الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ...
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم


قال تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا * وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا * وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا

رعاية الاعتدال في الإنفاق والهبات:

مع هذه الآيات يبدأ الحديث عن فصل آخر من سلسلة الأحكام الإسلامية الأساسية، التي لها علاقة بحقوق القربى والفقراء والمساكين، والإنفاق بشكل عام ينبغي أن يكون بعيدا عن كل نوع من أنواع الإسراف والتبذير، حيث تقول الآية وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا. "تبذير" من "بذر" وهي تعني بذر البذور، إلا أنها هنا تخص الحالات التي يصرف فيها الإنسان أمواله بشكل غير منطقي وفاسد. بتعبير آخر: إن التبذير هو هدر المال في غير موقعه ولو كان قليلا، بينما إذا صرف في محله فلا يعتبر تبذيرا ولو كان كثيرا. ففي تفسير العياشي، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، نقرأ قوله: "من أنفق شيئا في غير طاعة الله فهو مبذر ومن أنفق في سبيل الله فهو مقتصد"1.

وينقل عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضا أنه دعا برطب (لضيوفه) فاقبل بعضهم يرمي بالنوى، فقال: "لا تفعل إن هذا من التبذير، وإن الله لا يحب الفساد"2. وفي مكان آخر نقرأ، أن رسول الهدى (صلى الله عليه وآله وسلم) مر بسعد وهو يتوضأ، فقال: ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أفي الوضوء سرف؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "نعم وإن كنت على نهر جار"3. وبالنسبة لذوي القربى هناك كلام كثير بين المفسرين، هل هم عموم القربى؟ أو المقصود بهم قربى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتباره هو المخاطب بالآية؟ في الأحاديث الكثيرة التي سنقرؤها وفي الملاحظات التي سنقف عندها سنعرف بأن ذوي القربى هم قربى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبعض الروايات تشير إلى أن الآية تتحدث عن قصة فدك التي أعطاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنته فاطمة الزهراء (عليها السلام). ولكن مخاطبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلمة "وآت" لا تعتبر دليلا على اختصاص هذا الحكم به، لأن جميع الأحكام الواردة في هذه المجموعة من الآيات كالنهي عن الإسراف ومداراة السائل والمسكين، والنهي عن البخل، هي أحكام عامة بالرغم من أنها تخاطب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

وهناك نقطة ينبغي الالتفات إليها، وهي مجئ النهي عن التبذير والإسراف، بعد إعطاء الأمر بأداء حق الأقرباء والمساكين حتى لا يقع الإنسان تحت تأثير عاطفة القرابة أو الصداقة فيعطي لهذا المسكين أو ابن السبيل أو القريب أكثر مما يستحق أو يتحمل، فيعتبر ذلك إسرافا وتبذيرا، وهما مذمومان دائما. الآية التي بعدها هي لتأكيد النهي عن التبذير إن المبذرين كانوا اخوان الشياطين، وكان الشيطان لربه كفورا. أما كيف كفر الشيطان بنعم ربه، فهذا واضح، لأن الله أعطاه قدرة وقوة واستعدادا وذكاءا خارقا للعادة، ولكن الشيطان استفاد من هذه الأمور في غير محلها، أي في طريق إغواء الناس وإبعادهم عن الصراط المستقيم. أما كون المبذرين إخوان الشياطين، فذلك لأنهم كفروا بنعم الله، إذ وضعوها في غير مواضعها. ثم إن استخدام "إخوان" تعني أن أعمالهم متطابقة ومتناسقة مع أعمال الشيطان، كالأخوين اللذين تكون أعمالهما متشابهة، أو أنهم قرناء وجلساء للشيطان في الجحيم، كما توضح ذلك الآية (39) من سورة الزخرف بعد أن تشرك الشيطان والمذنب في العذاب: ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون. أما لماذا جاءت كلمة شيطان هنا بصيغة الجمع "شياطين"؟ قد يعود ذلك إلى أن لكل إنسان غافل عن خالقه وربه، شيطان قرين له، كما نرى هذا المعنى واضحا في الآية (36) و(38) من الزخرف: ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين.. حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين. ثم إن الإنسان قد لا يملك ما يعطيه للمسكين أحيانا، وفي هذه الحالة ترسم الآية الكريمة طريقة التصرف بالنحو الآتي: إما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا. "ميسور" مشتقة من "يسر" وهي بمعنى الراحة والسهولة، أما هنا فلها مفهوم واسع، يشمل كل كلام جميل وسلوك مقرون بالاحترام والمحبة، وإذا فسرها البعض بمعنى الوعد للمستقبل فإن ذلك أحد مصاديقها.

نقرأ في الروايات، أنه بعد نزول هذه الآية، كان إذا جاء شخص محتاج إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والرسول لا يملك شيئا لإعطائه، قال له (صلى الله عليه وآله وسلم): "يرزقنا الله وإياكم من فضله"4. وقديما عندما كان السائل يطرق الباب، ويطلب منا شيئا لا نستطيع إعطاءه إياه، نقول له "العفو" وذلك تأكيدا على أن لهذا السائل حق علينا يطالبنا به، وإذا كنا لا نملك قضاء حاجته وإعطاءه حقه، فإننا نطلب منه العفو.

الاعتدال هو شرط في كل الأمور بما فيها الإنفاق ومساعدة الآخرين، لذلك تنتقل الآية للقول: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك. وهذا تعبير جميل يفيد أن الإنسان ينبغي أن يكون ذا يد مفتوحة، لا أن يكون مثل البخلاء وكأن أيديهم مغلولة إلى أعناقهم بخلا وخشية من الإنفاق. ولكن في نفس الوقت تقرر الآية أن بسط اليد لا ينبغي أن يتجاوز الحد المقرر والمعقول في الصرف والبذل والعطاء، حتى لا ينتهي المصير إلى الملامة والابتعاد عن الناس: ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا. و "تقعد" مشتقة من "قعود" وهي كناية عن التوقف عن العمل. أما تعبير "ملوم" فهو يشير إلى أن عاقبة الإسراف لا تؤدي إلى توقف الإنسان عن عمله ونشاطه وحسب، وإنما تؤدي إلى إيقاع لوم الناس عليه. "محسور" مشتقة من كلمة "حسر" وهي في الأصل تعني خلع الملابس رفع الثوب وإظهار بعض البدن من تحته، لذا يقال للمقابل الذي لم يلبس الخوذة والدرع، بأنه "حاسر". وأيضا يقال للحيوان الذي يتعب من كثرة المشي بأنه "حسير" أو "حاسر" بسبب استنفاذ طاقته وقدرته. وقد توسع هذا المفهوم فيما بعد بحيث أصبح يطلق على كل إنسان عاجز عن الوصول إلى هدفه بأنه "حسير" أو "محسور" أو "حاسر". أما كلمة "الحسرة" والتي تعني الغم والحزن، فهي مشتقة من هذه الكلمة، وتطلق على الإنسان الفاقد لقابلية حل المشاكل بسبب الضعف. وكذلك بالنسبة للإنفاق، فهو إذا تجاوز الحد المقرر بحيث يستنفذ طاقة الإنسان، فإنه يؤدي إلى أن يصاب صاحبه بالغم والحزن بسبب الضعف عن أداء واجباته ومسؤولياته، وينقطع اتصاله وارتباطه بالناس.

سؤال: لماذا يجب أن يكون هناك مساكين وفقراء ومحرومون حتى ننفق عليهم؟ أليس من الأفضل أن يعطيهم الله ما يريدون حتى لا يحتاجون إلى إنفاقنا؟
الجواب:
تعتبر الآية الأخيرة بمثابة جواب على هذا السؤال: إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا. إنه اختبار لنا، فالله قادر على كل شئ، ولكنه يريد بهذا الطريق تربيتنا على روح السخاء والتضحية والعطاء. إضافة إلى ذلك، إذا أصبح أكثر الناس في حالة الكفاية وعدم الحاجة فإن ذلك يقود إلى الطغيان والتمرد، إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى، لذلك من المفيد أن يبقوا في حد معين من الحاجة. هذا الحد لا يسبب الفقر ولا الطغيان. من ناحية أخرى يرتبط التقدير والبسط في رزق الإنسان بمقدار السعي وبذل الجهد (باستثناء بعض الموارد من قبيل العجزة والمعلولين)، وهكذا تقتضي المشيئة الإلهية ببسط الرزق وتقديره لمن يشاء، وهذا دليل الحكمة، إذ تقضي الحكمة بزيادة رزق من يسعى ويبذل الجهد، بينما الطباطبائي ينظر للعلاقة بين هذه الآية والتي قبلها في ضوء احتمال آخر فيقول في تفسير الميزان: " إن هذا دأب ربك وسنته الجارية، يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر لمن يشاء، فلا يبسطه كل البسط، ولا يمسك عنه كل الإمساك رعاية لمصلحة العباد، إنه كان بعباده خبيرا بصيرا أو ينبغي لك أن تتخلق بخلق الله وتتخذ طريق الاعتدال وتتجنب الإفراط والتفريط"5.

من هم المقصودون بذي القربى؟

كلمة ذي القربى تعني الأرحام والمقربين، وهناك كلام بين المفسرين، حول المقصود بها، إذ هل هو المعنى العام أو الخاص؟ ويمكن أن نلاحظ هنا بعض هذه الآراء:
* البعض يعتقد أن المخاطب بالآية جميع المؤمنين والمسلمين، والغرض هو الحث على أداء حقوق الأقرباء.
* البعض الآخر يرى أن المخاطب في الآية هو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والغرض هو إيصال حقوق أقرباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كخمس الغنائم، أو غيرها مما يتعلق بها الخمس. أو بصورة عامة تأدية كل الحقوق التي لهم في بيت المال. لذلك نرى في روايات عديدة عند الشيعة والسنة إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث إلى فاطمة (عليها السلام) بعد نزول هذه الآية، ووهبها فدكا6.

ففي مصادر السنة مثلا نقرأ عن أبي سعيد الخدري الصحابي المعروف: "لما نزل قوله تعالى: وآت ذا القربى حقه أعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة فدكا"7. ويستفاد من بعض الروايات، أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أثناء سيره إلى الشام بعد واقعة كربلاء، استدل بهذه الآية وآت ذا القربى حقه في التعريف بنفسه وأهل بيته وعيال أبيه الحسين (عليه السلام)، بأنهم المعنيين بقوله تعالى، فيما كان أهل الشام يغمطونهم هذا الحق!8. ولكن - كما أشرنا سابقا - ليس هناك تعارض بين هذين التفسيرين، فالكل مكلفون بإيتاء حقوق ذوي القربى، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي اعتبر قائدا للأمة الإسلامية مكلف أيضا بالعمل بهذه المسؤولية الكبيرة، فأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هم في الواقع من أوضح مصاديق القربى له (صلى الله عليه وآله وسلم). والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في طليعة المخاطبين بالآية الكريمة. لهذا السبب وهب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حقوق ذوي القربى لهم، فأعطى فاطمة فدكا، وأجرى عليهم الأخماس وغير ذلك، حيث كانت الزكاة أموالا عامة محرمة على أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقرباه.

* الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل-الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - بتصرّف


1- يراجع تفسير الصافي عند بحث هذه الآية.
2- المصدر السابق. 3 - المصدر السابق.
3- يراجع تفسير مجمع البيان، عند تفسير الآية.
4- تفسير الميزان، ج 13، ص 84.
5- تفسير الميزان، ج 13، ص 84.
6- فدك أرض معمورة وخصبة، كانت بالقرب من خبير وعلى بعد (140) كم عن المدينة المنورة، وفدك بعد خبير كانت مركزا لاستقرار يهود الحجاز [ يراجع كتاب: مراصد الاطلاع. موضوع فدك ]. وبعد أن استسلم اليهود للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدون حرب، أعطى الرسول هذه الأرض إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام) وذلك وفقا للوقائع التأريخية الثابتة لدى الجميع، لكنها صودرت بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولأسباب سياسية وبقيت في أيدي الخلفاء إلى أن أعادها عمر بن عبد العزيز أيام خلافته إلى العلويين.
7- نقل هذا الحديث "البذار" و "أبو يعلى" و "ابن أبي حاتم" و "ابن مردويه" عن "أبي سعيد" (لاحظ كتاب ميزان الاعتدال المجلد الثاني صفحة (288) وكنز العمال المجلد الثاني صفحة (158))وقد ورد هذا الحديث أيضا في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي عند حديثه عن هذه الآية، وفي الدر المنثور أيضا وقد أخرجه عن طريق السنة والشيعة معا.
8- راجع تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 255.

19-09-2012 | 02-33 د | 2436 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net