المحاضرة الثالثة: حبس الحقوق والنفقات "الزوجة والأولاد والعمال"

الهدف:
بيان ضرورة أداء الحقّ لصاحبه وعدم الاستخفاف به.

تصدير الموضوع:

تعن الإمام عليّ عليه السلام: "من يمطل على ذي حقّ حقّه وهو يقدر على أداء حقّه فعليه كلّ خطيئة عشار".


57


مقدّمة:
كلّ إنسان حينما يبلغ سنّ التكليف وعندما يبدأ القلم بتسجيل الحسنات والسيّئات وإحصاء كلّ شيء من قول وفعل، فعليه أن يراقب تصرّفاته وأعماله من عبادات ومعاملات، وعليه أيضاً مراعاة الحقوق والواجبات اتجاه الآخرين، وليعلم أنّه من قصّر في حقّ الله تعالى ثمّ تاب إليه توبة نصوحاً لوجد الله توّاباً رحيماً، أمّا من قصّر في حقوق البشر فإنّه لو تاب إلى الله فلا يتوب عليه حتّى يرضى صاحب الحقّ أو يسامح بحقّه، ومن هنا فما أكثر الذين يتعلّقون بالآخرين يوم القيامة يريدون أن ينتزعوا منهم حقوقهم التي سُلبت منهم في دار الدنيا، فعلى سبيل المثال: الديون الماليّة نلاحظ المتشاكسين فيها أكثر من المتراضين، والذين يستخفّون بالوفاء بها أكثر من المبادرين لإيفاء الديون المترتّبة عليهم، وكم عدد الذين يموتون من دون أن يوصوا، روى معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله إنّه ذكر لنا أنّ رجلاً من الأنصار مات وعليه ديناران ديناً فلم يصلِّ عليه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: "صلّوا على صاحبكم حتّى ضمنها عنه بعض قرابته؟" فقال أبو عبد الله عليه السلام: "ذلك الحقّ، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّما فعل ذلك ليتعظوا وليردّ بعضهم على بعض ولئلّا يستخفّوا بالدَّين..."1.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من يمطل على ذي حقّ حقّه وهو يقدر على أداء حقّه فعليه كلّ يوم خطيئة عشار"2.


58


ولأجل ما ذكر كان التشدّد في الشرع بما يتعلّق بحقوق الآخرين وعدم التساهل ولعلّه يعتقد البعض بأنّ التساهل بحقوق بعض أقاربه كالزوجة والأولاد والوالدين لا يضرّه وهي أدنى من حقوق الآخرين، فالحقّ هو الحقّ سواء كان قريباً أم بعيداً. وسنتناول حقوق وواجبات بعض الأصناف لبيان الحقّ فيها.

حقوق وواجبات الأولاد:

فكما أنّ الوالد يعتقد بأنّ له واجبات وحقوقاً على ولده فعليه أن يعلم بأنّ لولَدِه عليه أمثالها، وإن كانت حقوق الوالدين أعظم فعلى الوالد أن يقوم بخطوتين:
الأولى: التعرّف على حقوق وواجبات ولده عليه.
الثانية: أن يقوم بأدائها إليه.

أمّا بالنسبة إلا الخطوة الأولى يمكن أن نستخلص جلّ الحقوق من مجموعة الروايات الواردة في المقام وهي:
1- أن يحسّن اسمه.

2- أن يحسّن أدبه.

3- أن يعلّمه الكتابة.

4- أن يعلّمه القرآن الكريم.


59


5- أن يعلّمه السباحة والرماية.

6- أن يضعه موضعاً حسناً.

7- أن يطعمه الطعام الحلال.

8- أن يزوّجه إذا بلغ.

ويدلّ ما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "حقّ الولد على والده أن يعلّمه الكتابة، والسباحة، والرماية، وأن لا يرزقه إلّا طيبا"3.

وكذلك ماجاء في نهج البلاغة فقال: "حقّ الولد على الوالد أن يحسّن اسمه ويحسّن أدبه ويعلّمه القرآن"4.

وكذلك ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من طريق العامّة فقال: "من بلغ ولده النّكاح وعنده ما ينكحه فلم ينكحه ثمّ أحدث حدثاً فالإثم عليه"5.

وكما نلاحظ إنّ أكثر الحقوق المتوجّبة على الوالد تحتاج إلى نفقات ماليّة فلا يجوز للوالد أن يحبس عن ولده ما يستوجب من نفقات، عليه أيضاً أن لا يستخفّ بحقّه ليحرص على ماله بحجّة عدم ضرورة ذلك، فأكثر الأولاد الذين قصّر في حقّهم من قبل آبائهم غاضبون أو عاتبون، وهنا نقول كلمة واحدة رحم الله والداً أعان ولده على برّه، وكما قال الإمام الصادق عليه السلام: "برّ الرجل بولده برّه بوالديه"6.


60


حبس الحقوق والنفقات عن الزوجة:
هنا لا بد من بيان حقوقها المتوجّبة على الزوج لنعرف أنّ ما حبسه عن زوجته أهو من الحقوق ومن ضمن النفقات الواجبة أم لا؟ والحديث هنا خاصّ بالحقوق الماليّة فقط وهي على النحو التالي:
- النفقة. - المهر.

وتتضمّن النفقة المطعم والملبس والمسكن، وأمّا المطعم والملبس، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "حقّ المرأة على زوجها يسدّ جوعتها وأن يستر عورتها..."7.

والجدير ذكره إنّ هذه النفقات لم تعد في الشرع أحكاماً فحسب بل من الحقوق بالمعنى الخاصّ، بمعنى أنّ ما كان حكماً فلو تركه المكلّف فلا يجب قضاؤه ومن هذا القبيل نفقات الوالدين والأولاد، وأمّا ما كان حقّاً فلو تركه وجب قضاؤه وأداء ما عليه ولا تبرأ الذّمّة بمضي عامل الزمن ومن هذا القبيل نفقات الزوجة.

وأمّا خصوص المهر: فمن أكثر الحقوق التي يستخفّ بها الرجال هو مهور أزواجهن، فإن أمسكها فلا يؤدّيها المعجّل وإن أراد تسريحها فلا يطلّقها حتّى تتنازل عن حقّها المؤجّل وهو أشبه بالإكراه، وهنا يجب على الزوج أن يؤدّي الصداق إليها إلّا ما طابت نفسها عنه وتركته له حيث قال تعالى: ﴿وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا8.


61


ومع عدم تنازلها عن حقّها أو عن شيء منه فعليه أن يؤدّيها حقّها ولا يحلّ له مهرها بنصّ القرآن حيث يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ9 وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : "إنّ الله غافر كلّ ذنب إلّا رجل اغتصب...أو مهر امرأة"10.

حبس حقوق الأجير:

لا يؤجر الإنسان نفسه للآخرين إلّا نتيجة الحاجة التي يواجهها وإلّا فلا يرضى الإنسان أن يسلّط الآخرين على نفسه أو عمله، ومن هنا فينبغي على المستأجر أن يقدّر ويخدم الأجير بمعنى أن يعلم جيّداً أنّ هذا الذي يريد أن يدفع إليه شيئاً من ماله فقد سخّر قدرته وإمكاناته له ووضع نفسه بتصرّفاته، فعليه أن يُشعر العامل بالمحافظة على عزّة نفسه وأنّه أحرص عليها من المال البخس الذي سيدفعه إليه لقاء عمله.

وأمّا بالنسبة لحقوقه:

فعلى المستأجر أن يقوم بالإجراءات التالية:
أوّلاً: أن يعلّمه بالأجرة.

ثانياً: أن يؤدّي الأجرة المتّفق عليها سابقاً وإيّاه وظلم الأجير أجره.

ثالثاً: من الآداب أن يؤدّي الحقّ قبل أن يجفّ عرقه.


62


ويدلّ على الأوّل: ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يستعملن أجيراً حتّى يعلم ما أجره..."11.

ويدلّ على الثاني: فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من ظلم أجيراً أجره أحبط الله عمله وحرم عليه الجنّة، وإنّ ريحها لتوجد من مسيرة خمسمائة عام"12.

وعن الأصبغ بن نباتة قال: كنت جالساً عند أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة فأتاه رجل من بجيلة يكنّى أبا خديجة قال: يا أمير المؤمنين أعندك سرّ من سرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحدّثنا به؟ قال نعم: يا قنبر ايتني بالكتابة... مكتوب فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم أن لعنة الله وملائكته والنّاس أجمعين على من انتمى إلى غير مواليه...ولعنة الله وملائكته والنّاس أجمعين على من ظلم أجيراً أجره"13.

ويدلّ على الثالث: عن شعيب قال: تكارينا لأبي عبد الله عليه السلام قوماً يعملون في بستان له وكان أجلهم إلى العصر، فلمّا فرغوا قال لمعتّب: "أعطهم أجورهم قبل أن يجفّ عرقهم"14.

خاتمة:

قال الإمام الرضا عليه السلام: "اعلم أنّه ما من أحد يعمل لك شيئاً بغير مقاطعة ثمّ زدته لذلك الشيء ثلاثة أضعاف على أجرته إلّا ظنّ إنّك قد


63


نقصته أجرته وإذا قاطعته ثمّ أعطيته أجرته حمدك على الوفاء، فإن زدته حبّة عرف ذلك، ورأى أنّك زدته"15.


64


هوامش

1- وسائل الشيعة،ج13، ص79، باب2.
2- بحار الأنوار، ج103، ص146، باب3.
3- كنز العمّال،ح 45340.
4- نهج البلاغة، الحكمة 399.
5- كنز العمّال، 45337.
6- بحار الأنوار، ج 104،ص 93؛ من لا يحضره الفقيه، ج3، ص311.
7- بحار الأنوار، ج103، ص254.
8- سورة النساء،الآية: 4.
9- سورة البقرة، الآية:229.
10- مستدرك الوسائل، ج2، ص508.
11- وسائل الشيعة،ج3، ص245.
12- بحار الأنوار، ج103، ص166.
13- مستدرك الوسائل، ج2، ص508.
14- مستدرك الوسائل، ج13، ص246.
15- مستدرك الوسائل، ج13، ص245.
     
السابق الصفحة الرئيسة التالي