تصدير الموضوع: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾1.
الهدف: الإطلالة على مفهوم الشفاعة من خلال بعض الآيات التي ورد ذكرها في القرآن الكريم وبيان المعنى الشرعي لها.
مقدمة
كثيرةٌ هي الآيات التي تحدثت عن الشفاعة في القرآن الكريم سواءً إثباتاً أو نفياً أو مقيدةً مما يكشف أن هناك معنىً دقيقاً جامعاً لهذه الآيات ويشكل تفسيراً موحداً لهذه الإستعمالات المتفاوتة في الظاهر المتحدة في المعنى والدلالة، هذا التفسير الذي من الضروري على كل مسلم فهمه والإعتقاد به والإيمان بتأثيراته على حياته سواء في الدار الدنيا أو في الدار الآخرة.
تعريف الشفاعة:
عُرِّفت الشفاعة بأنها "السؤال في التجاوز عن الذنوب من الذي وقعت الجناية في حقه"2.
آيات الشفاعة
ويمكن تصنيف ايات الشفاعة الى ثلاثة اصناف: آيات انكار الشفاعة، آيات انكار شفاعة غير الله وآيات اثبات الشفاعة.
1- آيات انكار الشفاعة: وقال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ﴾3.
وقال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّه﴾4.
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾5.
وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ *وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ﴾6.
وقال تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُون﴾7.
2- انكار شفاعة غير الله: ثمة آيات في القرآن الكريم تنكر كل شفيع سوى الله:
قال تعالى: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا﴾8
قال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ...﴾9
يقول القرآن إِن قول هؤلا يكون صحيحا لو أَن الأَصنام كانت قادرة على أن تنفع او تضر وهي ليست كذلك بالطبع.
قال تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ﴾10.
قال تعالى: ﴿أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُون﴾11.
قال تعالى: ﴿وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُون﴾12.
قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾13.
فالشفاعة لله جميعا وليس المالك الحقيقي لكل شي سوى الله، له القدرة الكاملة والملك والسلطان على جميع السموات والارض.
3- آيات اثبات الشفاعة: بالاضافة الى الشفاعة الالهية، يشير القرآن الكريم الى شفاعة غيره، فهو يقول:
قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِه﴾14.
وقال تعالى: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِه﴾15.
وقال تعالى: ﴿فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيم﴾16.
يقول العلامة الطباطبائي: ان قوله: "فما لنا من شافعين"، اشارة الى ان هناك شافعين في ذلك اليوم، والا فليس ثمة ما يقتضي ذكر الشافع وبلفظ الجمع، وكان الأَولى أَن يقول: لا شافع لنا، بمثلما قال: "فما تنفعهم شفاعة الشافعين"، ويقول ايضا: "و لا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إِلا من شهد بالحق و هم يعلمون"17 .
وقال تعالى: ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾18 .
وقال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾19.
وقال تعالى: ﴿وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير﴾20.
وقال تعالى: ﴿وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى﴾21.
النتيجة هي ان شفاعة غير الله موجودة يوم القيامة، ولكنها لا تكون الا بعد ان ياذن الله بذلك لأنه المالك الحقيقي لهذه الشفاعة وهو الذي يمنحها لمن يشاء من عباده.
1- البقرة، 254.
2- راجع التعريفات للجرجاني، ص56.
3- الدخان، 41.
4- الإنفطار، 19.
5- الأنعام، 94.
6- الروم، 12-13.
7- البقرة، 48.
8- الانعام 70.
9- يونس 18.
10- الزمر، 43.
11- يس، 23.
12- الأنعام، 51.
13- السجدة، 4.
14- يونس، 3.
15- البقرة، 255.
16- الشعراء، 101.
17- الزخرف، 86.
18- مريم، 78.
19- طه، 109.
20- سبأ، 23.
21- النجم، 26.