تصدير الموضوع: في المروي عن أهل بيت العصمة عليهم السلام إن المحارب هو كل من شهر السلاح وأخاف الطريق، سواء كان في المصر أو خارج المصر1 .
الهدف: تكملة مصاديق التعامل بأذى التي ينبغي على المؤمن لإحتراز عنها في تعامله مع إخوانه المؤمنين بل وعموم الناس.
مقدمة
إن أذى الناس لا سيما المؤمنين منهم من أشد الأمراض الأخلاقية والخصال السيئة التي قد تصيب أي إنسان، وذلك لأن هذا الخلق السيء لا يرتدُّ سلباً على خصوص الفرد نفسه بل له إنعكاساته العامة التي تصيب المجتمع وتعمل فيه تفسخاً وتمزيقاً فتسلب منه روح التضامن وتنزع منه الإلفة والمحبة ليحل مكانها البغض والشحناء، وهذا مما يضاعف الشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة.
1- السخرية
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾2 .
واعتبر القرآن الكريم أن السخرية والإستهزاء من الصفات الملازمة لأهل النفاق، قال تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُون﴾3.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا بن مسعود ! إنهم ليعيبون على من يقتدي بسنتي فرائض الله، قال الله تعالى: ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾"4.
ويكفي من آثار السخرية ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يطمعن المستهزئ بالناس في صدق المودة"5.
2- التعيير
وهو من أشد أنواع الأذى حتى أن الله توعد صاحبه بالعار في الدنيا قبل الآخرة لما يشتمل على التوهين وإظهار المؤمن بأقبح صورة أو قل بسلب صورة الإيمان عنه، فعن نبي الله الخضر عليه السلام في وصيته لموسى عليه السلام: يا بن عمران! لا تعيرن أحدا بخطيئة، وابك على خطيئتك6.
وليكن نصب أعيننا إذا رأى أحدنا زلةً من أخيه أن الله قد يبتلينا بما ابتلى به أخانا المؤمن فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"من عير أخاه بذنب قد تاب منه لم يمت حتى يعمله"7.
وعن الإمام علي عليه السلام: "من عير بشئ بلي به"8.
واعتبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن التعيير كمن يرتكب الخطيئة من جديد فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من أذاع فاحشة كان كمبتدئها، ومن عير مؤمنا بشئ لم يمت حتى يركبه"9.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله تبارك وتعالى ابتلى أيوب عليه السلام بلا ذنب، فصبر حتى عير، وإن الأنبياء لا يصبرون على التعيير"10.
ومن أروع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: إذا زنت خادم أحدكم فليجلدها الحد ولا يعيرها11 .
عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن عيرك أخوك المسلم بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه، يكون لك أجرا وعليه إثم"12.
3- التوبيخ
وهو استخدام عبارة قاسية ومشينة أو نعت الآخر بأوصاف ونعوت لا تليق به، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "من أنَّب مؤمنا أنَّبه الله في الدنيا والآخرة"13.
4- الشماتة
وهي إظهار عدم الإهتمام بمصاب الغير ويراه مستحقاً لذلك وقد يبدي فرحاً إزاء مصاب الآخرين، والشماتة من أبرز مصاديق القلب الذي لا يعرف الرحمة بالآخرين، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تبدي الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويصيرها بك"، وقال: "من شمت بمصيبة نزلت بأخيه لم يخرج من الدنيا حتى يفتتن"14.
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك".
5- الطعن
والمراد منه تسفيه مقالة الغير ونعتها أو نعت صاحبها بما يسيئه، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله عز وجل خلق المؤمن من عظمة جلاله وقدرته، فمن طعن عليه أو رد عليه قوله فقد رد على الله عز وجل"15.
6- شهر السلاح
وهذا اللون من أذى الآخرين يشتد حكمه عند الله تعالى كونه مظهراً من مظاهر الفساد وهو ما ينافي حقيقة التدين والإلتزام، وإنما شدد القرآن الكريم في العقوبة على مثل هذه التصرفات لأنها في الواقع تفقد المجتمع أمنه وأمانه وتهدد سلمه واستقراره وتنشر القلق والتوتر في نفوس الناس، ولا يخفى ما لذلك من تبعات وآثار نفسية واجتماعية كبرى لا يمكن للشارع السكوت عنها أو التسامح فيها. قال تعالى: ﴿نَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْض﴾16.
عنه عليه السلام: "من حمل السلاح بالليل فهو محارب، إلا أن يكون رجلا ليس من أهل الريبة"17.
قال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَ..﴾: "من شهر السلاح في قبة الإسلام وأفسد السبيل وظهر عليه وقدر......"18.
وما أحوج مجتمعاتنا اليوم للترقي عن هذه التصرفات اللامسؤولة التي تزيد من تخلف المجتمع وبقائه في الحضيض.
7- الإضرار بأملاك الغير
ويختلف الحكم هنا باختلاف حجم الضرر الذي يلحقه بأملاك الغير، وقد يكبر الجرم إلى اعتبار صاحبه مفسداً في الأرض، ويحكم عليه بأشد العقوبات، فعن الإمام علي عليه السلام وقد قضى في رجل أقبل بنار فأشعلها في دار قوم، فاحترقت واحترق متاعهم: يغرم قيمة الدار وما فيها، ثم يقتل19.
1- ميزان الحكمة، ج1، ص573.
2- الحجرات 11.
3- البقرة 14.
4- ميزان الحكمة، ج2، ص1247.
5- ميزان الحكمة، ج2، ص1247.
6- ميزان الحكمة، ج3، ص2212.
7- ميزان الحكمة، ج3، ص2212.
8- ميزان الحكمة، ج3، ص2212.
9- ميزان الحكمة، ج3، ص2212.
10- ميزان الحكمة، ج3، ص2212.
11- ميزان الحكمة، ج3، ص2212.
12- ميزان الحكمة، ج3، ص2212.
13- ميزان الحكمة، ج3، ص2212.
14- ميزان الحكمة، ج2، ص1678.
15- ميزان الحكمة، ج3، ص2212.
16- المائدة 33.
17- وسائل الشيعة، ج15، ص120.
18- ميزان الحكمة، ج1، ص574.
19- ميزان الحكمة، ج1، ص572.