الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
إنا كفيناك المستهزئين...
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

                                                بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْمَلُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ

التفسير:

اصدع بما تؤمر! يبين القرآن في أواخر سورة الحجر مصير المقتسمين الذين ذكروا في الآيات السابقة فيقول: فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون. إن عالم السر والعلن ومن لا يخفى عليه ذرة ما في السماوات والأرضين لا يسأل لكشف أمر خفي عليه سبحانه وتعالى عن ذلك، وإنما السؤال لتفهيم المسؤول قبح فعله، أو كون السؤال نوعا من العقاب الروحي، لأن الجواب سيكون عن أمور قبيحة ومصحوبا باللوم والتوبيخ، وذلك ما يكون له بالغ الأثر في ذلك المقام، حيث إن الإنسان عندها أقرب ما يكون إلى الحقائق وإدراكها. وعلى هذا الأساس فالسؤال قسم من العقاب الروحي. وعموم قوله تعالى: عما كانوا يعملون يرشدنا إلى أن السؤال سيكون عن جميع أفعال الإنسان بلا استثناء، وهو درس بليغ كي لا نغفل عن أفعالنا. أما ما اعتبره بعض المفسرين من اختصاص السؤال عن التوحيد والإيمان بالأنبياء، أو هو مرتبط بما يعبد المشركون.. فهو كلام بلا دليل، ومفهوم الآية عام.

وقد يشكل البعض من كون الآية المتقدمة تؤكد على أن الله تعالى سيسأل عباده، في حين نقرأ في الآية التاسعة والثلاثين من سورة الرحمن فيومئذ لا يسئل عن ذنبه انس ولا جان. وقد أجبنا عن ذلك سابقا، وخلاصته: في القيامة مراحل، يسأل في بعضها ولا يسأل في البعض الآخر حيث تكون الأمور من الوضوح بحيث لا تستوجب السؤال، أو أن لا يكون السؤال باللسان، وهذا ما نستنتجه من الآية الخامسة والستين من سورة يس حيث تشير إلى غلق الأفواه وبدأ أعضاء البدن - حتى الجلد - بالسؤال. ثم يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله فاصدع بما تؤمر، أي لا تخف من ضوضاء المشركين والمجرمين، ولا تضعف أو تتردد أو تسكت، بل أدعهم إلى رسالتك جهارا.

واعرض عن المشركين، ولا تعتن بهم. "فاصدع"، من مادة صدع وهي لغةً بمعنى "الشق" بشكل مطلق، أو شق الأجسام المحكمة بما يكشف عما في داخلها، ويقال أيضا لألم الرأس الشديد صداع وكأنه من شدته يريد أن يشق الرأس! وهي هنا.. بمعنى: الإظهار والإعلان والإفشاء. وعلى أية حال.. فالإعراض عن المشركين هنا بمعنى الإهمال، أو ترك مجاهدتهم وحربهم، لأن المسلمين في ذلك الوقت لم تصل قدرتهم - بعد - لمستوى المواجهة مع الأعداء وحربهم. ثم يطمئن الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم تقوية لقلبه: إنا كفيناك المستهزئين. إن مجئ الفعل بصيغة الماضي في هذه الآية مع أن المراد المستقبل يشير إلى حتمية الحماية الربانية، أي: سندفع عنك شر المستهزئين، حتما مقضياً.

وقد ذكر المفسرون رواية تتحدث عن ست جماعات أو أقل كان منهم يمارس نوعا من الاستهزاء تجاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فكلما صدع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة قاموا بالإستهزاء تفريقا للناس من حوله صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أن الله تعالى ابتلى كلا منهم بنوع من البلاء، حتى شغلهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ورد تفصيل تلك الابتلاءات في بعض التفاسير. ثم يصف المستهزئين: الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون. كأن القرآن يريد أن يقول: إن أفكار وأعمال هؤلاء بنفسها عبث سخف حيث يعبدون ما ينحتونه بأيديهم من حجر وخشب، ودفعهم جهلهم لأن يجعلوا مع الله ما صنعوا بأيديهم آلهة! ومع ذلك.. يستهزؤون بك! ولمزيد من التأكيد على اطمئنان قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يضيف تعالى قائلا: ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون، فروحك اللطيفة وقلبك الطيب الرقيق لا يتحملان تلك الأقوال السيئة وأحاديث الكفر والشرك، ولذلك يضيق صدرك. ولكن لا تحزن من قبح أقوالهم فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين. لأن تسبيح الله يذهب أثر أقوالهم القبيحة من قلوب أحباء الله، هذا أولاً..

وثانيا، يعطيك قدرة وقوة ونوراً وصفاء، ويخلق فيك تجلياً وانفتاحاً، ويقوي ارتباطك مع الله، ويقوي إرادتك ويبث فيك قدرة أكبر للتحمل والثبات والمجاهدة في قبال أعداء الله. ولهذا نقرأ في رواية نقلا عن ابن عباس أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أحزنه أمر فزع إلى الصلاة. ثم يعطي الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم آخر أمر في هذا الشأن: وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين. المعروف والمشهور بين المفسرين أن المقصود من "اليقين" هنا الموت، وسمي باليقين لحتميته، فربما يشك الإنسان في كل شئ، إلا الموت فلا يشك فيه أحد قط. أو لأن الحجب تزال عن عين الإنسان عند الموت فتتضح الحقائق أمامه ويحصل له اليقين. وفي الآيتين السادسة والأربعين والسابعة والأربعين من سورة المدثر نقرأ عن لسان أهل جهنم: وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين أي الموت. ومن هنا يتضح خطأ ما نقل عن بعض الصوفية من أن الآية أعلاه دليل على ترك العبادة، فقالوا: أعبد الله حتى تحصل على درجة اليقين، فإذا حصلت عليها فلا حاجة للعبادة بعدها! ونقول:

 أولاً: اليقين هنا بمعنى الموت بشهادة الآيات القرآنية المشار إليها، وهو ما يحصل للمؤمن والكافر سواء.

ثانيا: المخاطب بهذه الآية هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومقام اليقين للنبي من المسلمات، وهل يجرؤ أحد أن يدعي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يصل لدرجة اليقين، حتى يخاطب بالآية المذكورة؟!!

ثالثا: المقطوع به أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يترك العبادة حتى آخر لحظات عمره الشريف، وكذا الحال بالنسبة لأمير المؤمنين علي عليه السلام وهو المستشهد في المحراب، وهو ما سار عليه بقية الأئمة عليهم السلام.

بحوث:
1 - بداية الدعوة العلنية للإسلام:
المستفاد من بعض الروايات أن الآيتين فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين نزلتا في مكة بعد أن قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث سنوات في الدعوة السرية لرسالته، ولم يؤمن به إلا القليل من المقربين إليه، وأول من آمن من النساء خديجة عليها السلام ومن الرجال علي عليه السلام. من البديهي، أن الدعوة إلى التوحيد الخالص المصاحبة لتحطيم نظام الشرك وعبادة الأصنام في تلك البيئة وفترتها كانت في الواقع عملا عجيبا ومخيفا، واستهزاء المشركين وسخريتهم كان معلوما عند الله من قبل أن يمارس، ولهذا أراد الله تعالى تقوية قلب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم كي لا يخشى المستهزئين، ويعلن رسالته بكل قوة على الملأ ويشرع بجهاد منطقي معهم.

2 - الأثر الروحي لذكر الله:
إن حياة الإنسان كانت وما زالت زاخرة بالمشاكل بحسب ما تقتضيه طبيعة الحياة الدنيا، وكلما علا الإنسان درجة كثرت مشاكله وتعددت، ومن هنا نفهم شدة ما واجهه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مشاكل وصعاب في طريق دعوته الكبيرة. ويكون العلاج الرباني لتجاوز العقبات عبارة عن محاولة تحصيل القوة من مصدرها الحق مع التحلي بسعة الصدر، فيأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالتسبيح والذكر والدعاء والسجود، لما للعبادة من أثر عميق في تقوية روح الإنسان وإيمانه وإرادته. ونستفيد من روايات مختلفة أن الأئمة عليهم السلام إذا واجهتهم المصاعب الشداد والبلاء، لجؤوا إلى الله وشرعوا بالعبادة والدعاء، كي يستمدوا القوة من معينها الأصيل1

                                                                         الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل 
                                                                           الشيخ ناصر مكارم الشيرازي


1-راجع تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 32.

26-09-2012 | 06-08 د | 2333 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net