الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
وقعة صفين
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم


كان ابتداء القتال بصفّين في أول يوم من صفر سنة (37 للهجرة)، وذلك عند نهر الفرات في وادي صفين قرب الرّقة.

ويذكر المؤرخون أنه لما عزم أمير المؤمنين عليه السلام على المسير لقتال معاوية ومن معه من أهل الشام، خطب في أصحابه، ومما جاء في كلامه بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم:

"اتقوا الله - عباد الله - وأطيعوه وأطيعوا إمامكم، فإن الرعية الصالحة تنجو بالإمام العادل. ألا وإن الرعية الفاجرة تهلك بالإمام الفاجر، وقد أصبح معاوية غاصباً لما في يديه من حقي، ناكثاً لبيعتي، طاعناً في دين الله عز وجل...

فالعجب من معاوية بن أبي سفيان، ينازعني الخلافة، ويجحدني الإمامة ويزعم أنه أحقّ بها مني، جرأة منه على الله وعلى رسوله، بغير حق له فيها ولا حجة، لم يبايعه عليها المهاجرون، ولا سلّم له الأنصار والمسلمون..".


إلى أن قال عليه السلام:

"اتقوا الله - عباد الله - وتحاثّوا على الجهاد مع إمامكم، فلو كان لي منكم عصابة بعدد أهل بدر؛ إذا أمرتهم أطاعوني، وإذا استنهضتهم نهضوا معي، لاستغنيت بهم عن كثير منكم، وأسرعت النهوض إلى حرب معاوية وأصحابه فإنه الجهاد المفروض"1.

منع الماء:
وقد كشف معاوية عن نواياه العدائية، عندما بادر إلى الاستيلاء على الماء، وحال بينه وبين أهل العراق، فأضرّ بهم وبدوابّهم العطش، فأرسل إليهم أمير المؤمنين عليه السلام: "إنا لم نأت هذه الأرض لنسيطر على الماء والكلأ، ولو سبقناكم إليه، لا نمنعكم منه".

ولكن لم تجد هذه الكلمات آذاناً صاغية من الطرف المقابل، ما اضطرّ علياً عليه السلام إلى استعمال القوة لإنقاذ عشرات الألوف ممن كان معه من الموت عطشاً، فأرسل الأشتر رضوان الله عليه في كتيبة من عسكره فأظهروا من البسالة ما أبهر جيش معاوية وأجبرهم على الانسحاب، فاستعاد أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الماء من أهل الشام.

وهنا ظهرت سماحة الإمام عليه السلام حيث حاول بعض أصحابه إقناعه أن يقابل أهل الشام بالمثل ويمنع عنهم الماء، فأبى عليه السلام عليهم أشدّ الإباء.

فبقي الجيشان ينهلان من الماء على قدم المساواة، واستمرت جهود الإمام عليه السلام في حلّ النزاع سلمياً كما يظهر ذلك من أكثر المرويات في هذا المجال، ولكن جهود الإمام عليه السلام ذهبت سدىً، بعد أن واصل أصحاب معاوية استفزازاتهم، وغاراتهم حتى أوقعوا في أصحاب الإمام عدداً من القتلى، عندها أذن الإمام بالقتال، وبدأت حرب بين الطرفين استمرت شهوراً وراح ضحيتها أكثر من مئة ألف من المسلمين، في فتنة أشعل نارها ابن هند لمآربه الخاصة.

فتنة رفع المصاحف:
تفاجأ معاوية ومن معه من بسالة أصحاب الإمام في الذود عن الحق الذي يمثله الإمام عليه السلام, وفيهم أكابر صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إن عمار بن ياسر رضوان الله عليه كان ينادي: "والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أننا على الحق وأنهم على الباطل".

ونتيجة لذلك انهار عسكر معاوية، وأوشك جيش العراق أن يحتل مضارب معاوية ويقبض عليه حياً حتى إنه دعا بفرسه لينجو، فتذكر مستشاره عمرو ابن العاص، فلجأ إليه لينقذه من هذه الورطة فأشار عليه برفع المصاحف على أسنة الرماح فكان ما أراد وارتفعت الأصوات من ناحية عسكر معاوية:

"يا أهل العراق، هذا كتاب الله بيننا وبينكم فهلموا إلى العمل به".

فانطلت الحيلة على ضعاف النفوس والخونة المنبثين في جيش علي عليه السلام، وضموا أصواتهم إلى أصوات أصحاب معاوية لمنع علي عليه السلام وأصحابه المخلصين من الاستمرار في القتال والقضاء على رأس الفتنة.

حتى إنه جاء الأشعث بن قيس إلى أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً له: "إن لم تحكم، قتلناك بهذه السيوف التي قتلنا بها عثمان".

فقال عليه السلام حينئذ: "لا رأي لمن لا يطاع"، وقال لأصحابه: "هذه كلمة حق يراد بها باطل، وهذا كتاب الله الصامت وأنا المعبِّر عنه، فخذوا بكتاب الله الناطق وذروا الحكم بكتاب الله الصامت إذ لا معبّر عنه غيري"2.

ولما لم يرجع أصحابه إلى رأيه الذي تقدم ذكره، حتى إن نحواً من عشرين ألف مقاتل أحاطوا به مقنعين بالحديد وهم يقولون مهدّدين: "أجب القوم وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان".

وإزاء هذا الوضع الخطير، لم يجد أمير المؤمنين عليه السلام أمامه إلا خيارين أحلاهما مر:

إما المضي بالقتال، وهذا يعني أنه سيقاتل ثلاثة أرباع جيشه وأهل الشام بأجمعهم.

وإما القبول بالتحكيم وهو أهون الشرين، فاختاره على مضض.

التحكيم:

ولم تكن مرحلة التحكيم بأيسر من مرحلة القتال على أمير المؤمنين عليه السلام. فبعد أن اجتمعت كلمة أهل الشام على اختيار عمرو بن العاص كمندوب لهم للتفاوض، اختلف أهل العراق مع علي عليه السلام على اختيار مندوب لهم.

فقد كان رأيه عليه السلام وعدة من أصحابه اختيار أحد الثلاثة عبد الله بن عباس، أو مالك الأشتر، أو الأحنف بن قيس، وكانوا من أفضل المرشحين.

ولكن الكثرة الغالبة من ضعاف النفوس التي انطلت عليهم خديعة رفع المصاحف، رفضوا هؤلاء الثلاثة ورشحوا أبا موسى الأشعري، الذي رفض الإمام عليه السلام ترشيحه لانحرافه عنه.

ولكنهم ضغطوا على الإمام عليه السلام فخشي الإمام أن تدبّ الفتنة مرة أخرى في صفوف جيشه فاضطرّ لقبول مرشحهم، فكانت النتيجة بلا ريب لغير صالحه.

وعند اجتماع الطرفين للاتفاق على بنود التحكيم ظهرت نوايا معاوية المبيتة، عندما رفض إدراج صفة أمير المؤمنين خلف اسم الإمام عليه السلام حيث جاء في الكتب المعتبرة أنهم حينما شرعوا في كتابة بنود الاتفاق كتب الكاتب: "هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين ومعاوية بن أبي سفيان.

فقال عمرو بن العاص: اكتب اسمه واسم أبيه، ولا تسمّه بإمرة المؤمنين، فإنما هذا أمير هؤلاء وليس بأميرنا، فقال له الأحنف بن قيس: لا تمح هذا الاسم، فإني أتخوّف إن محوته لا يرجع إليك أبداً.

فامتنع أمير المؤمنين عليه السلام من محوه فتراجع الخطاب فيه ملياً من النهار، فقال الأشعث بن قيس: امح هذا الاسم...

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: "الله أكبـر سنة بسنة ومثل بمثل والله إني لكاتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية وقد أملى علي: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو، فقال له سهيل: امحُ رسول الله، فإنا لا نقر لك بذلك، ولا نشهد لك بذلك، اكتب اسمك واسم أبيك، فامتنعت من محوه"، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "امحه يا علي، وستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض..".

وتمّ الكتاب بين الطرفين ووقّعه من كل منهما عشرة من قادتهم ووجهائهم، ويتلخص مضمونه بأن يقفوا عند أحكام الله ويرجعوا إلى حكم الكتاب فيما يختلفون فيه، وإلى سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما لم يجدوا حكمه في الكتاب، والتزم علي ومعاوية ومن يتبعهما من المؤمنين والمسلمين بما يحكم به الحكمان، وأن يجتمع الحكمان في مكان بين الشام والحجاز يدعى (دومة الجندل)، وأن لا يحضر معهما إلاّ من أرادوه، وأن يعمل الطرفان على توفير الجو المناسب لهما خلال اجتماعهما وفيما بعده.

ومن الغريب أنه لم يرد في نص الوثيقة أي ذكر لأسباب الصراع وموضوعه الحقيقي من قريب أو بعيد، في حين أن أسباب الصراع واضحة لأن معاوية كان قبل معركة الجمل يطالب بمحاكمة أولئك الذين قتلوا عثمان أو تسليمهم إليه ليتولّى القصاص منهم، وبعد تمرّد السيدة عائشة وطلحة والزبير تعزّز موقفه وأصبح يطالب بإعادة الخلافة شورى بين المسلمين على أن يكون له رأي في ذلك.

وقد ردّ علي عليه السلام على طلبه الأول بأن يدخل فيما دخل فيه المسلمون ثم يحاكم القوم إليه ليقتصَّ لعثمان من قاتليه إذا أدينوا بجريمة توجب القصاص، وردّ عليه السلام على طلبه الثاني، بأنّ خلافته قد تمّت بإجماع أهل الحرمين الذين بايعوا الخلفاء الثلاثة من قبله، بل بايعه جميع الأمصار ما عدا الشام.

وتشير بعض الروايات إلى أن إقصاء أمير المؤمنين عن الخلافة كان أمراً مفروغاً منه لدى الطرفين، ولكن الخلاف كان على البديل، فقد اقترح أبو موسى الأشعري عبد الله بن عمر بن الخطاب، فردّ عليه ابن العاص بأن عثمان بن عفان قتل مظلوماً ومعاوية وليه.

ولم يُبدِ أبو موسى أية ملاحظة حول هذه الناحية، ومضى ابن العاص يغريه بالسلطة إن هو وافق معه على أن تكون الخلافة لمعاوية.

وبعد حوار طويل بين الطرفين استطاع ابن العاص أن يخدعه فأظهر له موافقته على إقصائهما معاً وترك الأمر للمسلمين يختارون لأنفسهم من يريدون، وكان ما أراده ابن العاص فخلع أبو موسى علياً وأثبت ابن العاص معاوية.

وانتهت مهزلة التحكيم على هذا النحو كما يرويها المؤرخون. وهي نتيجة مفروغ منها بعد أن رفض كل اقتراحات الإمام عليه السلام ومناشداته، من قبل الكثرة التي غلب عليها الشيطان فأضل أعمالهم.

وقد نصَّت المرويات على أنه أقام في صفين بعد إعلان الهدنة وكتابة بنود الاتفاق يومين أو ثلاثة مشغولاً بتهدئة الخواطر والنفوس، ودفن القتلى من أصحابه، ثم خرج بعدها متوجهاً إلى الكوفة ليواجه مشاكل جديدة.


1- الإرشاد 1: 263.
2- الغمزة: 330 ابن البطريق.

30-12-2010 | 05-38 د | 1719 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net