المحاضرة الثالثة: الدنيا مزرعة الآخرة

الهدف:
توعية النّاس إلى فهم الدنيا وما يُراد منها، والاستفادة منها بقدر ما يتحمّلون.

تصدير الموضوع:

قال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ1.


211


عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما سأله يزيد بن سلام: لمَ سمّيت الدنيا دنيا؟ قال: "لأنّ الدنيا دنيّة خُلقت من دون الآخرة، ولو خلقت مع الآخرة لم يفن أهلها كما لا يفنى أهل الآخرة".

قال: فأخبرني لِمَ سميت الآخرة آخرة؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لأنّها متأخّرة تجيء من بعد الدنيا، لا توصف سنينها، ولاتحصى أيّامها، ولا يموت سكّانها"2.

مقدّمة

من نصائح الإمام عليّ عليه السلام لولده الإمام الحسن عليه السلام: "... واعلم أنّ أمامك عقبةً كؤوداً، المُخِفّ ‏ُفيها أحسن حالاً من المُثقِل، والمبطئ عليها أقبح حالاً من المسرع، وأنَّ مهبطك بها لا محالة على جنّة أو على نار، فارتد لنفسك قبل نزولك، ووطِّئ المنزل قبل حلولك، فليس بعد الموت مستعتب ولا إلى الدنيا منصرف3.

تُختصر الدنيا عند أمير المؤمنين عليه السلام في: "أن تعبد الله بقدر حاجتك إليه، وأن تعصيه بقدر صبرك على النّار، وأن تعمل لدنياك بقدر عمرك فيها، وأن تعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها"4.

محاور الموضوع

الدنيا مزرعة ومال لنشتري به الآخرة، فقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "الدنيا مزرعة الآخرة"5.


212


الدنيا لحظات ودقائق وثوان، وفرصة نستفيد للأخذ منها لا اعطاءها، فالدنيا ساعة فلتكن طاعة وعبادة، كما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "نِعْمَ العون على الآخرة الدنيا"6.

أعمارنا بقدر أنفاسنا، فكلّما نقص واحد قربنا من نهاية الأجل خطوة، قال أمير المؤمنين عليه السلام: "نفس المرء خطاه إلى أجله"7.

نستفيد من الدنيا قدر حاجاتنا لعدم وجود ما يعمّر فيها ويقاتل من أجله الإنسان، ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّما سمّيت الدنيا دنيا لأنّها أدنى من كلّ شيء، وسمّيت الآخرة آخرة لأنّ فيها الجزاء والثواب"8.

الدنيا دار اختبار وامتحان:
قال الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ فيما ناجى الله تعالى به موسى عليه السلام أن قال: إنّ الدّنيا ليست بثواب للمؤمن بعمله ولا نقمة للفاجر بقدر ذنبه، وهي دار الظّالمين إلّا العامل فيها بالخير، فإنّها له نعمت الدّار"9.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "اخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها اختُبرتم ولغيرها خُلقتم"10.

أقسام النّاس في الدنيا:
محبٌّ عاشق لها، ومصاحب على حذر منها، قال الإمام عليّ عليه السلام: "النّاس أبناء الدنيا، ولا يُلام الرجل في حبّ أمّه"11، ولكن صفات محبّ الدنيا أنّه أحبّ الدنيا ونسي الآخرة وهذا مذموم وممنوع،


213


ويزيد بعضهم بأن يُعرض عن ذكر الله تعالى، قال تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا12.

وقسم ثالث طامع في رحمة الله، لكنّه لا يبادر إلى التوبة والعودة إلى? تعالى، بل ينغمس في المعاصي ويتمنّى أن يُغفر له ويتأمّل في الوصول إلى الشفاعة، قال تعالى:
﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا13, لكن الله عزَّ وجلَّ لن يغفر لهم؛ لأنّهم مستهزئون وغير جادّين في العودة إلى الله تعالى, لأنّ الدنيا غرّتهم بسوف ووقعوا في شباك إبليس بالتمنّي.

وأمّا أمير المؤمنين عليه السلام فقد فهم الدنيا ووعاها ونظر في التاريخ وتدبّر آياته وعِبْراته فوصل إلى نتيجة فقال للدنيا: "إليك عنّي يا دنيا، لقد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك...

المعصية في الدنيا منغّصات الآخرة وصعوبة في الحسابات وكلّ محطّات الآخرة.

والدنيا لا أهمّيّة لها سوى أنّها زاد للآخرة، ومصدر طاقة ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.

الدنيا للمؤمن فرصة لن تتكرّر وساعة ستذهب ولن تعود فاستفاد ووعى من انتهز كلّ أوقاته فكانت كلّها لله وفي سبيل الله، إذن إذا كانت الدنيا ساعة فلتكن لنا طاعة وعبادة.


214


هوامش

1- سورة سورة الحديد، الآية 20.
2- بحارالأنوار، ج57، ص356، ح2.
3- نهج البلاغة، من وصيّة له عليه السلام 130.
4- تنبيه الخواطر ورّام، ج2، ص37.
5- عوالي اللآلي، ج1، ص267.
6- الكافي، ج5، ص 72.
7- نهج البلاغة، حكمة 74.
8- الصحيح من سيرة الإمام عليّ عليه السلام، ج 23، ص 210؛ علل الشرائع، ج2، ص1.
9- بحار الأنوار، ج13، ص 353.
10- بحار الأنوار، ج 78، ص 67.
11- نهج البلاغة، الحكمة 303.
12- سورة النجم، الآية:29.
13- سورة الأعراف، الآية:169.
     
السابق الصفحة الرئيسة التالي