الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
قراءة العزاء في سيرة العلماء
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

أهمية المراثي وذكر المصائب:

إن توضيح وذكر مصائب ومراثي أهل البيت (عليهم السلام) وبالأخص سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) والحديث عن فلسفة وأسرار ثورة عاشوراء، واحدة من أركان وضروريات التبليغ والوعظ.

وتصل أهمية وضرورة وتأثير هذا الأمر إلى مستوى أن أوصى به الأئمة المعصومون والعرفاء والعلماء الذين أولوا إحياء ذكر الإمام الحسين (عليه السلام) أهمية خاصة. بالإضافة إلى ذلك كانوا شديدي الاهتمام بإحياء ذكرى واقعة عاشوراء حيث كانت تغلب عليهم الوجوه الباكية والقلوب المنكسرة...

يتحدث عطار النيشابوري موضحاً الحالات العرفانية للإمام الباقر (عليه السلام)، حين سأله عن بكائه فأخبره الإمام (عليه السلام) بأن يعقوب ابيضت عيناه من البكاء حين فقد ولده يوسف فكيف بمن فقد عشرة من أجداده أي الحسين (عليه السلام) وقبيلته في كربلاء1.

من جهة أخرى فإن إقامة مجالس العزاء وذكر المصيبة وقراءة الشعر والمراثي من جملة العبادات التي يترتب عليها الكثير من الثواب عند الله تعالى.

عن زيد الشحام قال: "كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) ونحن جماعة من الكوفيين فدخل جعفر بن عفان على أبي عبد الله (عليه السلام) فقربه وأدناه ثم قال: يا جعفر، قال: لبيك جعلني الله فداك، فقال: بلغني إنك تقول الشعر في الحسين (عليه السلام) وتجيد، فقال له: نعم جعلني الله فداك، فقال: قل، فأنشد فبكى (عليه السلام) ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته، ثم قال: يا جعفر والله لقد شهدك ملائكة الله المقربين ها هنا يسمعون قولك في الحسين، ولقد بكو كما بكينا أو أكثر ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعتك الجنة بأسرها وغفر الله لك، فقال: يا جعفر ألا أزيدك؟ قال: نعم يا سيدي، قال: ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به إلا أوجب الله له الجنة وغفر له"2.

وقد ذكر التاريخ أن الإمام السجاد (عليه السلام) كان شديد الاهتمام بهذا الأمر وكان في كل مناسبة يتذكره والده الشهيد فيبكى ويبكي من حوله.

يقول خاتم المحدثين العلامة الحاج الميرزا حسين النوري الطبرسي (رحمه الله): "لا يخفى على البصير أن ابكاء الشيعة والمؤمنين على مصائب آل محمد (صلى الله عليه وآله)، من العبادات المؤكدة والمستحبات المرغوبة، وقد أمر بذلك ورغبوا فيه وكان لهم عليه الأجر والثواب.

وجميع المكلفين مشمولون بهذا الأمر وكل حسب استعداده فيستحقون الثواب بعد الامتثال. فأصل البكاء على تلك المصائب من أعظم العبادات وأجَلّ المثوبات3...

ويتحدث الحكيم الشهيد مرتضى مطهري حول أهمية احياء النهضة الحسينية ودور الشعراء وقراء العزاء: "أراد الأئمة (عليهم السلام) أن تبقى ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) مشعلاً ومذهباً مضيئاً إلى الأبد. وهذا عبارة عن نور من الحق، من حقيقة المحبة ومن إرادة الحقيقة. وهذا نداء لطلب الحق والحرية. وأرادوا لمذهب الحرية ومذهب مواجهة الظلم هذا أن يبقى إلى الأبد. وقد أدى وجود هذا الأمر في زمن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) إلى ظهور تيار فعال وثوري، فأصبح اسم الإمام الحسين (عليه السلام) شعار الثورة على الظلم وظهر شعراء كثيرون كالكميت الأسدي ودعبل الخزاعي...

هل تعلمون من هو دعبل الخزاعي؟ وهل تعلمون من هو كميت الأسدي؟ كانا قارئي عزاء، ولكن ليس كما أقرأ أنا، كانا شاعران ينشران المراثي... كان الكميت الأسدي بأشعاره أكثر ضرراً لبني أمية من جيش بأكمله"4.

نماذج من قراءة بعض العلماء للعزاء الحسيني:

بعد شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) عمل الشعراء والعلماء والوعاظ وعظماء الدين والمعرفة والعرفان على ايجاد شرارات الحزن والغم في قلوب الشيعة من خلال النصوص الحزينة، وكانوا بتواضعهم يقرأون العزاء ويذكرون المصائب فيبكون ويبكي الحاضرون. وفيما يلي نشير إلى بعض الحالات:

1 في أيام إقامة آية الله البروجردي (رحمه الله) في قم جاءه أحد الفضلاء وسأله إن كان قد صعد المنبر وقرأ العزاء. فأخبره بأنه صعد المنبر أيام إقامته في بروجرد حيث قرأ العزاء وكانت قراءة جيدة5.

2 يذكر أن المرحوم الشيخ عباس الطهراني لم يكن في مدة من عمره من قراء العزاء إلا أن رؤيا صالحه جعلته من القراء ومن اللذين يذكرون مصائب أهل البيت (عليهم السلام). يقول:
"لم أكن ممن يرتقي المنبر، في إحدى الليالي رأيت في المنام أن سيد الشهداء ممدداً على الأرض في إحدى الغرف وهناك مجموعة من الأشخاص يهمون بالهجوم عليه. كنت واقفاً في تلك الغرفة ولم أمتلك قدرة الدفاع عنه. استيقظت من النوم خائفاً وحاولت تفسير المنام بنفسي فاعتبرت أنني افتقد القدرة على البيان مع أنني يمكنني الدفاع عن سيد الشهداء (عليه السلام) بالبيان، لذلك بدأت ارتقي المنبر شيئاً فشيئاً".

استمر الشيخ عباس بجهوده حتى وصل إلى مرحلة أصبح فيها من المدرسين الأساسيين لقراء العزاء وفي الوقت عينه كان يشجع الآخرين على ذلك بالأخص الشباب.

كان الشيخ عباس يفتخر بكونه قارئ عزاء وينقل عنه قوله: كنت أقرأ العزاء أيام عاشوراء في مجلس آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري، وفي احدى الأيام توجهت إلى الصيدلية لدفع المستحق عليَّ من الأموال، هناك شاهدت الدفتر وقد كتب عليه: الشيخ عباس قارئ العزاء، فقلت لنفسي يكفيني هذا الفخر والمقام6.

3 قيل حول العالم الرباني آية الله معصومي همداني (رحمه الله): "كان شديد العلاقة بالتوسل بأهل البيت (عليه السلام) وكان عندما يرتقي المنبر يولى ذكر المصائب أهمية كبيرة. في أحد الأيام طلب منه أحد الأشخاص التقليل من ذكر المصيبة والتركيز على المطالب الأخرى حيث تكون استفادة الناس أكبر، عند ذلك قال له: سأقلل من المطالب وأزيد من قراءة العزاء"7.

4 قيل في أحوال العالم الجليل القدر المرحوم الأخوند الدربندي وهو من تلامذة شريف العلماء: "كان شديد الاهتمام بذكر مصيبة سيد الشهداء (عليه السلام) وكان كثير المواظبة على ذلك، وكان يغمى عليه على المنبر من شدة بكائه. وفي أيام عاشوراء كان يخلع ملابسه ويرتدي قطعة من القماش وينثر التراب والوحل على رأسه وبدنه ثم يصعد المنبر بهذه الحالة لقراءة العزاء"8.

5 كان المرحوم الميرزا علي آغا الشيرازي شديد الحب والارتباط بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام)، وكان قارئاً للعزاء بالإضافة إلى كونه فقيهاً، حكيماً، عارفاً، طبيباً وأديباً. كان يرتقي المنبر ويعظ الناس ويذكر المصيبة.

وكان كل من يستمع إلى مواعظه يتحول ويتغير، وكان يتحدث حول الله تعالى والآخرة وهو في الوقت عينه يعيش حالة تحول روحي ومعنوي.

كانت الدموع تنهمر من عينيه كلما ذكر اسم الرسول (صلى الله عليه وآله) أو الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان يرتقي المنبر أيام عاشوراء في منزل آية الله البروجردي حيث كان أغلب الحاضرين من أصحاب العلم ومع ذلك كان يؤثر عليهم9.

6 يقول المرحوم آية الله معصومي همداني: "في البداية كنت أخجل من نفسي عند ارتقاء المنبر، كنت أظن بأنني غير لائق لذلك وكنت أخاف ان لا يكون ذلك مقبولاً، وفي احدى الليالي شاهدت المرحوم الشيخ جعفر الشوشتري (رحمه الله) في المنام وكان يركب حماراً، خاطبني قائلاً: امسك رسن الحمار لأذهب وارتقي المنبر ثم أعود. استيقظت من النوم وبدأت اطمئن إلى أن المجلس الذي أشارك فيه مقبول إن شاء الله لأنني كنت أمسك رسن مركب محب لأهل البيت (عليهم السلام)"10.

7 كان المرحوم جعفر الشوشتري من جملة المبلغين العظماء الذين كانوا يمزجون بين الوعظ والمراثي، يقول الشيخ جعفر: "رجعت إلى الوطن بعد الانتهاء من الدراسة والحصول على درجة الاجتهاد في النجف الأشرف حيث بدأ التبليغ، وبما أنني لم أكن امتلك مهارة خاصة في الوعظ، لذلك كنت أتحدث حول مطالب من تفسير الصافي في شهر رمضان ومقاطع من كتاب "روضة الشهداء" ولحسين الكاشفي في أيام عاشوراء. أمضيت السنة الأولى على هذا المنوال وقد وصل محرم، فقلت في نفسي إلى متى سأبقى أقرأ من الكتب؟ كنت شديد الانزعاج، لذلك استسلمت للنوم فرأيت في المنام وكأنني في كربلاء وقد نزلها الإمام الحسين (عليه السلام)، تقدمت نحو خيمة الإمام (عليه السلام)، دخلت وسلمت، أشار الإمام إليّ أن أجلس إلى جانبه ثم طلب من حبيب بن مظاهر أن يحضر لي طعاماً لأنني ضيف عندهم، نهض حبيب وأحضر طعاماً وضعه أمامي، تناولت بعض الشيء منه، ثم استيقظت من النوم وما زلت أعيش بركات تلك اللقيمات القليلة التي تناولتها على تلك السفرة المباركة"11.

* رحيم كاركر-بتصرّف


1- تذكرة الأولياء، ص423.
2- وسائل الشيعة، ج4، ص594، ح19885.
3- لؤلؤ ومرجان، ص13.
4- عشر أحاديث، ص251 ـ 252.
5- مجلة الحوزة، العدد 43 و44، ص331.
6- عارفان، سالكان، ص79 ـ 80.
7- مثل سليمان، ص91، نقلاً عن مئة وعشرون حديثاً، ص34.
8- سيماء الصالحين، ص184 وقصص العلماء، ص109.
9- العدل الإلهي، الشهيد مطهري، ص237.
10- مثل سليمان، ص90.
11- مجالس المواعظ، المقدمة، ص24؛ حياة الشيخ الأنصاري، ص160.

02-11-2013 | 14-00 د | 3445 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net