المحاضرة الأولى: ثورة القيم في عصر الظهور

الهدف:
بيان طغيان الظلم والفساد في الأرض في كلّ نواحي المجتمع وبيان أنّ النهـج المـقـاوم حصن القيّم وسور المبادئ.

تصدير الموضوع:

"فعندها يذوب قلب المؤمن كما يذوب الملح في الماء لما يرى من المنكر".


173


مقدّمة:
ممّا لا شكّ فيه ولا شبهة تعتريه في أنّ ثورة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، هي ثورة القيم وإعادة الأمور إلى نصابها من تقويم الاعوجاج في العقائد إلى إصلاح ما فسد من أخلاق البشر، ومن القضاء على البدع إلى سوق العباد نحو الكمال الإنسانيّ. وليس هذا فحسب، بل تشمل عنايته وبركاته الأمور التكوينيّة ككمال العقول ومجاورة الحمل للذئب، ومن هنا تفتح الأبواب على الحديث عن أنّ المذكورات هي جميعها مصاديق للقسط وإقرار لطبيعة العدل الإلهيّ الجاري على يديه المباركتين، وبناءً عليه فليس المراد من العدل: العدل السياسيّ والاجتماعيّ فحسب، بل يشمل كلّ زاوية من زوايا الحياة البشريّة والكونيّة والتشريعيّة والتكوينيّة. فكما أنّ انحراف السلطان ظلم، واستقامته عدل، وكما أنّ حكم القضاة بغير الحقّ جور ونقيضه قسط، فكذلك من باب الجري والتطبيق يمكن القول بأنّ التفكّك الاجتماعيّ والتحلّل الأخلاقيّ وتهديم الأسرة جور وظلم.

فنقائضها قسط وعدل، وهذا يسوقنا إلى الفهم الدقيق لمعنى امتلاء الأرض بالجور والظلم قبل ظهوره الشريف ولم يعد هناك فرق بين استبداد الظلَمة وعتوِّ الدول المستكبرة، وبين تخلّي الأمّة عن مبادئها وهجران الأفراد للقيم. وبعد التسليم بهذه المقدّمة فحري بنا أن ننتفض لنقوم بثورة قيميّة في عصر الغيبة الكبرى لنحافظ على مبادئنا وقيمنا ونتحلّى بمكارم الأخلاق ونستقيم كما أُمرنا حتّى لا نكون من المساهمين


174


في نشر الفساد، ولكيلا نلتقي مع الجبابرة والظلمة في ملء الأرض بالظلم والطغيان. وسأسلط الضوء على بعض عناصر الجور والظلم الاجتماعي.

محاور الموضوع
الجانب الأوّل: العلاقات الاجتماعيّة

يجب أن تقوم العلاقات الاجتماعيّة على أساس يبنى عليه رحمة الكبير والقوي للصغير والضعيف وبالمقابل يبادلانهما بالاحترام والتقدير، وسيؤدّي هذا بالطبع إلى رعاية حقوق القاصرين والمستضعفين، وبالتالي لا يبقى أيّ مورد لتهديد الآخرين في أنفسهم وممتلكاتهم، هذا بخلاف ما لو كانت العلاقات الاجتماعيّة تقوم على أساس التنافس الماديّ والتزاحم الجسمانيّ فتؤدّي بالعنصر البشريّ إلى التمايز الطبقيّ، وتكون السيطرة للأقوى وبذلك تنسلخ البشريّة من إنسانيّتها وينتشر البغض والحسد والكراهية. وحينها يفقد المجتمع قيمه وأخلاقه، فقد ورد عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "وذلك عندما تصير الدنيا هرجاً ومرجاً ويغار بعضهم على بعض فلا الكبير يرحم الصغير ولا القوي يرحم الضعيف فحينئذٍ يأذن الله له بالخروج"1، وفي رواية عن ابن عبّاس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل قال صلى الله عليه وآله وسلم: "فعندما يأتي قوم من المشرق وقوم من المغرب فالويل لضعفاء أمّتي منهم


175


والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيراً ولا يوقّرون كبيراً، لايتجافون عن شيء، جثثهم جثث الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين"2.

الجانب الثاني: العلاقات الإسلاميّة الأسريّة

الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، فإذا تصدّعت انهار المجتمع بالكامل، وتتعرّض الأسرة في هذه الفترة إلى تحوّلات عجيبة بسبب عدم التزامها بالقيم، من قبيل ظلم الزوج لحقوق زوجته، أو عدم رعاية الزوجة لحقوق زوجها وهكذا لو أضحى الولد عاقّاً لوالديه وتخلّى الوالدان عن مسؤولّيتهما في تربية الأبناء، ويدلّ عليه ما عن ابن عبّاس عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "يكثر الطلاق والفراق والشكّ والنفاق...ويكثر أولاد الزنا"3. ويقول الإمام الصادق عليه السلام: "ورأيت العقوق قد ظهر واستخفّ بالوالدين...ورأيت الأرحام قد تقطّعت"4.

الجانب الثالث: تبدّل القيم

من الخطورة بمكان أن يرى المرء القبيح فيرتكبه وينظر إلى الحسن فيتركه، وأخطر منه أن يرى القبيح حسناً والحسن قبيحاً، وأخطر من كلّ ذلك أن يأمر بالقبيح وينهى عن الحسن، وعندما يؤول الأمر بالمجتمع إلى أن يعطف الهدى على الهوى لا العكس، وكذلك يعطفون القرآن على الرأي وليس العكس وهكذا


176


يفضي إلى إحياء البدعة وموت السنّة، وقد أشير إلى ذلك في مجموعة من الراويات، منها عن الإمام العسكريّ عليه السلام وهو يخاطب أبا هشام الجعفريّ فيقول له: "يا أبا هشام، سيأتي زمان على النّاس وجوههم ضاحكة مستبشرة وقلوبهم مظلمة منكدرة، السنّة فيهم بدعة والبدعة فيهم سنّة"5.

الجانب الرابع: قيمهم ثرواتهم

إذا أصبحت القيمة لأصحاب رؤوس الأموال والكلمة للمال، فتُماث الإنسانيّة كما يُماث الملح في الماء وهذا ما يحصل في زماننا وقد أشير إليه في العديد من الأخبار والراويات فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "... والميل مع الأهواء، وتعظيم المال وبيع الدّين بالدنيا، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء"6. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "ورأيت صاحب المال أعزّ من المؤمن"7 - وعنه أيضاً: "ورأيت النّاس همّهم بطونهم وفروجهم، لايبالون بما أكلوا وبما نكحوا ورأيت الدنيا مقبلة عليهم"8.

الجانب الخامس: تضيع العبادات

إذا لم تنه الصلاة عن الفحشاء والمنكر فهي ليست بصلاة، وإذا أكل الإنسان الربا، ترك الزكاة، فتنقطع العلائق بين العبد وربّه بل أمسى له إلهٌ أخر يعبده ألا وهو هواه، وهذا ما يمكن رؤيته في عصر الغيبة


177


الكبرى، وإليه يشير النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بما روي عنه: "من اشتراط الساعة إضاعة الصلوات، وإتّباع الشهوات والميل مع الأهواء...وأداء الزكاة عليهم أشدّ التعب عليهم خسراناً ومغرماً عظيماً"9، وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يبقى من الإيمان إلّا اسمه ولا من الإسلام إلّا رسمه ولا من القرآن إلّا درسه مساجدهم معمورة من البناء وقلوبهم خراب عن الهدى"10.

الجانب السادس: جهاد المجتمع

إذا تخلّى كلّ رائد من روّاد المجتمع عن دوره وعن الصفات الواجب التحلّي بها هذا ينم عن التحوّلات الكبرى في القيم الأخلاقيّة، وربّما يحصل قبيل الظهور.

خاتمة: نـور الله فـي الأرض

ما ذكر ما هو إلّا غيض من فيض ما تناولته الراويات والأخبار، ولذا فالمؤمن القابض على دينه كالقابض على الجمر، وهكذا فإنّ قلبه يذوب في جوفه كما يذوب الملح في الماء، ففي هذا الزمن لو تصوّرناه خالياً من هذا النهج المحمّديّ الأصيل الذي شيّد بنيانه الإمام الخمينيّ العظيم لما بقي بقيّة في الأرض إلّا وعمّها الجور والظلم، ولذا فَيُعَّدُ هذا المشروع من أشرف الحصون للمحافظة على القيم الإنسانيّة والمبادئ الإلهيّة، ولا غروّ في كونه كسفينة نوح على سطح الطوفان الذي غمر الأرض وكالنور في الظلمات وميزان العدل أيّام الجور والظلم.


178


هوامش

1- بحار الأنوار، ج52، ص380.
2- مستدرك الوسائل، ج11، ص374.
3- مستدرك الوسائل، ج11، ص374.
4- بحار الأنوار، ج52، ص265.
5- إكليل الممنهج في تحقيق المطلب، الكرباسي، ص128.
6- مستدرك الوسائل، ج11، ص327.
7- منتخب الأثر، ص429.
8- بحار الأنوار، ج52، ص260.
9- مستدرك الوسائل، ج11، ص372.
10- بحار الأنوار، ج22، ص453.
     
السابق الصفحة الرئيسة التالي