تصدير الموضوع: قال تعالى: ﴿وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها﴾1.
الهدف: إلفات النظر إلى أن الأسرة هي أهم بيئة وأفضل مكان لتعلم ونشر ثقافة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
مقدمة
إن مراعاة الأحكام والآداب الشرعية داخل المنزل والتشديد عليها من أهم الأمور التربوية التي ينبغي أن ينشأ عليها أولادنا داخل حضن الأسرة، مما يجعل هذه الأحكام سلوكاً عادياً وطبيعياً عند الأولاد، ينكرون الخروج عنه ويرفضون عدم التقيد به، كما أن الإستهتار عن هذه الأحكام وعدم مراعاتها تجعل أولادنا يستخفون بها ولا يراعون تطبيقها، فما هو واضح أن سلوك الأهل داخل البيت يبقى مثلاً أعلى للأولاد في بداية أعمارهم وهي اللبنة الأولى التي تبنى شخصيتهم عليها.
مسؤولية الأهل تجاه أبنائهم
لا يخفى ما لدور الأهل من أهميةٍ خطيرة وأساسية في توجيه أبنائهم وهدايتهم، ومن هنا فقد بيّنت الشريعة أدق التفاصيل التي ينبغي على الأهل مراعاتها مع أبنائهم، قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة﴾2.
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة".
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الزموا أولادكم وأحسنوا آدابهم، فإن أولادكم هدية إليكم"3.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال حب نبيكم وحب أهل بيته وعلى قراءة القرآن"4.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال علموا أولادكم القرآن فانه أول ما ينبغي أن يتعلم من علم الله هو القرآن5.
مما وعظ لقمان لابنه
في سورة لقمان وردت عدة آيات في بيان وصايا لقمان لابنه, هذه الآيات تشكل مجموعه من الارشادات والوصايا المختلفة الجوانب، فمنها اجتماعية وادارية وأخلاقية وغير ذلك، مما تعتبر رعايتها والاهتمام بها من الامور المهمة في حياة كل فرد, بل وتلقي ضوءاً ساطعاً أمامنا على طبيعة الأمور التي ينبغي أن يحرص الأهل على تربية أولادهم وتنشئتهم عليها، ومن جملتها انه قال مما ورد في القرآن الكريم:
التحذير من الشرك: فالشرك أخطر الذنوب وأبعدها عن المغفرة الإلهية، ولا تستقيم معها عبادة أو طاعة، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم﴾6.
الصلاة: باعتبارها عمود الدين وأساس العلاقة مع الله تعالى، قال تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾.
وعن الإمامُ الصادق عليه السلام: "قالَ لُقمانُ لِابنِهِ:... يا بُنَيَّ، وإذا جاءَ وَقتُ صَلاةٍ فَلا تُؤَخِّرها لِشَي ءٍ، وصَلِّها واستَرِح مِنها فَإِنَّها دَينٌ"7.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور﴾8. فلعل في التعقيب بالصبر بعد الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إشارة إلى أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو أحوج من غيره إلى الصبر، إلا أنه يؤكد أن ذلك مما يقوي إرادة الإنسان وينمي شخصيته الإيمانية.
عدم التكبر: قال تعالى: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور*ٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير﴾9. فالتواضع سمة الصالحين التي ينبغي أن تبقى ملازمة لهم بل علامة فارقة في سلوكهم وتصرفاتهم بشكلٍ عام.
فائدة أخرى: التربية على الإيمان باليوم الآخر وبالحساب وبالرقابة والدقة الإلهية في الحساب.
عدم استصغار ذنب وعدم التجروء على الصغائر: فمن لا يلتفت إلى صغائر الأمور لا يلتفت إلى كبائرها، قال تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾10.
ومما ورد فيما وعظ لقمان لابنه قوله: "يا بني بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا و لا تبع آخرتك بدنياك تخسرهما جميعا"11.
التعرف على أصناف الناس: وكما يبيّن لقمان لابنه معالم العلاقة مع الله، فإنه كذلك يبيّن له أسس العلاقة مع الناس والمجتمع، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال في حديثٍ طويل نقتطع منه ما وعظ لقمان إبنه مما يفيد في معاشرة الناس: "قال لقمان لابنه: يا بني لكل شئ علامة يعرف بها ويشهد عليها، إلى قوله: وللمتكلف ثلاث علامات، ينازع من فوقه، ويقول ما لا يعلم، ويتعاطى ما لا ينال. وللمنافق ثلاث علامات، يخالف لسانه قلبه، وفعله قوله، وعلانيته سريرته، وللغافل ثلاث علامات: اللهو، والسهو، والنسيان"12.
وللكسلان ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرط، ويفرط حتى يضيع، ويضيع حتى يأثم، واللمرائي ثلاث علامات، يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان الناس عنده، ويتعرض في كل أمر للمحمدة13 .
وورد أن لقمان قال لإبنه: "يا بني، اتخذ الف صديق والف قليل ولا تتخذ عدوا واحدا والواحد كثير"14.
وقال له: "إياك والحسد، فانه يتبين فيك، ولا يتبين فيمن تحسده"15.
1- طه، 132.
2- التحريم، 6.
3- شرح رسالة الحقوق، ص582.
4- شرح احقاق الحق، السيد المرعشي، ج24، ص608.
5- من فضائل القران، ص24.
6- لقمان 13.
7- الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، ج14، ص58.
8- لقمان 17.
9- لقمان 18.
10- لقمان 16.
11-بحار الانوار، المجلسي، ج13، ص422.
12- تفسير نور الثقلين، الحويزي، ج4، ص473.
13- ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص1020.
14- وسائل الشيعة، ج12، ص16.
15- ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص1458.