تصدير الموضوع: قال تعالى: ﴿اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيه﴾1.
الهدف: بيان بعض أحوال الناس التي هي من أهم مشاهد يوم القيامة في القرآن الكريم ومحاولة ربط مشاعر الناس وأحاسيسهم بها.
مقدمة
كثيرة هي الآيات التي تحدثت عن أهوال يوم القيامة وأحوال أهل الإيمان وأهل الشرك فيه وصفاتهم وما يجري عليهم، والقرآن الكريم إذ تعرض لهذه الآيات إنما أراد أن يشدد على التوازن في حالتي الخوف والرجاء أو اليأس والأمل فيكون ذلك مدعاة لأهل الإيمان في تثبيت إيمانهم وحافزاً لأهل المعاصي للتوبة والرجوع إلى الله.
أصناف الناس يوم القيامة
ويبين القرآن الكريم أن الناس يوم القيامة ثلاث فئات، قال تعالى: ﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُون﴾2.
وقال تعالى مبيّناً حال أصحاب المشئمة: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ﴾3. فيصاب الكافر بالخيبة والحسرة والخسران يوم لن ينفعه ذلك ولن ينجيه من عذاب النار.
وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُون﴾4. أي يصير المؤمنون أصحاب اليمين و المشركون أصحاب الشمال فيتفرقون تفرقا لا يجتمعون بعده.
وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾5. فوعدهم بالأمن والسلام نافياً عنهم أي خوفٍ أو قلقٍ أو وجل.
بعض أحوال الناس يوم القيامة
1- أصناف الوجوه: قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ﴾6.
قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾7.
قال تعالى: ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ﴾8.
قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾9.
2- الذلة ونكس الرؤوس: قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾10.
وهذه الآية تشير إلى كون الإنسان في ذلك اليوم يُساق بغير إرادته، فيتبع الإجراءات التي لا يقوى على مخالفتها أو نقاشها أو الإمتناع عنها.
قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُر ٍ*خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ * مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾11.
3- الخوف والرعب: قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾12. وأي مشهدٍ أشد من أن تغفل المرضعة عنرضيعها الذي هو ألصق شيء بها، أو أن تجهض الحامل فتضع حملها، والأشد أنك ترى الناس أشبه بالسكارى أي الذين لا يعون ما يجري حولهم لشدة ما أصابهم من الخوف والرعب.
إلا أن هذا الخوف والرعب لا يشمل أهل التقوى والإيمان الذين عملوا لتلك الساعة، قال تعالى: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾13.
4- السكون والترقب: قال تعالى: ﴿وْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾14. فلم يعد علو الصوت وارتفاعه والتطاول على الآخرين كما في الدنيا يجدي نفعا، فالصوت الحاكم يومئذٍ هو صوت الله.
5- التسليم لحكم الله: قال تعالى: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾15. فلا مكان لاستجداء الرحمة أو طلب العفو أو توسم الشفاعة أو استدرار المغفرة أوالتلطف بالحساب إلا من الله سبحانه، ولذلك عنت الوجوه له وحده.
6- الشعور بمجيء الساعة فجأة: وإنما يشعر الإنسان بمجيئها فجأة لعدم استعداده لها وغفلته عنها، فالإنسان لا يتفاجأ بأعظم المصائب وأشدها إذا كان مستعداً لها وملتفتاً إليها، ويتفاجأ بأبسط الأمور إذا لم يكن مستعداً لذلك. قال تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾16.
وقال تعالى حاكياً استغرابهم مجيء الساعة سريعاً: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾17.
يوم الحشر: فيوم القيامة يوم يحشر فيه الخلائق أجمعون من الأولين والآخرين ليوم الحساب. قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾18.
وقال تعالى: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾19.
وتصف الآيات الناس يوم الحشر بقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾20.
1- النساء 87
2- الواقعة 7-10.
3- الحاقة 26,25.
4- الروم 14.
5- الواقعة 90-91.
6- عبس، 3839.
7- القيامة، 22 إلى 25.
8- عبس 40-42.
9- الغاشية 2-5.
10- المعارج 43، 44.
11- القمر 6-8.
12- الحج 2-3.
13- الأنبياء، 103.
14- طه، 108.
15- طه 111.
16- محمد، 18.
17- النازعات، 42 إلى 46.
18- ق، 44.
19- المعارج، 43.
20- القارعة، 4.