السيد سليمان الكبير المزيدي توفي ليلة الأحد 24 جمادى الثانية 1211 أبو داود ويكنى بأبي عبدالله أيضاً ـ سليمان بن داود بن حيدر بن أحمد بن محمود بن شهاب وينتهي نسبه إلى الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وكان جده الأعلى أحمد يعرف بالمزيدي لأنه يسكن قرية الميزيدة المنسوبة لآل مزيد ـ أمراء الحلة وتوفي ودفن فيها وقبره معروف يزار، وأما ولده حيدر بن أحمد ـ جد صاحب الترجمة ـ فكان مرجعاً لسكانها ومن جاورها من تلك الأطراف والنواحي ويلقب بـ (الشرع) وهو لقب تطلقه العامة على من يتصدى لاستماع المرافعات بين الخصوم ونشر الأحكام الدينية، وله في المزيدية مسجد وآثار لا تزال تنسب إليه، ولذريته فيها اقطاع وضياع تعرف باسم آل شهاب ـ الجد الخامس للمترجم ـ وكان السيد المترجم يعرف بالمزيدي إيضاً، ولاشتهاره بإتقان علم الطب وتأليفه فيه لقب بالحكيم أيضاً ونبغ من هذه الأسرة عدد ليس بالقليل في الفضل والأدب ومن مشاهيرهم ولده الحسين وحفيده السيد مهدي والسيد سليمان وولده السليمان حيدر الشهير وغيرهم.
وقد ألف نجل المترجم السيد داود كتاباً في سيرة والده قال فيه:
ولد السيد سليمان في النجف الأشرف عام 1141 ونشأ فيها وأخذ العلم عن علمائها حتى اشتهر بعلمي الأديان والأبدان ثم انتقل إلى الحلة سنة 1175.
قال الشيخ اليعقوبي في البابليات: وقد عثرت على قصائد في مدح آل السيد مهدي أو محمد مهدي ابن السيد مرتضى ابن السيد محمد الحسيني البروجردي المعروف ببحر العلوم الطبابائي من نسل ابراهيم طباطبا من ذرية الحسن المثنى ابن الامام الحسن الزكي ابن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
ولد بكربلا ليلة الجمعة في شوال سنة 1155 وتوفاه الله إليه ليلة الأحد الـ 24 من جمادى الثانية سنة 1211 بالسكتة القلبية وحمل جثمانه إلى النجف في موكب مهيب مشى فيه مئات الرجال من أشراف الحلة وصلى عليه إمام الطائفة يومئذ السيد محمد مهدي بحر العلوم ودفن عند إيوان العلماء مقابل مسجد عمران وكان لنعيه صدى في الأوساط العلمية والأدبية ورثاه عامة البلدين النجف والحلة .
مؤلفاته منها
1 ـ كتاب المصابيح في العبادات والمعاملات ينقل عنه الفقهاء.
2 ـ الدرة النجفية، منظومة في يبابي الطهارة والصلاة من الفقه يتجاوز عدد أبياتها الألفين، وقد أطبق العلماء والأدباء على أنها لا يوجد لها نظير، الشروع في نظمها سنة 1205 كما أرخها هو بقوله:
غراء قد وسمتها بالدرة |
تاريخها عام الشروع (غرة) |
3 ـ تحفة الكرام في تاريخ مكة والبيت الحرام.
4 ـ الفوائد الرجالية المسمى بـ رجال السيد بحر العلوم طبع بمطابع النجف سنة 1385 هـ ويقع في أربعة أجزاء ويحتوي على كثير من الفوائد والتحقيقات الرجالية وعلى تراجم عدد كبير من رجال الحديث والرواية.
إلى غير ذلك من الرسائل والنوادر. أما آثاره ومآثره فمنها تعيين وتثبيت مشاعر الحج ومواقيت الإحرام على الوجهة الشرعية الصحيحة، وكانت قبل ذلك مقفلة مهملة فبقي قدس سره ما يقرب من ثلاث سنوات في مكة في هذا السبيل ولا يزال عمل الشيعة ـ اليوم ـ على نموذج تعيينه للمشاعر والمواقيت. أضف إلى ذلك آثاره في مسجد الكوفة ومسجد السهلة كما هي اليوم .
ولآية الله بحر العلوم مقبرة خاصة بجوار قبر الشيخ الطوسي بالنجف الأشرف. عليها قبة كبيرة كقباب الأئمة وهي من الكاشي الأزرق، رثاه ردم كبير من الشعراء المشهورين والفطاحل المرموقين كما مدحوهن في حياته، ونذكر من الذين رثوه الشيخ ابراهيم يحيى العاملي، والسيد أحمد العطار، والشيخ جعفر كاشف الغطاء والسيد جواد العاملي.
مما قاله السيد سليمان ابن السيد داود أيده الله تعالى في رثاء الحسين مطلعها
سرت تطوي الوهاد إلى الروابي | ولا تـهوى الهشيم ولا الجوابي |
نـفور مـن بنات العيس تفري | مـهامه دونـها شـيب الغراب |
تـعير الـريح اخـفاقاً خـفاقا | وتـغني بالسراب عن الشراب |
تـريك الـجيد قـائمة فـتلقى | عـلى خـمس تسير من الهباب |
تـلوح على الربي نسراً وتهوي | هـوي المصلتات إلى الرقاب |
تمر على الحزون كومض برق | تـألق بـين مـركوم السحاب |
تـخال ذمـيلها في السهل سرباً | مـن الـكدري فـر من العقاب |
وإن وخـدت بـجرعاء وتـلع | تـلوت بـينها مـثل الـحباب |
تـسيح على الفيافي القفر تطوي | مـفاوز عـاريات مـن ذئـاب |
تـراها إن حـدوت لـها ظليماً | تـذعر بـين هـاتيك الشعاب |
تـعير الـريم لـفتتها وتضوي | بـأعضاد مـن الـتبر المذاب |
فـإن تـشنق لها خرمت أو أن | لـها أسـلست تهوى في العذاب |
فـدعها والـمسير فحيث تهوى | طـلاب دونـه أعـلى الطلاب |
إلـى ظـل الإلـه وسـر قدس | تـلألأ من ذرى أعلى الحجاب |
إلـى الـبطل الكمي وبحر جود | سـواحله الـندى دون الـعباب |
إلـى عـلم الهدى ومنار فضل إلـى | بحر الندى فصل الخطاب |
إلـى نـور الـعلي ومـن لديه | عـلي وهـو فـي أم الـكتاب |
صـراط مـسقيم بـل حـكيم | بـأمر الله فـي يـوم الحساب |
قـسيم الـنار والـجنات بـين | الـخلائق كـلها يـوم الـمئاب |
إلـى مـن قـال فـيه الله | بلغ لأحـمد بـعد تـعظيم الـعتاب |
وإلا لـم تـكن بـلغت عـني | ولـم تـك سـامعاً فيه جوابي |
فـقـام لـه بـها بـغدير خـم | خـطيباً مـعلناً صوت الخطاب |
ألا مـن كـنت مـولاه فـهذا لـه | مـولى يـنوب بكم منابي |
فـوالي مـن يـواليه وعـادي | مـعاديه ومـن لـعداه صـابي |
بـأمـر الله قـومـوا بـايعوه | عـلى نـهج الهداية والصواب |
فـبايعه الـجميع ومـا تـأنى | شـريف أو دنـي أو صـحابي |
فـمنهم مـؤمن سـراً وجـهراً | ومـنهم مـن ينافق في ارتياب |
ومـنهم مـن أبى ويقول جهراً | نـبيكم بـها أضـحى يـحابي |
فـلـما كـذبوا الـمختار فـيها | هوى النجمان يا لك من عجاب |
فـبرهانان ذانـك مـن إلـهي | لـحـيدرة فـأيـهما الـمحابي |
أمـن فـي داره أمـسى منيراً | أم الـهـاوي لـتجيل الـعذاب |
ومـن أفـق الـسما قد خر نجم | عـلى الشيطان يهوي كالشهاب |
لـذلـك أنـزل الـرحمن فـيه | لـسورة سـائل سـوء العذاب |
لـه الآيـات فـي الآيات تتلى | بـمحكمها وتـأويل الـصواب |
كـيـوم أكـمل الإسـلام فـيه | ونـعـمته تـتم بـلا ذهـاب |
مـعاجز حـارت الأوهـام فيها | فـلا تـحصى بـعد أو حساب |
وأن الـمـصطفى لـلـعلم دار | وحـيدر سـورها بل خير باب |
وكـلهم أحـمداً جـمل وضب | وخـاطب حيدراً خرس الذياب |
وثـعـباناً ولـيثاً ثـم مـوتى | رمـاماً قـد بـلوا تحت التراب |
وشـق الـبدر لـلهادي وردت | ذكــاء لـلوصي الـمستطاب |
حـسام الله خـافض كـل رفع | مـن الاشراك من بعد انتصاب |
صـفاتك مـعجزات مـعجزات | ذوي الألـباب توقع في ارتياب |
مـتى رامـوا حـقايقها يضلوا | عـن الـتوحيد في تيه التصابي |
وان يـجـهلها أبـداً ضـلالاً | عـن الاسـلام بـل أي انقلاب |
ألا يـامـحنة الألـبـاب أنـى | بـحدك ذو ذكـاء فـيك صابي |
فـيالك مـحنة لـلخلق عظمى | ورحـمتها ويـالك مـن عذاب |
وصـاعقة على الأبطال تهوي | مـن الآفـاق طـوراً كالعقاب |
وطوراً تحصب الفرسان حصباً | مـبيراً في الذهاب وفي الإياب |
بـذلت لأحـمد نـفساً تـسامت | وحـزت بـبذلها كـل الثواب |
جــزا الله عـنه كـل خـير | أبـا الحسنين من حصن مهاب |
أبـا الـحسنين يـانعم المنادي | إذا دهم المصاب على المصاب |
يـعز عـليك لـو تلقى حسيناً | رمـيلاً فـوقه يـجثو الضبابي |
قـتيلاً ظـامياً والـماء أضحى | مـبـاحاً لـلـذئاب ولـلكلاب |
غـسيلاً بـالدماء لـقاً جـريحاً | عـلى الـرمضاء ووايلاه كابي |
ولـو شـاهدت يـا مولاي لما | دهـى نـسوانه هول المصاب |
بـرزن مـن الـخيام مهتكات | نـوادب بـعد صون واحتجاب |
تـخـال نـساءه لـما تـبدت | شـموساً قد برزن من الحجاب |
وكـل نـادب واعـظم كـربي | وواذلاه واطــول اكـتـئابي |
ثـواكـل لا تـجف لـهادموع | مـحسرة عـلى حـسر الركاب |
فـذي تـنعى عـليه بـلا قناع | وذي تـبكي عـليه بـلا نقاب |
وهـذي نـادب واطول حزني | ووجـدي بـاحتراق وانـتحاب |
سـبايا بـين شر الناس تسري | عـلى قـتب مـسلبة الـثياب |
بـنات مـحمد أضحت أسارى | حـيارى بـعد سـبي واستلاب |
ورأس رئـيسها في الرمح يتلو | أمـام الـركب آيـات الـكتاب |
فـوا لـهفاً لذاك الشيب أضحى | يـعوض بالدماء عن الخضاب |
ألا أيـن الـرسول يرى يزيداً | يـنادي الـخمر يقرع خير ناب |
تـمثل نـادباً أرجـاس حرب | طـروباً فـي مـجاوبة الغراب |
ألا يـالـيث أشـياخي بـبدر | لـذي الثارات قد شهدوا طلابي |
فـيارب مـن اللعنات ضاعف | عـليه مـا عـلى أهل الدباب |
ومـن آذى الرسول وسن ظلماً | عـلى الـقربى وعـظم للعذاب |
وأول ظـالـم فـابـدأ بـلعن | وآخـر تـابع مـن كـل باب |
فـمنكم سـادتي وبـكم إلـيكم | ثـوابي واحـتجابي وانـتسابي |
عـددت ولاءكم ذخري لحشري | وحـسبي فـيه في يوم الحساب |
إلـيكم مـن سـليمان عـروساً | بـرأي الـشيب في سن الشباب |
فـيامن حـبهم فخري وذخري | ولاؤهــم ومـدحهم اكـتسابي |
عـليكم سـلم الـباري وصلى | بعد الرمل مع قطر السحاب1 |
وله في مدح أميرالمؤمنين عليه السلام قصيدة وهي 72 بيتاً، ومطلعها
حارت بكنه صفاتك الأفهام | وتعذر الإدرا والإلهام |
وله في مدحه عليه السلام كذلك وهي 56 بيتاً وإليك المختار منها
ظـهور المعالي في ظهور النجائب | ونـيل الأمـاني بعد طي السباسب |
فـدع دار ضيم دب فيك اهتضامها | كـما دب في الملسوع سم العقارب |
ولا تـأس بـعد الخسف يوم فراقها | على مثلها من أربع وملاعب |
مـتى تـملك الـسلوان بين ظبائها إذا | نـظرت عـيناك بيض الترائب |
ولـيس أسـود الغاب عند افتراسها | لـشلوك يـوماً مـثل سود الذوائب |
إذ ظـعنت تـلك الـظعائت خلتها | بـدورها تـجلى فوق تلك الركائب |
وتـهزأ بـالغصن الرتيب إذا انثنت | وإن سـفرت أزرت بنور الكواكب |
أحـادي الـسرى رفـقاً بمهجة واله | تـناهبها فـي السير أيدي النجائب |
فـما لـي إلا عـظم شـوقي مطية | ولازاد لـي غـير الدموع السواكب |
وعـج بـي على أطلال دار عهدتها | مـعاهد جـود يـوم بخل السحائب |
ديـار بـها كـم شـيد للمجد ركنه | بـسمر الـقنا والماضيات القواضب |
ربـوع يـحير الـوافدين ربـيعها | سـحائب جـود عند بذل الرغائب |
مـهابط وحـي أقـفرت وتـنكرت | مـعالمها مـن فـادحات المصائب |
لـقد أوجـبت آي الـكتاب ودادهم | وود سـواهم لـوزكا غـير واجب |
بـهـم مـن عـلي آيـة الله آيـة | فحازوا به في الفحر أعلى المراتب |
هـو الآيـة الكبرى إمام ذوي النهى | هـو العروة الوثقى رقى أي غارب |
فـلو لـم يـكن خير الورى وإمامها | لـما جـاز أن يرقى خيار المناكب |
ولو لم يكن مولى الورى مثل | حيدر (فـما هـو إلا حجة للنواصب) |
فإن قلت نفس المصطفى كنت صادقا | ولـو قـلت عـين الله لست بكاذب |
ولـم ير في يوم الوغى غير ضاحك | ولـم يـقف يوم الروع آثار هارب |
فـيا خـيرة الله الـعلي ومـن لـه | مـناسم مـجد فـوق أعلى الكواكب |
ويـا مـن كـتاب الله جـاء | مؤكداً مـودته فـي حـفظ ود الأقـارب |
وفـي (هل أتى) (النجم) جاء مديحه | وفـي (العاديات) الغر بين الكتائب |
ويـا خـير يـدعى لـدفع مـلمة | ويـا خـير من يدعى لدفع النوائب |
أيـاجد مـن أرجـو ومثلك موئلي | ولـست لأهـوال الـزمان بـهائب |
فـخذها أبـا الأطـهار نـفثة مغرم | يـناجيك فـيها يـا سليل الأطائب |
فـواعجباً هـل كيف ترضى بأنني | أضــام وأنـتم عـدتي لـمآربي |
شـكوت ومـا حالي عليك بغامض | ولا أنـافي الـجلى سـواك بنادب |
وحـاشاك أن تـبقي عـليك لمادح | حـقوقاً وقـد سـدت علي مذاهبي |
وله قصيدة في مدحه عليه السلام التزم فيها أن تكون جميع حروفها مهملة.
هو المسك أو رسم الإمام له عطر | هو السر سر الله ولعالم الصدر |
إمام همام ساد حلماً علـى الورى | وصهر رسول الله مولى له الأمر |
*أدب الطف39_ 48
1- عن الرائق ج 2 ص 412.