المحاضرة الثالثة: تجهيز المجاهد وحرمة أذيّته

الهدف:
بيان أهمّيّة بذل المال لتجهيز المجاهدين وبيان حرمة أذيّتهم.

تصدير الموضوع:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من جهزَّ غازياً بسلك أو إبرة غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر"1.


163


مقدّمة:
إنّ الدفاع عن الإسلام والوقوف في وجه الأعداء يقتضي توفّر الإمكانيّات التي تمكّن الجند من تحقيق النصر، وأمّا تحديدها فهو محكوم لمقتضيات المعركة بعد دراسة لطبيعتها ولمعرفة احتياجاتها، فمنها حاجات ثابتة في كلّ معركة، من تأمين الجند والسلاح والمال. وهناك حاجات متغيّرة تتعلّق بظروف كلّ معركة من حيث عدد أفراد الجند في المعسكر المقابل، ونوعيّة السلاح والعتاد الحربيّ، ومستوى التهديدات، إلى غير ذلك من التفاصيل التي لا بدّ من دراستها والإطلاع عليها لسدّ الثغرات تلافياً لما قد يشكّل مفاجأة في الميدان فيغيّر مسار الحرب ويؤثّر في النتائج.

ومن الأمور التي تجدر الإشارة إليها فكما أنّ أية معركة تتطلّب ما تقدّم، فهناك متطلّبات أخرى ينبغي العمل على توفيرها لما بعد المعركة كتقديم العلاج للجرحى. وربّما يستدعي رعاية مستدامة في حال وجود إعاقة دائمة، وكذلك احتضان عوائل شهدائهم وتأمين الحياة الكريمة لهم، وقد تحتاج هذه المسائل إلى أموال طائلة تزيد كثيراً على ما تحتاج إليه أي معركة على المستوى الميدانيّ. والخلاصة: فإنّ المال يشكّل أحد الأركان الأساسيّة لأيّ حرب مهما كانت ظروفها وطبيعتها ويمكن توزيعه على ثلاث مراحل:
الأولى: ما قبل المعركة، حيث ينفق على تجهيز المجاهدين من سلاح


164


وعتاد وأمتعة وما يقدّم لهم من أموال نقديّة في أيديهم لتأمين عوائلهم وأسرهم كما عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "والمجاهد في سبيل الله إن جُهِّز بمال غيره فله فضل الجهاد ولمن جهّزه فضل النفقة في سبيل الله وكلاهما فضل والجود بالنّفس أفضل في سبيل الله من الجود بالمال"2.

الثاني: أثناء المعركة لتوفير مقدار من المال كاحتياط لمواجهة أي طارئ يحدث أثناء نشوب المعركة.

نشوب المعركة:

الثالث: توفير مقدار من المال ربّما يزيد على ما ينفق على المعركة ومقدّماتها، وهذا خاصّ بالجرحى وعوائل الشهداء ولإصلاح البيوت والمزروعات وغيرها ممّا لحق بها الفساد من جرّاء المعركة. ولأجل هذه الأمور وغيرها ربّما نجد أنّ القرآن الكريم قد قرن في أكثر الأحيان حين الحديث عن الجهاد بين الجهاد بالنّفس والمال، ومن الملاحظ أنّ الآيات الشريفة تارة قدّمت الجهاد بالمال على الجهاد بالنّفس وأخرى بالعكس، وعلى سبيل المثال، فمن النحو الأوّل قوله تعالى: ﴿انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ3


165


ومن النحو الثاني قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ4 ومن المؤكّد أنّ التقديم والتأخير لحكمة، ولعلّ الحكمة في ذلك إمّا بلحاظ أنّ الحاجة للمال أكثر من غيرها فقدّمها، وإمّا بلحاظ ما ذكرناه سابقاً من أنّ طبيعة أيّ معركة تحتاج إلى المال في بدايتها وبعدها وأثناءها فكان التقديم والتأخير لأجل ذلك. وربما خفي علينا وجه الحكمة والله العالم.

المال قيام وقوّة:
جاء في القرآن الكريم على ذكره باعتباره يشكّل مقوّماً أساسيّاً للبشريّة وحصره في أمرين الأوّل الكعبة الشريفة إذ تعدّ المناط الرئيسيّ لإصلاح أمورهم الدينيّة والدنيويّة لما تُهَيِّئُه من جوِّ الأمن والأمان للنّاس. وقد أشار إلى هذه الحقيقة قول الله تعالى: ﴿جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ5 والأمر الآخر الأموال إذ يعدّ هو الآخر قوام حياة النّاس ومناط معاشهم، وتمّت الإشارة إليه في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ


166


اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا6 وعندما ننفق جزءا من الأموال للمجهود العسكريّ إنّما هو إنفاق لما يكون فيه قوّة للجند وقيام للنّاس؛ ويدلّ على ذلك ما جاء في كلام أمير المؤمنين في عهده لمالك الأشتر حيث قال له: "ثمّ لا قوام للجنود إلّا بما يُخرج الله لهم من الخراج الذي يقوَوْنَ به علىجهاد عدوّهم ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ويكون من وراء حاجتهم"7. تبيّن لنا من خلال هذه الفقرة أنّ للمال مهامَّ ثلاثاً على مستوى المعركة:
• يعتبر أحد مصادر القوّة التي يُستند إليها لمجاهدة الأعداء.

• يُعتمد على المال فيما يصلح شؤونهم الدينيّة والدنيويّة.

• يُعينهم على قضاء حوائجهم الأسريّة والحياتيّة، ولذا نجد الدول في عصرنا الحاضر تخصّص أكبر جزء من مدخولها القومي لصالح وزارة الدفاع من أجل التسليح والتدريب والتجهيز.

وينبغي الإلتفات إلى قضيّة في غاية الأهمّيّة على مستوى الدعم المالي للمجاهدين، أنّه في ما يقدّم لهم أحياناً هو قليل بالحسابات الماديّة، بل ربّما قد لا يحتاجون إليه، ولكن قيمته معنويّة لما له من آثار طيّبة وكثيرة في نفوس المجاهدين بما يكشف عن عمق التضامن معهم والشعور بمسؤوليّاتهم اتجاههم. فعلى سبيل المثال لو أرسل النّاس إلى حيث


167


يرابطون أو يواجهون بعض وجبات الإفطار، أو قدَّموا الطعام الطازج، أو العمل على تنظيف ثيابهم، إلى غير ذلك من الأعمال الصغيرة التي تساهم في ارتفاع معنويّاتهم أمام أعدائهم.

دعم المجاهدين بوسائل مختلفة:

ليس لدعم المجاهدين لون واحد، بل هناك سبل متعدّدة يمكن التعويل عليها لتقديم الإعانة للمقاتلين. وأمّا ذروة الدعم وسنامه فهو الحضور معهم ثمّ يأتي في المرحلة الثانية دعمهم بالمال، ثمّ يتلوها الدعم الإعلاميّ، ثمّ الدعم بالدعاء لهم بالحفظ والنصر والظفر.

الجهاد الإعلاميّ كان سابقاً يعتمد بالدرجة الأولى على اللسان، أمّا اليوم فيضاف إليه ما يتلقّاه المتلقّي مشاهدة وسماعاً وقراءةً، ويدلّ عليه ما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من بلّغ رسالة غازٍ كان كمن أعتق رقبة وهو شريكه في ثواب غزوته"8.

وأمّا مادّة وموضوع هذا النوع من الجهاد فممّا يؤدّي إلى الحفاظ على معنويّات المجاهدين وما يعزّز صمود النّاس الذين يقيمون خلف خطوط الجبهة، ولا بدّ من الحديث أيضاً عن دور الأمّة في احتضان المجاهدين وتقديم الدعم لهم، وبيان أهمّيّة الجهاد ومقام المجاهدين عند الله سبحانه وتعالى، إلى غير ذلك ممّا يدخل في ثقافة الجهاد عندهم ويحوّلهم إلى أصحاب بصيرة. ويدلّ على هذا اللون من الجهاد كلام أمير المؤمنين:


168


"جاهدوا في سبيل الله ... فإن لم تقدروا فجاهدوا بألسنتكم"9.

وأمّا الجهاد بالقلب بمعنى أن يكون الإنسان محبًّا للمجاهدين ولجهادهم ويفرح لنصرهم ويحزن لإنكسارهم وفشلهم ويدلّ عليه ما جاء على لسان أمير المؤمنين عليه السلام عقيب حرب الجمل وقد قال له بعض أصحابه: وددت أن أخي فلاناً كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعدائك، فقال له عليه السلام: "أَهَوى أخيك معنا؟" فقال: نعم، قال: "فقد شهدنا، ولقد شهدنا! في عسكرنا هذا أقوامٌ في أصلابِ الرجالِ وأرحامِ النساءِ، سَيَرْعَفُ بهم الزمانُ ويقوى بهم الإيمان"10.

ومن مصاديق الجهاد بالقلب أن يرى جهاد المجاهدين معروفاً فيأمر به وأن يرى ما عليه أعداء الله منكراً فينهى عنه ويدلّ عليه قول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: "إنّ أوّل ما تقلبون عليه من الجهاد، الجهاد بأيديكم ثمّ بألسنتكم ثمّ بقلوبكم، فمن لم يعرف بقلبه معروفاً ولم ينكر منكراً، قُلب، فجعل أعلاه أسفله"11.

وأيضاً من مصاديقه الدعاء لهم وتثبيت أقدامهم وتسديد ضرباتهم وإنزال النصر عليهم.

كفّ الأذى عن المجاهدين وعن عوائلهم:

إنّ فلسفة تشريع الجهاد هي الدفاع عن دين الله سبحانه وتعالى وعن


169


عزّة الأمّة وكرامتها، فأيّة أذيّة تصيب مجاهداً ولو بغيبته فقد تضعف من قوّته، وبالتالي ربّما يؤدّي ذلك إلى فشل تحقيق أهداف المعركة ويعزّز من قوّة شوكة أعداء الله تعالى، ولأجل الحفاظ على منجزاتهم وتحصيناً لمشروعهم كان الله تعالى كفيلاً بحمايته والدفاع عنه, فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من اغتاب غازياً أو آذاه أو خلفه في أهل بخلافة سوء نُصِبَ له يوم القيامة علم فيستفرغ بحسناته ويركس في النّار"12.


170


هوامش

1- مستدرك الوسائل، ج2، ص 245.
2- مستدرك الوسائل، ج2، ص 245.
3- التوبة: 41.
4- سورة التوبة، الآية 111.
5- سورة المائدة، الآية 97.
6- سورة النساء، الآية 5.
7- نهج البلاغة، عهده إلى مالك الأشتر.
8- وسائل الشيعة، ج11، ص 14.
9- بحار الأنوار، ج 100، ص 49.
10- نهج البلاغة، خطبة 12.
11- بحار الأنوار، ج100، ص 89.
12- بحار الأنوار، ج100، ص75.
     
السابق الصفحة الرئيسة التالي