الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
الترغيب والترهيب ركنان أساسيان في التبليغ
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم

"المبلغ" شخص ينقل للمخاطب رسالة "الترغيب" أو "الترهيب" بوسائل تبليغية متنوعة. الخوف والرجاء جناحان يطير بهما الشخص إلى قمة الهدف، وهما ركنان أساسيان في التبليغ بحيث إذا كان أحدهما ناقصاً لم يتمكن المبلغ الوصول إلى النتيجة المطلوبة، لا بل يأخذ بيد المستمع إلى وادي الضلال والهلاك.
 
v   البشارة والانذار في القرآن الكريم واللغة:

استعملت البشارة والتبشير في القرآن الكريم على معنيين:

1 ـ بمعنى البشارة والخبر السّار، جاء في القرآن الكريم قول الله تعالى: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ1، ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللهِ فَضْلً2.

2 ـ بمعنى صرف الأخبار والاطلاع من دون أن يتضمن فحوى البشارة والخبر السار. يقول الله تعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمً3، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ4.

ليس صحيحاً ما ذكره بعض قدماء المفسرين بأن الله تعالى استعمل هنا التهكم وقد استعمل هذا التعبير بقصد الاستهزاء.
ويظهر من خلال الالتفات لآيات القرآن الكريم أن للبشارة والتبشير معنىً آخر أيضاً وهو عبارة عن: صرف الأخبار والاطلاع ونظائرهما، ولا يوجد ما يدل على ما من شأنه وجود قيمة أو جانب ايجابي أو أخبار بأمور سارة.
وقد استعمل هذا المعنى ثلاث مرات في القرآن الكريم:
1 ـ ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ5.
2 ـ ﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ6.
3 ـ ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ7 تجدر الإشارة إلى أن بعض التفاسير أمثال تفسير الجلالين وترجمة "شاه ولي الله دهلوي" قد تحدثا عن التبشير بالمعنى الذي ذكرناه. ويؤكد ابن منظور متحدثاً عن رأي ابن سيدة أن التبشير قد يكون بالخير وقد يكون بالشر8.

ونقل صاحب تاج العروس المعنى  ذاته عن الفخر الرازي الذي بحث في الآية الشريفة فاعتبر أن التبشير في اللغة مخصوص بالخبر الذي يؤدي إلى السرور مع أنه في أصل اللغة عبارة عن الخبر الذي يظهر على لون الوجه وما يحدث فيه من تغيير. وهنا يتضح أن الحزن كالسرور يؤدي إلى هذا التغيير في الوجه. لذلك يجب أن يكون لفظ التبشير في كلا المعنيين موجوداً بالوضع الحقيقي ويؤكد قول الحق تعالى هذه النقطة حيث قال: ﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يعتقد بعض اللغويين أن التبشير هنا بمعنى الأخبار والقول الأول أكثر قبولاً. أما الفخر الرازي فيعتقد بأن التبشير هنا هو الأخبار بالأمر القبيح أو هو مطلق الخبر9.

أما التبشير في اللغة فعبارة عن "أخبار فيه سرور"10.
 
v   الانذار أو الترهيب

استعملت كلمة الانذار والكلمات المشتقة من المادة عينها 125 مرة في القرآن الكريم وقد ذكر "معجم مفردات ألفاظ القرآن" معناها، فجاء فيه: "والانذار إخبار فيه تخويف كما أن التبشير فيه سرور"11.

يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ12. ويتضح من هنا أن الانذار عبارة عن الأخبار بما يؤدي إلى الخوف في المستقبل. وقيل أيضاً أن الانذار هو الاخافة من مخوف ذو سعة من الوقت ليتم الاحتراز منه إذا لم يكن زمانه واسعاً أطلق عليه "الاشعار"13.
 
v   الأسلوب التربوي للتبليغ

يجب الابتعاد في مسألة "التعليم والتربية الإسلامية" عن الترغيب والتنبيه الصرف، هذا إذا أردنا ايجاد روحية متعادلة ومتوازنة وصحيحة ومنطقية. لأن الاكتفاء بالترغيب والتنبيه يؤدي إلى أضرار بالغة على مستوى روحيات الأفراد.

وتستلزم التربية الرضوخ للتكاليف وهذا يؤدي إلى زوال الرغبة. لذلك يجب العمل من أجل قبول التكليف المبني على الرغبة. ولعل التبشير هو أحد الوسائل التي يتحقق بها هذا الأمر.

والتبشير هو البشارة بالعطايا والهدايا التي يستحقها الفرد بعد انجاز التكاليف. وتخلق البشارة الأمل في وجود الإنسان وتجعله مستعداً لقبول المشقات. وقد استفاد أنبياء الله تعالى من هذا الأسلوب باعتبار أنهم مربون لذلك أطلق عليهم جميعهم عبارة "المبشر"، فبذلوا جهوداً لاحياء الأمل في قلب الإنسان عن طريق البشارة: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ14.

هذا هو الأمل الذي يجعل المؤمنين ينهضون وسط الليل للعبادة والدعاء. ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا... وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ15.

والبشارة التي استفاد منها أنبياء الله تعالى واسعة تشتمل على الأشخاص المتقدمين والمشهورين وكذلك خفاف النفوس أي الذين كانت عبادتهم عبادة التجار، فالأنبياء يبشرون الناس بالجنة ﴿... وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ16 وهنا مسألة هامة يجب التأمل فيها وعدم الغفلة عنها.

عندما نفكر في التربية فإننا في الغالب تشتغل أذهاننا بالحالة المثالية مع أن البشارة تبين لنا أن نطاقها يجب أن يكون واسعاً بحيث يشتمل على كل إنسان في أي مرتبة كان. والله تعالى لم يحدث جميع الناس عن الرضوان بل تحدث وخاطب الجميع بأمور: ﴿وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ17.

﴿وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ18.

و﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ19.
 
v   التبشير والتشجيع

التبشير والتشجيع مختلفان عن بعضهما البعض على رغم ما يظنه البعض من مشابهة بينهما. التبشير يكون قبل العمل أو معه والتشجيع بعد العمل. وعلى هذا الأساس التبشير ناظر إلى المستقبل والتشجيع إلى الماضي.

وتأثير التشجيع أكبر من التبشير ولكن الشخص الذي يقبل التبشير يكون أكثر معرفة لأن الحركة الناتجة عن التبشير تستلزم نوعاً من الالتفات إلى النفس والمستقبل. وكلما كان الشخص صغير العمر كان التبشير عنده قصير المدة20.
 
v   الأسلوب التربوي للانذار

الانذار هو اخبار فيه خوف21. من جهة أخرى فإن استعدادات البشر متفاوتة لا بل وتتغير استعداداته حسب مراحل الحياة المختلفة. وهذا يعني عدم القدرة على اقامة علاقة تربوية واحدة مع مختلف الأفراد أو مع فرد واحد في مراحل الحياة المختلفة، بل يجب الالتفات إلى مسألة الاستعدادات الكامنة عند الأفراد في كل مرحلة من مراحل الحياة.

الانذار أصل مبني على أن الله تعالى سيجازي الأفراد بسبب المعاصي والأعمال القبيحة التي صدرت منهم ولكن العدل يقتضي الاطلاع على الجزاء قبل وقوعه. فالشخص الذي يستحق الجزاء هو الذي يأتي بالمعصية عالماً عامداً، وهذا يعني أن الذي يأتي بها نتيجة النسيان لا يستحق الجزاء.

الانذار هو الوسيلة التي يتم بواسطتها الحصول على المعرفة والعلم. وهذا يعني أن الذي يأتي المعصية بعد الانذار يستحق الجزاء، فالجزاء الإلهي مطابق للعدل ولا يحصل من دونه. تحدثت آيات القرآن الكريم حول هذه المسألة أيضاً: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ * ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ22 ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ23.

وقد استعمل القرآن الكريم هذا الأسلوب بشكل واسع حتى أنه تم تعريف القرآن على أنه نذير للبشر: ﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ24. وأطلق  على الرسول الأكرم (ص) اسم النذير: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ25.

بناءً على ما تقدم ينبغي أن يعمد المربي إلى معرفة أعمال المتربي والآثار التي تترتب على ذلك، فيطلعه على عواقب أعماله ويحذره منها26.
 
v   دور "التبشير" و"الانذار" في التبليغ

لا يخفى على أحد تأثير التبشير والانذار (الترغيب والترهيب) في مسألة تبليغ معارف وأحكام الدين. ويظهر الأثر السلبي لهذين الأمرين عندما يتبع المبلغ الترغيب فقط أو الترهيب فقط أو أن يكون مفرطاً فيهما مما يترك آثاراً سلبية واسعة على المستمع: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرً27 والعديد من الآيات الأخرى التي تشير إلى وظيفة الأنبياء الحساسة والخطيرة.

لا ينبغي أن يكون الترغيب لمجرد الارشاد فقط فلو أصبح الشخص على أمل نتيجة الترغيب فقد يؤدي الأمر إلى التقليل من عمله وقد يرتكب بعض المعاصي على أساس أنه مرتاح البال ومطمئن من خلال الأمل الذي حصل عليه.

يعتقد بعض أتباع السيد المسيح أن نبيهم فداء لمعاصيهم، فيتحركون نحو المعاصي مطمئني البال لعدم تعرضهم للعقاب لأن المسيح قد ضحى بنفسه فداءً لما يرتكبون ثم أنهم قد يتمكنون من شراء الجنة وطلب العفو على ما يرتكبون. نقرأ في قاموس "الكتاب المقدس": "الفداء يشير إلى كفارة دماء السيد المسيح العظيمة حيث حملت تلك الدماء جميع معاصينا، فتحملها عندما عُلقَ جسده على الصليب".

أما القرآن الكريم فقد رفض هذه المدعيات واعتبر: ﴿فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ28.

إن تقوية روحية الرجاء والخوف عند الشخص يجعله مراقبا لنفسه وبعيداً عن الأهواء. أما المبالغة في الاضافة فتؤدي إلى اليأس عند الأفراد. لذلك لا ينبغي ترغيب الناس فقط ولا ترهيبهم فوق المستوى المطلوب، بل يجب الترغيب والترهيب معاً وبشكل متساوٍ ومعتدل.

وإذا كان المطلوب العمل بالترهيب والترغيب بشكل معتدل، فإن القرآن الكريم قد استعمل هذه المفاهيم مع بعضها البعض، فنراه يتحدث حول البشير والنذير والانذار والبشارة في آية واحدة كما جاء في الآية 119 من سورة البقرة. وكقوله تعالى: ﴿إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ29 وهذا يشير إلى ضرورة رعاية الاعتدال بينهما30.

* س.م. الموسوي


1- سورة الصافات، الآية: 101.
2- سورة الأحزاب، الآية: 47.
3- سورة النساء، الآية: 138.
4- سورة التوبة، الآية: 3.
5- سورة النحل، الآية: 58.
6- سورة النحل، الآية: 59.
7- سورة الزخرف، الآية: 17.
8- لسان العرب.
9- القرآن الكريم، ترجمة خرمشاهي، التعليق على الآيات 58 ـ 59 من سورة النحل.
10- مفردات الراغب، ص508.
11- المصدر نفسه.
12- سورة الأحقاف، الآية: 21.
13- قاموس القرآن، ج7، ص42.
14- سورة العنكبوت، الآية: 36.
15- سورة الزمر، الآية: 9.
16- سورة الزخرف، الآية: 71.
17- سورة الواقعة، الآيتان: 21 ـ 22.
18- سورة الكهف، الآية: 31.
19- سورة الحجر، الآية: 45.
20- نظرة من جريدة إلى التربية الإسلامية، ص117.
21- المفردات.
22- سورة الشعراء، الآيتان: 208 ـ 209.
23- سورة فاطر، الآية: 37.
24- سورة المدثر، الآية: 36.
25- سورة الحج، الآية: 49.
26- نظرة من جديد إلى التربية الإسلامية، ص129.
27- سورة البقرة، الآية: 119.
28- سورة البقرة، الآية: 213.
29- سورة الأعراف، الآية: 188.
30- تفسير الأمثل، ج1، ص305.

28-06-2014 | 10-35 د | 2450 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net