تصدير الموضوع: وقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "فاطِمَة لَيْسَتْ كَنِساءِ الآدَميّين"1.
الهدف: استكمال بعض الخصائص التي امتازت بها السيدة الزهراء عليها السلام وبيان بعص الألقاب الخاصة لها.
مقدمة
إن شخصية السيدة الزهراء عليها السلام من الشخصيات التي ما زالت الكثير من دلالات حياتها غامضة وما زالت قراءة سيرتها تحتاج للكثير من البحث لاختزان هذه السيرة على رصيدٍٍ كبير من المواقف والدروس والعبر التي من شأنها أن تضع حلولاً لمشاكل العالم وأزماته لا سيما الإجتماعية منها والأسرية فضلاً عن الجوانب السياسية والجهادية التي ما زالت مغمورة، فحياتها منهج حياة وسيرتها مثلٌ للإقتداء والتأسي.
وسنذكر بدايةً بعض الصفات والألقاب التي اشتهرت بها.
1- الطاهرة: وهذه الصفة شهد بها كتاب الله تعالى فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أُنْزِلَتْ آيَةُ التطْهِيرِ فِيْ خَمْسَةٍ فِيَّ، وَفِيْ عَليٍّ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَفاطِمَة".
فهي طاهرة مطهرة عن كل دنس أو رجس سواءً كان مادياً أم معنوياً.
2- الصدّيقة: وتعني هذه الصفة المبالغة في الصدق وذلك لأنها لم تكذب قط، فكانت أصدق الناس قولاً ومنطقاً وحديثاً، فكانت بذلك شبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
3- الزهراء: سميت بذلك لأن نورها كان يزهر لأهل السماء وفي المحراب كما ورد في الحديث الشريف وهذا دليل ظهور بركاتها أينما حلّت، ولذلك سميّت "المباركة" كذلك.
4- بضعة المصطفى: والأحاديث المروية عن رسول الله والتي تبدأ بقوله "فاطمة بضعة مني" كثيرة ومتواترة. والمراد ليس بضعته نسباً فحسب بل نهجاً وكمالاً وإلا لقال صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة بضعة مني هي لحمي ودمي ولم يقل هي نفسي وروحي التي بين جنبي. ولذلك أكملت الأحاديث بقوله صلى الله عليه وآله وسلم "من آذاها فقد آذاني أو من أغضبها فقد أغضبني.....".
5- البتول: لأنها تبتلت عن دماء النساء، فلم تكن ترى دماً كما بقية النساء. وهذا كاشف أن آية التطهير قد طهرتها طهارة مادية بالإضافة الى الطهارة المعنوية، وهناك معنىً آخر وهو الإنقطاع إلى الله والتبتل إليه.
6- الحوراء الإنسية: وهو الاسم الذي سمَّاها به أبوها المصطفى صلوات الله عليه وآله معللاً له بقوله: "لمَّا تزوجتُ خديجة، عرج بي إلى السماء فانطلق بي جبرائيل عليه السلام إلى شجرة طوبى يستظل بظلها فتناول جبرائيل من ثمرها فناولنيه ، فأكلت فصارت نطفة في صلبي، فواقعت خديجة، فَوَلَدَت فاطمة، فإذا اشتقت إلى الجنة شممتها ففاطمة حوراء إنسية".
7- المحدِّثة: وسمِّيِت بهذا الاسم لدورها في نشر تعاليم الإسلام وأحاديث أبيها الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لا سيَّما للنساء المؤمنات، فقد ورد أن الإمام الباقر عليه السلام سئل بعض المسائل فأجاب وأردف: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بذلك فاطمة، وكانت تأمر بذلك المؤمنات". وورد أيضاً في سِّر هذا الاسم أنها سلام الله عليها كانت بكرامة من الله تعالى تحدِّث أمها خديجة الكبرى وتؤنسها وهي في بطنها، ففي الرواية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قاطعت نساء قريش السيدة خديجة رضوان الله عليها سمعها تتحدث ولا أحد معها فسألها من تحدِّثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدِّثني ويؤنسني. فقال صلى الله عليه وآله وسلم لها: "يا خديجة، هذا جبرائيل يخبرني أنها أنثى وأنها النسلة الطاهرة الميمونة وان الله سيجعل نسلي منها".
8- الزكيَّة الزاكية: وهذه الصفة إشارة إلى صفاء نفسها ونقاء سريرتها وسلامة قلبها فسميت كذلك لأنها كانت أزكى وأطهر أنثى عرفتها البشرية.
9- الشهيدة: ففي زيارتها: "السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيِدة".
10- أم أبيها: وهذه الصفة وردت لها في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونستكشف منها أنها أعلى صفة يمكن أن تصل إليه البنت في حياتها، وهذه دلالة على منتهى العطاء بلا حدود وبلا مقابل ومنتهى الرقة والحنان.
عبادتها: فكانت كما ورد في سيرتها تصلي وتُطيل القيام حتى تتورَّم قدماها، وكانت إذا قامت إلى الصلاة تتغيَّر معالمها من خشية الله. وقد شهد بتزكية نفسها القريب والبعيد فعن الحسن البصري: "لم يكن في الأمة أعبد من فاطمة عليها السلام"2. ومن قصص عبادتها لله تعالى والتي لم تكن فيها تنسى المؤمنين ما ورد عن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام أنه قال: "رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتُها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميهم، وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها"، فقلت لها: "يا أماه، لمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟! فقالت: "يا بني الجار ثم الدار"3 .
مهر الزهراء عليها السلام: وهذا الأمر من أبلغ عبر الزهراء عليها السلام ففي الرواية أنه حين وجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القبول من كلا الطرفين، سأل عليَّاً عليه السلام: هل عندك شيء؟ وكان لا يملك غير سيفه ودرعه وناضحه.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فأمَّا سيفك فلا غنى بك عنه، تجاهد في سبيل الله، وتقاتل به أعداء الله، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك، وتحمل عليه حلَّك في سفرك، ولكنِّي رضيتُ منه بالدرع"4.
فباعها وباع أشياء غيرها كانت عنده، فاجتمع له منها أربعمائة درهم، فكان هذا مهر فاطمة. ولمَّا جاء عليُّ عليه السلام بالدراهم، وضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمره أن يجعل ثلثي الدراهم في الطيب، والثلث الآخر في المتاع، ففعل.
جهاز الزهراء وأثاث بيتها: جهزّت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما كان لها غير سرير من جريد النخل، وسادة من آدم حشوها ليف، ومنخل ومنشفة، ورحى للطحن، وجرّتان وقميص،وخمار لغطاء الرأس، وثوب له زغب، وعباءة قصيرة بيضاء، وجلد كبش..
أمَّا عليٌّ عليه السلام قد رشَّ أرض الدار برمل ناعم، ونصب في البيت خشبة من الحائط إلى الحائط، لتعليق الثياب، إذ لا خزانة ولا صندوق لثياب العروس.
عن عليِّ بن أبي طالب عليه السلام قال: "لقد تزوَّجت فاطمة وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل، ونعلف عليه الناضح بالنهار، وما لي ولها خادم غيرها".
1- شرح احقاق الحق، السيد المرعشي، ج10، ص7.
2- المناقب، ج3، ص119.
3- وسائل الشيعة، ج4، ص1150.
4- يحار الانوار، ج43، ص127.