَمِّ لِظُلْمِنَا تَسْبِيحٌ».

الثاني:انتظار فرجه وظهوره عجّل الله تعالى فرجه الشريف. وفي الحديث عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «مَنْ مَاتَ مِنكُم وهُوَ مُنْتَظِرٌ لِهذا الأمرِ، كَمَنْ هُو مع القَائِمِ فِي فِسْطاطِه».

الثالث:البكاء على فراقه ومصيبته عليه السلام. فقد ورد عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «واللهِ لَيَغيبَنَّ إِمامُكُمْ سِنينَ مِن دَهرِكُم، وَلَتُمحَّصنَّ.. ولتَدمَعَنَّ عليهِ عُيونُ المؤمنين».

الرابع: التسليم والانقياد وترك الاستعجال في ظهوره، عجّل الله تعالى فرجه الشريف. يعني ترك قول «لمَ، ولأيّ شيء»، في أمر ظهوره عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بل يسلّم بصحّة ما يصل إليه من ناحيته عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وأنّه عين الحكمة.

الخامس:أن نصِله، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بأموالنا. وفي هذا الزمان، حيث إنّ الإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف غائب؛ يصرف المؤمن ذلك المال الّذي جعله صِلة وهديّة له عجّل الله تعالى فرجه الشريف، في موارد فيها رضاه؛ كأنْ يُنفقها على الصالحين الموالين له، عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

السادس: التصدّق عنه، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بقصد سلامته.

السابع: معرفة صفاته، والعزم على نصرته في أيّ حالٍ كان، والبكاء والتألُّم لفراقه، عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

الثامن:طلب معرفته، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، من الله عزّ وجلّ. فيقرأ هذا الدعاء المروي عن الصادق عليه السلام، وأوّله: «اللَّهُمَّ عَرِّفني نَفْسَكَ، فَإنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعرِفْ نَبِيَّك..». [يأتي بتمامه في سياق الملف]

التاسع:المداومة على قراءة هذا الدعاء المرويّ عن الصادق عليه السلام: «يا اللهُ يَا رَحْمنُ يا رَحِيمُ، يا مُقَلِّبَ القُلوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِيْنِك».

العاشر:تقديم الأضاحي نيابةً عنه، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بقدر الاستطاعة.

الحادي عشر:عدم ذكر اسمه، وهو نفس اسم رسول الله، صلّى الله عليه وآله، وتسميتُه بألقاب، مثل: القائم، المنتظَر، الحجّة، المهديّ، الإمام الغائب، وغيرها.

الثاني عشر:القيام احتراماً عند ذكر اسمه وخصوصاً لقب «القائم».

الثالث عشر:إعداد السلاح للجهاد بين يديه. عن الصادق عليه السلام: «لَيُعِدَّنّ أَحدُكم لِخروج القائم ولو سَهماً، فإنّ اللهَ تعالى إذا علمَ ذلك من نِيَّتِه رَجَوتُ لأَنْ يُنْسِئَ في عُمرِهِ حتّى يُدركَهُ».

الرابع عشر:التوسّل به، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، في المهمّات، وإرسال رسائل الاستغاثة له عليه السلام.

الخامس عشر:القسَم على الله تعالى به، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، في الدعاء، وجعله شفيعاً في قضاء الحوائج.

السادس عشر:الثبات على الدين القويم، وعدم اتّباع الدعوات الباطلة المزخرفة. وذلك لأنّ الظهور لا يكون قبل خروج السفياني والصيحة في السماء.

السابع عشر:العزلة عن عموم الناس. عن الإمام الباقر عليه السلام: «يَأتي على النّاسِ زَمانٌ يَغيبُ عنهم إمامُهُم، فيَا طُوبى لِلثَّابتين على أَمْرِنا في ذَلكَ الزَّمانِ..فقلت [الراوي]: يا ابنَ رسول الله، فما أفضل ما يَستعملهُ المؤمنُ في ذلك الزَّمان؟ قال: حِفْظُ اللّسانِ، ولُزُومُ البَيت». [أي يبتعد عن معاشرة الناس إلّا في الضرورات، فإنّهم يُنسونه ذكر إِمامه].

الثامن عشر:الصّلاة عليه، عجّل الله تعالى فرجه، [بالصلوات والدعوات المأثورة].

التاسع عشر:ذكر فضائله ومناقبه، سلام الله عليه، وذلك لأنّه وليّ النعمة، وسبب كلّ النعم الإلهيّة الواصلة.

العشرون:إظهار الشوق لرؤية جماله المبارك حقيقة، كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام، عندما أشار إلى صدره وتأوّه شوقاً إلى لقائه (وهو لم يولد بعد).

الحادي والعشرون:دعوة الناس لمعرفته وخدمته وخدمة آبائه الطاهرين. عن سليمان بن خالد، أنّه قال للإمام الصادق عليه السلام: «إِنّ لي أهلَ بيتٍ وهُم يسمعونَ منّي، أفأَدعُوهُم إلى هذا الأمر؟ فقال عليه السلام: نعم، إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ في كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ.. التحريم:6».

الثاني والعشرون:الصبر على المصاعب، وعلى تكذيب أعدائه وآذاهم ولؤمهم في زمان غَيبته، عجّل الله تعالى فرجه الشريف. عن سيّد الشهداء عليه السلام: «أَمَا إنَّ الصَّابِرَ فِي غَيْبَتِهِ على الأَذَى والتَّكذِيبِ بِمَنْزِلَةِ المُجاهِدِ بِالسَّيفِ بَينَ يَدَي رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيه وآلِهِ وسَلَّم».

الثالث والعشرون:إِهداء ثواب الأعمال الصالحة كقراءة القرآن وغيرها إليه، سلام الله عليه.

الرابع والعشرون:زيارته، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وهذان العملان الأخيران غير مختصّين به، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بل وردا بشأن جميع الأئمّة عليهم السلام.

الخامس والعشرون:الدعاء لتعجيل ظهوره، وطلب الفتح والنصر له، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، من الله تعالى؛ ورد في التوقيع الشريف المرويّ عنه عجّل الله تعالى فرجه الشريف: «..وَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ بِتَعْجِيلِ الفَرَجِ، فَإنَّ ذَلِكَ فَرَجُكُم». وعن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام: «والله لَيَغيبَنَّ غَيْبَةً لا يَنْجو فيها مِنَ الهَلَكةِ إلَّا مَن ثبَّتَهُ اللهُ، عَزَّ وَجَلّ، على القَولِ بِإمَامَتِه، وَوَفَّقَهُ فيها للدُّعاء بِتَعْجِيلِ فَرَجِه».

السادس والعشرون:أن يُظهر العلماء علمهم ويُرشدوا الجاهلين إلى جواب شُبهات المخالفين، كي لا يضلّوا، وينقذوهم من الحيرة إِن وقعوا فيها. وهذا الأمر مهمّ جدّاً في هذا الزمان، وهو واجب على العلماء. عن الإمام الصادق عليه السلام: «الرَّاوِيَةُ لِحَدِيثِنا يَشُدُّ بِه قُلُوبَ شِيعَتِنا، أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ». والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدّاً. لذا، يجب على كلّ عالم أن يُظهر علمه بقدر ما يستطيع، خصوصاً في هذا الزمان الّذي ظهرت فيه البِدَع.

السابع والعشرون:الاهتمام بأداء حقوق صاحب الزمان، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، كلٌّ بقدر استطاعته، وعدم التقصير في خدمته. عن الصادق عليه السلام، أنّه سُئل: هل وُلِدَ القائم؟ قال: «لا، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَخَدَمْتُهُ أَيَّامَ حَيَاتِي».
أقول: تأمّل أيُّهَا المؤمن كيف يُجلّ الإمام الصادق عليه السلام قدْره، فإن لم تكن خادماً له، فلا أقلّ أن لا تُحزن قلبه ليلاً ونهاراً بسيّئاتك.

الثامن والعشرون:أن يبدأ الداعي بالدعاء له، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، طالباً من الله تعالى تعجيل ظهوره، ثمّ يدعو لنفسه. وهذا الأمر واضح في دعاء «يوم عرفة» من الصحيفة السجّاديّة المباركة. فـتقديم الدعاء له، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، يكون وسيلةً لاستجابة دعائنا إن شاء الله تعالى، كما هو شأن تقديم الصلاة على محمّد وآل محمّد في الدعاء، حيث يكون مُوجِباً لاستجابة ما بعده من دعاء.

التاسع والعشرون:إظهار المحبّة والولاء له، عجّل الله تعالى فرجه الشريف. عن رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم، في حديث المعراج أنّ الله تعالى قال له: «يا مُحَمَّدُ، أَتُحِبُّ أَنْ تَراهُم؟ [أي الأئمّة المعصومين]... قالَ [تبارك وتعالى]: هَؤلاءِ أئِمَّةُ الحَقِّ، وهَذَا القَائِمُ، مُحَلِّلُ حَلَالِي وَمُحَرِّمُ حَرامِي، وَيَنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِي، يَا مُحَمَّدُ، أَحْبِبْهُ فَإِنِّي أُحِبُّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّه».
أقول: يتّضح من الأمر بمحبتّه - مع أنّ محبّة جميع الأئمّة واجبة - أنّ في محبّته خصوصيّة مُعيّنة كانت وراء أمر الله تعالى هذا، وأنّ في وجوده المبارك صفاتٍ وشؤوناً تقتضي هذا التخصيص.

الثلاثون:الدعاء لأنصاره وخُدّامه.

الواحد والثلاثون:لَعْن أعدائه، كما هو ظاهر من أخبار كثيرة، ومن الدعاء الوارد عنه، عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

الثاني والثلاثون:التوسّل بالله، تعالى، أن يجعلنا من أنصاره. كما ورد ذلك في «دعاء العهد» وغيره.

الثالث والثلاثون:رفع الصوت في الدعاء له، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وخصوصاً في المجالس والمحافل العامّة. فهو إضافة إلى أنّه تعظيم لشعائر الله تعالى، فقد ظهر استحباب ذلك في بعض فقرات «دعاء الندبة».

الرابع والثلاثون:الصلاة على أنصاره وأعوانه، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وهو نوع من الدعاء لهم. وقد ورد ذلك في «دعاء عرفة»من (الصحيفة السجّاديّة المباركة)، وبعض الأدعية الأخرى.

الخامس والثلاثون:الطواف حول الكعبة المشرّفة نيابةً عنه، عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

السادس والثلاثون:الحجّ نيابةً عنه.

السابع والثلاثون:إرسال النائب عنه، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، للحجّ.

الثامن والثلاثون:تجديد العهد والبيعة له، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، في كلّ يومٍ أو في كلّ وقتٍ ممكن. وهذا الأمر يحصل بقراءة «دعاء العهد»الصغير أو الكبير.
وأمّا وضع اليد في يد شخص ما بعنوان أنّ هذه البيعة هي بيعة مع الإمام، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، فهو من البِدع المُضلّة، فلم ترِد في القرآن أو الرّوايات، ويظهر من بعض الأحاديث وجوب الاكتفاء بالإقرار اللسانيّ والعزم القلبيّ عند عدم إمكان بيعة شخص الإمام، أو النبيّ، صلّى الله عليه وآله وسلّم.

التاسع والثلاثون:ذكر بعض الفقهاء، مثل المُحدّث الحرّ العامليّ رضوان الله عليه في (الوسائل)، حيث قال: «يُستحبّ زيارة قبور الأئمّة الأطهار، عليهم السلام، نيابةً عن الإمام، عجّل الله تعالى فرجه الشريف».

الأربعون: (إنكار مُدّعي المهدوية). عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا ادَّعَاها مُدَّعٍ فَاسْأَلُوهُ عَنْ أَشْيَاءَ يُجِيبُ فِيهَا مِثلُه».
أقول: يعني اسألوه عن أمورٍ لا يصل إليها علم الناس، كما حصل أمثالها مع الأئمّة الطاهرين عليهم السلام مكرّراً، وقد ذُكرت مفصّلة في الكتب.

الحادي والأربعون:تكذيب من يدّعي النيابة الخاصّة عنه، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، في الغَيبة الكبرى.

الثاني والأربعون:عدم تعيين وقتٍ لظهوره، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وتكذيب من يُعيّن ذلك وتسميته كذّاباً. عن الصادق عليه السلام، أنّه قال لمحمّد بن مسلم: «مَن وَقّتَ لَكَ مِنَ النَّاسِ شَيئاً فَلَا تَهَابَنَّ أَنْ تُكَذِّبَهُ، فَلَسْنَا نُوَقِّتُ لِأَحَدٍ وَقْتاً». والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدّاً.

الثالث والأربعون:التقيّة من الأعداء. عن الإِمام الرضا عليه السلام، أنّه قال: «لَا دِينَ لِمَنْ لَا وَرَعَ لَهُ، وَلَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ، إِنَّ أَكْرَمَكُم عِنْدَ اللهِ أَعْمَلُكُمْ بِالتَّقِيَّةِ.فَقِيلَ لَه: يَا ابْنَ رَسُولِ الله، إِلَى مَتَى؟ قالَ عليهِ السَّلام: إلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ، وَهُوَ يَومُ خُرُوجِ قَائِمِنَا أَهْلَ البَيْتِ، فَمَنْ تَرَكَ التَّقِيَّةَ قَبْلَ خُرُوجِ قَائِمنَا فَلَيْسَ مِنَّا».

الرابع والأربعون:التوبة الحقيقيّة من الذنوب. وإن كانت التوبة من الأعمال المُحرّمة واجبة في كلّ زمانٍ، إِلّا أنّ أهميّتها في هذا الزمان آتية من جهة أنّ أحد أسباب غَيبة صاحب الأمر، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وطولها، هو ذنوبنا العظيمة والكثيرة، فأصبحت سبباً لامتناعه عن الظهور، كما ورد ذلك في التوقيع الشريف المرويّ في (الاحتجاج)، حيث يقول: «فَمَا يَحْبِسُنا عَنهم إِلَّا مَا يَتَّصِلُ بِنَا مِمَّا نَكْرَهُهُ وَلَا نُؤْثِرُهُ مِنْهُم».
ومعنى التوبة هو الندم على الذنوب السابقة والعزم على تركها في المستقبل، وعلامة ذلك إبراء الذمّة من الواجبات الّتي تُركت، وأداء حقوق النّاس الباقية في ذمّتك، وإذابة اللحم الّذي نشأ في بدنك من المعاصي، وتحمّل مشاقّ العبادة بما يُنسيك ما اكتسبته من لذّة المعصية. وبهذه الأمور الستّة تتحقّق التوبة تحقّقاً كاملاً، وتكون كما ورد عن أمير المؤمنين، عليه السلام، في كُتب متعدّدة.
فانتبه إلى نفسك، ولا تقل: وعلى فرض أنّي أتوب ولكنّ الناس لا يتوبون، فيستمرّ الإمام، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، في غَيبته، فذنوب الجميع تؤدّي إلى غَيبته وتأخّر ظهوره!
فأقول: إن كان جميع الخَلق سبباً لتأخير ظهوره، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، فالتفِت إلى نفسك، ولا تكن شريكاً معهم في ذلك، فأخشى أن يُصبح حالك، تدريجاً، كحال هارون الرشيد في حبسه للإمام موسى الكاظم عليه السلام، وحبس المأمون للرضا عليه السلام في «سرخس»، أو حبس المتوكّل للإمام عليّ النقيّ عليه السلام في «سامراء»!

الخامس والأربعون:ما روي في (روضة الكافي) عن الصّادق عليه السلام أنّه قال: «إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْقَائِمَ فَلْيَتَمَنَّه فِي عَافِيَةٍ، فَإِنَّ الله بَعَثَ مُحَمَّداً صلَّى اللهُ عليه وآلِه وَسَلّمَ، رَحْمَةً. ويَبْعَثُ الْقَائِمَنِقْمَةً».
أقول: يعني اسألوا الله تعالى أن تُلاقوه، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وأنتم مؤمنون ومعافون من ضلالات آخر الزمان، كي لا تكونوا محلّاً لانتقامه.

السادس والأربعون:أن يدعوَ المؤمن الناس إلى محبّته، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ببيان إحسانه إليهم، وبركات ومنافع وجوده المقدّس لهم، وحبّه عجّل الله تعالى فرجه الشريف لهم، وأمثالها، ويتحبّب إليه بما يكسب به حبّه، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، له.

السابع والأربعون:أن لا يقسو قلبك بسبب طول زمان الغَيبة، بل يبقى ليّناً بذكر مولاه، عجّل الله تعالى فرجه الشريف. وقد قال ربّ العالمين جلّ شأنه في القرآن المجيد في سورة (الحديد): ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ الآية:16.
وقد روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «نَزلَت هذهِ الآيَة.. في أَهْلِ زَمَانِ الغَيْبَةِ..».
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «لِلقَائِمِ مِنَّا غَيْبَةٌ أَمَدُهَا طَويلٌ، كَأَنِّي بِالشِّيعَةِ يَجُولُونَ جَوَلَانَ النَّعَمِ في غَيْبَتِهِ، يَطْلبُونَ المَرْعَى فَلَا يَجِدُونَهُ، أَلَا فَمَنْ ثَبَتَ مِنْهُم عَلَى دِينِهِ، وَلَمْ يَقْسُ قَلْبُهُ لِطُولِ أَمَدِ غَيْبَةِ إِمَامِهِ، فَهُوَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ القِيَامَة».

الثامن والأربعون:الاتّفاق والاجتماع على نُصرة صاحب الزمان، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، أي تتّفق قلوب المؤمنين مع بعضها بعضاً، وتتعاهد على نصرته، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، والوفاء بعهده. وقد ورد في التوقيع الشريف من الناحية المقدّسة إلى الشيخ المفيد رضوان الله عليه ما نصّه: «ولَوْ أنَّ أَشْيَاعَنَا، وَفَّقَهُم اللهُ لِطاعَتِهِ، على اجْتِماعٍ مِن القُلُوبِ فِي الوَفَاءِ بِالعَهْدِ عَلَيْهِم، لَمَا تَأَخَّرَ عنهُمُ اليُمْنُ بِلِقَائِنَا، وَلَتَعَجَّلَتْ لَهُم السَّعادَةُ بِمُشَاهَدَتِنا».

التاسع والأربعون:الاهتمام بأداء الحقوق الماليّة المتعلّقة بذمّتهم، من قبيل الزكاة، والخُمس، وسهم الإمام، عجّل الله تعالى فرجه الشريف. وهذا الأمر واجبٌ في كلّ زمانٍ، إِلّا أنّ له أثراً خاصّاً في زمان غَيبة الإمام، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، فجرى الاهتمام به وجاءت التوصية والأمر به. يقول الإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف في نفس ذلك التوقيع: «ونحنُ نَعْهَدُ إليكَ.. إِنّه مَنِ اتَّقَى رَبَّهُ مِن إِخْوانِكَ في الدِّينِ، وَأَخْرَجَ مِمَّا عَلَيهِ إِلى مُستَحِقِّيهِ، كَانَ آمِناً مِنَ الفِتْنَةِ المُبْطِلَةِ، ومِحَنِهَا المُظْلِمَةِ المُضِلَّةِ، وَمَنْ بَخِلَ مِنهُم بِمَا أَعَارَهُ اللهُ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَى مَنْ أَمَرَهُ بِصِلَتِهِ، فَإنَّهُ يَكُون خَاسِراً بِذَلِكَ لِأُولَاهُ وآخِرَتِه».
تنبيه:واعلم أنّ من جملة الحقوق الماليّة المترتّبة على الشخص، أن يُوصل في كلّ سنة مبلغاً من المال إلى إِمام زمانه، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وهذا غير سهم الإمام الواجب، ولا يخفى أنّ في هذا الزمان الّذي إمامنا، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، فيه غائب يجب أن يصرف ذلك المال الّذي يقدّمه المؤمن هديّة له عليه السلام فيما يرضاه، كأن يُصرف في طبع الكتب المتعلّقة به، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، أو في المجالس الّتي تُذكَر فيها فضائله وأخلاقه، أو يُعطى إلى أحبّائه بعنوان هديّة عنه، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وهكذا مع تقديم الأهمّ فالأهمّ، والله العالم.
ومن جملة الحقوق الماليّة صِلة الرحم، ومساعدة الجيران حتّى في إعارتهم لوازم المنزل، مثلاً كالأواني، والمصابيح وغيرها، وإن احتاجوا إلى أمور زهيدة الثمن فتُهدى إليهم.

الخمسون:المرابطة. واعلم أنّ المرابطة على قسمين:
الأوّل:ما ذكره الفقهاء في كتاب الجهاد، وهو أن يُقيم المؤمن في ثغرٍ من الثغور، قريباً من بلاد الكفّار لأجل أن يُخبر المسلمين إن أراد الكفّار الهجوم عليهم، أو يُدافع عن المسلمين في حال تعرّضهم لاعتداءات الكفَرة إِن لزم الأمر. وهذا العمل سواء كان في زمان حضور الإمام، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، أو في غَيبته، مستحبّ مؤكّد.
الثاني:المرابطة بأن يُعِدّ المؤمن فرسه وسيفه تهيّؤاً واستعداداً لظهور الإمام، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، لنُصرته. وهذا القسم من المرابطة ليس له زمان أو مكان معيّن. عن أبي عبد الله الجعفيّ أنّه قال: «قال لي أبو جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام: كَم الرّباطُ عندَكُم؟ قلت: أربعون. قال عليه السلام: لكنّ رباطَنا رباطُ الدَّهرِ..».
وقال المجلسيّ، رضوان الله عليه، في شرح قوله: «رباطنا رباطُ الدّهر»: «أي يجب على الشيعة أن يربطوا أنفسهم على طاعة إِمام الحقّ، وانتظار فرجه، ويتهيّؤوا لنصرته».

الحادي والخمسون:الاهتمام في اكتساب الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة، وأداء الطاعات والعبادات الشرعيّة، واجتناب المعاصي والذنوب الّتي نُهيَ عنها في الشرع المقدّس، لأنّ مراعاة هذه الأُمور في زمان غَيبة الإمام، أعسر من مراعاتها في زمان ظهوره عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بلحاظ ازدياد الفتن وكثرة الملحدين والمشكّكين المتصدّين لإضلال المؤمنين. رويَ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أنّه قال: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ القَائِمِ فَليَنْتَظِر، وَلْيَعْمَلْ بالوَرَعِ ومَحاسِنِ الأخْلاقِ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ..».

الثاني والخمسون:قراءة «دعاء الندبة»المتعلّق به، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، في يوم الجمعة، وعيد الغدير، وعيد الفطر، وعيد الأضحى، بتوجّه وخشوع.

الثالث والخمسون:اعتبار أنفسنا ضيوفاً عنده، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، في أيّام الجمعة المخصّصة له، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، فنزوره بهذه الزيارة: «السَّلاَمُ عَلَيكَ يَا حُجّةَ اللهِ فِي أرْضِهِ، السَّلاَمُ عَلَيكَ يَا عَيْنَ اللهِ في خَلْقِهِ، السَّلاَمُ عَلَيكَ يَا نُورَ اللهِ الَّذِي يَهَتدِي بِهِ المَهْتَدُونَ وَيُفرَّجُ بِهِ عَنِ المُؤْمِنِينَ..». [الفصل الخامس من مفاتيح الجنان، زيارته عليه السلام في يومه، وهو يوم الجمعة]

الرابع والخمسون:قراءة دعاء «زمن الغيبة». [في الطبعات الحديثة من (مفاتيح الجنان) يَرِد بعد دعاء كميل].رُوي في (كمال الدين) و(جمال الأسبوع) بأسانيد صحيحة ومعتبرة عن الشيخ الثقة الجليل القدر عثمان بن سعيد العمريّ، أنّه أمر بقراءة هذا الدعاء، وقال: «يجب على الشيعة أن يقرأوا هذا الدعاء في زمان غَيبة الإمام، عجّل الله تعالى فرجه الشريف».

أقول: إِنّ هذا الشيخ الجليل كان النائب الأوّل من النوّاب الأربعة في عصر الغَيبة الصغرى، فإنَّ كلَّ ما يأمر به صادر عن صاحب الأمر روحي له الفداء. وعلى هذا، فكلّما ملكتَ حُسنَ التوجّه فاقرأ هذا الدعاء الشريف ولا تقصّر في ذلك، وخصوصاً بعد صلاة العصر من يوم الجمعة، فقد قال السيّد الجليل عليّ بن طاوس في كتاب (جمال الأسبوع): «إِذا كان لك عذرٌ عن جميع ما ذكرناه من تعقيب العصر يوم الجمعة، فإيّاك أن تُهمِلَ الدعاء به، فإنّنا عرفنا ذلك من فضل الله، جلّ جلاله، الّذي خصّنا به، فاعتمد عليه». ويُفهم من هذه العبارة أنّ أمراً بهذا الشأن صدر عن حضرة صاحب الأمر، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، إلى السيّد، وهذا غير بعيد عن مقامه، رضوان الله عليه.

* السيّد محمّد تقي الأصفهاني رحمه الله

11-05-2016 | 16-35 د | 1593 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net