تصدير الموضوع: قال تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُون﴾1.
الهدف: التعريف ببعض القواعد التي كانت تخدم الإنسان في دار الدنيا إلا أنها لن تنفعه يوم العدل الإلهي.
مقدمة
إن من تجليات الرحمة الإلهية على الإنسان تعريفه بالقوانين العادلة ليوم الحساب وتذكيره الدائم بها وذلك لاختلافها عن طبيعة القوانين التي يدأب الإنسان على تسيير أموره بها في الحياة الدنيا، فيأتي القرآن ليذكره بها ويجعلها نصب عينيه فلا يغفل عنها فيدخل في عالم الحساب وهو يحسب أنه أحسن صنعا فإذا به أمام هشيم تذروه الرياح وزبد لا يسمن ولا يغني من جوع.
إن الآية المتقدمة تشير إلى أربعة أمور أساسية من الأمور التي اعتاد المرء على تسيير شؤون حياته في الحياة الدنيا من خلالها، إلا أن أياً من هذه القواعد التي تخالف موازين العدل الإلهي لن تنفع من اعتاد عليها وتوهم أن كل الأزمات تحل وفقها، ومن هنا أهمية أن يربي الإنسان نفسه على القواعد المرعية الإجراء في الدار الآخرة.
عدم جزاء نفس عن نفس: قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾2.
وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾3.
وقال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُون﴾4. وقال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا﴾5.
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُون﴾6.
فتبين هذه الآية أن على الإنسان أن لا يتعلق بمتاع الدنيا ولا بالروابط المادية ولا بالاصدقاء والشفعاء، اذ ان الإِنسان اذا ما فارقت روحه بدنه انفصمت كل عراه المادية بجسمه، وعندئذ ينتبه الى ان الاستقلالية التي قال بها للعلل المادية كانتباطلة، ويدرك أَن ليس معه من شفعائه احد وييأَس منهم.
عدم جزاء الشفاعة غير الحقة: وبطبيعة الحال فإن المراد بالشفاعة هنا هي الشفاعة الباطلة التي لا يرتضيها الله، لأن الشفاعة مقام استحقاقي يبلغه المرء بسعيه وعمله وليست وساطة شخصية لا تقوم على أسس وقواعد ومعايير واضحة.
وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ * وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ﴾7. فهؤلاء الكفار يائسون من الرحمة الإلهية بما ارتكبوا من اعمال، وقانطون من شفاعة الآلهة التي اشركوها مع الله..
عدم قبول الإفتداء: وهذا من أكثر الأمور رواجاً ونفعاً في دار الدنيا حيث نجد أن الإنسان يفتدي الكثير من القضايا ويدرأ خطرها أو يجلب بعض المنافع من خلال ماله أو علاقاته أو منصبه أو قبيلته أو سوى ذلك من الأمور التي تفيده والتي يؤكد الله تعالى أن لا مكان لها في الدار الآخرة وأمام موازين العدل الإلهي، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم﴾8.
وقال تعالى: ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾9.
عدم التأييد الإلهي: أي لن يبدل الله سننه وآياته يوم القيامة فينتصر لهؤلاء الكفار فيسامحهم ويعفو عنم، بل ستأخذ هذه السنن مجراها الذي بيّنه الله تعالى في كتبه وعبر الأنبياء والرسل التي بعثها إلى الخلق.
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾10.
تشير هذه الآية الى عدم وجود تجارة ولا صداقة ولا شفاعة في يوم القيامة، و ذلك لان جميع المذنبين الآثمين اعداء بعضهم بعضا، و قيل ان كلَّ فرد في ذلك اليوم يكون مشغولا بنفسه وبمصيره. وهناك آيات اخرى تؤكد عدم و جود الناصر والمعين يومئذ.
1- البقرة 48.
2- عبس 34.
3- الانعام 164.
4- الدخان، 41.
5- الإنفطار، 19.
6- الأنعام، 94.
7- الروم، 12-13.
8- المائدة 36.
9- المعارج 11.
10- البقرة، 254.