الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
أهل الذكر
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله سبحانه: ﴿الَّذينَ آمَنوا وَتَطْمَئِنّ قُلوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهَ ألا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلوبُ1.

الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون، والله بلطفه وعنايته حذّر المؤمنين من الخسران، وبيّن أسبابه في قوله تعالى: ﴿يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا لا تُلـْهِكُمْ أمْوالُكُمْ وَلا أوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَاُولـئِكَ هُمُ الخاسِرونَ2.

فاُولى صفات أهل الذكر: الإيمان، ثمّ التقوى، لقوله تعالى: ﴿إنَّ الَّذينَ اتَّقَوْا إذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّروا فَإذا هُمْ مُبْصِرونَ3.

فالتذكّر هو الحدّ الوسط، مقدّماته التقوى، ونتيجته البصيرة والإبصار، فالمتّقي أهل الذكر صاحب البصيرة، يقف على حقائق الأشياء كما هي، بحسب الطاقة البشرية.

أهل الذكر هم اُولو الألباب والفكر والدعاء: ﴿الَّذينَ يَذْكُرونَ اللهَ قِياماً وَقُعوداً وَعلى جُنوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرونَ في خَلـْقِ السَّماواتِ وَالأرْضَ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّار4.

وهم أهل الصلاة: ﴿فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُروا اللهَ قِياماً وَقُعوداً وَعَلى جُنوبِكُمْ5 ﴿أقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْري6

إن  الشيطان الرجيم هو الذي يصدّ عن ذكر الله: ﴿إنَّما يُريدُ الشَّيْطانُ أنْ يوقِعَ بَيْنَكُمُ العَداوَةَ وَالبَغْضاءَ في الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدُّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ7

أتدري ماذا يقطف من يعرض عن ذكر الله ويغفل عن ربّه وينساه؟ ﴿نَسوا اللهَ فَأنْساهُمْ أنْفُسَهُمْ8

أتعلم ماذا يكون عاقبة المعرضين عن ذكر الرحمن؟ قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْري فَإنَّ لَهُ مَعيشَةً ضنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيامَةِ أعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَني أعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصيراً قالَ كَذلِكَ أتَتْكَ آياتي فَنَسيتُها وَكَذلِكَ اليَوْمَ تُنْسى9.
﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضُ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرينٌ10.

فعلى كلّ واحد منّا أن يكون من الذاكرين: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخيفَةً وَدونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الغافِلينَ11

وعلينا أن ننزّه أنفسنا من النفاق، إذ قال الله تعالى: ﴿إنَّ المُنافِقينَ يُخادِعونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإذا قاموا إلى الصَّلاةِ قاموا كُسالى يُراؤونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرونَ اللهَ إلاّ قَليل12

فالعبد والمحبّ حقّاً من كان يذكر معبوده ومعشوقه ومحبوبه دوماً، ولا يغفل عن ذكره طرفة عين، وقد وعدنا الله سبحانه أن يذكرنا لو ذكرناه في قوله تعالى: ﴿فَاذْكُروني أذْكُرْكُمْ وَاشْكُروا لي وَلا تَكْفُرونَ13.

وإنّما يذكر الله من كان يرجو لقاء الله ويؤمن بالمعاد: ﴿لِمَنْ كانَ يَرْجو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثير14.

ونتيجة الذكر الفلاح: ﴿قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى15

ويكون من المتّقين الذين جاء في وصفهم في قوله تعالى: ﴿وَسارِعوا إلى مَغْفِرَة مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّة عَرْضُها السَّماواتُ وَالأرْضُ اُعِدَّتْ لِلـْمُتَّقينَ * الَّذينَ يُنْفِقونَ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكاظِمينَ الغَيْظَ وَالعافينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الُمحْسِنينَ * وَالَّذينَ إذا فَعَلوا فاحِشَةً أوْ ظَلَموا أنْفُسَهُمْ ذَكَروا اللهَ فَاسْتَغْفَروا لِذُنوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنوبَ إلاّ اللهَ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلوا وَهُمْ يَعْلَمونَ * اُولـئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْري مِنْ تَحْتِها الأنْهارُ خالِدينَ فيها وَنِعْمَ أجْرُ العامِلينَ16

كما أنّ الشاعر المبدئي والفقيه الرسالي من استثناه الله عن الشعراء الذين يتبعهم الغاوون، فقال سبحانه: ﴿وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوونَ ﴿ألَمْ تَرَ أ نَّهُمْ في كُلِّ واد يَهيمونَ * وَأ نَّهُمْ يَقولونَ ما لا يَفْعَلونَ * إلاّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصَّالِحاتِ وَذَكَروا اللهَ كَثير17

فلا بدّ من الذكر الكثير بكرةً وأصيلا، ولمثل هذا يطلب موسى كليم الله من ربّه وزيراً: ﴿وَاُشْرِكْهُ في أمْري كَيْ نُسَبِّحُكَ كَثيراً وَنَذْكُرُكَ كَثير18

ومن فلسفة العبادات هو ذكر الله سبحانه فهذا الحجّ في قوله تعالى: ﴿لِيَشْهَدوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُروا اسْمَ اللهِ في أ يَّام مَعْلومات19 ﴿فَإذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرو20.

وما أكرم اُولئك الذين وهبهم الله العقل فاستعملوه في موضعه العقل ما عُبد به الرحمن واكتسب به الجنان، وقال الله عنهم: ﴿إنَّ في خَلـْقِ السَّماواتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لآيات لاُولي الألـْبابِ الَّذينَ يَذْكُرونَ اللهَ قِياماً وَقُعوداً وَعَلى جُنوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرونَ في خَلـْقِ السَّماواتِ وَالأرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ21
﴿وَاذْكُرِ اللهَ كَثيراً وَسَبِّحْ بِالعَشِيِّ وَالإبْكارِ
22
﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً
23
﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتيل
24
﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأصيل
25
﴿فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُروا اللهَ قِياماً وَقُعوداً وَعَلى جُنوبِكُمْ
26
﴿إنَّما المُؤْمِنونَ الَّذينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلوبُهُمْ
27.
﴿الَّذينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلوبُهُمْ وَالصَّابِرينَ عَلى ما أصابَهُمْ
28.
﴿الَّذينَ آمَنوا وَتَطْمَئِنُّ قُلوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ ألا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلوبُ
29.

فالآيات في ذكر الله كثيرة، وما أكثر الروايات في ذلك، لم نتعرّض لها طلباً للاختصار.

وزبدة المخاض: أهل الذكر هم أولياء الله الكرام البررة، هم أهل القرآن الكريم، إذ من أسماء القرآن الذكر، لقوله تعالى: ﴿إنَّا نَحْنُ نَزَّلـْنا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحافِظونَ30
﴿كَلاّ إنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ31
﴿أوْ اُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِن32
﴿إنَّ الَّذينَ كَفَروا بِالذِّكْرِ لَمَّـا جاءَهُمْ وَإنَّهُ لَكِتابٌ عَزيزٌ33
﴿وَإنْ يَكادُ الَّذينَ كَفَروا لَيُزْلِقونَكَ بِأبْصارِهِمْ لَمَّـا سَمِعوا الذِّكْرَ34

وآيات اُخرى تدلّ على ذلك، كما إنّ من مصاديق الذكر الرسول الأعظم محمّد صلى الله عليه وآله كما ورد في الروايات.

وكذلك أهل الذكر هم الأئمة الأطهار عترة النبيّ المختار، ومن كان منهم يحذو حذوهم كسلمان المحمّدي، الذي قال في حقّه النبيّ صلى الله عليه وآله: سلمان منّا أهل البيت، ودليلنا على أنّ أتمّ مصداق لأهل الذكر هم أئمة الحقّ المعصومون من عترة النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله آيات من القرآن الكريم والروايات الكثيرة من النبيّ وأهل بيته عليهم السلام في كتب الفريقين ـ السنّة والشيعة ـ فمن الآيات قوله تعالى: ﴿في بُيوت أذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرُ فيها اسْمُهُ35.

ولقول النبيّ الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله في حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين: إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض36، فكلّ ما في القرآن من العلوم والمعارف فهو عند أهل البيت، وكلّ ما عندهم فهو في القرآن إلى يوم القيامة، إذ لن يفترقا في كلّ شيء. أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة، قالا: قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الآية: ﴿في بُيوت أذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعُ فقام إليه رجل فقال: أيّ بيوت هذه يا رسول الله؟  قال: بيوت الأنبياء. فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها ـ لبيت علي وفاطمة ـ؟  قال: نعم من أفاضلها.37

في بيوت نزل فيهم القرآن الكريم، وما هي بيوت حجارة ولا طين، إنّما هي بيوت الأنبياء والمرسلين، والعلماء ورثة الأنبياء، وأتمّ مصاديق العلماء هم أهل البيت ﴿عليهم السلام، ثمّ من يحذو حذوهم ويهتدي بهداهم ويقتدي بآثارهم ويتأسّى بهم، ولكم في رسول الله اُسوة حسنة.

عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام لقتادة: من أنت؟  قال: أنا قتادة بن دعامة البصري.

فقال له أبو جعفر الصادق عليه السلام: أنت فقيه أهل البصرة؟  قال: نعم. .. فسكت قتادة طويلا، ثمّ قال: أصلحك الله، والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدّامهم، فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم كما اضطرب قدّامك؟!!
فقال له أبو جعفر عليه السلام: أتدري أين أنت؟  بين يدي ﴿بُيوت أذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعُ، فأنت ثَمَّ، ونحن اُولئك.

فقال له قتادة: صدقت والله، جعلني الله فداك، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين38
 
* سماحة السيد عادل العلوي


1- الرعد: 28.
2- المنافقون: 9.
3- الأعراف: 201.
4- آل عمران: 191.
5- النساء: 103.
6- طه: 14.
7- المائدة: 91.
8- الحشر: 19.
9- ص: 124 ـ 126.
10- الزخرف: 36 ـ 38.
11- الأعراف: 205.
12- النساء: 142.
13- البقرة: 153.
14- الأحزاب: 21.
15- الأعلى: 15.
16- آل عمران: 132 ـ 136.
17- الشعراء: 234 ـ 237.
18- طه: 34.
19- الحجّ: 28.
20- البقرة: 200.
21- آل عمران: 190 ـ 191.
22- آل عمران: 41.
23- الأعراف: 205.
24- المزّمّل: 8.
25- الإنسان: 25.
26- النساء: 103.
27- الأنفال: 2.
28- الحجّ: 35.
29- الرعد: 28.
30- الحجر: 9.
31- المدّثّر: 55 + عبس: 12.
32- ص: 1.
33- فصّلت: 41.
34- القلم: 51.
35- النور: 36.
36- لقد ذكرت مصادر الرواية عند الفريقين والمقارنة بين القرآن والعترة بالتفصيل في كتاب " في رحاب حديث الثقلين "، فراجع.
37- ميزان الحكمة 3: 436.
38- ميزان الحكمة 3: 437.

17-10-2014 | 15-03 د | 1682 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net