الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
الزمن
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم



إن المعرفة الواعية بوجود الزمن لا يملكها إلا الحياة الحيوانية، والإنسان وحده هو الذي يقيسه. والعناصر التي تتكون منها جمع الأشياء المادية يندر أن تتغير على مر الدهور. وقد تتركب العناصر أو قد تفترق، ولكن الزمن ان يكن ضروريا لإتمام أي تغيير كيميائي، فهو لا اهمية له بالنسبة للذرات. ان أصبعاً من الديناميت تتحول من مادة صلبة إلى غاز في جزء من خمسة وعشرين ألفا من الثانية، ولكن الذرات نفسها لاتتغير‍.

وقد يرتفع جبل ثم يتفتت، ولكن ذرة محبوسة في وسطه تنتظر في قلق ذلك الوقت الذي تتحلل فيه كي تتحرر، وإن تكن إلكتروناتها تعزل فلكها باستمرار.

والكاميرا تلتقط الصورة في جزء من مائة جزء من الثانية فيتدخل اهتزاز قدرة الف وثمانمئة ميل ليحدث التغيير الكيميائي. وهكذا تسجل الأفلام بالألوان كل جمال المنظر. إذن، إن الذرات تهتز ويعاد تنظيمها ولكنها لا تتغير‍.

والكائنات الحية تبدو كانها تقيس الزمن، ولكن الأشياء العاطلة من الحياة تسجله فحسب.

والمياه المنحدرة من الانهار الجليدية في عصر الثلج قد خلقت طبقات من الصلصال تدل على كل سنة على حدة، وتنبئ بطريقة فجة عن مراتب درجات الحرارة التي كانت سائدة. كذلك الرواسب الكلسية المتدلية من سقوف الكهوف والأخرى التي تعلو ارضها بأشكال مخروطية تؤدي المهمة نفسها من مائة الف سنة أو تزيد، ولكنها لا تدر ي ماذا تفعل.

والراديوم والرصاص يغيران نسبهما في الصخور الصلبة، ويدلان على بليون سنة من استقرار الارض، ناهيك بما قبل ذلك. والزمن بالنسبة لكل الكائنات الحية، هو شيء لا يدرك كنهه، لان الحياة لها مدادها، والفرد ينتهي وجوده، واي شيء حي في حالة طبيعية، لا يقيس الزمن في وعي منه، ولكن الزمن يقيس الكائنات الحية، ويسود اوجه نشاطها من ميلادها إلى نهايتها.

وقد اتضح ان هناك شيئا يسمي الزمن البيولوجي (اي المختص بعلم الاحياء). ويبدو ان الزمن يسير في بطء بالنسبة للاطفال، على حين يسير بسرعة فائقة بالنسبة لكبار السن. وهذه الظاهرة المعروفة قد وجد انها قائمة على دورة الحياة التي للخلايا، وقد يمكن التعبير عن ذلك بأبسط طريقة بالقول إن خلايا كل مخلوق حي تتطور تطورا سريعا عند بدء الحياة، ثم تبطئ عند اقتراب نهايتها. واذا تكلمنا عن ذلك من الوجهة البيولوجية، قلنا إن كثرة حوادث الخلايا التي تحدث في الطفولة تشعر الطفل يطول الزمن، في حين ان بطء نشاط الخلايا في الكبر، تشعر الإنسان بان الزمن يمر سريعا، ويبدو ان دورات الحياة لا علاقة لها بالزمن المطلق الذي نقيسه بحركات الاجرام السماوية.

إن الجرثومة (الميكروب) قد تتوالد في ساعة، والإنسان في عدة سنين، وذبابة (مايو) لا تستطيع قياس الزمن تحت الماء، ولكن كل جيل منها يعيش ساعة حياته السعيدة تحت الشمس. فهل يمكن ان يكون العلماء على صواب، واننا إذا وصلنا إلى الخلود، سنقيس الزمن بالحوادث، لا بالفلك؟

والاسماك في البحر لها وقتها لوضع بيضاتها، ولكنها انما تطيع قانوناً للطبيعة ولا تدري لماذا. والبذر والحصاد لهما اوقاتهما، وقد تنضج مساحات من القمح في يوم واحد تقريبا. والاشجار تنقضي عليها سنوات حتى تحمل الثمر وحلقاتها السنوية تسجل اعمارها.

وقد وجد ان أنواعا معينة من الصراصير تصدر صريرا كذا مرة في الدقيقة الواحدة طبقا لدرجة الحرارة، وقد احصى عدد مرات صريرها فوجد انها تسجل درجة الحرارة بالضبط مع فارق درجتين. وقد نظم وقت صرصور لمدة ثمانية عشر يوما فوجد انه يبدأ أغنية حبه أو فرحه قبل خمس دقائق من الساعة المحددة أصلا.

وهناك انواع معينة من البط في قناة بأوربا كانت تاتي كل يوم بانتظام إلى قنطرة في ساعة معينة وتدق جرسا اعد لها.

وللطيور وقتها المحدد للطيران نحو الجنوب، وكل فرد منها يقرر الانضمام إلى سربه، ثم تهاجر في يوم يكاد يكون معينا كل سنة. وذباب (مايو) يخرج من البحيرات ليطير طيران العرس، وتسقط ملايين منه في الشوارع في اليوم نفسه.

والجراد البالغ من العمر سبع عشرة سنة في ولاية نيو انجلاند يغادر شقوقه تحت الأرض، حيث عاش في ظلام مع تغيير طفيف في درجة الحرارة، ويظهر بالملايين في شهر مايو في سنته السابعة عشرة. وقد يختلف بعض المتعثر عن رفاقه بالطبع، ولكن الكثرة الساحقة تنضج بعد سنوات الظلام تلك، وتضبط موعد ظهورها باليوم تقريبا، دون سابقة ترشدها.

و(دودة البوص) تدب بانتظام شديد من كل مكان إلى آخر، ولو استطاعت العد لأمكنها ان تقيس الوقت والمسافة بعدد قفزاتها، ولكنها ليست بحاجة إلى الحساب. فلا تضحكن من قفزتها، لاننا نحن البشر نقيس المسافات بالقدم.

ان كل كائن حي بوجه عام يراعي الزمن ويسجله بالعمل ولكنه لا يبدي دليلا على توقيت واع منه.

ويبدو ان الفصول، ودرجة الحرارة، والنهار والليل، والمد والجزر، كلها تسطير على تتابع الحياة. وقد اوجد التطور عادات من قياس الوقت بغير وعي، ويبدو انها تعمل بطريقة ذاتية (أوتوماتيكية) مثل نبض القلب أو الهضم. وكثير من الناس الذين أعتادوا ان يستيقظوا في ساعة معينة، يمكنهم ذلك بدون (منبه)، وبصرف النظر عن الموعد الذي ينامون فيه. ولقد اضاف الإنسان الزمن إلى المادة التي لا زمن لها. والزمن لايمكن وزنه ولا تحليله.

وبالنسبة إلينا يتعلق الزمن بهذه الكرة الارضية وحدها، ومقاييسنا للزمن قد لا تكون لها أية علاقة بالكون في مجموعه، ولكن الزمن يملي علينا بواعث غير واعية، بلغت من القوة أنها تتحكم في كل شيء حي.

والانسان، كحيوان، ليس له شعور خالص بالزمن، ولكنه يستطيع ان يضبط إلى حد ما أثر الزمن في بواعثه. والإنسان الفطري لا يعرف عمره إلا بالمقارنة مع الحوادث، والاعداد بالنسبة لها انما تعني قليلا أو كثيرا. والإنسان العصري ينسى أيام ذكرياته السنوية، ولكن زوجته لا تنساها، فهل المرأة أكثر ارتقاء من الرجل؟ ام تراها ترقب التقاويم خفية؟ لا هي ولا هو يستطيعان ان يختارا يوم الرابع والعشرين من مايو بعد سبع عشرة سنة في الظلام، كما يفعل الجراد؟

لقد كان الإنسان الفطري يحب الزمن كإيقاع،كما في القرن الرتيب على طبل. وفد رفعه التوقيت في رقصة، فوق مستوى الغريزة.

والإنسجام التام في الأنغام الموسيقية قد قادنا إلى الاستمتاع الرائع بالقطع الموسيقية الفائقة المتحدة الأنغام (هارمون)، وايقاع الاوركسترا، على ان الاهتزازات التي تعتري وحدة النغم في فترات من الوقت، لا تعد موسيقى إلا عند الإنسان وحده، كما يبدو.

وقد ألزمت المدنية الإنسان زيادة الضبط والدقة في قياس الزمن وتسجيله. وادت الفصول المتعاقبة، والتي يحددها وقت بلوغ الشمس اقصى مداها شمالا، وأقصاه جنوبي خط الاستواء، وادت إلى تكوين دوائر درويد وتشييد الاهرام، وغير ذلك من علائم الوقت في نواحي العالم. وكان ظهور الشمس أو ظلها فوق هذه الأشياء عند علامة معينة – كانت في العادة علامة خفية – ينبئ الكاهن كم يوما يعد حتى يحين وقت الزرع أو يجيء وقت فيضان النيل. أما الآن فان التقاويم غير البالغة الكمال، تعلق في كل بيت، وبها نميز الأيام.

وفضلا عن ذلك اصبحنا نسجل الساعات والدقائق والثواني، والجزء من الألف من الثانية. وكلما اقتربنا من ضبط الوقت تماما، زادت حاجتنا إلى الاستزادة من معرفتنا بالكيميا، والطبيعة، والمعادن، ودرجة الحرارة، والفلك والرياضة. ونحن نحسب جدول زمن الكواكب والاقمار والمذنبات، ونعتمد على معرفتنا بالوقت في تنبؤنا بحركاتها، وتحديد الساعة والدقيقة لكسوف الشمس وخسوف القمر، في الماضي والحاضر. ونحن نعرف سرعة الضوء بالثانية، ونسجل طبائع الاجرام السماوية، التي تصحح نفسها بالتتابع لدرجة الدقة الابدية كما يبدو.

ان التطور قد وصل بالكائنات الحية إلى ما يقرب من المواءمة مع البيئة الموجودة، ولكنه من الناحية النظرية على الأقل لا يمكنه ان يمضي أبعد من ذلك، وان تقدم الإنسان فيما وراء ضروريات الحياة إلى ادراك الوقت ليخرج به عن الحدود التي يبدو ان التطور الطبيعي قد أقامها على حدة.

والإنسان إذ يقترب من الادراك الكامل للزمن، يقترب في الوقت نفسه من ادراك بعض قوانين الكون الابدية، ومن معرفة الخالق سبحانه وتعالى.

وما لم توجد حياة عقلية اخرى في بعض نواحي الكون، فان الإنسان ينفرد وحده بمعرفة الزمن، وسيطرته على الزمن تقترب به من شيء اعظم من المادة.

فمن أين تأتي هذه القفزة العظيمة التي يقفزها الإنسان بعيدا عن الفوضى، وعن جميع تركيبات المادة وعن كل الكائنات الحية الاخرى؟ إنها لابد ان تأتي من شيء أسمى من المصادفة.


*العلم يدعو للإيمان-كريسي موريسون - بتصرّف

31-05-2012 | 08-40 د | 1969 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net