عن الإمام الصادق عليه السلام :
" وَأَنَّ الكعبةَ بيتٌ للتوحيدِ، بُنِيَ بأيدي أنبياءِ اللهِ العظامِ لِلْمُوَحِّدينَ مِنْ أهلِ الأرضِ، وَلا يسبقُهِ بهذا القِدَمِ أيُّ معبدٍ آخرَ".
الهدف:
بيان الدلالات الروحيّة، لأهمّ المناسك الّتي تجسّد مبدأ التوحيد، وتتمحور حوله، وتقوّي انقطاع الإنسان إلى الله، دون سواه.
تصدير الموضوع:
قال تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا﴾ 1.
وقال تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاس يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ 2.
محاور الموضوع:
عن الإمام الصادق عليه السلام : " وَأَنَّ الكعبةَ بيتٌ للتوحيدِ، بُنِيَ بأيدي أنبياءِ اللهِ العظامِ لِلْمُوَحِّدينَ مِنْ أهلِ الأرضِ، وَلا يسبقُهِ بهذا القِدَمِ أيُّ معبدٍ آخرَ".
بعض مظاهر التوحيد في الحجّ
1- رجم الجمرات: وينوي الحاجّ أثناء الرجم، طرده لكافّة شياطين الإنس والجنّ، أي رجم كافّة أنواع الشّرك بالله، فالرجم يستبطِنُ البراءة من المشركين، وعدم التودّد إليهم، فضلاً عن إعانتهم، أو الولاء لهم.
2- الطواف حول البيت: ويعني أنّ الإنسان لا يدور في وجوده، وحركته، إلّا وفق إرادة الله ورِضاه، وأن يكون طوافه حول الكعبة التي ترمز إلى الحضرة الربوبيّة بقلبه لا بجسده، متشبِّهاً بالملائكة الذين يطوفون بإزاء العرش حول البيت المعمور، كأنّه يعاهد الله أن يكون كالملائكة التي عبّر عنهم الله بقوله: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ 3.
3- التلبية: وتعني أن يعاهد الإنسان ربّه على الإستجابة لنداء الله دون سواه، ولذلك فإنّ التلبية تستوجب الإجابة الخالصة، والانقطاع المُطْلَق لله تعالى.
وتجدر الإشارة إلى أنّ التلبية الواجبة، هي:"لبّيك اللَّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك". وهذه التلبيات الأربع تجسد التوحيد.
4- استلام الحجر الأسود وتقبيله: لما يعني ذلك من البيعة والعهد بالوفاء لكلّ ما أمر الله به، فهو يد الله التي يصافح بها خلقه كما ورد في الحديث الشريف.
عن الإمام الصادق عليه السلام : "وَقُلْ عِنْدَ استِلامِكَ الحجرَ: أَمانَتي أَدَّيْتَها وَميثاقي تَعاهَدْتُهُ لِتَشْهَدَ لي بِالْمُوافاةِ" 4.
فإيّاك أن تصافح يدَ الله ثمّ تخونها أو تنقلب عليها، فإنّ هذا الحجر يشهد يوم القيامة على الذين نكثوا بيعتهم مع الله، واتّبعوا سبل الضلال والغيّ والتّيه.
5- الأضحِية: وترمز إلى استعداد الإنسان إلى التضحية بكلّ ما يُطلبه الله منه، وأنّ الأضحِية سبيل إلى التقوى، ويظهر هذا في قوله تعالى: ﴿ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ﴾5.
وعن الإمام الكاظم عليه السلام : "استفرِهُوا ضحاياكُمْ، فَإِنّها مَطاياكُم عَلى الصِّراطِ"6.
وعندَ ذبح الأضحية يستحبّ قراءة الدعاء التالي
"وجَّهْتِ وجهي لِلَّذي فَطَرَ السّمواتِ والأرضَ مسلِماً حنيفاً وَما أنا مِنَ الْمُشرِكينَ، إنَّ صلاتي وَنُسُكي وَمَحْيايَ وَمماتي لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنا أَوَّلُ الْمُسَلِمينَ، اللَّهُمّّ مِنْكَ وَلَكَ، بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي" 7.
نموذج من التوحيد الإبراهيميّ
ويتمثّل التوحيد بالتسليم المُطْلَق لإرادة الله، والانقطاع التامّ إليه، كما يحدّثنا القرآن الكريم عن قِصّةِ نبيَ الله إبراهيم عليه السلام مع ولده إسماعيل عليه السلام ، في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ *وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾8 .
*زاد المبلغ الى بيت الله الحرام، المركز الاسلامي للتبليغ، نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية، ط1، ت1، 2009م-1430هـ، ص25-28.
1-الحجّ، 26.
2-التوبة، 3.
3-التحريم:6.
4-كشف اللثام، الفاضل الهندي، ج5، ص460.
5-الحجّ 37.
6-الحدائق الناضرة، المحقّق البحراني، ج17.
7-سنن الإمام علي عليه السلام ، لجنة الحديث معهد باقر العلوم، ص384.
8-الصافات:102-107