تصدير الموضوع: قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾1.
الهدف: بيان مصاديق التعامل بأذى التي ينبغي على المؤمن الإحتراز عنها في تعامله مع إخوانه المؤمنين بل وعموم الناس.
مقدمة
حرصت الشريعة على إظهار المؤمن بصورة المتسامح الودود الذي لا يضمر ضغينة أو حقداً على أي من المخلوقات أو الأشياء، وأن يتميز بشخصيةٍ إنسانيةٍ رقيقة لا تتجرأ على الإقدام على أي أمرٍ من شأنه أن يدخل الأذى أو الإهانة على أخيه، بل يتصرف من خلال احترامه لنفسه واحترامه للآخرين ويحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لها، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "فازوا والله الأبرار، أتدري من هم؟ هم الذين لا يؤذون الذر"2.
وسنستعرض بعض مفردات الأذى التي ورد النهي عنها في النصوص المقدسة:
1- الإيذاء
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من آذى مؤمنا فقد آذاني"3. ودلالة الحديث في اعتبار أن كرامة المؤمن وعزته من كرامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضحة، وبالتالي فإن الإستخفاف بها استهتار بكرامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعياذ بالله، وإيذاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعدٍ على الذات المقدسة ولذلك ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: قال الله عز وجل: "ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن"4.
2- الترويع
بمعنى التخويف وإدخال الرعب إلى قلب الآخر، فعن الإمام علي عليه السلام: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلما"5 . ولا يخفى أن الترويع هنا ليس ناظراً إلى حالات شهر السلاح والتهديد بالقتل مثلاً فإن ذلك له حكمه الخاص كما سيأتي.
3- نظرة إخافة
ومن مفردات الأذى التي قد تصدر عن المؤمن أحياناً دون أن يوليها اهتماماً نظرة الإخافة للغير والتي توعد الله عليها بالعذاب، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من نظر إلى مؤمن نظرة يخيفه بها أخافه الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله"6.
4- الإهانة
كاستعمال الألفاظ الجارحة أو بعض الكلمات النابية التي ينبغي للمؤمن الترفع عنها، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله تبارك وتعالى يقول: من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي، وأنا أسرع شئ إلى نصرة أوليائي".
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أذل الناس من أهان الناس"7. لأن الذي يهين الناس لا يشعر بإنسانيتهم وبالتالي فهو لا يشعر بإنسانية نفسه ويكفيه ذلك ذلاً.
5- الإحزان
وذلك بتفويت أمر يفرح المؤمن أو التعرض له أو لمحبيه بالإساءة أو ما شابه، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحزن مؤمنا ثم أعطاه الدنيا لم يكن ذلك كفارته ولم يؤجر عليه"8.
6- تحقير المؤمن
وذلك من خلال التعالي عليه وتصغيره والحط من شأنه فقد ورد أن لقمان عليه السلام قال لابنه: "يا بني لا تحقرن أحدا بخلقان ثيابه، فإن ربك وربه واحد"9.
ويعلل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحكم بقوله: "لا يزرأَنّ أحدكم بأحد من خلق الله فإنه لا يدري أيهم ولي الله"10.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "من حقر مؤمنا مسكينا لم يزل الله، له حاقرا ماقتا حتى يرجع عن محقرته إياه"11 .
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حسب ابن آدم من الشر أن يحقر أخاه المسلم"12.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تحقرن أحدا من المسلمين، فإن صغيرهم عند الله كبير"13.
7- إذلال المؤمن
بالحط من شأنه أو فضحه فيما خفي عن الآخرين أو التضييق عليه وما شابه، فعن علي عليه السلام: "قال الله عز وجل: ليأذن بحرب مني من أذل عبدي المؤمن"14.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من استذل مؤمنا أو مؤمنة، أو حقره لفقره أو قلة ذات يده، شهّره الله تعالى يوم القيامة ثم يفضحه"15.
8- سباب المؤمن
قال تعالى: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾16.
وعن الإمام الكاظم عليه السلام لما رآى رجلين يتسابان: "البادي أظلم ووزره، ووزر صاحبه عليه ما لم يعتدِ المظلوم"17.
وفي رواية عن عياض بن حماد: قلت: "يا رسول الله! صلى الله عليك، الرجل من قومي يسبني وهو دوني فهل علي بأس أن أنتصر منه؟ فقال: المتسابان شيطانان يتعاويان ويتهاتران"18.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه، قيل: وكيف يسب والديه؟ ! قال: يسب الرجل فيسب أباه وأمه"19.
وللسباب مصاديق كثيرة منها:
سبّ المؤمن: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر وأكل لحمه من معصية الله"20.
عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ساب المؤمن كالمشرف على الهلكة"21.
سبّ الأعداء: عن الإمام علي عليه السلام لما سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام: "إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم، اللهم احقن دماءنا ودماءهم"22.
سب الأشياء والمخلوقات والأزمنة: ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تسبوا الرياح فإنها مأمورة، ولا تسبوا الجبال ولا الساعات ولا الأيام ولا الليالي فتأثموا وترجع عليكم"23.
سبّ الناس: وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تسبوا الناس فتكتسبوا العداوة بينهم"24.
1- الاحزاب 58.
2- ميزان الحكمة، ج1، ص66.
3- مستند الشيعة، المحقق النراقي، ج14، ص159.
4- الكافي، ج2، ص350.
5- ميزان الحكمة، ج1، ص66.
6- ميزان الحكمة، ج1، ص66.
7- الامالي، الشيخ الصدوق، ص73.
8- الكافي، ج2، ص548.
9- ميزان الحكمة، ج1، ص652.
10- وسائل الشيعة، ج15، ص313.
11- ميزان الحكمة، ج1، ص652.
12- ميزان الحكمة، ج1، ص652.
13- ميزان الحكمة، ج1، ص652.
14- الكافي، ج2، ص350.
15- روضة الواعظين، النيسابوري، ص454.
16- الانعام 108.
17- الكافي، ج2، ص322.
18- ميزان الحكمة، ج2، ص1237.
19- ميزان الحكمة، ج2، ص1237.
20- الكافي، ج2، ص360.
21- ميزان الحكمة، ج2، ص1236.
22- ميزان الحكمة، ج2، ص1236.
23- ميزان الحكمة، ج2، ص1236.
24- الكافي، ج2، ص360.