الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في خطبتَي صلاة عيد الفطركلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمع من الطلّاب الجامعيّينكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في اللقاء الرمضانيّ مع مسؤولي البلادبِهذا جُمِعَ الخَيرُ

العدد 1612 07 شوال 1445 هـ - الموافق 16 نيسان 2024 م

لَا تُطَوِّلْ فِي الدُّنْيَا أَمَلَكَ

العامل الأساس للنصر مراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِن
من نحن

 
 

 

التصنيفات
كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه مسؤولي النظام الإسلامي
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه مسؤولي النظام الإسلامي_14-06-2016

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفی محمّد وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، لا سیّما بقیّة الله في الأرضین.

أرحّب بكم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء أجمل ترحيب، وأتقدّم بالشكر من السيد رئيس الجمهورية أيضاً علی كلمته التي قدّم فيها إيضاحات مفصّلة وجيّدة.

إن من بركات هذا اللقاء الرمضاني، هو الانتهال من أجواء شهر رمضان المعنوية. صحيح أن هذه الجلسة جلسة استثنائية؛ حيث يحضر مختلف المسؤولين، شخصيات النظام البارزون، وأصحاب المناصب والمهام، من مختلف التيارات والتوجهات، وما يتوافر فيها من فرصة الحوار والبحث وتجديد اللقاء وتبادل مشاعر المحبة وأمثال ذلك، وهذه كلها من بركات هذه الجلسة، ولكن الأهم منها جميعاً، هي النقطة التي ذكرت؛ أي الدخول في الأجواء المعنوية لشهر رمضان. حيث نقرأ في فقرات الدعاء الوارد في أيام شهر رمضان: «وَهذا شَهرُ الصّیام، وَهذا شَهرُ القیام، وَهذا شَهرُ الإِنابَة - ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ[1]- وهذا شَهرُ التَّوبَة، وَهذا شَهرُ الـمَغفِرَةِ وَالرَّحمَة»[2].هناك خصوصيات ومزايا  لهذا الشهر وهذه الأجواء.

ولكن توبتنا من أيّ ذنب؟
حسناً، إنسان من أمثالي غارق في الذنوب من قمة رأسه إلی أخمص قدميه؛ غير أن الذنوب علی نوعين: ذنوب تضرّ الإنسان الذي اقترفها فقط، ونوع آخر من الذنوب، تلحق الضرر بعد ارتكابها بالآخرين أيضاً. فالشيء الذي يقطّعه المرء ويمضغه بأسنانه، تارة يكون صلباً، يؤدي إلی تهشّم الأسنان، من دون أن يلحق الضرر بعضو آخر، وتارة أخری يتناول الإنسان بأسنانه طعاماً يؤول إلی إيقاف الكبد عن العمل، ولا تقصير للكبد في ذلك، وإنما المقصر هو الأسنان والفم. هكذا هي ذنوبنا أحياناً، فقد نقطع خطوة، أو نتفوّه بكلمة، أو نسير في مسيرة، تلحق الضرر بالمجتمع وبالبلاد، وهذه ذنوب خطيرة وكبيرة. قال تعالی: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً[3]، إذ أحياناً ما يقترف المرء ظلماً، تكون العقوبة التي جعلها الله له شاملة تشمل المجتمع بأسره، فلا بد من تجنّب مثل هذا الظلم، والوقوع في مثل هذه الفتنة. وهذا خطابٌ موجَّه لنا نحن المسؤولين، وليس موجَّهاً لآحاد الناس. نحن مسؤولون، وبوسعنا أن نعمل عملاً يؤدي إلی ضرر بالمجتمع، أو علی العكس من ذلك، نقوم بما ينفع المجتمع.

"هذه النفس تمثّل المجتمع"
إن للمرحوم العلامة الطباطبائي (رضوان الله عليه) بيانًا في تفسير هذه الآية الشريفة الواردة في سورة النساء: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ[4]، حيث يقول إنّ المجتمعات البشرية، مجتمع بلد، المجتمع الخاص بمنطقة ما، لديه هوية مستقلة، هوية واحدة تختلف عن هوية الأفراد؛ أي إن المجتمع هو، من زاوية معينة، كالإنسان الواحد، وكما أن الإنسان الواحد يمكن أن يقوم فيه عضوٌ بعمل يورّط معه سائر الأعضاء، كذلك  الأمر في المجتمع؛ يمكن لشخص أن يقوم بعمل يؤثر على الجميع. ثمة أحداث تجري في المجتمع، هناك عددٌ من أبناء هذا المجتمع لا ذنب ولا تقصير لهم في هذه الأحداث، إذاً فكيف يمكن القول: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ؟ يقول العلامة بأن هذا صحيح، وهنا أيضاً يمكننا القول: ﴿فَمِنْ نَفْسِكَ، سوی أنّ هذه النفس، تمثّل موجوداً واسعاً باسم المجتمع الذي اقترف جزءٌ منه ذنباً. فإذا أردنا تجنّب مثل هذه الذنوب، لا بد لنا من توخي الحذر الشديد، وهذا ما يحتاج إلی مراقبة ودقة عالية، وهذا ما يجب أن نتعلّمه من أجواء شهر رمضان، وأن نلقّن به أنفسنا، وأن نشعر بالمسؤولية حقاً أينما كنّا.

لقد وردت في نفس هذا الدعاء الوارد في أيام شهر رمضان طلباتٌ كثيرة من الله، وهو دعاءٌ جيّد جداً. إن وُفّقتم إن شاء الله لقراءته وإمعان النظر فيه، لوجدتم أنه دعاء عجيب، فإنه - علی ما هو المأثور عن الإمام (عليه السلام) - يعلّم الإنسان الطلبات التي لا تخطر بباله، ويعلّمنا المسائل التي نطلبها من الله، ومنها النجاة من هذه الأمور التي سأذكرها: النجاة من فقدان الدافع والشفاء من هذا المرض، والنجاة من غياب الحيوية والنشاط - وهذه أمورٌ لا تتبادر إلی أذهاننا بأنها من الأمراض التي يجب أن نسأل الله تعالی النجاة والشفاء منها - والنجاة من الغفلة، والنجاة من قساوة القلب أمام ذكر الله، ونصح المشفق الذي ينصح الإنسان طلباً للخير له. والعبارة هي: «وَأَذهِب عَنّي فیهِ النُّعاسَ، وَالکَسَلَ، وَالسَّأمَةَ ، وَالفَترَةَ، وَالقَسوَةَ، وَالغَفلَةَ، وَالغِرَّةَ ». هذه أمراض نسأل الله إنقاذنا منها.

﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ
حسناً، ما هي تأثيرات هذه الذنوب - مجموعة الذنوب هذه، وهناك ذنوبٌ أكبر- علی الإنسان؟ واحد من الآثار هو أن الإنسان إذا ما ابتُلي بذنبٍ، قد يزلّ ويقصّر في لحظة مفصلية حساسة. يقول تعالی في كتابه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُو[5]، ففي معركة أحد، أولئك الذين لم يتمكّنوا من الصبر والثبات، وراحت قلوبهم تهفو لاكتساب الغنائم لدرجة تغافلوا عن المهمة الخطيرة الملقاة علی عاتقهم، وبدّلوا الحرب المنتصرة إلی حرب خاسرة، ﴿اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُو، وأوقعتهم في هذه الورطة خطايا كانوا قد اقترفوها من قبل، وها هي تظهر الآن. هذه مرحلة؛ أي إن ذنوبنا تؤدي إلی أن لا نتمكّن من الصبر والمقاومة في لحظة حساسة مفصلية. نحن المسؤولين في هذه البلاد، بدءاً من هذا العبد الحقير، ومروراً بالمسؤولين في السلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية، ووصولاً إلی المراتب الأدنی من المسؤوليات، والجميع مسؤول، لو قمنا بعمل كانت نتيجته هي ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ، وأن تزلّ أقدامنا، ونعجز عن الاستقامة في اللحظات والمواقف التي يجب فيها الصمود والثبات، فإن هناك خطراً كبيراً يهددنا. هذه مرحلة.

المرحلة الأعلی والأنكی من الأولى، هي أن الخطيئة التي قد نقترفها، تؤدي  إلی أن نُصاب بالنفاق، وأن تختلف قلوبنا عن ألستنا. يقول تعالی: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ[6]، فأولئك الذين لم يفوا بما عاهدوا الله، ولم يلتزموا بما وعدوه، سيكون مصيرهم: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ، علماً بأن لهذه النتيجة آلية منطقية بالكامل، ولا يسمح المجال لأن أوضّح أنّ ذنباً واحداً  كيف يسوق الإنسان إلى النفاق.
 
التقوى سبيلُ العلاج
والمرحلة الأعلى والأسوأ من ذلك، هي أن تؤدي ذنوبنا وخطايانا وانحرافاتنا أحياناً - لا سمح الله - إلی تكذيبنا بما أنزل الله. ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ[7]. سبيل العلاج هو المراقبة، فلنراقب أنفسنا، وليكن لنا إشرافنا علی ذاتنا وعلی مجموعتنا، ولنرفع من دوافعنا ومحفّزاتنا، ولنراكم أعمالنا وتجاربنا، عمل دؤوب مع تجنّب المزالق، والخلاصة في كلمة واحدة؛ التقوی، التقوى. وهذا هو معنى التقوی التي هي فلسفة الصوم وغايته في شهر رمضان. فالتقوی هي مراقبة النفس، علينا أن نراقب أنفسنا علی الدوام. بالطبع فأنا المخاطَب الأول بهذه الكلمات، نحن جميعاً مسؤولون؛ فلنعرف قدر شهر رمضان.

أيها الإخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات! لنعرف قدر شهر رمضان الذين نحن فيه. فلقد جاءت وانقضت آلاف الآلاف من شهور رمضان على مدى التاريخ، وستأتي آلاف الآلاف من شهور رمضان التي لا نكون أنا وأنتم فيها، وبين هذه المليارات من شهور رمضان علی مر التاريخ، تمرّ علينا عدة أشهر أو عدة عشرات من هذه الأشهر، وسنوفّق لأن نشهد عشرين، أو ثلاثين، أو خمسين، أو ستين شهراً من شهور رمضان بين هذه المجموعة الرمضانية التاريخية، منذ سنّ تكليفنا وإلی آخر أعمارنا، فلنعرف قدرها. فلقد كان بيننا في شهر رمضان من العام الماضي أشخاص من أصدقائنا والمقربين لنا وافتقدناهم في هذا العام. ولا نعرف من سيكون منا في العام القادم ومن لن يكون، فاعرفوا قدر هذا الشهر، وهو شهر الاستغفار، وشهر التوبة، وشهر التذكر، وشهر التوجه إلی الله تعالی، شهر العبادة، وشهر البكاء، وشهر التعلّق بالأمور المعنوية.

كم من الشهور التي ستتعاقب واحداً تلو الآخر  ونحن سنكون تحت التراب[8].

إمكاناتنا تفوق بأضعاف..
فيما يتعلق بقضايا البلد، أودّ القول بأننا نشهد ظرفاً حساساً، يمر البلد في الفترة الراهنة بوضع مهم جداً. ولقد بيّن السيد رئيس الجمهورية الإجراءات، يجب متابعتها، ومواصلتها، وإكمال الناقص منها، وكلها إجراءات ضرورية ، وعلی سائر الأجهزة في البلد أيضاً أن تقوم بإجراءاتها. فإن أوضاع البلد في الوقت الراهن تشهد ظرفاً خاصاً، لا في هذا الشهر أو في هذه السنة، بل في هذه الحقبة وهذه المرحلة الزمنية بشكل خاص. لماذا؟ لأنه، من جهة، قد تفتّحت الأعين على إمكانيات البلد الهائلة. ففي بدايات الثورة، لم نكن علی علم واطلاع بالكثير من إمكانيات البلاد، ولم نكن نملك تجربة ومعرفة بها. واليوم نجد النائب في المجلس، والوزير، والمسؤول، والشخصيات الفكرية، وساسة البلد، قد اكتسبوا معرفة جديدة حول هذه الدائرة العظيمة التي تنطوي عليها بلادنا من الطاقات والإمكانيات، وهذا هو واقع الأمر. عندما أطالع المقالات التي يكتبها أصحاب الرأي، أجد أن الاهتمام بهذه الحقائق كبير والحمد لله. فالإمكانيات جبّارة، والبلد بلدٌ عظيم وعجيب.

قبل عدة أعوام قلت هنا، بأن شعبنا يشكّل نحو واحد بالمئة من سكان العالم، ومساحة بلدنا أيضاً تشكّل تقريباً واحد بالمئة من مساحة العالم، ولكن الإمكانيات التي منحها الله تعالی لنا، تفوق نسبة الواحد بالمئة بكثير، وحينها قلتُ بأنها تصل إلی ثلاثة أو أربعة بالمئة، وأخيراً بلغني تقرير بأنها تصل إلی نحو ستة أو سبعة بالمئة؛ أي إن إمكانياتنا تعادل ستة أو سبعة أضعاف متوسّط إمكانيات العالم، سواء من حيث عدد السكان، أو من حيث الطاقات الإنسانية، أو من حيث الإمكانيات والموارد الطبيعية. حسناً، هذا أحد أبعاد الأمر.

عداءٌ خاصّ!
من جانب آخر فإن لدينا أعداءً، بلدنا ليس بلداً مجرداً عن الهواجس والأعداء والمتربصين، نحن لدينا أعداء. بالطبع، فإن العِداء في البلدان والدول والقوی ليس بالأمر الجديد، ولكنه بالنسبة إلی الجمهورية الإسلامية هو أمر خاص؛ عداء خاص، لماذا؟ وما هو السبب؟ السبب هو أن الجمهورية الإسلامية هي ظاهرة لم يسبق لها مثيل في العالم، وهذا ما تراه القوی العالمية بكل دقة. لعلكم قرأتم أو سمعتم قبل عدة أعوام، في البلد الفلاني الذي يعادينا، قد تأسس مركز أبحاث يُعنی بالدراسة والبحث حول الإسلام والإسلام السياسي، وذلك ليعرف حقيقة هذه الظاهرة وماهيتها. فقد أُقيم نظام علی أساس الإسلام، وعلی أساس المباني الإسلامية التي تشمل مواجهة الاستكبار، ورفض الاستبداد والظلم والتمييز، وأكل الربا، والممارسات التي ترتكبها القوی العالمية في الوقت الراهن. لقد تأسس نظام على هذه المباني الفكرية والعملية، وأخذ يتنامی ويتجذّر ويزداد نفوذاً يوماً بعد آخر، لقد بذلوا قصاری جهدهم لإيقاف مسيرة تقدمه ولكن من دون جدوی. والآن هم يصرّحون بأنفسهم إن إيران هي الفاعل المطلق في المنطقة، وإن نفوذها لا يقاس بنفوذ أي بلدٍ آخر في المنطقة، هذا ما يقوله الأمريكيون أنفسهم، ولا أقوله أنا الآن للتفاخر والتباهي. حسناً، يوجد نظام كهذا؛ وهذا يعني أنّ هناك اليوم قوة جديدة أخذت تظهر وتتنامى علی الصعيد العالمي، وهي تتحدی المطامع الظالمة لقوی الاستكبار. وهذا هو السبب الذي يقف وراء معاداة الجمهورية الإسلامية، هذا العداء لم يشهده أيّ بلدٍ آخر. أجل، فإن هناك ــ كما ذكرت ــ اختلافاً بين الدول علی القضايا السيادية والحدودية، واختلافاً على المصالح والمبادلات التجارية، غير أن هذا النمط من العِداء مختص بالجمهورية الإسلامية. إذاً، فإننا من جانب قد عرفنا تلك الإمكانيات وأدركناها وأحصيناها، ومن جانب آخر، يواجهنا عدوٌ لدود حاقد.

مخططهم: إيقاف تقدّمنا
ولا بد من معرفة العمل الذي يريد العدو القيام به، لنتمكن من إعداد مسارنا وبرنامجنا الأساسي العام؛ بحيث تكون كل هذه البرامج والمشاريع الحكومية والسياسات التنفيذية منبثقة من تلك البرامج الرئيسية وتكتسب معناها في هذا الإطار، التفتوا إلى هذا الأمر. فإن هذه المشاريع التنفيذية لا بد من إنجازها، ولكن ينبغي النظر إليها في قلب تلك الرؤية العامة الشاملة، كي تصل الى أهدافها وتحقق نتائجها. فعلينا أن نعرف ماذا يريد العدو أن يصنع؟ وما هي خطته تجاهنا؟ لنقوم علی هذا الأساس برسم خطتنا للتحصين وإحلال الأمن والمحفاظة والحراسة في مواجهة العدو.

إن أردتُ بيان هذا الأمر في جملة مختصرة، أقول بأن "مخطط العدو هو أن يوقف قدرات الجمهورية الإسلامية، وذلك إما بالقضاء عليها أو الحؤول دون تناميها علی أقل تقدير". هذه هي خطة العدو. فما هو واجبنا حيال ذلك؟ واجبنا هو أن نضاعف قدراتنا ما استطعنا. لقد قلتُ مراراً وتكراراً في هذه الجلسة وفي جلسات أخری خلال الأعوام الماضية: يجب أن تصبح البلاد قوية مقتدرة، أي: زيادة مستوى قدراتنا المختلفة. فإن أنجزنا ذلك، حينئذ يمكننا أن نقول للناس بطمأنينة: "ناموا قريري العين" ويرتاح بالنا. وإن لم نضاعف قدراتنا، سنبقى في حالة قلق وتوتر.

فما هي الإمكانيات والقدرات التي نتمتع بها؟
لقد دوّنتُ هنا عدداً من المقدّرات التي تتعرض أكثر من غيرها لحملات العداوة:
الأول هو الإيمان الإسلامي. وهذا ما قد يثير دهشة البعض فيقولون بأن العالم المعاصر هو عالم حرية الفكر والعقيدة وأمثال ذلك! كلا, أيها السيد. إن أكثر ما يعادونه هو الإسلام الأصيل الذي قدّمه الإمام (رضوان الله عليه)، وهو مبنى الحكومة الإسلامية والجمهورية الإسلامية. فانظروا إلی الأعمال التي تجري اليوم في العالم لتحطيم سدّ هذا الإيمان في كل مكان وخاصة في نظام الجمهورية الإسلامية وفي أوساط الناس. إن كنتم من متابعي الشبكات الاجتماعية والفضاء الافتراضي، ستعرفون وتُدركون جيّداً ما أقول وأعني، حيث باتوا يستخدمون كل الطرق لتضعيف وضرب إيماننا الإسلامي. من نحن؟ هل المقصود أنا الشيخ  السبعيني أو الثمانيني؟  كلا. فإنهم غير قلقين كثيراً بالنسبة لنا، وإنما يستهدفون إيمان الجيل الذي يأتي بعدنا وجيل ما بعد بعدنا، وها هم يبذلون جهودهم في هذا المجال. إذاً فإن أحد مجالات اقتدارنا وقوتنا هو إيماننا الإسلامي؛ هذا من أهداف عداواتهم علينا.

والثاني الاقتدار العلمي، حتى لقد وصل بهم الأمر، لاغتيال علمائنا، لقد وضعوا الخطط، حتى استخدموا الأدوات الخبيثة المحظورة في جميع أنحاء العالم لإيقاف مسيرتنا العلمية. هذه الـ"ستاكس نت"[9] التي أرسلوها لضرب النظام السايبري للجمهورية الإسلامية قبل سنتين أو ثلاث، وكان يمكنها القضاء علی نظامنا النووي بأكمله، هذه جريمة؛ هي جريمة موصوفة علی الصعيد الدولي، وكان بالإمكان الادعاء على المرتكبين لهذه الجريمة وملاحقتهم ومقاضاتهم في المحاكم الدولية، ولكننا لم نفعل ذلك وللأسف. لقد وصلوا في عدوانيتهم إلی هذا المستوی. وهم يعارضون التقدم العلمي الذي يمثل الاقتدار العلمي بكل قوة. وهذا باعتقادي هو السبب الرئيس الذي يقف وراء الضغوط علی القطاع النووي، حيث نجدهم يكرورن القول بأن إيران تمتلك القنبلة الذرية والنووية، هم نفسهم يعرفون بأنهم يكذبون، وسأتناول الحديث لاحقاً حول الملف النووي باختصار.

والاقتدار الاقتصادي الذي سأتعرض له فيما بعد. والاقتدار الدفاعي الرادع، وهذا ما يعارضونه أيضاً بكل قوة. إذ لا بد أن يكون البلد كالقلعة التي تهدّمت جدرانها، ليمكنهم فعل كل ما يحلو لهم. فإن كانت أجهزتنا وقطاعاتنا تتمتع بقدرات دفاعية، وقدرات هجومية مضادة، تكون قد شيدت سوراً  منيعاً حول هذه القلعة، وهذا ما هم يعارضونه ويرفضونه. التصريحات والهجمات التي يطلقونها بشأن الصواريخ وما شاكل، تعني: رفض القوة الدفاعية.

وكذلك الاقتدار السياسي الوطني؛ أي الاتحاد والانسجام بين أبناء الشعب. ولطالما ذكرتُ بأن الاختلاف في التوجهات السياسية لا إشكال فيه، والحبّ والبغض لزيد وعمرو لا بأس فيه، إنما الإشكال يكمن في نشوب الاختلاف بين الناس حول مباني حركة البلاد الأصلية والعامة، هنا الإشكال، ويجب علی السياسيين والنخب الاجتماعية أن يحولوا دون وقوع ذلك. ولحسن الحظ فإن الاتحاد قائم اليوم، وهو موجود منذ انطلاقة الثورة الإسلامية. وهذا لا يعني أن الثورة ويوم انتصارها لا يوجد لهما معارض، بل هناك من يعارضهما، غير أن غالبية الشعب وقاطبته قلوبهم متعلقة بالثورة ومظاهرها ومعالمها وذكرياتها، وتهوى اسم الإمام الخميني وذكراه، هذه نعمة عظيمة جداً، وهذا هو الاقتدار السياسي لشعب ما.
الاقتدار الحاصل من كون مجتمعنا مجتمعاً شابّاً؛ هذا الأمر الذي لا يتم الالتفات اليه. منذ أعوام وأنا أحذّر من قضية تحديد النسل وما شاكلها بشكل متواصل، ولحسن الحظ فقد أُنجزت بعض الأعمال، وحقق بعض المسؤولين إنجازات جيدة في هذا الشأن، لكن ذلك العمل الذي لا بد من القيام به بشكل كامل لم يتم إنجازه بعد. فإن مجتمعنا الشابّ اليوم هو ظاهرة ونعمة، لأن الشابّ مصدر للحركة ومنبع فياض للحيوية والحركة والنشاط والابتكار والإبداع والتجدد، وهو الذي يقوم بإنجاز الأعمال. إن افتقدنا هذه الظاهرة الشبابية بعد عشرين عاماً ستتضرر البلاد وتخسر الكثير، -لأن الشباب لا يمكن استيراده!- ولا بد أن نمنع هذ الأمر من الآن. وهذا الكلام الذي قد يشيع أحياناً - وأنا لم أتحقق منه بالضبط وليس لدي اطلاع دقيق - من استمرارية بعض المناهج السابقة المغلوطة في بعض الأماكن كإسقاط الجنين ونحو ذلك، إن كانت صحيحة، فإن مسؤوليتها تقع علی عاتق رجال الحكومة المعنيين، وعليهم متابعتها. وعليه فقضية الوجه الشبابي لشعبنا تعتبر من القدرات العظمية والهامة جدّاً.

النتيجة: يجب معرفة العدو!
إذاً فالعدوّ موجود، وهذه القدرات أيضاً متاحة في الوقت الراهن، وقد أصبحت عرضة لحملات العدو. فما هي النتيجة؟ النتيجة هي التي ذكرناها دوماً: يجب معرفة العدو، التعرف الى أساليب عمله، والاطلاع علی النقاط التي يريد العدو التسلل والهجوم منها وإغلاقها أمامه. كالحرب العسكرية تماماً، ففي الحرب العسكرية يقوم المتخصصون بالاستطلاع الميداني، والاستطلاع عن العدو، ويقدّرون أو يطّلعون على نيات العدوّ، وأنه يريد الهجوم من هذا الموقع، فيغلقونه ويحصّنونه. إن هذه الحرب القائمة اليوم في الميادين السياسية والاقتصادية، أقوى وأخطر من الحرب العسكرية، وأوسع نطاقاً. ولذا يجب معرفة نقاط تسلل العدو ونفوذه؛ هذا واجبُ الجميع.

حسناً، الآن ينبغي لنا أن نحدد من هو العدوّ؟ قلنا بأن لنا عدوّاً، فمن هو هذا العدوّ؟ يقف العدو نفسه أمام أعيننا  مكشوفاً وبكل وضوح، ولا حاجة لأن نبحث عنه؛ العدو هو شبكة الاستكبار والشبكة الصهيونية. شبكة الاستكبار التي تقف الولاياالعدو. نفسه أمام أعيننا عارياً مجرداً بالكامل، ولا حاجة لأن نبحث عنه، فالعدو هو شبكة الاستكبار والشبكة الصهيونية.. ت المتحدة الأمريكية على رأسها، والشبكة الصهيونية ومظهرها الكيان الصهيوني اللقيط المتسلط على فلسطين المحتلة. هذا هو العدوّ وهو لا يُخفي عِداءه ، أمريكا لا تخفي عداءها. قد يقوم الرئيس الأمريكي مثلاً في عيد النوروز بفرش سفرة "هفت سين"[10] ولكنهم في الوقت ذاته يسقطون طائرة الركاب المدنية، ويصوّتون في الكونغرس الأمريكي علی كل ما يمكن استخدامه ضدّ الجمهورية الإسلامية والرئيس الأمريكي أيضاً يوقّع عليه وينفّذه. فإن مقام الكلام والمجاملة والحوار والابتسامة الدبلوماسية مقام آخر، يختلف عن مقام العمل، بل ويختلف حتی عن مقام التصريحات السياسية. انظروا اليوم إلی ما يقوله الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية الأمريكي ومسؤولو الاستخبارات الأمريكية ووزير الحرب الأمريكي وأمثالهم حول إيران، ليس كلام صديق، وإنما هو كلام عدوّ حاقد. والصهاينة أيضاً حسابهم واضح. هذا هو العدو.

أمريكا هي هي
قبل عدة أيام صرّح وزير خارجيتنا المحترم تصريحاً جيّداً في المجلس – وأنا قرأتُه في الصحف- حيث قال إنّ ذات أمريكا لم تتغيّر، لقد صدق فيما قال، فإن أمريكا هي ذاتها التي كانت عليه في عهد ريغان من دون أيّ تغيير، وهي ذات العدو نفسه. أجل، فهناك الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، وكلٌّ يرمي الكرة في ساحة الآخر، إلا أن أمريكا هي هي. وهذا الكلام الذي قاله في مجلس الشوری الإسلامي صحيح جداً.

ثمة تصوّر خاطئ موجود وهو أنّ «بوسعنا مسايرة أمريكا ومساومتها لمعالجة مشاكلنا»، إنّ هذا تصوّر غير صحيح. فلا يمكننا الاعتماد على الأوهام، وإنما يجب الاستناد إلی الحقائق. أولاً وكما ذكرتُ، لا يحظى نظامٌ كالجمهورية الإسلامية من الناحية المنطقية بمحبة ولطف نظامٍ كالنظام الأمريكي أبداً، هذا غير ممكن أبداً. وثانياً: على مستوى سلوكهم، انظروا الى ما قبل خمسين أو ستين عاماً، ومنذ انقلاب 28 مرداد (19 آب)، وبعد ذلك في عهد النظام الطاغوتي، وبعده منذ اندلاع الثورة وحتی يومنا هذا، كيف كان سلوك أمريكا تجاهنا؟ ففي عهد النظام الطاغوتي، كانت أمريكا تنظر إلی النظام البهلوي باعتباره ثروة! ومع ذلك فإن الضربات التي سدّدتها أمريكا لإيران في تلك الفترة كانت ضربات مؤثرة قاضية، والمطّلعون علی التاريخ وعلی اوضاع الحياة في تلك الفترة، يعرفون ويصدّقون هذا الكلام بالكامل. والقضية بعد الثورة واضحة أيضاً، فقد شَرَعوا منذ اليوم الأول بأعمالهم الخبيثة والواضحة، وواصلوا نهجهم هذا حتی اليوم، إذًا فالقضية ليست سوء تفاهم. إذ قد يحدث سوء التفاهم بين دولتين، ويمكن حلّه بالتفاوض، وتارة يقع الاختلاف علی ترسيم الحدود، فيتّفقان بينهما مثلاً بأن هذه المساحة الحدودية لي وهذه لك، وهذا ما يمكن معالجته بالتفاوض، وتسوية القضية بالتناصف، ولكن لا يمكن هنا معالجة الأمر من خلال التناصف، وإنما القضية هي أساس وجود الجمهورية الإسلامية، وهذا ما لا يمكن حلّه بالتفاوض وإيجاد العلاقات، وهو تصوّر خاطئ. وإن ما أنتجه الاقتدار والاستقلال والتقدم الناتج عن الإسلام والمتوافق معه كظاهرة في العالم، لا يستطيع الاستكبار المتجسّد في أمريكا تقبّله. وهذا تصوّر خاطئ "أن نزعم بإمكانية الاجتماع مع الأمريكيين والقول لهم: تعالوا لنتصالح معاً بشكل من الأشكال". فالمصالحة لا تحصل مع أمريكا إلا بالتخلي عن مبادئكم.

سياستها: هضم سياسات العالم!
قبل سنتين أو ثلاث، وفي أوائل انطلاق المفاوضات النووية، ذكرتُ أنّ علی الأمريكيين أن يقولوا لنا من الآن: إلی أين ينبغي أن تتراجع الجمهورية الإسلامية حتی يوقفوا عِدائهم!؟ فليقولوا؛ إن تمت معالجة القضية النووية، هل سينتهي الأمر؟ هذا الملف النووي قد توصّل اليوم إلی الحل، فانظروا هل انتهی الأمر؟ أم تطرح قضية الصواريخ، ولو تعالجت قضية الصواريخ، ستطرح قضية حقوق الإنسان، ولو تعالجت قضية حقوق الإنسان، هناك قضية مجلس صيانة الدستور، ولو تعالجت قضية مجلس صيانة الدستور، ستطرح قضية أصل القيادة وولاية الفقيه، ولو تعالجت قضية ولاية الفقيه، ستظهر قضية أصل الدستور وحاكمية الإسلام. فالصراع لا يدور حول قضايا جزئية. ولذا فهذا التصوّر تصوّرٌ خاطئ.

ولقد دار الكلام معي كثيراً في هذا الشأن، وكان العديد من الأصدقاء يظنون، عن عقيدة ورغبة، بإمكانية هذا الأمر، اجتمعنا وتحدثنا على مدى هذه السنوات، لكنهم اعترفوا بعد ذلك - ليس أمامي بل في غيابي ولدى اجتماعاتهم الرسمية لاتخاذ القرارات - بأن الاستدلال الذي يطرحه فلان لا جواب له، وقد صدقوا فيما قالوا، فإنّ الاستدلال الذي أطرحه في هذا المجال لا جواب له. الأمر هكذا بالنسبة لنا، وكذلك بالنسبة للكثير من البلدان الأخرى أيضاً التي لا ينسجم الأمريكيون معها . التفتوا واعلموا بأن سياسة أمريكا الأساسية هي "هضم" قوى وسياسات العالم داخل "معدة "السياسات الأمريكية، وهذا لا يختص بنا فقط. على الرغم من أن لنا خصوصية في هذا الشأن، وثمة عداء خاص يمارَس ضدنا، غير أن هذا الأمر نفسه جارٍ حتى بالنسبة إلى البلدان الأخرى. الأمر هكذا في المجال السياسي، وكذلك في المجال الاقتصادي، وفي المجال الثقافي أيضاً. حيث نجد الشركات الأوروبية المنتجة للأفلام قد ارتفع صراخها اعتراضاً على سيطرة هوليوود وعلى التسلط الثقافي!. فرنسا ليست جمهورية إسلامية! هذه هي سياسة أمريكا. ولطالما قالوا هذا، ولا يزالون يكررون قولهم، هذان المرشحان للرئاسة الأمريكية[11] أخذا يتسابقان مع بعضهما البعض على القول إنّ أمريكا هي سيدة العالم وهي الفاعل المطلق فيه. وقبلهما بوش الأب، حين سقط الاتحاد السوفياتي، قال متغطرساً: نحن اليوم نمثل القوة العظمى والوحيدة في العالم، وعلى الآخرين أن يتماشوا معنا، ونحن من نقوم بتحديد النظام العالمي. لاحظوا؛ هذه هي سياستهم. حسناً، هذا عدوٌ، فكيف يمكن مسايرته والتصالح معه؟

... بل هناك دوافع أخری خلف الكواليس
وأقولها لكم: يخال البعض بأن حالات العداء ضدنا يعود سببها إلى أننا قاومناهم ونواجههم، ونفقأ عينهم على الدوام، ولذلك يعادوننا. كلا، هذا أيضاً خيال باطل وتصوّر خاطئ. نحن لم نكن البادئين. ففي بداية الثورة، حين تم اعتقال الأمريكيين، ومضت عدة أيام على ذلك، أمر الإمام بأن يعودوا إلى سفارتهم بالحماية الكاملة، وإلا فقبل اقتحام السفارة الأمريكية -الذي كان له أسبابه ومقدماته- كانوا يعيشون في هذا البلد بأمان كامل، وكانوا يترددون فيه بكل سهولة، ويمارسون أعمالهم الخبيثة كذلك. فنحن لم نكن البادئين، وإنما هم الذين بدأوا، بالتصريحات السيئة والمهينة، وفرض الحظر، والمطالبة بدعم وتشجيع أعداء الشعب الإيراني، فكانوا هم البادئين. ناهيك عن أن الأمر لا يختص بأمريكا، بل هناك بلدان أخرى، فعلى سبيل المثال ما هو العداء الذي أبدته الجمهورية الإسلامية ضد فرنسا؟ بل إن الدولة الفرنسية وبسبب بقاء الإمام الخميني مدة من الزمن فيها، حظيت حتى بإشادة القوى الثورية، ورغم ذلك فإنكم تشهدون ماذا يصنعون، ورأيتم في القضية النووية كيف لعب الفرنسيون دور الشرطيّ السيّئ - علماً بأن إدارة الخطة كانت بيد أمريكا وهذا واضح، غير أن فرنسا اتخذت أسوأ المواقف في الملف النووي - فما الذي فعلناه مع الفرنسيين؟ وهل عاديناهم؟ أو أنّ بلداً صغيراً كهولندا مثلاً، تجدونه في كل قضية لها صلة بالجمهورية الإسلامية، ضمن قائمة الأعداء! ولكن ماذا فعلنا مع هولندا؟ وما هو عداؤنا تجاهها؟ فهو بلدٌ صغير في زاوية من زوايا أوروبا. إذًا فالكلام لا يحوم حول أننا نعاديهم ونواجههم. أو كندا على سبيل المثال التي قطعت علاقاتها معنا، فهل كنا قد عاديناها وخاصمناها؟ ليست هذه هي القضية، وإنما هي شيء آخر. فلا ينبغي لنا أن نخادع أنفسنا ونقول: "أيها السيد؛ لِنوقِفْ عداءنا، فيكفّوا عن عدائهم". كلا، بل هناك دوافع ومسائل أخرى خلف الكواليس، وقد بيّنت جملة منها.

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ
والآن ما هو واجبنا؟ الواجب هو تحصين البلاد، هذا واجب على عاتق المسؤولين. فإن كل الأعمال التي أنجزتها الحكومة أو التي تريد إنجازها في المجال الاقتصادي ونحوه، بحاجة إلى أن تكون البلاد في حصانة وصيانة، فما هي وظيفتنا لإيجاد هذه الحصانة، أو العمل على زيادتها إن كانت موجودة؟ يجب علينا أن نزيد ونضاعف هذه القدرات التي أشرت إليها، يوماً بعد آخر. وهذا هو الذي ورد في القرآن الكريم: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ومن رِبَاطِ الخَيل[12]. فالقوة تشمل كل هذه الأمور، ولا تختص بالبندقية والسلاح وما شاكل، وهي أعم من القوة المادية والمعنوية، والقوة الاقتصادية والعسكرية، والقوة العلمية والقوة الأخلاقية. ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ. فهذا هو العمل الذي يجب علينا إنجازه، علماً بأنه يقع على عاتقنا؛ أي إن الذي يجب عليه التصدي لهذا العمل، هو نحن المسؤولين، والناس يتبعون خطواتنا وينزلون إلى الساحة ويقومون بأعمالهم. إذاً يجب أن نزيد من القدرات والإمكانيات.

والزيادة هذه تشمل: تقوية الإيمان الإسلامي، وهي من واجب الحكومة، والحوزات العلمية، والأجهزة الإعلامية، ووزارة الإرشاد (الثقافة)، ومنظمة الإعلام الإسلامي. يجب عليكم تقوية الإيمان الإسلامي، وهو واجب على كل من له علاقة وتواصل بالشباب، كالجامعات ووزارة التعليم والتربية. وهذه مهمة كبرى تقع على عاتق هؤلاء جميعاً، ويجب عليهم التصدي لها.

 الاقتدار العلمي؛ وهو واجب وزارة العلوم ومراكز الأبحاث والدراسات. ولتحاول الأجهزة التي تتولى تعزيز الجانب العلمي، أن تنأى بنفسها عن القضايا الهامشية، إذ أحياناً ما يشاهد المرء نشوب خلافات هامشية في بعض هذه الأجهزة. ومن المفترض أن يكون جميع السادة المسؤولين عن هذه القطاعات حاضرين هنا، فليسمعوا: أبعدوا أنفسكم عن القضايا الهامشية، وتصدّوا للقضية الأساسية وهي تعزيز العلم. وتشمل[هذه القضية الاساسية] الجانب الاقتصادي أيضاً، وسأتحدث قليلاً حول الاقتصاد، والوقت أيضاً قد أدركنا. وتشمل الدفاع كذلك، وعلى كافة الأجهزة المعنية بالقطاع الدفاعي - بما فيها وزارة الدفاع، والجيش، والحرس الثوري - أن يبذلوا قصارى جهدهم فيما يخص الجانب الدفاعي. وتشمل قضية الشباب التي تطرقنا لها، والجيل الشاب، واستثمارهم، وتعزيز الشباب المتسم بالحيوية والاندفاع.

دوماً ما كنتُ أدعمهم!
لقد تحدثت في مرقد الإمام الخميني[13] (رضوان الله تعالى عليه) وطرحت بعض الأفكار والعبارات حول الشباب المؤمن الثوري، فأثار البعض ضجيجاً في الخارج! وعمدوا إلى ما يسمى بإفشاء الأسرار؛ أنّ فلاناً يقوم بتقوية الشباب الثوري. غير أن هذا لا يعتبر إفشاءً للأسرار، فإنه أولاً ليس بالشيء الجديد، وإني دوماً ما أفعل ذلك، وسأفعله بعد الآن أيضاً. وثانياً ليس بالأمر الخفي، بل هو جليّ بيّن، فإني دعمتهم مراراً وتكراراً، وهذا واضح، وإني أحبّ الشباب الثوري المتدين الحاضر في كل أرجاء البلد، وهذا هو واجبنا. إذ لا يمكننا من الناحية القِيَمية، أن نعتبر الشاب الذي يقضي شبابه وقوته وطاقته ودوافعه في سبيل أهداف النظام العليا، والشاب الذي يلهث وراء الشهوات والمظاهر الارستقراطية وأمثال ذلك، على حد سواء. أجل، فإنهم جميعاً من حيث الحقوق الاجتماعية سواسية، ولكنهم من حيث المبادئ لا يستوون أبداً. فإن الشاب الذي يكدّ، ويسعى، وينفق وقته، وطاقته، وأحياناً أمواله المتواضعة -وهذا ما هو موجود ونتابعه ونعرفه- في سبيل الأهداف والجهاد، من الواضح أنه يختلف عن غيره. أنا دوماً كنتُ أدعمهم، وسأدعمهم بعد الآن أيضاً.

والآن أودّ أن أنبّه إلى نقطتين؛ الأولى قضية الاقتصاد التي تعرض لها السيد الدكتور روحاني لحسن الحظ، وبدوري سأستعرض بعض النقاط فيها، والثانية هي قضية "برجام" (برنامج العمل المشترك) للاتفاق النووي.

في قضيّة الاقتصاد:
نحن نعاني في الجانب الاقتصادي من بعض المشاكل، والبلاد تشهد في القضايا الاقتصادية معضلات أساسية، على أمل أن تتم معالجتها بإذن الله من خلال برامج الحكومة والأعمال التي تريد إنجازها. وأهم هذه المشاكل هي الركود الاقتصادي، وقضية فرص العمل والبطالة. هذه هي الأهم. وعلينا التصدّي لها، والاهتمام بها. فإن الركود قضية بالغة الأهمية. وإني حينما أنظر إلى هذا الجانب -وهذا ما ذكرته للحكومة السابقة أيضاً- أجد أن المشاكل، وقبل أن تكون ناتجة عن الحظر، هي ناجمة عن السياسات والخطط الإدارية، وهذا ما يمكن للمرء مشاهدته في هذه الحكومة، وفي الحكومة السابقة كذلك، وفي الحكومة الأسبق أيضاً. فإن كانت برامجنا وخططنا جيدة وسليمة، فالعقوبات- ولا نقول إنها تفقد كل تأثيرها- بل يتضاءل تأثيرها إلى حدٍّ كبير. فلا بد من تنظيم البرامج وترتيبها وإمعان النظر فيها.

وإن من الأمور الهامة بشكل خاص في المجال الاقتصادي، والتي تتسبب إلى حدّ كبير في معالجة الركود وتوفير فرص العمل، هي الاهتمام بالصناعات الصغيرة والمتوسطة في القطاع الصناعي. حيث قرأتُ في الصحف عن لسان وزير الصناعة المحترم قوله في المجلس: إن أوضاع الصناعة مأساوية - وأنقل لكم مضمون العبارة ولا أذكر العبارة بالضبط - والمأساة هذه تعود في الأغلب إلى الصناعات الصغيرة والمتوسطة. فلا بد أن يدخل إحياء هذه الصناعات ضمن برامج الحكومة الأساسية، وهو يعتبر من أركان الاقتصاد المقاوم. وإن من المسائل التي يجب أخذها بعين الاعتبار، هي إمكانيات المعامل والمصانع التي تفوق أداءها بعدة أضعاف؛ أي إنها تعمل دون مستوى إمكانياتها وطاقاتها بكثير.

والنقطة الأخرى هي قضية الأولويات، فلا بد في اتخاذ القرارات الاقتصادية أن نأخذ الأولويات بنظر الاعتبار. فأحياناً ما يكون عملٌ ما ضرورياً وهاماً للغاية، ولكنه لا يتسم بالأولوية؛ بمعنى أن هناك عملاً أكثر منه ضرورة. وهذه قضية باعتقادي فائقة الأهمية. فإني أحمل تجربة الحكومة، حيث كنتُ على رأس الحكومة من جانب، وتعاملت بعدها مع العديد من الحكومات من جانب آخر. فإن وزراءنا الأعزاء المحترمين "كلٌّ يجرّ النار إلى قرصه"، علماً بأنّ هذا هو تكليفهم وواجبهم بأن يدعموا قطاعهم، ونحن لا نذمّ ذلك. فإن وزير الزراعة، ووزير الصناعة، ووزير الطرق والمواصلات، ووزير الطاقة، كلٌّ بطريقة يسعى إلى جرّ إمكانيات البلد وميزانيته إلى جانبه، ولكن لا بد هنا من النظر إلى الأولويات. ولو افترضنا أن أموالنا المجمّدة في البنوك الأجنبية قد استُعيدت - ولم يتم استعادتها بالطبع حتى الآن، وليس من المعلوم متى سيتحقق ذلك، وسوف أتعرض لهذا الموضوع - ففي أيّ مجال سننفقها؟ وهذا أمرٌ بالغ الأهمية. فلا بد من مراعاة الأولويات. ولأضرب الآن مثالاً، ويبدو أني ذكرت هذا المثال للوزير المحترم نفسه، فلنفترض أن أسطولنا الجوي بحاجة إلى تحديث وتجديد، وهو عملٌ هام وضروري، ولكن هل يشكل الأولوية؟ وهل يتصدّر الأولوية في البلد؟ أو أن نقوم على سبيل المثال بشراء ثلاثمئة طائرة، ولكن ليس من المعلوم أنه يمثل الأولوية. وهذا ما تجب دراسته، وإني بالطبع لا أعطي رأياً تخصصياً فيه، وإنما أنبّه لوجوب إنجاز الدراسات التخصصية في هذا المجال، ولمراعاة الأولويات. هذه هي إحدى القضايا التي تقع على جانب كبير من الأهمية.

ومن المسائل البالغة الأهمية؛ الاهتمام بالشركات المبنية على المعرفة، فإن هذا سيتقدم بنا إلى الأمام. لأن هذه الشركات فيها علمٌ واقتصادٌ كذلك. والاهتمام بها يعتبر من أكثر الأعمال أساسية، ومن الأولويات التي يجب التصدي لها. علماً بأن بعض هذه الشركات تقدّم لنا الشكاوى في تقاريرها، وهذه نقطة يجب على المسؤولين أخذها بعين الاعتبار.

ومن الأعمال الهامة والواجبة الأخرى، هي الحؤول دون إبرام الاتفاقيات غير الضرورية. فقد بلغتني التقارير بأننا بعد القضية النووية، وقّعنا على اتفاقيات تبلغ نحو 2.5 مليار دولار، علماً بأن المباحثات والتفاهمات ونحوهما تفوق ذلك، بيد أن الذي تم التوقيع عليه -بحسب التقرير الذي بلغني- يصل إلى ما يقرب من 2.5 مليار دولار، ونظرت فيها، فوجدت أنها تتعلق على سبيل المثال بالطاقة الشمسية، ولكن هل تعتبر هذه هي الأولوية؟

ولو كانت هناك حقاً مصادر مالية أجنبية أو كان هناك تمويل، يجب علينا أن نفتش عن الأولوية لنستثمرها في ذلك الموقع، ولو أراد أحدٌ استثمار رؤوس أمواله هنا، فلنقل له إنّنا نحتاج إلى الاستثمار في هذا القطاع. ولا يكون بحيث يستطيع أن يستثمر أمواله حيثما شاء. هذه أيضاً قضية.

والقضية الهامة الأخرى هي الحؤول دون الاستيراد الضارّ الذي كررته في الآونة الأخيرة لعدة مرات. وهو الاستيراد الذي يوجد له مثيل في الداخل، أو الاستيراد الذي لا يدخل في عداد الاحتياجات الأولى والحالية للبلاد. فما هي الحاجة مثلاً إلى استيراد السيارات الفاخرة بالسرعة الفائقة؟ يقولون إن الذي يستوردها هو القطاع الخاص، ولكن بمستطاع الحكومة أن تحول دون ذلك بشتى الأساليب كالرسوم والجمرك وغيرها. فلا ينبغي إهدار مصادر البلاد المالية -بما فيها أنواع التمويل والأموال المجمدة التي يتم استعادتها-. فإن الصناعات المعطّلة، والاقتصاد القائم على المعرفة، وتبديل الآلات القديمة البالية في صناعاتنا، تدخل في عداد الأولويات.

وكذلك القطاع الزراعي الذي يسوقنا إلى الاكتفاء الذاتي، ولحسن الحظ فإن التقرير الذي قدّموه هذا اليوم، يدل على أننا تقدّمنا في هذا المجال. علماً بأنه لم يصلني تقرير عن ذلك.

وكذا قطاع البترول، فإن إنتاج النفط بنسبة عالية، يعتبر نقطة إيجابية في ثقافة النفط وبيعه وسوقه. وإن من المطلوب الزيادة في الإنتاج وفي الصادرات النفطية، والبلد أيضاً بحاجة إلى ذلك، وهذا مما لا شك فيه، ولكن العمل الأفضل والمطلوب، أن نجعل النفط يكتسب قيمة مضافة. فإن النفط الذي نستخرجه من الآبار، ونبيعه، ونستلم الأموال في قباله، لا يحمل أي قيمة مضافة، بل ويقلّ يوماً بعد آخر. ولو استطعنا أن نبدّل النفط أو الغاز إلى منتجات ذات قيمة مضافة للبلد، فهو أمرٌ مطلوب. ولتقم سياستكم -إلى جانب الأعمال التي يتم إنجازها لإنتاج النفط وبيعه وإصلاح آباره وما شاكل ذلك- على أساس إمكانية إنتاج مشتقات البترول وتصديرها وتصدير البنزين أيضاً. فلماذا يجب علينا استيراد البنزين؟ إن من الأمور التي تُشعر المرء بالخجل إذا ما فكّر فيها أحياناً، هي استيراد البنزين. فإن الجمهورية الإسلامية تتمتع بكل هذا المخزون النفطي - الذي تفتخر به دوماً أمام شعبها وأمام العالم بأنها تمتلك أكبر احتياطي من النفط والغاز معاً في العالم، وهذا هو واقع الأمر - وإذا بها تستورد البنزين والغازوئيل! فلا بد أن نعمل ما من شأنه الاستغناء عن استيراد الغازوئيل والبنزين، والقيام بإنتاج المشتقات وتصديرها. أو أن نقوم في قطاع الغاز، بتفعيل الصناعات البتروكيماوية التحويلية، فإن الصناعات الأساسية جيدة وقد قدّمت إنجازات مطلوبة ولحسن الحظ، ولكن ينبغي تفعيل الصناعات التحويلية، وهذا سوف يؤدي إلى توفير فرص العمل.

والمكافحة الجادة للتهريب بأساليب جهادية ثورية. فإن التهريب قضية بالغة الأهمية، ولا يمكن تسيير الأمور في هذا الجانب بالخفة والتبسيط والتراخي في العمل وأمثال ذلك، بل لا بد من عملٍ جهادي ثوري حاسم.

وفي ما يخص الاقتصاد المقاوم الذي نكرّره دوماً، يقال إنه بحاجة إلى مصادر مالية ونحن لا نمتلكها. وباعتقادي يمكن توفير هذه المصادر لانطلاقة حركة الاقتصاد المقاوم، ولحسن الحظ فقد بدأت أعمال جيّدة في هذا المضمار. ويقال إن إيداعات الناس في البنوك بالعملة الصعبة والعملة الوطنية تشكّل رقماً باهظاً. ولأني لم أرَ أصل التقرير، وإنما نقلوا لي ذلك، لا أذكر الرقم، لئلا يحصل خطأ في النقل، إلا أنه رقم كبير جداً. والواجب علينا توجيه وهداية هذه الموارد، فإن من مهام أجهزة الحكومة الاقتصادية، هي هداية الموارد وتوجيهها بالاتجاه الذي يريد الوصول إليه، وبالاتجاه الذي يصبّ في مصلحة البلد، وذلك من خلال أنواع التشجيع والرعاية وأمثالها، وهذا أمرٌ في غاية الأهمية. وعلى المجلس بالطبع أن يساهم في هذا الموضوع. إذاً فهذه هي الأعمال الرئيسة التي يجب إنجازها في الاقتصاد المقاوم، فإن فيه واجبات ومحظورات، ولا بد من النظر إلى واجباته والنظر إلى محظوراته كذلك، وبمجموعها يتحقق الاقتصاد المقاوم الذي نأمل أن يتقدم إلى الأمام إن شاء الله.

بالنسبة للاتفاق النووي:
ولنتجاوز الآن عن هذه القضية إذ لم يبق وقتٌ للغروب، ولنتناول موضوع الاتفاق النووي. إن لهذا الاتفاق مؤيدين ومعارضين، وباعتقادي إن كلا الفريقين يبالغ ويضخّم المسألة، فكلمات المؤيدين في الثناء والإطراء على الاتفاق فيها تهويل، وانتقادات المعارضين أيضاً فيها مبالغة وتضخيم أحياناً، وبرأيي كلام كلا الفريقين ليس في محله.

ففي الاتفاق النووي نقاط إيجابية، ونقاط سلبية، وفيه محاسن وعيوب. فمحاسنه هي التي حثّتنا وشجّعتنا على التوجه نحو المفاوضات، وتعلمون بالطبع أن هذه المفاوضات بدأت قبل الحكومة الحادية عشرة، وذلك لنفس هذه المشجّعات [محاسن]. أي إنّ هناك محاسن كانت تتبادر إلى ذهن الإنسان في هذه العملية، غير أنها لم تتحقق بالكامل، بل لم يتحقق الكثير منها، ولكن كانت هناك محاسن بالتالي، وكان الإنسان يشعر أنه قد تفضي هذه العملية إلى هذه النتائج الحسنة. فانطلقت هذه المفاوضات، واتسعت رقعتها وزادت نشاطاتها بالطبع في حكومة السيد روحاني.. هذه هي المحاسن.

ولكن ما هي العيوب؟
إنها هي الأمور التي كنا نخشاها دائماً ونؤكّد عليها مراراً وتكراراً ونقول: إن الجانب الآخر ناكثٌ للعهود، وسيّئ النية، ينقض وعوده، ولا يفي بتعهداته، ولا يعمل بالتزاماته.. هذه هي العيوب. والاتفاق النووي ينطوي على ثغرات، تؤدي إلى إمكانية بروز هذه العيوب، ولو كانت قد أُغلقت، لقلت هذه النقاط السلبية أو لزالت بالمطلق.

وما أقوله بشأن الاتفاق النووي، لا يرتبط بهؤلاء الإخوة الأعزاء الذين شاركوا في المفاوضات مطلقاً، فإنهم قد أنجزوا مهمتهم، وبذلوا سعيهم، وجدّوا واجتهدوا حقاً. وهذا ما كان على مرأى ومشهد منا، حيث ذهابهم وبقاؤهم هناك - وأظن أنهم في العام الماضي قضوا مدة من شهر رمضان في تلك البلاد - وهذا ما يستلزم عناءً مريراً، وقد تجشّموا هذا العناء. راجياً أن يقع عملهم هذا مرضياً عند الله تعالى، ونحن كنا وما زلنا ندعو لهم، وإنما أقصد في كلامي الجانب الآخر الذي يواجهنا في المفاوضات.

إذا مزّقوه فنحن سنحرقه!
وأما فيما يخص الاتفاق النووي نفسه، وهذه الوثيقة، فإنها - كما ذكرت - تنطوي على ثغرات وفجوات وزوايا كثيرة الغموض والإبهام أدت إلى أن يتمكن العدو والطرف الآخر من سوء استغلالها. بالتأكيد، نحن لا ننقض الاتفاق النووي بادئ ذي بدء، فليعلم الجميع ذلك! نحن لا ننقض الاتفاق، ولكن لو قام الجانب الآخر بنقضه، كما نشاهد التهديد المتواصل لهؤلاء المرشحين لرئاسة الجمهورية في أمريكا بأننا نمزق الاتفاق النووي وننقضه، إذا مزّقوا الاتفاق فنحن سنحرقه!. أما أننا لا ننقض الاتفاق، فهذا يستند إلى التعليم القرآني القائل: ﴿أَوْفُوا بِالْعَهْدِ[14]، حيث أبرمنا معاهدة بالتالي، ولا نريد نكثها. وأما أنهم لو نقضوها، سننقضها نحن أيضاً، فهذا هو الآخر الذي يعتمد على الآية القرآنية القائلة: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ[15]، أي إنْ نقض الطرف الآخر فانقض أنت أيضاً، وقوله: ﴿فَانْبِذْ، يعني: اِرمِ به صوبه وارفضه. وعليه فإننا نتّبع الأصول القرآنية، سواء في هذا الجانب من القضية أم في ذاك.

"إنما هناك حائل أمامها"...
لقد كان واجب الطرف الآخر إزالة العقوبات، ولكنه لم يفعل ذلك، وهي ما زالت قائمة. وفي الواقع فإنه أزال جانباً من الحظر بنحوٍ من الأنحاء، ولكنه لم يتحقق عملياً. إذ تعلمون أن مدار البحث، كان يدور حول العقوبات الثانوية، وأما العقوبات الأولية فقد حافظوا عليها بكل قوة، وهي تترك بصماتها على العقوبات الثانوية. وإني أرجو من القائمين على الأمور أن يدققوا في القضية، وأن لا يكرّروا القول إنّ العقوبات قد أزيلت.. كلا، فقضية التعامل بين المصارف لم تُعالَج، والمصارف الكبيرة لا تتعامل معنا. علماً بأن أمريكا تقول: وما شأننا بذلك! إلا أنه كلام نابع عن خباثة، والأمر يعود إليهم. ففي حوار دار بين السيد الدكتور ظريف - ولا أدري هل هو حاضر في هذه الجلسة أم لا - وبين وزير الخارجية الأمريكي، قال الدكتور ظريف بأن مشكلة المصارف الكبيرة لم يتم معالجتها، فأجابه هذا أمرٌ لا شأن لنا به، فقال له على الفور، بل الأمر يعود لكم، ولو كنتم تريدون ذلك لاستطعتم، ولكنكم أنتم ووزارة الخزانة الأمريكية من يقف حائلاً أمام ذلك. نعم، فإنهم يشاركون في الاجتماع القائم حول قضية المصارف، ويقولون لا إشكال في أن تتعاملوا مع إيران، ولا مانع لدينا في ذلك، هذا في مقام القول، ولكنهم في مقام العمل وفي بيان آخر، يتكلمون بالطريقة التي لا يجرؤ أحدٌ على التعامل. فبالنسبة إلى المصارف هل يوجد أفضل من أن تدخل في معاملة مع سوق يبلغ تعداده ثمانين مليون نسمة كسوق إيران، فالبنوك لا مانع لديها في ذلك، وإنما هناك حائل أمامها وهو تهديد أمريكا. قبل يومين أو ثلاثة، قال أحد المسؤولين الأمريكيين إنّنا لن نَدَع إيران ترتاح، لا نسمح لها أن تشعر بالاستقرار والارتياح، فلو أن مسؤولاً رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية يتحدث بهذه الطريقة، هل سيجرؤ المصرف الفلاني أن يتعامل مع إيران؟ نعم، جاءت مجموعة من البنوك الصغيرة. ولكن لأجل إبرام الاتفاقيات والمعاملات الحقيقية والاستثمارات لا بد من نزول المصارف الضخمة إلى الساحة، إلا أنها لم تفعل، وليس من المعلوم أنها متى ستفعل ذلك. وهذه هي من الإشكالات الكبرى. فقد ارتكب الجانب الأمريكي هذا الذنب الكبير وهذه المخالفة الكبرى، ولا ينبغي لنا أن نبرر سلوكهم. أجل، فإنهم يصدّرون القرارات، ولكن القرار يختلف عن الواقع.

وكذلك الحال في قضية تأمين ناقلات النفط. فإنها من الأمور الهامة في التعاملات النفطية. وقد وافقوا على سقف محدود لهذا التأمين، ولكنهم لم يوافقوا على التأمين في المستويات الضخمة - إذ قد تصل المبالغ في التعاملات النفطية إلى المليارات - والسبب في ذلك أن الأمريكيين أعضاء في هذه المنظمات، وبإمكانهم الحيلولة دون ذلك. وبالتالي فإنهم لم ينفذوا جانباً كبيراً من تعهداتهم.

ونحن قد دفعنا الأثمان مسبقاً، حيث أوقفنا عملية التخصيب بنسبة عشرين بالمئة، وقمنا بتعطيل مفاعل "فوردو" تقريباً، وإغلاق مفاعل "آراك".. هذا ما دفعناه من الأثمان مسبقاً، ومع ذلك فإنهم لا يزالون يتوقعون المزيد. وأقولها هنا - إن كان السيد الدكتور صالحي[16] حاضراً - لا توافقوا ولا ترضخوا مطلقاً لتوقعاتهم في خصوص ألياف الكربون المستخدمة في صناعة أجهزة الطرد المركزي، أو توقعاتهم في قياس 300 كيلو من المواد النووية. فإنهم يطلبون ويطمعون بالمزيد باستمرار، رغم كل هذه الأثمان التي دفعناها مسبقاً. وعلى أي حال فالطرف الآخر لم يلتزم بتعهداته.

واليوم إذا أردنا الحصول على عائداتنا النفطية، فإنها عملية صعبة ومكلفة كذلك. وأموالنا المجمّدة في سائر البلدان لا ولم يتم تسليمها لنا، رغم أن البعض منهم قد وعدنا بذلك. علماً بأن هناك بلداً واحداً وعدنا به بحسب ما قاله السيد رئيس الجمهورية لي، بيد أن أموالنا غير موجودة في بلد واحد، وإنما هي محتجزة في مصارف بلدان عدة، ولكن بما أنّ هذه الأموال بالدولار، والدولار مرتبط بأمريكا، لا يمكنهم تسليمها، والسبل قد أغلقت أمام هذه العملية. هذا هو العداء الأمريكي، فهل العداء شيء آخر؟ وبالتالي فإنهم لم يعملوا بتعهداتهم.

«الحق يُؤخذ ولا يعطى»!
وانطلاقاً من هذا، فالذي أريد قوله هو أن الصناعة النووية تعتبر صناعة استراتيجية لبلدنا، ولا بد لهذه الصناعة أن تبقى وأن تتسع دائرتها وأن لا يتم المساس بها. ووجود هذه الصناعة يترك تأثيره حتى على تحصين البلاد وتحقيق الأمن فيها. ولا بد من صيانة القدرات العملية للصناعة النووية والمنظمة النووية، والحفاظ على كوادرها الإنسانية، وعلى إمكانية العودة إلى الوضع السابق، وهذه الإمكانية متاحة حالياً ولحسن الحظ، أقولها لكم: خلال أقل من ستة أشهر، يمكننا بنفس تلك الأجهزة القديمة - IR1 - إيصال البلد إلى 18 ألف سو. هذه إمكانية متاحة حالياً خلال أقل من ستة أشهر، فلا يتخيل الطرف الآخر أنّ أيدينا مغلولة. كما وتتوافر لنا عبر الجيل الثاني والثالث من أجهزة الطرد المركزي - 4IR -، وخلال أقل من سنة ونصف، إمكانية الوصول إلى 100 ألف سو.. هذه إمكانيات موجودة حالياً في منظمة الطاقة النووية، فليستثمروها، وليقفوا في وجه الطرف الآخر، ولكن من دون اللجوء إلى المبادرات المتسرّعة. وليعملوا كل ما بوسعهم لمجابهة ما تضعه أمريكا من عراقيل وعقبات، ولحسن الحظ، فقد قال وزير الخارجية المحترم، ورئيس الجمهورية المحترم - في هذا المكان وفي المجلس وفي أماكن أخرى - بأنهم سيتابعون الأمر، وعليهم متابعته بصورة جادة. والتفتوا إلى أن «الحق يُؤخذ ولا يعطى» كما هو المشهور، ولا سيما من ذئبٍ كأمريكا، حيث يجب انتزاعه من فمه، فإنه لا يأتي ويقدّم لنا الحق بيديه. ولا بد لنا أن نحافظ على قدراتنا أمام أخطائهم وعراقيلهم، على الرغم من أننا لا ننقض الاتفاق النووي ما لم ينقضوه بالكامل.

وأقول لكم إنّنا ومن خلال اقتدارنا العلمي والتقني استطعنا أن ننتزع من الأمريكيين ما يمكن انتزاعه في هذا المضمار، ومعنى ذلك أنه لولا قدرتنا على التخصيب بنسبة عشرين بالمئة، وعلى صناعة أجهزة الطرد المركزي المتطورة، لما أمكننا بالتأكيد إرغامهم على قبول عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي والاعتراف بها وعدم التحجج فيها، وموافقتهم كانت ناجمة عن ذلك الاقتدار. فلو تبدّد هذا الاقتدار، لازدادت ضغوط الطرف الآخر، وكلما تعاظم هذا الاقتدار، ازدادت قدرة ضغوطنا على الجانب الآخر، ولذا لا بد من صيانة هذه القدرات.

ولقد عيّنا هيئة إشراف [على تنفيذ الاتفاق النووي]، وأقول إنّ توقّعي من هيئة الإشراف أن تقف بدقة ومراقبة متزايدة، وأن تعمل بوظيفتها حقاً حيال كل نقطة تشعر أن الجانب الآخر يرتكب فيها خيانة ويسيء فيها التصرف، دفاعاً عن المصالح الوطنية.

اللهم! نقسم عليك بحق محمد وآل محمد أن تجعل ما قلناه وطلبناه ونويناه وعزمنا عليه، لوجهك وفي سبيلك، وأن تتقبله منا بكرمك، وأن تسبغ لطفك ورحمتك على الذين يخدمون في هذا البلد، وأن تتغمّد إمامنا الخميني العظيم وشهداءنا الأبرار، ومضحّينا الأعزاء بلطفك ورحمتك.

والسلام علیکم ورحمة الله


[1]  سورة الزمر، جزء من الآية 54.
[2]  إقبال الأعمال، ج1، ص90.
[3]  سورة الأنفال، جزء من الآية 25.
[4]  سورة النساء، جزء من الآية 79.
[5]  سورة آل عمران، جزء من الآية 100.
[6]  سورة التوبة، جزء من الآية 77.
[7]  سورة الروم، جزء من الآية 10.
[8]  بستان سعدي، الباب التاسع.
[9]  برنامج كمبيوتري خبيث قام الأعداء بإعداده لضرب المفاعلات النووية للجمهورية الإسلامية.
[10]  السبع سينات؛ تقليد تراثي إيراني، احتفالاً بالعام الجديد.
[11]  دونالد ترامب وهيلاري كلينتون
[12]  سورة الأنفال، جزء من الآية 60.
[13] بمناسبة ذكرى فاة الامام في 3 حزيران 2016.
[14]  سورة الإسراء، جزء من الآية 34.
[15]  سورة الأنفال، جزء من الآية 58.
[16]  رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية.

01-07-2016 | 10-29 د | 1397 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net