الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
وفاة عبد المطلب
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم

وفاة عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم - 12/ربيع الأول/السنة 8 من ولادته صلى الله عليه وآله وسلم 1

إضاءة من حياة عبد المطلب:

هو عبد المطلب بن هاشم سيد مكة وزعيمها، وإليه ترجع الوفادة والسقاية، وكان القوم يرجعون إليه في الحل والعقد، وكان يوحّد الله،‏ ويرفض عبادة الأصنام2، وكان يوصي ولده بصلة الأرحام وإطعام الطعام، ويرغّبهم ويرهّبهم فعل من يرقب معاداً وبعثاً ونشوراً‏3، وكان يأمرهم بترك الظلم والبغي، ويحثهم على مكارم الأخلاق، وينهاهم عن دنيّات الأمور، وكان يقول في وصاياه: إنه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى يُنتقم منه، وتصيبه عقوبة، وقد هلك رجل ظلوم لم تصبه عقوبة، فقيل لعبد المطلب في ذلك ففكر، فقال: والله إن وراء هذه الدار داراً يُجزى فيها المحسن بإحسانه، ويعاقب فيها المسيء بإساءته4.

وقد بلغ من العظمة مبلغاً حتى كانت تأتيه الهدايا والتحف من أقصى البلاد والأمصار، وكان كلما أصيب العرب بداهية أخذوه إلى جبل ثبير، ودعوا الله بجاهه وشرفه كي يكشف عنهم البلاء، وكانوا يذبحون القرابين لأجله‏5.

ولم يكن يُعدل به أحد في شرافته وعظيم خطره، وكان لا يقرب من المقامرة، ولم يعبد صنماً، ولم يأكل لحم ذبيحة قدمت لصنم، وكان يقول: إني على دين أبي إبراهيم6. وكان إذا أهّل رمضان دخل حراء فبقي فيه طول الشهر، وكان يطعم المساكين، ويعظّم الظلم، ويكثر الطواف بالبيت7.

وقد سنّ سنناً سنّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك في الإسلام ونزل بها القرآن الكريم، وهي الوفاء بالنذور، وجعل مئة من الإبل في دية القتل، وأن لا تُنكح المحارم، ولا تؤتى البيوت من ظهورها، وقطع يد السارق، والنهي عن قتل الموؤدة، والمباهلة، وتحريم الخمر، وتحريم الزنا والحد عليه، والقرعة، وأن لا يطوف أحد بالبيت عرياناً، وإقراء الضيف، وأن لا ينفقوا إذا حجوا إلاّ من طيب أموالهم، وتعظيم الأشهر الحرم، ونفي ذوات الرايات، فكانت قريش تقول عبد المطلب هو إبراهيم الثاني8.

وأضافت بعض الأخبار إلى ما سنّه: تحديد الطواف بسبعة أشواط بعد أن كان يطوف الزائر ما بدا له، وإخراج خمس الغنائم، وتسمية زمزم (سقاية الحاج)9.

وكان عبد المطلب يبحث وينقب عن بئر زمزم مدة من الزمن، حتى عثر عليها، فأخرج الحجر الأسود، والغزالين الذهبيين، وأسيافاً وأدرعاً10، وقد نازعه قومه فيها قائلين: إنها كانت لأجدادنا. فقال عبد المطلب: الأفضل أن نقرعها بيننا. فقسم الأشياء قسمين، وضرب عليها السهام بينه وبين البيت وبين قريش، فكانت الغزالتان الذهبيتان للبيت، والسيوف والدروع لعبد المطلب، ثم باع عبد المطلب السيوف والأدرع، واشترى بثمنها باباً للبيت11.

وأيضاً حسده قومه على ماء زمزم، وقالوا: إنها بئر أبينا إسماعيل، وإن لنا فيها حقاً فأشركنا معك فيها، قال: ما أنا بفاعل، إنّ هذا الأمر قد خُصّصت به دونكم وأُعطيته من بينكم، فقالوا له: فأنصفنا فإنّا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها، فأظهر الله تعالى حق عبد المطلب في ذلك الخصام12.

فلما رأى من العنت الذي أصابه من قريش في حفر بئر زمزم، نذر لله إن ولد له عشرة ذكور أن يذبح واحداً منهم قرباناً لله تعالى، فلما أراد الوفاء به أخبر أولاده العشرة بالأمر فانصاع الجميع لإرادته، وكل واحد يقدم نفسه على أخيه تلبية لوالده، غير أنّ عبد المطلب أوكل أمر تشخيص الذبيح إلى القرعة، فخرجت على عبد الله، فأخذ بولده والشفرة أمام البيت وتلّه ليذبحه، إلا أن القوم حالوا دون تحقق ذلك، وألحّوا على عبد المطلب أن يعذر فيه أمام ربه، فاقترحوا أن يخرجوا إلى العرّافة ليعرفوهم كيف العذر، فسألتهم العرّافة: كم دية الرجل الحر عندكم؟ فأجابوا: عشرة من الإبل، فقالت: اقرعوا بينه وبين العشرة، فإذا خرجت على صاحبكم فزيدوا في الإبل عشرة حتى يرضى ربكم. ففعلوا حتى إذا بلغت الإبل المئة خرجت القرعة عليها دونه، فتصايح القوم فرحين: قد انتهى رضى ربك يا عبد المطلب، فقال: لا والله حتى أضرب عليها ثلاثاً، فتثبت بعدها من صواب ما فعل. ثم أمر بالإبل فنحرت، ونجى عبد الله، ولذلك كان يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا ابن الذبيحين"، ويعني إسماعيل عليه السلام وعبد الله13.

ولما توفي عبد المطلب أعظمت قريش موته، وغسّلوه بالماء والسدر، ولفوّه في حلّة من حلل اليمن، وطرح عليه المسك، وحمل على أيدي الرجال، إعظاماً وإكراماً وإكباراً لتغييبه في التراب14.

ودفن في مقبرة الحجون، وقد خرج في حقه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام ثناءً بليغاً، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "إن الله يبعث جدي عبد المطلب أمّةً وحده، في هيئة الأنبياء وزيّ الملوك"15.

قصة النذر ومشروعيتها:

قد يقال: إنه لا يحق لأحد التصرف في حياة الآخرين، فكيف بمن نذر أن يذبح إنساناً، ويصّر على الوفاء به؟!، وهل أن ديانات السماء شرّعت مثل هذا النذر، وأوجبت الوفاء به؟!، وهل فعلاً نقل لنا التاريخ حادثة أخرى من هذا القبيل؟

هذه التساؤلات وغيرها قد تأخذ بالبعض إلى أن عبد المطلب لم يكن موحّداً، ولا مؤمناً، وإلا فكيف ينذر ما يخالف الإيمان والتوحيد.

وقد تقدم ما يدلّ على إيمانه وتوحيده، مما نقله كبار المؤرخين، من دون مدافع من أحد، بل ما نقلناه يكشف عن أن إيمان عبد المطلب كان واعياً، حركياً حيث كان يأمر الآخرين بما يعتقد به.

وأما قضية نذر وذبح أحد أولاده لله لعل الأقرب أن مثل هذه التضحية كان معروفاً ومشروعاً، وذلك:

أولاً: لأنه قد تعلق به الوحي في قصة إبراهيم وابنه إسماعيل(عليهما السلام)‏16.

ثانياً: لقد نذرت امرأة عمران ما في بطنها لخدمة بيت الله، وهذا أيضاً تصرف في حياة الولد17، وهي أيضاص إمرأة طاهرة مطهرة وموحدة.

ثالثاً: أنه إن كانت العرّافة مؤمنة بالله، فلما لم تعترض على عبد المطلب في نذره وتقول له: هذا النذر غير مشروع ولا يجب الوفاء به، بل على العكس نجدها أقرت نذره وقدمت له طريقة الإعذار مع ربه. وإن لم تكن مؤمنة، فلا يمكن لعبد المطلب المؤمن بالله أن يطلب العذر لربه من كافر أو مشرك، بل قام بهذا العذر من تفكيره وعقله، فقد روي أنه لم يقدر أن يذبحه ورسول الله في صلبه، فجاء بعشر من الإبل ساهم عليها وعلى عبد الله...18.

وفي بعضها أن ابنته عاتكة من أشارت عليه بذلك‏19.

فعلى كل حال ليس ببعيد مشروعية مثل هذا النذر في الشرايع السابقة، وإن كانت محرّمة في شريعتنا، كما كانت التوبة في شريعة موسى - لفترة من الزمان - القتل20، وهو محرم في شريعتنا، وكان إذا أصاب أحداً من بني إسرائيل البول، طهره بقرضه بالمقاريض، وقد وسّع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل الماء طهوراً21.

وأما قضية الأسماء فلا تعدو أن تكون تسمية لا يروم من ورائها بشيء، فلقد تعارف كثيراً تسمية عبد العزى وعبد مناف فعبد مناف مثلاً كان اسماً لأحد أجداد عبد المطلب، كما كان اسماً لجد آمنة أم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهكذا..


1- منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل 1: 109.
2- تاريخ اليعقوبي 2: 10 – 11.
3- مروج الذهب 2: 103 و108، والسيرة الحلبية 1: 4، وتاريخ الخميس 1: 237.
4- الملل والنحل للشهرستاني 2: 75.
5- منتهى الآمال 1: 52.
6- الكامل في التاريخ 1: 616.
7- السيرة النبوية لابن هشام 1: 142، وتاريخ الطبري 2: 251، والمنتظم 2: 207.
8- تاريخ اليعقوبي 2: 10 – 11، والخصال للصدوق: 312.
9- تاريخ اليعقوبي 2: 10 – 11.
10- كان سبب دفن هذه في البئر، أن عمرو بن الحارث الجرهمي سيد الجراهمة كان في مكة منذ عهد قصي، فحاربه حليل بن حبسية وغلبه وأمره بالخروج من مكة، فغضب عمرو لذلك، وصمم على = = الخروج، ولكنه قبل خروجه نزع الحجر الأسود من الركن وأخذ الغزالين اللذين وهبهما اسفنديار بن جشتاسب إلى البيت وأسيافاً قلعية وأدرعاً، فقذفها في بئر زمزم، ثم ملأه بالتراب، وهرب مع قبيلته إلى اليمن. منتهى الآمال 1: 52.
11- منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل 1: 52 – 53.
12- شرح النهج لابن أبي الحديد 15: 224.
13- تاريخ الطبري 2: 240 – 243، والكامل في التاريخ 1: 608 – 611.
14- موسوعة التاريخ الإسلامي 1: 288، نقلاً عن اليعقوبي 2: 13.
15- أصول الكافي 1: 446 – 447، وتاريخ اليعقوبي 2: 13.
16- سورة الصافات: الآية 102.
17- سورة آل عمران: الآية 35.
18- بحار الأنوار 15: 144.
19- المصدر السابق.
20- سورة البقرة: الآية 54.
21- التهذيب 1: 356.

10-02-2011 | 04-15 د | 1922 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net